أجواء ينايرية تفرض نفسها على المشهد السياسي رغم حملات التضييق والتشويه الممنهج التي تشنها السلطات المصرية لإجهاض أي حراك متوقع قبل ولادته، وفي الوقت الذي ذهب فيه البعض إلى أن ثورة يناير ماتت إكلينيكيًا، فإن الأحداث التي شهدها الشارع المصري مؤخرًا ضربت بهذا الرأي عرض الحائط.
تتميز الذكرى التاسعة لثورة 25 يناير 2011 عن غيرها من الذكريات السابقة بالعديد من الخصائص، كونها تأتي بعد 100 يوم أو تزيد قليلًا، من تظاهرات سبتمبر/أيلول الماضي، المطالبة برحيل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، التي تعد الأولى من نوعها خلال السنوات الخمسة الأخيرة.
في علوم الفيزياء والسياسة على حد سواء فإن الموجات المصاحبة للحجر الملقى في البحيرة تزيد فور إلقائه، ثم تتلاشى رويدًا رويدًا حتى تختفي، فالبدايات دومًا تكون قوية ثم يخفت تأثيرها مع مرور الوقت، لكن الوضع في المشهد الثوري المصري يبدو أنه خالف تلك الثوابت العلمية.
لم ينتظم منحنى الحراك على وتيرة واحدة منذ 2013، فرغم تجييش معاول الإجهاض بكامل قوتها (الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والرأي العام) فإن المنحنى لم ينحدر بالشكل المتوقع، فبين الحين والآخر كان يتصاعد ويفوق في بعض الأحيان السقف المتوقع حتى من بين أطياف المعارضة ذاتها.
ساعده في ذلك نظام استقر في يقينه أن “كل شيء تمام” وأن الأمر انتهى، ومن ثم عزز من سلطاته وديكتاتوريته غير آبه لرأي هنا أو موقف هناك، وبات المواطن آخر مرتبة في قائمة الأولويات، وهي السياسة التي لم يدفع ثمنها الإخوان المسلمون وحدهم بصفتهم الخصم التقليدي الأبرز للنظام الحاليّ، بل تجاوزت هذه الشريحة لتضم مع مرور الوقت شرائح أخرى، بعضها كان كتفًا إلى كتفٍ إلى نظام ما بعد الثالث من يوليو.
وبدلًا من حصر نظام السيسي دائرة عدائه في الجماعة التي نجح عبر أجهزته الإعلامية والقضائية في شيطنتها، – وهو السلاح الذي لا يمكن أن يتخلى عنه، فهو الذي جاء به إلى السلطة وهو كذلك الضامن لاستمراره فيها -، إذ به يجد نفسه بعد 7 سنوات من إسقاط نظام الرئيس الراحل محمد مرسي أمام أطياف متعددة من المعارضة التي نجح في استعدائها على مدار الفترة الماضية.
قديمًا كان الإخوان بالنسبة للسيسي “الشماعة” التي يعلق عليها فشله في التعاطي مع حزمة الملفات، سواء الداخلية التي تثقل كاهل المواطن أم الخارجية التي تهدد أمن مصر القومي، لكن اليوم لم يعد هذا الأمر مقبولًا، خاصة بعد اكتشاف العديد من التيارات حقيقة تلك “الفزاعة” وأنها لا تعدو كونها بالونة فارغة يجيد النظام ملئها كلما وقع في مأزق.
ورغم حالة الاستفاقة التي يعيشها النظام المصري بعد تظاهرات سبتمبر الماضي، وسط مخاوف من انكسار جدار الخوف الذي بناه السيسي منذ قدومه للسلطة، فإن الحديث عن قبضة محكمة على الشارع بات دربًا من الخيال، في ظل أجيال جديدة قادرة على التأثير في المشهد في أي وقت في ظل المستجدات الأخيرة.
وأمام هذا الوعي الجماهيري كثرت التساؤلات بلا إجابة، وتعددت الرؤى التي اصطدمت في كثير منها مع توجهات النظام، ويومًا تلو الآخر، بدأ يسقط من قارب السلطات الحاليّة تيار بعد الآخر، حتى توسعت رقعة المعارضة وباتت اليوم قوة لا يستهان بها حال التنسيق فيما بينها لبناء أرضية مشتركة يمكن الانطلاق من خلالها.
