تسعى حركة حماس منذ فترة مبكرة إلى تكثيف وجودها في الساحة العربية والدولية، وتعميق علاقاتها وتوثيقها مع مختلف الدول والأحلاف، وتحاول باستمرار فتح الأبواب وتدشين المسارات أمام قادتها ودوائرها التنظيمية المختلفة للولوج إلى البرلمانات والحكومات والمؤسسات في بلدان ودول العالم كافة، وقد صعَّدت حماس من حراكها الدبلوماسي والدولي بعد فوزها بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي في الانتخابات الفلسطينية عام 2006.
صرح أسامة حمدان المسؤول السابق للعلاقات الدولية في حركة حماس بأن حركته “حريصة على إنشاء علاقات متوازنة ومنفتحة على المستويات الإقليمية والدولية”، وأنها “نجحت منذ تأسيسها عام 1987 في إقامة قنوات تواصل مع بعض الدول العربية والإسلامية والعالمية، وأصبح لديها شبكة علاقات سياسية ودبلوماسية واسعة، ومنظومة اتصالات جيدة مع العديد من البلدان”.
حماس تعايشت مع الضغوطات الخارجية وتعاملت معها بمرونة غير مسبوقة
حراك حماس في مجال العلاقات الدولية لم يكن ورديًا وقد شابه الكثير من المعيقات والأزمات نتيجة لأحداث كبرى جرت في المنطقة العربية كسقوط أحزاب الإسلام السياسي وإجهاض ثورات الربيع العربي، وأيضًا لما تحمله الحركة من أفكار وما تتمسك به من مفاهيم ومبادئ أيدولوجية لا تروق لكثير من الأنظمة العربية.
غير أن حماس تعايشت مع الضغوطات الخارجية وتعاملت معها بمرونة غير مسبوقة وصلت إلى حد تغييرها لميثاقها الداخلي 2017، ولم تتوقف الحركة عن طرق الجدران وتكرار محاولات كسر عزلتها وفك الحظر عنها، ونجحت رغم الحصار الخانق والتضييق المستمر والمشكلات المتراكمة والأزمات المتواترة التي واجهتها منذ بسط سيطرتها على قطاع غزة في 2007، من فتح بعض الثغرات والوصول لعلاقات إيجابية مع عدد من الدول والأنظمة.
جولة إسماعيل هنية
القيادة الحمساوية حصلت مؤخرًا على موافقة مصرية بالخروج في جولة دولية، وذلك بعد أن فشلت سابقًا ولأكثر من مرة في الحصول على تلك الموافقة، حيث غادر إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس قطاع غزة، وتوجه برفقة عدد من أعضاء المكتب في جولة خارجية بعد اجتماعات مع مسؤولين في جهاز المخابرات المصرية، وتشمل الجولة زيارات لدول عدة، وهي أول جولة خارجية لهنية منذ توليه رئاسة حماس.
تأتي الجولة في سياق محاولات حماس الانفتاح على الدول والمؤسسات وتعميق علاقاتها الدولية، وكذلك فتح آفاق خارجية للحركة وبناء علاقات جديدة وحشد الدعم السياسي للقضية الفلسطينية وكسب المواقف على المستويين العربي والدولي، إضافة إلى السعي لإيجاد حلول للأزمات الإنسانية والاقتصادية التي يعاني منها قطاع غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ 13 عامًا، وكذلك لعقد اجتماعات قيادية لأجنحة الحركة المقيمة في مناطق مختلفة وترتيب الشؤون الداخلية الخاصة بها.
تغيير خط السير
لم تمضِ جولة حماس كما كان مخططًا لها، فعلى وقع اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، توجه وفد حماس إلى طهران للمشاركة في مراسم تشييع سليماني، وألقى إسماعيل هنية هناك خطابًا رثى فيه سليماني ووصفه بشهيد القدس، مما أثار الكثير من الجدل بشأن الزيارة وخطاب هنية وتباينت ردود الفعل بشأنهما بين مؤيد ومعارض، وتوقعت تحليلات سياسية أن تتخذ مصر وبإيعاز من بعض الدول العربية على رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة خطوات عقابية ضد حماس.
