أعلن رئيس الحكومة الانتقالية التونسيّة السّيد علي العريّض رسميًّا أن “أنصار الشّريعة” تنظيم إرهابي، الأمر الذي سبّب ردود أفعال تراوحت بين الاستنكار و الامتعاض و الاستحسان و الارتياب علما و أن أنصار الشريعة تنظيم اجتماعي ظاهريا يضمّ من يعرفون بطريقة تسطيحيّة ب”السّلفيّين” و يرأسه قيادي سلفي جهادي يدعى “أبو عياض”.
ويأتي اتّهام علي العريض لأنصار الشّريعة بالإرهاب بعد أن أدت التحقيقات في قضايا العنف واغتيال السياسيين شكري بالعيد و محمد البراهمي إلى تورّط أعضاء من تنظيم أنصار الشريعة بشكل مباشر، حيث أثبتت التحقيقات أن كمال القضقاضي و عز الدين عبد اللاوي الفاعلين الأساسيين في اغتيال بلعيد و البراهمي ينتميان باعترافهما إلى أنصار الشريعة.
ورغم علاقات التنظيم المتجذرة مع بقية التنظيمات الإرهابية الإقليميّة والعالميّة مثل تنظيم القاعدة في شمال افريقيا والمجموعة الإسلامية المسلّحة الجزائريّة وهو من أخطر التنظيمات الإرهابية في المنطقة، فإن تساؤلات كثيرة تحوم حول الأسباب التي دفعت العريّض إلى اتهامها في هذا التوقيت الحسّاس أو المشبوه؟ بالتزامن مع أزمة سياسية و جغراسياسية في تونس؟ هذا التّوقيت هو الذي أفرز ردود الفعل المتباينة والتي يمكن تحليلها كالآتي:
أوّلا، يعيب البعض السياسة “الإنتقائيّة” للحكومة الانتقالية فيما يخص الحزم القانوني و المحاسبة،فيرى هؤلاء أن الحكومة “شديدة على الاسلاميين لينة على اليسار الاستئصالي” الذي يدعو إلى اسقاطها وإلى إقصاء الاسلاميين المكون الأبرز لها.
و هذا الرأي غير دقيق، لأن الحزب الأغلبي في الحكومة الانتقالية “حزب حركة النهضة” كان متعاطفا مع أنصار الشريعة ودرج على تسميتهم ب”الإخوة السلفيين” وقد صرّح رئيس الحركة راشد الغنوشي في أكثر من مناسبة بأنه لا ينبغي اقصاء هذه الفئة من التونسيين وأنه ينبغي تأطيرهم واحتواؤهم لا لفظهم رغم الخطاب التكفيري الذي كان أتباع وقيادات تنظيم أنصار الشريعة يهاجمون به راشد الغنوشي، الأمر الذي اعتبرته المعارضة التونسيةتهاونا مع المد السلفي الجهادي الذي يمكن أن يتحوّل إلى الارهاب.
وقرار رئيس الحكومة اليوم يثبت أن تهاونا أو استخفافا من طرف الحكومة والأحزاب المشكلة لها وعلى رأسها حركة النهضة جعلها تغفل عن انخراط هذه المجموعات في تنظيمات ارهابية مخترقة وعن امكانية استخدامها لتنفيذ عمليّات تهدد الأمن ويمكن أن تؤدي إلى افشال الانتقال الديمقراطي.
ثانيا، للبعض مأخذ حقوقي على هذا الإعلان خاصة وأنه لا صبغة قانونية لهذا القرار الأمني والسياسي إلى الآن،فيتساءل هل هذه عودة إلى الاعتقال على أساس الانتماء؟
وهل سيتعامل الأمن والقضاء مع أنصار الشريعة كأفراد أم كتنظيم يتساوي فيه المتعاطف مع المدبر؟
وهل سنعود إلى ديكتاتورية ما قبل الثورة؟
تساؤلات تحيّر البعض ممّن يخشى أن يعاد تاريخ “هولوكوست اسلاميّي تونس”، في حين يخشى آخرون من ردة فعل عنيفة لأنصار الشريعة قد تكون نتيجتها عمليّات ارهابية أو احتجاجات عنيفة.
ثالثا، إذا ما تناولنا الأمور من منظور سياسي داخلي، يبدو التوقيت مشبوها خاصة بعد “الهدنة” التي عقدت بين الخصمين السياسيين المتمثلين في حزب حركة النهضة وحركة نداء تونس، هدنة استنكرها عدد هام من أنصار النهضة لتعارضها مع مبادئهم أولا و مبادئ الثورة ثانيا، فهؤلاء “المعارضون للهدنة” يكادون يجزمون أن اعلان العريض ليس إلا خلاصة “التوافق” بين النهضة و النداء تحت شعار:” السلفية كبش فداء لآنتخابات دون اغتيالات”.
ولكن القراءة الأكثر عمقا تتعدّى البعد السياسي الداخلي إلى البعد الخارجي، فحركة النهضة بصفة خاصة والحكومة بصفة عامة مطالبة دوليا بأن تبرهن للغرب وخاصة للولايات المتحدة الأمريكية أنها قادرة على احتواء “المد الارهابي” في تونس وعلى السيطرة على الوضع الأمني لإثبات حسن تسيير “الاسلاميين” للمرحلة الإنتقالية وقدرتهم على فرض سيطرة الدولة وتجنب الأخطاء الأمنية التي عاشتها البلاد في السنتين الأخيرتين.
وإذا ما أردنا تنسيب الأمور، لم يكن تصنيف أنصار الشريعة ليُعتبر قرارا مثيرا للجدل أو الشكوك لولا تهاون الحكومة ودعوات حركة النهضة لدمج وتأطير السلفيين وخاصة منهم الجهاديين في السابق ولولا تغيّر المعطيات الجيوستراتيجية وخارطة التحالفات السياسية في الداخل.