الإصرار ..
أبرز ما يميّز انتفاضة الشعب المصري ..
فهل نحن على أبواب #ثورة_يناير ثانية ..؟#ارحل_ياسيسي #ميدان_التحرير #كفايه_بقي_ياسيسيي #ارحل #مصر_تتطهر #الشعب_يريد_اسقاط_النظامِ pic.twitter.com/LArx3LQoho
— جابر الحرمي (@jaberalharmi) September 20, 2019
الإخوان.. الخصم التقليدي
كان الإخوان مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الخصم الأبرز حضورًا للمؤسسة العسكرية وبقايا نظام مبارك، حتى إن جلسوا جميعًا على مائدة مفاوضات واحدة، لكن تبقى العقلية العسكرية متخمة بالعداء التاريخي لكل ما هو إسلامي، تساوى في ذلك المعتدلون منهم والمتطرفون.
ومع توالي الأحداث ثبت بالدليل القاطع مساعي توريط الجماعة في مواقف لتشويه صورتها لدى الشارع، خاصة بعدما علم العسكر أنهم لا قبل لهم بمواجهتها إلا عن طريق الشارع، وبالفعل نجحوا في ذلك على مدار عامين كاملين، وصل الأمر ذروته مع دعوات التظاهر في 30 يونيو 2013.
وقتها حشدت الثورة المضادة قوتها كافة لتجييش الشارع ضد حكم الإخوان، ساعدها في ذلك أطراف إقليمية لا تخفى على أحد، وتحقق ما أرادت في ظل جهل سياسي كبير من قيادات الجماعة، وفشل ذريع في قراءة الموقف بصورة دفعتهم لإعطاء وزير الدفاع “المستكين” وقتها، عبد الفتاح السيسي، الذي عينه الرئيس الراحل محمد مرسي بنفسه، ثقة أكبر من اللازم.
وبعد بيان 3 يوليو والإطاحة بالإخوان ورئيسهم، وجد الجنرال الجديد الذي تحول إلى مطلب جماهيري لقيادة الدولة لمواجهة رد فعل الجماعة في ظل التهويل لما يمكن أن تقوم به من أحداث تحول شوارع مصر إلى شلالات دماء وفق الصورة التي رسمها الإعلام آنذاك، نفسه متصدرًا المشهد بصورة ما كان يحلم بها.
ومنذ الوهلة الأولى لتقلده الأمور في البلاد وجد في فزاعة الإخوان والإرهاب إستراتيجية طويلة المدى لشحن الشارع بين الحين والآخر لدعمه وتأييده في سياساته التي أودت بالمصريين إلى أوضاع معيشية صعبة، فضلًا عن إرهاق الأجيال القادمة بديون ما تعرضت لها مصر في تاريخها بأكمله، حتى وصل اليوم إلى 1.5 مليار دولار ديون خارجية فقط في مقابل 4.1 تريليون جنيه (241.9 مليار دولار) ديون داخلية.
وخلال السنوات الستة الماضية دفع أعضاء الجماعة ثمن خصومتها للسيسي غاليًا جدًا، حيث ما يقرب من 50 ألف معتقل، معظمهم من الإخوان، فضلًا عن الاستيلاء على أموالهم، وتشريد عشرات الآلاف من الأسر، وفصل الآلاف من الموظفين بحجة الانتماء للجماعة، ومن فلت من تلك المقصلة فر هاربًا خارج البلاد.
عرف المشهد الإعلامي منذ تولي السيسي تحولات كبيرة، كان أبرزها ظهور “أذرع إعلامية” وانتشار ما يسمى “المال المخابراتي”، وصولًا إلى ترسانة قضائية حكمت قبضتها على الصحافة والصحافيين، حتى تحولت مصر بحسب وصف الجهات الحقوقية الدولية إلى “سجن كبير للصحفيين”
التيارات الإسلامية
كما فعل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، مع الإسلاميين والشيوعين على حد سواء، بداية حكمه، حين استعان بهم للقضاء على الملكية وتمكين تنظيم “الضباط الأحرار” من الجمهورية المصرية آنذاك ثم انقلب عليهم وزج بهم في السجون وأعدم قياداتهم، تكرر الأمر نفسه مع السيسي.