قائد المقاومة في #غزة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حمـــاس واعضاء المكتب السياسي يُعزون سلطان سلطنة عُمان الجديد هيثم بن طارق آل سعيد بوفاة السطان قابوس بن سعيد. pic.twitter.com/fwgpxGHzpo
— أبو إسلام العقاد (@K1hFm1UrCmuxl74) January 12, 2020
تبع ذلك زيارة وفد حركة حماس لسلطنة عُمان لتقديم واجب العزاء في السلطان قابوس، حيث استقبل وفد الحركة بمستوى دبلوماسي عالٍ، وقد تقدم بالعزاء بشكل منفرد عن السلطة التي تصادف وجودها بوفد على رأسه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مع وجود وفد حماس برئاسة إسماعيل هنية، وسبق الزيارتين مشاركة وفد من حماس في منتدى كوالالمبور 2019 الذي عقد في العاصمة الماليزية كوالالمبور، عدا عن لقاءات عقدها هنية مع رؤساء وأمراء بعض الدول وعدد من المسؤولين الدوليين.
#قمة_كوالالمبور انطلاقة جديدة لتجمع يشكل نواة انطلاقة مباركة في عالم يجد الأقوياء لهم مكانة في أوجه الحياة كافة، كلما كانت الأمة قوية ففلسطين قوية. pic.twitter.com/5RoQ4Nk1cT
— د. موسى أبو مرزوق DR. Mousa Abumarzook (@mosa_abumarzook) December 21, 2019
السلطة تُعارض وتستنكر
أعلنت السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة فتح انزعاجها من جولة حماس، ولم تبدِ ارتياحها لاستقبال الدول والحكومات لإسماعيل هنية والوفد المرافق له، وشنت وسائل الإعلام الرسمية التابعة للسلطة الفلسطينية هجومًا حادًا على حركة حماس، من ذلك البرامج التي أعدها وبثها تليفزيون فلسطين، ووصم فيه هنية وقادة حماس بصفات سيئة منها “الانحناء للغير” و”رهن القرار الفلسطيني” و”سماسرة دم”، وكذلك التقرير الذي نشرته وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية وفا، وجاء فيه “انتماء حماس لغير فلسطين أصبح يتكشف شيئًا فشيئًا، وفضحت مساعيها لاختطاف التمثيل من منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، ورهانها على بيع الموقف الفلسطيني المستقل”.
حماس تستخدم قطاع غزة ورقة للمساومة والمزايدة وتطرح نفسها بديلًا عن منظمة التحرير
وقال الناطق باسم حركة فتح حسين حمايل لوفا: “ما تقوم به حماس لرهن القرار الفلسطيني لأجندات ومصالح حزبية خاصة على حساب قضيتنا وشعبنا، محاولة منها لإدامة الانقسام، الأمر الذي سيلحق أضرارًا فادحة بالمصالح الوطنية الفلسطينية”، وأضاف “هذا السلوك يلحق الضرر الكبير باستقلالية القرار الفلسطيني الذي ارتكز دائمًا على ثوابت قضيتنا الفلسطينية، إضافة إلى أن هذا الأمر يكلف شعبنا الكثير من الخسائر على المستويين الإقليمي والعالمي نحن بغنى عنها”.
فيما اعتبر حسب تقرير وفا أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت عبد الرحمن الحاج إبراهيم “أن من أكثر الأشياء خطورة التي تقوم بها حماس، تنقلها بين المنابر الإقليمية، كممثل عن جزء من الوطن وهو قطاع غزة، وأنه محصور بها، وهي تقرر فيه وتمثل شعبنا هناك”، مضيفًا “حماس تستخدم قطاع غزة ورقة للمساومة والمزايدة، وتطرح نفسها بديلًا عن منظمة التحرير، لأنها لا تعترف بالمنظمة، وهذا أمر خطير والجميع سيخسر بذلك، فيجب ألا نكون ضمن أي اصطفاف، لأننا سندفع ثمن ذلك”، حسب رأيه.
مخاوف من الكيان الموازي
تخشى السلطة الفلسطينية من تعاظم قوة حماس في الساحة الدولية ومن أن تحوز حصة ومكانة مهمة فيها وبروزها ككيان موازٍ لها، وقد حاولت في مرات عديدة سابقة إفشال مساعي حماس في هذا الاتجاه، كعرقلتها زيارة هنية لموسكو في 2019، وضغطها المتكرر على مصر فيما يخص تفاهماتها ووساطتها بين حماس و”إسرائيل” في تفاهمات التهدئة وتخفيف الحصار عن غزة، وعلى قطر وتركيا فيما يخص المشاريع التنموية والإغاثية وإصرار السلطة على أن يمر كل شيء من خلالها، وقد يكون سبب عدم إعلان حماس بشكل مسبق نيتها القيام بجولتها الأخيرة خشيتها من استباق السلطة لتلك الجولات بتحركات تعمل على إفشالها وسد الطريق أمامها، فلم يصدر عن الحركة أي بيان رسمي يوضح الدول التي ستتم زيارتها أو المهام التي سينفذها الوفد ولا حتى مدة الجولة والتاريخ المقرر لإنهائها.
