“الأصالة والمعاصرة” المغربي.. هل يمسك طوق النجاة؟

DcHx4bXXcAUBX7J

عقب شهور من الصراعات التي هددت وحدة “الأصالة والمعاصرة” وكادت تفجره من الداخل، يستعد هذا الحزب المغربي لولادة جديدة تتسم بطي صفحة الخلافات وبدء صفحة جديدة، بعد اتفاق قياداته على الموعد النهائي لعقد المؤتمر الوطني الرابع، إذ تحركت الآلة التنظيمية بشكل مستعجل لضبط النفس ولم شمل عائلة الحزب الذي يعول على انتخابات 2021 لزحزحة غريمه السياسي، حزب العدالة والتنمية عن المركز الأول. 

قوة مُستمدة من الترحال السياسي 

في غضون أشهر قليلة من إعلان ميلاده في أغسطس/آب 2008 تمكن “الأصالة والمعاصرة” من تشكيل أكبر كتلة في البرلمان بفضل استقطاب عشرات البرلمانين من أحزاب أخرى، وفي العام الموالي شارك الحزب في الانتخابات البلدية يونيو/حزيران 2009 واستطاع تبوء المرتبة الأولى بـ6032 مقعدًا، أي بنسبة تفوق 21%، بالمقارنة مع 7% فقط لصالح العدالة والتنمية. 

وأشارت أصابع الاتهام آنذاك إلى وزارة الداخلية على أنها “عبدت الطريق” لحزب الأصالة والمعاصرة من خلال تعبئة الأعيان والمسؤولين المحلين وإحداث حركة انتقالية في صفوف بعض الولاة والعمال المقربين من الحزب. 

طموحات معلقة مؤقتًا 

سيندلع الربيع العربي في 2011 وتخرج حركة 20 فبراير إلى شوارع المغرب للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، ومن بين الشعارات التي صدعت بها الأصوات تلك إبعاد بعض رموز الأصالة والمعاصرة المقربين من القصر، فاستقال فؤاد عالي الهمة من الحزب الذي أسسه دون إشارات أولية أو نقاش داخلي بين القيادات، وعينة الملك محمد السادس مستشارًا له، فكان وقع المفاجأة قويًا على أعضاء الحزب، إذ أربكت حسابات العديد منهم، فعُلقت طموحات الأصالة والمعاصرة على نحو مؤقت. 

صورة

قاد فؤاد عالي الهمة حملته الانتخابية بعدما ترشح بصفة “لا منتمٍ” بالانتخابات البرلمانية في 7 من سبتمبر/أيلول 2007، وبعد فوزه أعلن تأسيس “حركة لكل الديمقراطيين” التي أصبحت تعرف باسم حزب الأصالة والمعاصرة.  

منذ ابتعاد فؤاد عالي الهمة عن شؤون المطبخ الداخلي للأصالة والمعاصرة، استمر الحزب يتخبط في العديد من المشاكل التنظيمية، التي لم ينجح الأمين العام آنذاك محمد الشيخ بيد الله في حلها، وطالب الغاضبون منه بإبعاده قبل حلول موعد الانتخابات، فيما سارع العديد من المنتخبين المنضوين تحت لواء الحزب إلى الاستقالة، معلنين رغبتهم في الانضمام إلى حزب الحركة الشعبية الذي كان يتحكم أمينه العام آنذاك في مفاتيح وزارة الداخلية، وفي المقابل راهنت القيادات ذات الخلفية اليسارية على دعم مصطفى الباكوري (الأمين العام بين 2012 و2016) لتولي قيادة الأصالة والمعاصرة كحل وحيد لإنقاذه من السكتة القلبية. 

كبح تقدم الإسلاميين 

اتضح أن معركة الأصالة والمعاصرة تستهدف بالدرجة الأولى كبح تقدم حزب العدالة والتنمية الذي كانت نتائجه في الاستحقاقات تؤكد تنامي قوته، إذ تبوأ الحزب ذو المرجعية الإسلامية المركز الأول في الانتخابات البرلمانية 25 من نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بعد حصوله على 107 مقاعد في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) مما خوله قيادة الحكومة، في حين انضم حزب الأصالة والمعاصرة إلى صفوف المعارضة بعد أن حصل على المرتبة الرابعة بـ47 مقعدًا. 