فرغم استعانة السيسي بالتيارات الإسلامية الأخرى غير الإخوانية، وعلى رأسهم السلفيين وقيادات حزب مصر القوية، الذي كان يمثل الإسلام المعتدل من وجهة نظر السلطات حينها، كونه على خلاف مع الجماعة، فإن شهر العسل بينهما لم يستمر طويلًا، حيث انقلب عليهم سريعًا.
وخلال السنوات الماضية اعتقل المئات من التيارات الإسلامية المختلفة، على رأسهم رئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي السابق، وذلك في فبراير 2018، وهي الخطوة التي أحدثت ضجة كبيرة بين أوساط ما يصفون بـ”تيارات الإسلام الوسطي”.
وبعيدًا عما يمارسه أنصار حزب “النور” السلفي، من حمل للمباخر وقرع لطبول المداهنة للنظام، إلا أنه أجبر على التنحي عن المشهد بصورة كاملة، حتى بات لا يملك إلا موقعًا إلكترونيًا “الفتح” وعدد 9 مقاعد تحت قبة البرلمان لم يحركوا بداخله ساكنًا، فيما انحسرت جهوده في بعض الأنشطة الدعوية تحت المراقبة، في الوقت الذي غاب قاداته عن الإعلام.
التيار المدني
جزاء سنمار.. هذا ملخص شهادات رموز التيار المدني على تجربتهم في دعم النظام الحاليّ، إذ كان هذا التيار على رأس القوى السياسية التي اصطفت خلف القوات المسلحة قبل أحداث 30 يونيو، وكانت على رأس الكيانات التي حشدت للنزول في هذا اليوم، منددة بما سمته “سيطرة الإخوان على مقاليد الأمور”، كانت أحلام الحكم تساور بعض قيادات هذا التيار في هذا الوقت على رأسها حمدين صباحي، متوهمين أن التخلص من الإخوان أول الطريق نحو الوصول إلى القصر الجمهوري.
لكن الأمر لم يكن كما خطط له أنصار هذا التيار، إذ بات يقينًا أن الجيش لن يترك الحكم بسهولة، خاصة بعد إجراء تعديلات دستورية تسمح للرئيس الحاليّ بالمكوث في القصر الجمهوري حتى 2030، وبدلاً من مخطط توظيف القوات المسلحة للإطاحة بحكم مرسي وتعبيد الطريق أمام التيار المدني، إذ بالعكس الذي يحدث، فكان المدنيون القنطرة التي استخدمها الجيش للسيطرة على الحكم مرة أخرى بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك في 2011.
“بوصلة لكل من يأتي بعدهم”.. #البرادعي يقول إن أهداف #ثورة_يناير في العيش والحرية ستبقى في وجدان كل من شارك فيها pic.twitter.com/Wsk4X5yzYM
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) January 15, 2020
نظام السيسي لم يكن ليطمئن للتيار المدني بشتى أطيافه (الليبراليون أو اليساريون أو القوميون)، خاصة أنه على يقين أن القفز على كرسي الرئاسة حلم يداعب بعض قادته، ومن ثم، كان لا بد من التخلص منه في أقرب وقت، لا سيما بعد استتباب الأمر وعدم الحاجة لهم في الوقت الحاليّ.
وخلال السنوات الماضية نلاحظ حالة من التحول المفاجئ في مواقف المدنيين دفعتهم إلى التخلي عن دعم الرئيس الحاليّ، البداية كانت عند محمد البرادعي نائب الرئيس المؤقت عدلي منصور، الذي استقال اعتراضًا على الفض الدموي لاعتصامي رابعة العدوية والنهضة.
بعدها مباشرة توالت سلسلة المتخلين عن دعم هذا النظام، بعضهم نذر نفسه للدفاع عن السيسي وسياساته وقرارته، على رأسهم إعلاميين مثل علاء الأسواني ويسري فودة، مرورًا بسياسيين، منهم حازم عبد العظيم الذي كان عضوًا في حملته الانتخابية، والسفير معصوم مرزوق ويحيى القزاز ورائد سلامة، انتهاءً بالحركات الشبابية الثورية والأحزاب السياسية، تحولت معظم التيارات المدنية إلى معارضة النظام المصري.
