“الغني يزداد ثراءً والفقير يزداد فقرًا”، على الأغلب سمعت هذه العبارة من أحد الساخطين على الأغنياء الذين تتضاعف أرصدتهم البنكية وممتلكاتهم بطريقة سريعة ومتتابعة، علمًا أن صاحب المقولة الحقيقي هو الشاعر الإنجليزي بيرسي بيش شيلي الذي قال تلك العبارة عام 1840، وكان قصده مختلفًا بعض الشيء، ولكن مع الوقت باتت كلماته مرادفًا لتأثير الرأسمالية على العالم وما نتج عنها من عدم المساواة.
في الوقت ذاته، أثارت مقولة شيلي تساؤلات عن الأسباب التي تؤدي إلى وجود نتيجة مماثلة، ففي عالم متوسط الأجور الشهرية – مقيمة بالدولار – لا تزيد على أربعة خانات عشرية في أحسن الأحوال، يحلم الكثيرون بالالتحاق بنادي السبع خانات عشرية، فمن منا لا يحلم بأن يصبح غنيًا لدرجة لا يكون فيها مضطرًا للعمل ويتسوق ويسافر بحرية دون أدنى شعور بالذنب، ودون أن يجري العديد من الحسابات المالية في عقله في كل خطوة يتخذها؟
ولكن إليك الخبر السيئ، إذا كنت غنيًا بالفعل أو ستصبح كذلك فعلى الأرجح أنك لن تتبع نمط تلك الحياة الاستهلاكية، وهذا جزء مهم من الطريق التي يسلكها الأغنياء لتكوين ثرواتهم والحفاظ عليها، إذ إن هناك فرقًا كبيرًا بين أن تعيش حياة تنفق فيها ببذخ دون اكتراث (ستقودك عاجلًا أم آجلًا للإفلاس مهما بلغت ثروتك)، وأن تقرر أن تحيا حياة الاستقلال المادي طويل الأمد.
لماذا يزداد الأغنياء ثراءً؟
تبنى معظم الأثرياء مبادئ وعادات مالية قوية والتزموا بها بثبات على مر الزمن، واستفادوا من المميزات التي تمنحهم إياها الثروات التي جمعوها واستغلوها لتصبح ثرواتهم أكبر وأعظم، وإليك فيما يلي 5 أسباب تجعل الأثرياء يزدادون ثراءً:
الأثرياء يستثمرون في الأصول، بينما يهدر الفقراء أموالهم في الالتزامات
يُعرف كتاب “الأب الغني والأب الفقير” الأصول ببساطة بأنها أي ممتلكات تدر دخلًا إلى جيوبك، أما الالتزامات فهي أي ممتلكات تُخرِج النقود من جيوبك، وكمثال عملي بسيط لفهم ذلك، فلنفترض أنك تنوي شراء سيارة جديدة وفاخرة، مما يعني مصروف محروقات أعلى، إضافة إلى أقساط تأمين وضريبة أكبر، ناهيك عن مصاريف الصيانة الدورية التي ستكون أعلى أيضًا، وبحسب هذا المثال وشرائك السيارة الجديدة تكون قد اشتريت التزامًا أدى بك إلى زيادة مصروفاتك فقط، ولو أخذنا نفس المثال ولكن في ظروف مختلفة، مثل أن تكون صاحب متجر، وتنوي شراء سيارة أكبر، لأن سيارتك الحاليّة صغيرة ولا تكفي نقل البضائع لأن مبيعاتك زادت، فهنا يمثل قرار شرائك للسيارة الجديدة شراء الأصل، حيث إن استبدال السيارة سيؤدي إلى زيادة قدرتك على تلبية الطلبات بسرعة وكفاءة أعلى، إلى جانب توفير مصاريف النقل التي كنت تستوردها من الخارج مما يؤدي إلى زيادة الإيرادات كنتيجة طبيعية لذلك.
أيهما مربح أكثر: استثمار 40000 دولار أم 4000 دولار بمعدل ربح 10%؟ أعتقد أن الإجابة واضحة إلا إذا كان أحد القراء يفترض أن السؤال يتضمن خدعة ما، ولكن لجعل الأمور أكثر وضوحًا إليك العملية الحسابية التالية:
– استثمار مبلغ 4000 دولار بمعدل ربح 10% سيأتيك بربح 400 دولار.
– استثمار مبلغ 40000 دولار بمعدل ربح 10% سيأتيك بربح 4000 دولار.
وبطبيعة الحال فإن مبلغ 4000 دولار أكبر من 400 دولار، والفكرة هنا أنه كلما كان الاستثمار أكبر، كانت العوائد أكبر حتى مع تساوي نسبة العائد، والآن ولو استمرينا في نفس المثال وأسقطنا مبدأ الربح المركب على نفس الأرقام:
– استثمار مبلغ 4000 دولار بمعدل ربح 10% لمدة 10 سنوات سيجعل ثروتك تصل إلى 10.375 دولار تقريبًا في مقابل 103.750 دولار في حال كان مبلغ الاستثمار 40000 دولار.
يستفيد الأثرياء من مراكمة الأرباح المركبة
لاحظ أن الفرق في المبالغ بات أكبر وعند إعادة العملية ولكن هذه المرة لمدة 40 عامًا، فالــ 4000 دولار تصبح 181.037 دولار والـ40000 تصبح 1.810.370 دولار.
وهنا بات من الواضح أن مراكمة الأرباح على الاستثمارات الأكبر تجعل الأغنياء أكثر ثراءً، ففي المثال المطروح نمت ثروة الغني بعد أربعين عامًا الذي استثمر 40000 دولار بما يزيد على مليون وسبعمئة ألف دولار، وأصبح أغنى من الأشخاص الذين بدأوا استثمارهم بـ4000 دولار فقط بما يزيد على مليون وثمانمئة ألف دولار.
