“روسيا تستخدم الهدنة كتكتيك عسكري، في حال صعوبة تحقيق المهام القتالية على جبهات معينة. وفي الفترة الأخيرة لم تتقدم ميليشيات النظام على التقدم رغم شراسة المعارك والدعم الروسي لها”، هكذا يرى النقيب في الجيش السوري الحر عبد السلام عبد الرزاق أسلوب نظام الأسد وحليفه الروسي في الإعلان عن الهدن أو الموافقة على مبادرات وقف إطلاق النار.
أما عن طرف المعارضة، فيرى النقيب أن الفصائل الثورية غالبًا في حالة الدفاع، لأسباب عدة أهمها ضعف الإمكانات بالسلاح والعتاد بسبب قلة الدعم، إضافة إلى تخفيف معاناة المدنيين الذين تعتبرهم روسيا والنظام أهدافًا لضرباتهم الجوية، ومن هنا يتم قبول الهدن.
لا جدية لدى نظام الأسد وحليفه الروسي في الهدن المعلنة بمناطق خفض التصعيد شمال غرب سوريا، فرغم تكرارها، باتت حبرًا على ورق لا أكثر، وليست إلا “استراحة محارب” لإعادة ترتيب صفوف قوات النظام مجددًا.
وقبل أيام سيطرت قوات النظام مدعومة بغطاء جوي روسي على أجزاء واسعة من ريف إدلب الجنوبي والشرقي، لتحقيق هدفهم في السيطرة على مدينة معرة النعمان التي باتت تحت نيران الطيران الروسي والمدفعية البرية، التي ساهمت بنزوح الآلاف من المدينة نحو العراء، ولا يشك ناشطون سوريون في أن النظام وروسيا سيفتحان النار مجددًا من محاور عسكرية جديدة ويتقدمان على مناطق واسعة متى ما أتيح لهم ذلك، حتى مع لو كانت الهدنة معلنة.
عن هذا الموضوع يؤكد العقيد رياض الأسعد مؤسس الجيش الحر أن الهدن مع النظام هي امتصاص لغضب بعض الناس الذين يتعاطفون مع ما يجري في سوريا، ولكي يرتب النظام الصفوف ويستكمل النقص البشري والعتاد العسكري ومعاودة الهجوم مرة أخرى، وهو المستفيد الأكبر من الهدن الوهمية، والتجارب السابقة أكبر دليل.
ويضيف الأسعد في حديثه لـ”نون بوست”، أن “كل الهدن التي أعلنها النظام لم يلتزم بها، ويحاول إيجاد الذرائع لنفسه، ولم يتوقف القصف على المعرة وريفها بالمدفعية والصواريخ طوال اليوم الذي يفترض أن تكون الهدنة سارية فيه”، وأكد قائلًا: “النظام يعزز نقاطه بريفي حلب الجنوبي والغربي، حيث استقدم أحدث الآليات العسكرية للمناطق المحاذية لتلك الجبهات، وهو بهذه الاتفاقيات يعول على عامل الزمن واستخدام سياسة التضليل الإعلامي والضغط النفسي وامتصاص الغضب وتفريغه ومعاودة تنفيذ المجازر مجددًا بحق المدنيين”.
تحرير الشام: الهدن لا وجود لها على أرض الواقع، وإنما هي مجرد دعايات كاذبة تطرحها روسيا ونظام الأسد
بينما اعتبر الأسعد أن الفصائل قيدت نفسها وأصبحت تعمل ضمن إطار محدد وتكتيك خاضع لاتفاقيات شاركت بها، وإلى الآن ما زالت لا تستطيع الخروج عن إطارها، وهذا لا يعني أن الفصائل لا تستطيع المبادرة من جديد، إذ لديها خيارات عدة يمكن استغلالها لصالحها، وهذا يحتاج إلى امتلاك الإرادة الحقيقية والتخلص من تبعات الاتفاقيات التي قيدتها، وأصبحت لا تملك القرار لأسباب كثيرة داخلية وخارجية ساهمت في الخسارة على الجبهات كافة من حلب مرورًا بحمص والقلمون والغوطة ودرعا ولن يتوقف التدهور الذي وصلت إليه إذا لم تستأنف نشاطها الثوري.
وفي اتصال هاتفي مع “نون بوست” قال القيادي أبو خالد الشامي المتحدث باسم الجناح العسكري في هيئة تحرير الشام، إن “الهدن لا وجود لها على أرض الواقع، وإنما هي مجرد دعايات كاذبة تطرحها روسيا ونظام الأسد”، وأضاف “الدفاع عن المناطق المحررة مسؤولية الجميع، وتبني المقاومة هو الحل الوحيد أمامنا، حيث سقطت جميع الحلول الكاذبة الأخرى، من المسارات السياسية المضللة والمفاوضات العبثية، وصار الركون إلى المسارات السياسية ضربًا من الجنون واللاعقلانية وأيقن أبناء الثورة أن لا ثقة إلا بالسلاح الذي يحملونه”.