5- يحيى القزاز (تدهور الكلى بشكل حرج )
6- أحمد دومة (حبس انفرادي سنوات ومشاكل صحية بسبب ظروف الحبس)
7- محمد أكسجين
8- عبد المنعم أبو الفتوح (حبس انفرادي)
9- حمدي الفخراني
10- محمد القصاص (حبس انفرادي)
11- سيد مشاغب (حبس انفرادي سنوات)#الزيارة_حق
— Mona Seif (@Monasosh) February 9, 2019
هذا بجانب أن معظم رموز هذا التيار باتوا خلف السجون وداخل المعتقلات، على رأسهم أحمد دومة وأحمد ماهر وعلاء عبد الفتاح وغيرهم، ومن خرج منهم قابع تحت الإقامة الجبرية أو الاحترازات الأمنية، على رأسهم أحمد دومة وأحمد ماهر وعلاء عبد الفتاح وغيرهم، أما من لم تطله يد الاعتقال فتم استئناسه، قهرًا كان أو اختيارًا.
حتى جبهة الإنقاذ التي قادت مظاهرات 30 يونيو، ورغم تفككها بعد الانقلاب فإن أبرز قيادتها كونوا تحالف “الحركة المدنية الديمقراطية” كنواة لجبهة معارضة في الداخل، بينها حزبا الدستور والكرامة، وعلى رأسهم المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، لكن مع مرور الوقت كان التنكيل بها وقادتها الجزاء المتوقع، فلم تسمح لهم السلطات بتنظيم أي فعاليات، كما اعتقل عدد من أعضائها، الأمر ذاته مع الحركات الشبابية التي لم تسلم هي الأخرى من الملاحقة على رأسها حركتا 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين.
رغم أن نظام السيسي في الأساس من رحم نظام مبارك، فإنه يعاني من حالة فوبيا من عودة رجالات هذا النظام مرة أخرى، الأمر الذي يفسر حملات التضييق الممنهجة ضد من كل من يجاهر بدعمه له، ميدانيًا أو على منصات السوشيال ميديا
وقد استفحل العداء الواضح بين هذا التيار والسلطة في يوليو الماضي، حين ألقت الداخلية المصرية القبض على أبرز رموز هذا التيار بزعم تكوينهم خلية تسمى “خطة الأمل” تستهدف أمن واستقرار الدولة، وعلى رأس المعتقلين النائب السابق زياد العليمي وحسام مؤنس مدير حملة المرشح السابق للرئاسة حمدين صباحي، بجانب رموز أخرى معروف عدائها الكامل للإسلاميين بشتى أطيافهم.
وبحسب شهادات من أعضاء التيار المدني لـ”نون بوست” في تقرير سابق، فإن النظام الحاليّ يعمل وبكل قوة للقضاء على أي أثر لثورة 25 يناير، لافتين إلى أنه وبعد الإجهاز على الإخوان لم يعد أمامهم إلا هذا التيار الذي بدأت إرهاصات عودته للحياة السياسية مرة أخرى عبر تشكيل جبهات جديدة لدخول المعترك الانتخابي القادم.
الجماعة الصحفية
كان الإعلام أحد أبرز الأسلحة في أيدي نظام 3 يوليو للإجهاز على ما تبقى من حكم الإخوان، وكانت الجماعة الصحفية الموالية لهذا النظام تتمتع بنفوذ ومساحات كبيرة من الحرية، حتى في عهد مرسي، حيث دُشنت بعض البرامج كان الهدف منها السخرية من الرئيس وتشويه حكومته، ومع ذلك لم يتعرض لها أحد بدعوى الحريات الإعلامية.
لكن سرعان ما تبدل الوضع مع تولي السيسي السلطة في مايو 2014، حيث عرف المشهد الإعلامي تحولات كبيرة، كان أبرزها ظهور “أذرع إعلامية” وانتشار ما يسمى “المال المخابراتي”، وصولًا إلى ترسانة قضائية حكمت قبضتها على الصحافة والصحافيين، حتى تحولت مصر بحسب وصف الجهات الحقوقية الدولية إلى “سجن كبير للصحفيين”.
في الترتيب العالمي لحرية الصحافة خلال سنة 2017 الذي أعدته منظمة “مراسلون بلا حدود”، صنفت مصر في المرتبة الـ161من أصل 180 دولة، كما يقبع قرابة 29 صحافيًا في السجون المصرية، بحسب ما قالت المنظمة نفسها التي أعربت أكثر من مرة عن قلقها على حرية الإعلام في مصر، مؤكدة أن البلاد تحولت “إلى إحدى أكبر السجون للصحافيين في العالم”.
منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها العالمي 2017 قالت: “مصر أمرت بحظر سفر وتجميد أموال منظمات حقوقية بارزة ومديريها، ووجهت اتهامات جنائية إلى نقيب الصحافيين وأكبر مسؤول معني بمكافحة الفساد”، وحكم على نقيب الصحافيين المصري السابق يحيى قلاش بالسجن مع إيقاف التنفيذ.
جدير بالذكر أن السيسي وخلال حوار أجرته فرانس 24 معه في أكتوبر 2017 وردًا على سؤال عن المعتقلين السياسيين التي تتحدث منظمات حقوقية عن وجود الآلاف منهم في السجون المصرية، قال: “لا وجود لمعتقلين سياسيين في مصر”، و”لا يوجد لدينا سجناء سياسيون”، مؤكدًا أنه في مصر “هناك إجراءات قضائية حقيقية يتم من خلالها مراعاة كل الإجراءات القانونية طبقًا للقانون المصري”.
رموز مبارك
رغم أن نظام السيسي في الأساس هو من رحم نظام مبارك، فإنه يعاني من حالة فوبيا من عودة رجالات هذا النظام مرة أخرى، الأمر الذي يفسر حملات التضييق الممنهجة ضد من كل من يجاهر بدعمه له، ميدانيًا أو على منصات السوشيال ميديا، يتساوى في ذلك المواطنون العاديون ورجال الأعمال، حتى نجلي مبارك نفسه، جمال وعلاء.
العديد من الشواهد تكشف حالة القلق تلك، رغم أن رموز هذا النظام كانوا أحد أبرز الداعمين للسيسي في حربه ضد الإخوان، كون الأخيرة من سحبت البساط من تحت أقدام الرئيس المخلوع وأطاحت به من القصر في 2011، ومن أبرز ملامح هذا التضييق الذي طال نجلي مبارك، منع الحكومة، ممثلة في شركة “تذكرتي” المسؤولة عن طرح تذاكر كأس الأمم الإفريقية، التي أقيمت في مصر مؤخرًا، جمال مبارك، من حضور مباريات المنتخب في ملعب القاهرة الدولي، كما حظرت بطاقة المشجع الخاصة بشقيقه علاء بعد ظهوره في إحدى المباريات بمدرجات الدرجة الثالثة.
استهداف الشباب على وجه الخصوص من السلطات الأمنية، بعضهم لم يتجاوز سن البلوغ، وآخرين في مرحلة الطفولة، عمق حالة الاحتقان في نفوس الكثيرين من أبناء هذا الجيل
كما يحرم القانون علاء وجمال مبارك من ممارسة حقوقهما السياسية حتى عام 2021، بسبب إدانتهما مع والدهما في قضية فساد القصور الرئاسية، إلا أن الثنائي انخرطا في الحياة العامة بشكل لافت من خلال الظهور في المناسبات العامة كحفلات الزفاف وتقديم واجب العزاء، والتجمعات الكروية من خلال حضور علاء مبارك لمباريات فريق الإسماعيلي الذي يشجعه منذ أن كان شابًا يافعًا.
وبسبب نشاط علاء بصفة خاصة على تويتر وتعليقه على الأحداث السياسية التي تمر بها البلاد، بدأت السلطات في شن حملات ممنهجة ضدهم، وكذلك حجب الأخبار عن نشاطهما الجماهيري اللافت.
ووفق شهادة صحفي لموقع “درج” فإن تعليمات من مصادر عليا وصلت إلى الجرائد اليومية بـ”عدم تسليط الضوء على أنشطة آل مبارك، والاكتفاء بنشر الأخبار المتعلقة بمحاكمتهما، بعدما لوحظ إصرارهما على الحضور وسط الطبقات الشعبية مثل أداء الصلوات في المساجد المشهورة كالحسين، وتناول الطعام الشعبي بمناطق كإمبابة، والجلوس على المقاهي للعب الطاولة مع المواطنين”.
“الخوف من علاء وجمال هو ترجمة لانكماش شعبية النظام بين العامة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وانهيار وعود الرخاء والتنمية، لذا يخشى النظام من تحركات أسرة مبارك كونها الوحيدة الآن القادرة على منافسته”، كان هذا تعليق المحلل السياسي مجدي حمدان للموقع ذاته.