الأثرياء ينمون استثماراتهم
يغذي الأثرياء استثماراتهم بشكل مستمر، إذ تسمح لهم إمكاناتهم بكسب أموال أكثر من أعمالهم وأنشطتهم، مما يزيد قدرتهم على مضاعفة حجم استثماراتهم لجعلها تنمو بشكل أسرع وأكبر، فلو أخذنا نفس المثال السابق وأضفنا إليه مبلغ سنوي لتغذية الاستثمار، فإن:
– الشخص الذي استثمر 4000 دولار سوف يضيف مبلغ 400 دولار سنويًا.
– الشخص الذي استثمر 40000 دولار سوف يضيف مبلغ 4000 دولار سنويًا.
هذا بالطبع إذا افترضنا أن كلا الشخصين سوف يغذيان استثماراتهما بنسبة 10% بشكل سنوي، وذلك دون الأخذ بعين الاعتبار أن الأشخاص الأكثر ثراءً لديهم قدرات أعلى على التوفير ورغبات أكبر لزيادة ثرواتهم.
– بعد 10 سنوات ستصبح ثروة من بدأ بـ4000 دولار 16.750 دولار في مقابل 167.500 دولار.
– بعد 40 سنة ستصبح ثروة المستثمر الأول 358.000 دولار مقابل ما يزيد على ثلاثة ملايين وخمسمئة وثمانين ألف دولار للمستثمر الغني.
وهنا نستطيع أن نرى الفرق بوضوح وكيف أن الغني يصبح أغنى وأكثر ثراءً بشكل أسرع، وهكذا تتكرر المعطيات مع المبالغ الاستثمارية الأكبر.
الفرص المتاحة للأثرياء ليست في متناول الجميع
يحصل الأثرياء بسبب قوتهم المالية على فرص قد لا تكون متاحة لغيرهم تمنحهم الأفضلية في تنمية أصولهم وثرواتهم بشكل أكبر وأسرع بالمقارنة مع سواهم، على سبيل المثال، لو افترضنا أن هناك عقارًا معروضًا للبيع بسعر 100.000 دولار -بحسب قيمته السوقية أيضًا- بشكل عاجل وتقدم بطلب شرائه شخصان، الأول تقدم بعرض سعر 85.000 دولار على أن يُسدد المبلغ نقدًا، بينما تقدم الثاني لشرائه ولكن بقرض بنكي، في هذه الحالة ونظرًا لحاجة مالك العقار للبيع سريعًا، تصبح فرصة قبول عرض الشخص الأول الذي سيدفع نقدًا أكثر ترجيحًا من غيره، وبالتالي يكون الغني هو الفائز في هذه الصفقة، وقد يتمكن في المستقبل من إضافة مبلغ 15.000 دولار إلى أرباحه المستقبلية عند إعادة بيع العقار.
الأغنياء يطرقون الحديد وهو ساخن
توفر القدرة المالية التي يتمتع بها الأغنياء قدرة كبيرة على اقتناص الفرص وتحمل المخاطر بشكل أعلى وأكثر مرونة من غيرهم، وكما يقول الملياردير الشهير وارن بافيت: “كن حذرًا عندما يكون الآخرون جشعين، وكن جشعًا عندما يكون الآخرون خائفين”.
ويُقصد بتلك العبارة، أنه وفي الوقت التي تشهد الأسواق كسادًا وعزوف عامة الناس عن الاستثمار خوفًا من الخسارة، ستجد الأثرياء يزيدون استثماراتهم خصوصًا في الأصول التي يعتقدون أنها ستكون مربحة في المستقبل عند عودة استقرار الأسواق، وبذلك يتمكنون من جني الأرباح غير العادية مقابل خوضهم تلك المغامرة والقبول بالمخاطر التي قد تؤدي لخسارة ما استثمروا به، ولكن حتى لو حصل ذلك فلا مشكلة لديهم بالخسارة، لأنها ببساطة لن تؤدي إلى إفلاسهم أو إفقارهم.
هل سيبقى الغني غنيًا والفقير فقيرًا؟
اطمئن، هناك الكثير من أغنى أغنياء العالم الذين بدأوا مشوارهم نحو الثروة، حرفيًا من الصفر، وهم يمثلون النسبة الأكبر من رجال الأعمال الأكثر ثراءً على مستوى العالم، وهذا لم يحصل عن طريق المصادفة، إلا أنهم عملوا بجد واجتهاد على كسر القوالب المحيطة بهم ونجحوا بالدخول لنادي الثراء وتمكنوا من الاستثمار واجتذاب الفرص التي أوصلتهم فيما بعد إلى ما هم عليه الآن، وتعلموا منذ سن مبكر كيفية التعامل مع النقود وتعاملوا معها كما يتعامل معها الأغنياء.
ولعل أفضل ملخص لما سبق نجده في الكتاب الشهير “الأب الغني والأب الفقير”، حين قال: “أحد الأسباب التي تجعل الغني يزيد ثراءً والفقير يزداد فقرًا، وأبناء الطبقة الوسطى يكافحون في الديون، أن ثقافة النقود والتعامل معها يتم اكتسابها وتعلمها من المنزل لا المدرسة، ومعظمنا نتعلم عن النقود من أبوينا، وماذا يمكن لأبوين فقيرين تعليم أبنائهم عن النقود؟ سيقولون ببساطة: اذهب إلى المدرسة، وادرس بجد، وقد يتخرج الطفل بشهادة عالية، ولكن بثقافة وعقلية مالية فقيرة وضعيفة”.