ونفى القيادي في تحرير الشام أن تركيا طلبت من الهيئة حل نفسها منذ بداية تأسيس هيئة تحرير الشام، ولم يطرح هذا الأمر على قيادة الهيئة أبدًا، “هذه الخدع ما عادت تنطلي على صغار المحرر قبل كباره وعقلائه، فالمشكلة لدى النظام ليست في هيئة تحرير الشام، وإنما مشكلته مع الثورة السورية”، وأكد أن خيار الهيئة هو المقاومة حتى الرمق الأخير.
قحطان الدمشقي قيادي مقرب من الفصائل المعارضة في محافظة إدلب قال لـ”نون بوست”، إن نظام الأسد “يبدأ الآن بنقل عتاده وجنوده إلى جبهة أخرى، ويجمد جبهة ريف إدلب الجنوبي الشرقي مؤقتًا، ليختار هو والروس ساحة معركة جديدة للوصول بالنهاية لأهدافه المرحلية، وأبرزها في الوقت الحاليّ أرياف حلب الغربية والشمالية”، وأضاف “يسعى النظام إلى تأمين الطريق الدولي وسط ضعف تكتيكي وعسكري للفصائل في الشمال السوري، يعززه حالة التشتت والوهن السائدة، وغياب التنسيق والتعاون بين الفصائل، إضافة لتأثر الفصائل الكبرى صاحبة النفوذ والعتاد بالقرارت، وعجز الفصائل الصغيرة عن تغيير معادلة الحرب والتأثير بواقعها بسبب ظروفها الداخلية”.
واعتبر القيادي أن تكرار الهدن هو تنفيذ لأوامر أو سياسة عامة لبعض الدول التي تؤثر بقرار فصائل المعارضة، بينما الفصائل السورية لا تريد تفهم الموقف التركي، إذ إن تركيا دولة يهمها مصالحها القومية وهذا حقها، ولا يجب أن تطلب المعارضة من تركيا أمورًا لا تستطيع أن تفعلها، وأكد أن “فصائل المعارضة لديها أوراق كثيرة يمكن أن تستخدمها وهي بذلك تقوي الموقف التركي تجاه روسيا، لكنها اتكالية بمواقفها”.
وقال القائد الميداني في فصائل المعارضة بريف إدلب لـ”نون بوست”: “في الغالب سيبدأ النظام بعد هذه الهدنة بفتح محور ريف حلب الغربي والجنوبي، وقد يتوسع نحو الريف الشمالي (عندان وما حولها)”، وبشكل دائم تبرر الفصائل قبولها الهدنة علمًا أنها تعرف نوايا النظام، ولا تستطيع المبادرة، وهذا تبرير غير موفق، كما أن تركيا ترغب بهدنة في إدلب للتفرغ إلى ترتيب أوراق ليبيا، ولذلك نرى الهدنة حصلت في نفس الوقت مع الأنباء عن هدنة مماثلة في ليبيا.
تبرز هنا صعوبة محور ريف إدلب الجنوبي الشرقي التي دفعت إلى توقف هجوم النظام، خاصة بعد الخسائر التي تكبدتها قواته في المنطقة، أما عن المحاور القادمة التي يتوقع أن يفتحها النظام ستكون ريف حلب الغربي لتأمين مدينة حلب من هجمات وضربات الفصائل، فروسيا تحاول إقحام ميليشيات إيران بمعركة ريف حلب، فحلب معقل ميليشيات إيران، وذلك للاستفادة منها في تشتيت جهود المعارضة وإضعاف نفوذ إيران وقوتها بحلب، رغم أن معركة حلب هي الأخطر على المدنيين، فالميليشيات تتخذ من بيوت المدنيين وأحياء حلب الغربية خط دفاع أول وستكون أطراف المدينة ساحة للمعركة الأولى.
وبهذا تكون الهدن التي جرت خلال الأعوام القليلة الماضية ما هي إلا عملية إعادة ترتيب صفوف النظام وتغيير في الإستراتيجية لقضم مناطق أخرى، ولذلك باتت قوات النظام أكثر صلابةً في وجه المعارضة التي لا تأخذ على عاتقها مسؤولية الحفاظ على ما تبقى من معقلها الأخير بالدرجة الأولى ثم استعادة أراضي المهجرين والنازحين.