جاءت الانتخابات البلدية 4 من سبتمبر/أيلول 2015 وحل الأصالة والمعاصرة مجددًا في المركز الأول بـ6655 مقعدًا مكتسحًا الجماعات القروية بالخصوص، بنفس نسبة التفوق السابقة 21%، فيما تلاه حزب الاستقلال في المركز الثاني بنسبة 16% (5106 مقاعد)، فكانت نتائجه كبيرة في الأقاليم الجنوبية (الصحراء)، وحل حزب العدالة والتنمية في المركز الثالث، بعد أن حصل على 5021 مقعدًا أي بنسبة 15%، محققًا بذلك نجاحًا في المدن الكبرى. 

صورة

لم ينجح الأصالة والمعاصرة في كبح تقدم الإسلاميين 

في العام الموالي، جرت الانتخابات البرلمانية في 7 من أكتوبر/تشرين الأول، وجاءت النتائج معكوسة، واستطاع العدالة والتنمية الاحتفاظ برئاسة الحكومة لولاية ثانية بعدما تبوأ المركز الأول بحصوله على 125 مقعدًا، أي بزيادة 18 مقعدًا مقارنة مع الانتخابات السابقة، فيما تلاه حزب الأصالة والمعاصرة بـ102 مقاعد (55 مقعدًا إضافيًا)، وبعدما كان يملك حزب الاستقلال 60 مقعدًا حصل على 46 مقعدًا في مجلس النواب. 

تحكم وانفراد بالقرار

قبل أن يختار الاصطفاف في المعارضة، حاول الأصالة والمعاصرة تشكيل حكومة أغلبية يقودها هو ولا تضم العدالة والتنمية، خلال اجتماع 8 من أكتوبر/تشرين الأول الشهير، الذي ضم كذلك حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتجمع الوطني للأحرار، بينما سيتحول هذا الأخير إلى خصم جديد للأصالة والمعاصرة. 

صورة

إلياس العماري 

أشارت أصابع الاتهام بالتحكم والانفراد باتخاذ القرار إلى إلياس العماري، فقرر الاستقالة من الأمانة العامة للحزب، إثر ذلك اجتمع بعض قيادييه من أجل تدارس سبل إرساء الديمقراطية، وقرر بعضهم دعم حكيم بنشماس لتولي زعامة الحزب خلفًا للعماري، لكن سرعان ما سيخلف الأمين العام الجديد بالوعود التي قطعها وسار على نهجه من سبقه، إذ طرد العديد من قيادييه الذين يختلفون معه في الرأي، فانفجرت أزمة داخلية سببها الأساسي تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة للحزب. 

صورة

حكيم بنشماس

نحو الخصم الجديد 

تتسارع التطورات وتعلن نخب سياسية منتمية إلى حزب الأصالة والمعاصرة في إقليم شفشاون (شمال البلاد) انضمامها إلى عملية ترحال جماعي نحو الخصم الجديد، حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود رئيسه عزيز أخنوش، جولات مكوكية بين الأقاليم في سياق حملة دعائية سابقة لأوانها من أجل تعبيد الطريق وتهيأة أرضية صلبة لدخول الحزب غمار الانتخابات المقبلة بحظوظ أوفر. 

صورة

عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار 

الترحال السياسي ممنوع دستوريًا، في الفصل 61 من الدستور المغربي 2011، “يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين بالبرلمان (مجلس النواب ومجلس المستشارين) كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي لها”، في حين أن دستور 1996 كان لا يمنع ذلك، بل ويضمن للسياسي حق اختيار لونه الحزبي، لكن مع ظهور حزب الأصالة والمعاصرة وتقويه بفضل الترحال السياسي، طفح سجال على السطح وعلت أصوات النخب السياسية والأكاديميين بوضع حد لهذا الترحال. 

كثيرًا ما تسيء هذه الظاهرة إلى المشهد السياسي، بتجلي المشكلة الأخلاقية التي تعبر عن هشاشة قيم الالتزام الحزبي والسياسي التي تطبع العلاقة بين بعض الأحزاب وأعضائها، والقوانين وحدها غير قادرة على محاربة الترحال السياسي، بل صناديق الاقتراع التي جاءت بهؤلاء السياسيين يجب أن تردع وتعاقب هؤلاء الرّحل بعدم التصويت لهم خلال الانتخابات اللاحقة. 

الحزب الذي تقوى من خلال استقطاب النخب السياسية من أحزاب مختلفة التوجهات والمشارب الإيديولوجية، لا بد أن يعاني يومًا ما من تصدع بنيته غير المنسجمة، وتبدأ النخب في الترحال تباعًا إلى حزب آخر يرون فيه مصلحتهم أولًا، في مشهد ينم عن تفشي الارتباط المصلحي والانتهازي المتأثر بطبيعة الظرفية السياسية.