استعداء رموز نظام مبارك لم يقف عند حاجز نجليه وفقط، بل امتد إلى قطاعات كبيرة من رجال الأعمال، القطاع الأبرز في هيكل الحزب الوطني المنحل، الذي تعرض جزء كبير منهم للخسارة الفادحة بسبب سيطرة الجيش على قطاعات العمل المدني، الأمر الذي وضع مصالح رجال الأعمال في خطر واضح، وباتوا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التقوقع داخل عباءة المؤسسة العسكرية أو مواجهة الخسائر المتتالية.
ورغم ما يثار بين الحين والآخر بشأن حالة التناغم بين رجالات مبارك ونظام السيسي، فإن الفجوة تتسع عامًا بعد عام، وهو ما يفسر مساعي حزب “مستقبل وطن” الظهير السياسي للسيسي، في استمالة معظمهم، واعدًا إياهم بمكاسب سياسية واقتصادية خلال المرحلة المقبلة، هذا بخلاف استئناس بعضهم من خلال توليهم بعض الحقائب الوزارية.
#ارحل_ياسيسي
عايزين لما نكبر نقول إن جيلنا عمل ثورةعشان يشيل الفساد من جدوره
عايزين لما يتحكى عننا يتقال عملوا ثورة عشان كنا أبطال وقد كلمتنا اللى إتعاهدنا عليها ووفينا بيها
عايزين لما يشفونا أولادنا يفضلوا يقولوا إنتوا خاتوه حقنا وحق ولادنا وحق أولاد أولادنا
(شكرآ لهذا الجيل) pic.twitter.com/S2kg0jiG1G
— رئيس مصر (@Ahmed75296184) January 14, 2020
الشباب.. الخاسر الأول والأخير
يدفع الشباب الثمن الأكبر من تداعيات سياسات نظام السيسي، فالشاب الذي عايش الثورة وكانت تراوده أحلام الديمقراطية والطفرة الاقتصادية والاجتماعية، يحيا اليوم وبعد مرور 8 أعوام عليها، حالة من اليأس والإحباط، دفعته إلى ردود فعل بعضها متطرف تمثلت في زيادة نسب الانتحار، هذا بجانب الكفر بالسياسة والعاملين بها.
ما يقرب من 30 مليون مصري، معظمهم من فئة الشباب، باتوا اليوم تحت مستوى خط الفقر، في ظل الإستراتيجية الاقتصادية التي يتبعها النظام الحاليّ، التي تعتمد على الاقتراض من الخارج، دون النظر لمعاناة الشباب في الداخل، وهو الأمر الذي انعكس بطبيعة الحال على اتساع رقعة الغضب لدى هذه الفئات.
اكتر فئه اتظلمت هما الشباب اللي ضاع حلمهم ?#ارحل_ياسيسي #نازلين_يوم٢٥ #ثورتنا_ثورة_تطهير https://t.co/z75hhnmJhZ
— فاطمه تعلبه ⚖️ (@ommasrya80) January 15, 2020
استهداف الشباب على وجه الخصوص من السلطات الأمنية، بعضهم لم يتجاوز سن البلوغ، وآخرين في مرحلة الطفولة، عمق حالة الاحتقان في نفوس الكثيرين من أبناء هذا الجيل الذي بات يرى في السياسات الحاليّة وأد لأحلامهم ومشروعاتهم المستقبلية، هذا في الوقت الذي يسعى فيه النظام إلى اسئناس حفنة من الشباب لتربيتهم على مرأى ومسمع منه لتهيئتهم لقيادة الأجهزة التنفيذية في المرحلة المقبلة، حتى يكونوا سواعده في تنفيذ أهدافه فيما يصدر للخارج اهتمامه بهذا القطاع الحيوي.
وهكذا باتت رقعة المعارضة أكثر اتساعًا بعد 9 سنوات من الثورة التي لا تزال تثلج الصدور رغم محاولات تذويبها بنيران التضييق والتنكيل، وتبقى مسألة قدرتها على تدشين كيان قوي يمكنه استعادة روح يناير مرة أخرى شريطة توافر الإرادة السياسية التي تعرضت خلال السنوات الماضية إلى شروخات تحتاج إلى جهد كبير لترميمها مرة أخرى.