5 دلالات لجولة السيد اسماعيل هنية الخارجية pic.twitter.com/TFFoONMAwJ
— الصحفي إسماعيل الغول #فلسطين (@ismail_goul) January 13, 2020
وتتهم السلطة الفلسطينية حركة حماس بأنها تسوق نفسها كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية وتحاول أن تصبح الممثل الشرعي عن الشعب الفلسطيني، وتسعى كذلك لترسيخ نفسها في المجتمع الدولي ككيان مستقل ومنفصل عن السلطة لها أدواتها وأحلافها وسياساتها الخاصة.
حماس تنكر التهمة
حماس وفي محطات كثيرة أكدت أنها لا تسعى لأن تكون بديلًا عن منظمة التحرير ولا رغبة لديها في إنشاء أي كيان جديد لتمثيل الشعب الفلسطيني، وتحركاتها في أي مجال تنطلق من الحرص على وحدة الصف الفلسطيني وتسعى إلى تخفيف من آلام الفلسطينيين ومعاناتهم، وفي ذات السياق صرح الدكتور موسى أبو مرزوق في تغريدة له عبر حسابه الرسمي على تويتر قال فيها: “حماس لم تَدّعِ يومًا أنها تمثل الشعب الفلسطيني، ولم تطرح نفسها بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية، وسعت منذ 2005/3 أن تكون جزءًا منها، ووثيقة 2011/5 وكذلك 2017/1 دليل على ذلك”، وأوضح أبو مرزوق أن “الإصلاح يبدأ بإقرار المشاركة للجميع ورفض التفرد وتعزيز التوافق واحترام المؤسسات وتطبيق الاتفاقيات الموقعة من الجميع”.
حماس لم تَدّعِ يوماً أنها تمثل الشعب الفلسطيني، ولم تطرح نفسها بديلاً عن م.ت. ف.، وسعت منذ ٢٠٠٥/٣ أن تكون جزءاً منها، ووثيقة ٢٠١١/٥ وكذلك ٢٠١٧/١ دليل على ذلك.
الإصلاح يبدأ بإقرار المشاركة للجميع، ورفض التفرد، وتعزيز التوافق، واحترام المؤسسات، وتطبيق الاتفاقيات الموقعة من الجميع.
— د. موسى أبو مرزوق DR. Mousa Abumarzook (@mosa_abumarzook) January 14, 2020
الإمكانات والفرص شبه معدومة
إن الواقع الذي تعايشه حماس اليوم، لا يسمح لها ولا يمكّنها من إنشاء أي كيان أو بناء أي تحالفات دولية تجعل منها بديلًا عن منظمة التحرير أو السلطة الوطنية الفلسطينية، وهي ونتيجة لما يحيط بها من مخاطر وما تمر فيه من ظروف عصيبة قد لا يكون في أولوياتها غير تنفيس تلك المخاطر وتجاوزها، فالظروف الإقليمية والدولية والإجراءات الأمريكية تعمل كضاغط على حماس يُصعب خياراتها ويحصرها في زوايا ضيقة، وقد فقدت حماس العديد من الحلفاء وفقدت الكثير من موارد التمويل، فجهودها تنصب حاليًّا في الحفاظ على حياتها التنظيمية وصد محاولات إخضاعها وتمييعها والتخفيف من آثار الضغط عليها.
ولا شك في أن شيئًا من مخاوف السلطة في مكانه، إلا أن غالبية تلك المخاوف جرى تهويلها وتعظيمها، لتغذية الخلافات والخصومات بين الحركتين، وإن كان من مخرج لا بد منه لإنقاذ الحالة الفلسطينية فهو المصالحة واستعادة اللحمة الفلسطينية وإحياء المؤسسات الكبرى للشعب الفلسطيني لتكون الممثل الشرعي والوحيد الذي يمثل الفلسطينيين وينطق باسمهم، بعيدًا عن مخاوف أي طرف بالهيمنة على غيره من الأطراف.