ترجمة وتحرير نون بوست
ما الذي فعلته شركة فيسبوك بشأن حل مشكلة الأخبار الزائفة أو التدخل الأجنبي في الانتخابات أو خصوصية البيانات، كل هذه القضايا التي أزعجت الشركة وشوهت سمعتها منذ انتخابات 2016؟ للحكم من خلال سياستها الجديدة للإعلانات السياسية سنجد أن الجواب: لا شيء.
في يوم الخميس أعلن فيسبوك قواعد الشفافية الموسعة التي تسمح لمستخدميه بالتحكم في نوعية الإعلانات السياسية التي تظهر في صفحتهم، فبإمكاننا الآن ضبط وتيرة الإعلانات التي نراها وأن نمنع الإعلانات التي تأتي من مصادر لم نسمع بها من قبل، لكن ما لم تفعله القواعد الجديدة هو تنظيم الإعلانات نفسها.
ما زال السياسيون والمستشارون السياسيون وحلفاؤهم قادرين على الكذب والنفاق بحرية واستغلال اللغة للتلاعب بالناخبين وإرباكهم، تمامًا مثلما كانوا يفعلون منذ 4 سنوات، ما زال بإمكانهم ملء رؤوس الناخبين بالغضب الزائف وخلق فضائح لا أصل لها لتشويه سمعة المرشحين المعارضين لهم، وتسميم الخطاب السياسي للتخلص من الناخبين الذين يودون إبعادهم عن صناديق الاقتراع.
وكل ما يستطيع فيسبوك أن يقوله بخصوص الأمر هو: إذا كان لديك مشكلة مع ذلك فالأمر ليس بأيدينا أو حتى بأيدي المعلنين، الأمر يرجع إليك.
لنكن صادقين، عدد قليل من الناخبين – الذين يتعرضون بشكل كبير للتلاعب وتؤثر أصواتهم في نتيجة أي سباق – سيبحثون في إعدادات فيسبوك لاكتشاف قدرتهم على إلغاء اشتراكهم في خدمة الإعلانات، قد تبدو الشفافية أمرًا جيدًا، لكن إذا كان هذا هو ما يقصده فيسبوك بالشفافية فإنه يعد تلاعبًا واضحًا باللغة في خدمة الدعايا التي لا يجب أن ننخدع بها.
يجب أن يخضع فيسبوك لنفس القواعد والمسؤوليات التي يخضع لها أي ناشر آخر، فليس كافيًا أن يطلق على نفسه البوابة لمحتوى الآخرين وينفض يده من توابع ذلك
بدلًا من النظر بجدية إلى مسؤوليتهم كناشرين لكمية كبيرة من المعلومات في جو سياسي مشحون، نقل فيسبوك مسؤولية الأمر لمستهلكيه، وبشكل ما من المتوقع أن يعلموا ويفهموا نوعية المحتوى الذي قد يشاهدوه قبل أن يشاهدوه.
كيف يمكن للمستهلك العادي أن يعلم أي المعلنين يجب عليه حظرهم؟ هل سيكشف المعلنون الروس أنفسهم كمعلني أخبار زائفة لتسهيل الأمر؟ بالطبع لا، فحتى الناخبين المتعلمين جيدًا يكافحون لتفهم عقولهم تعقيدات المرشحين ونظام أرشفة الصور والاتصالات وقواعد الشفافية والدقة في الإعلانات السياسية، أما الناخب المتأرجح الذي لديه أسرة يعولها ويعمل في وظيفتين لتغطية النفقات ليس لديه أي فرصة لذلك.
يرغب فيسبوك أن يعمل في كلا الاتجاهين هنا، فمن خلال قانون الشفافية ترغب الشركة على الأقل في المرور بحركات السبر لتبدو بطلة التعديل الأول، وفي الوقت نفسه ترغب في جمع أكبر قدر من دولارات الإعلانات بأقل قدر من المراقبة الحكومية أو الداخلية، هذا التناقضل سيئ لصحتنا الديموقراطية ويجب أن لا ندافع عنه.
لكن هناك بارقة أمل فيما قاله المدير التنفيذي لفيسبوك مارك زوكربيرغ حيث أشار إلى أنه غير متأكد كذلك من وقوفنا إلى جانبه، وقال في منشوره الذي رافق البيان عن الإعلانات السياسية: “هناك عدد من المناطق التي أرى أنه من المفيد أن تضع فيها الحكومة قواعد واضحة سواء بخصوص الانتخابات أو المحتوى الضار أو الخصوصية ونقل البيانات، لقد طالبت بوضع تنظيم جديد لتلك المجالات خلال العقد القادم، وآمل أن نحصل على قواعد أوضح للإنترنت”.
إنه على حق، يجب أن يخضع فيسبوك لنفس القواعد والمسؤوليات التي يخضع لها أي ناشر آخر، فليس كافيًا أن يطلق على نفسه البوابة لمحتوى الآخرين وينفض يده من توابع ذلك، لم يكن فيسبوك محايدًا بشأن توزيع البيانات على موقعه مثله مثل أي جريدة تقليدية أو مجلة فير حيادية.
فالخوارزميات التي يستخدمها لاختيار من يرى المحتوى هو شكل من أشكال الرقابة التحريرية وبذلك يتطلب فرض معايير التحرير الأساسية، لا يجب أن يُسمح لفيسبوك بأن يلعب دور المضيف للأخبار الكاذبة والخبيثة أو أي شكل من أشكال المكائد السياسية أكثر مما هو مسموح لنيويورك تايمز أو سي إن إن.
لكن فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي يتمتعون بالحماية بموجب القانون الذي صدر قبل هذه الأحداث، فقد صدر قانون أخلاق الاتصالات عام 1996 أول مقدمي خدمات على الإنترنت مثل “Prodigy” و”AOL” من سلوكيات مستخدميه، لم يكن لأحد حينها أن يتصور التأثير المزعج لشبكات المعلومات على الإنترنت، ولم يكن أي شخص حينها يعلم حتى بمصطلح “وسائل التواصل الاجتماعي”.
يعد البند 230 من القانون ورقة التوت التي يتخفى وراءها فيسبوك وجوجل وغيرهم من عملاقة الإنترنت بعد أن أصبح من المفروض استدعاؤهم في العلن، حتى إن جماعات الضغط الخاصة بهم تمكنت من تسريب تلك الحماية التي يمنحها القانون لاتفاقية التجارة الحرة بين المكسيك وكندا وأمريكا ويعارضها بعض أعضاء الكونغرس، فقد قالت نانسي بيلوسي بعد تمرير الاتفاقية: “لقد خسرت، إنها هدية حقيقية للتكنولوجيا الكبيرة”.
إن فيسبوك ليس حائطًا إعلانيًا أو مساحة تعبير مجانية تمنح للجميع صوتًا، إنها شركة خاصة تعطي الأولوية لمصالحها الخاصة على أمن مستخدميها، وإعطاء الضوء الأخضر للإعلانات الكاذبة والمضللة التي تستطيع وقفها بسهولة أكبر مثال على ذلك، لقد حان الوقت كي يأخذ الكونغرس بكلمة زوكربيرغ ويعيد تصنيف فيسبوك وعمالقة التواصل الاجتماعي الآخرين، ليس كبوابات بل كناشرين.
المصدر: ذي هيل