ترجمة وتحرير: نون بوست
سواء كانت تناصر سياسية البراغماتية تجاه طهران أو، على العكس من ذلك، تمثل عدوا لدودا لإيران، تُظهر بلدان الخليج، منذ اغتيال الجنرال قاسم سليماني، الذي قُتل في غارة أمريكية في بغداد في الثالث من كانون الثاني/يناير، موقفًا متشابهًا يتمثل في رفض التصعيد العسكري في المنطقة.
في الوقت الحالي، وعلى إثر الأعمال الانتقامية التي نفذتها إيران ضد القواعد التي تأوي جنودًا أمريكيين في العراق، رحبّت بعض وسائل الإعلام بمقتل الجنرال الإيراني القوي، المشرف على النفوذ الإقليمي لطهران.
أما الزعماء السياسيين في الرياض أو المنامة أو أبو ظبي، فقد تجنبوا من جهتهم التعبير عن ابتهاجهم بالحادثة بشكل علني. في هذا الصدد، قالت ياسمين فاروق، المحللة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إن “دول الخليج قلقة للغاية بشأن عواقب ما حدث وطريقة رد إيران. لم ينته الأمر بعد.” صرّح أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني يوم الأحد 12 كانون الثاني/يناير، الذي التقى بالرئيس الإيراني حسن روحاني والمرشد الأعلى علي خامنئي في طهران، بأن “الحوار هو الحل الوحيد لهذه الأزمة”. يُذكر بأن الدوحة، حليفة واشنطن، تحتفظ بعلاقات جيدة مع إيران.
ضغط أمني
على الرغم من أن المملكة العربية السعودية، التي تواصل مقاطعة قطر، قد دعمت استراتيجية “الضغط الأقصى” التي فرضتها واشنطن على إيران، إلا أنها تسعى أيضًا لتهدئة الوضع، ففي الوقت الذي أدانت فيه الرد الإيراني في العراق، دعت السعودية، يوم الخميس التاسع من كانون الثاني/ يناير، “جميع الأطراف إلى ضبط النفس”.
في حين أنه وقع تجنب التصعيد، في الوقت الحالي على ما يبدو، إلا أن التوترات ما زالت على أشدّها بين واشنطن وطهران، كما أورد الشق الموالي لإيران أنه عازم على طرد الولايات المتحدة من المنطقة، ومن العراق أولاً، وذكّر بقدرته على التعبئة خلال مراسم تأبين قاسم سليماني، الذي رُفع إلى منزلة البطل. تجدر الإشارة إلى أن هذه المراسم نُظمت أيضًا في لبنان من طرف حزب الله، وفي اليمن من جانب المتمردين الحوثيين، وفي غزة.
تتعلق إحدى التساؤلات أيضًا بمواصلة طهران تطبيق استراتيجية الضغط الأمني على حلفاء واشنطن الإقليميين، حيث يتمركز أكثر من 30 ألف جندي أمريكي في دول الخليج، وخاصةً في القاعدة البحرية المهمة التي تستضيفها البحرين. تُذكر لورانس لور، وهي أستاذة مشاركة في معهد الدراسات السياسية بباريس، في هذا الخصوص بأن “هذه الدول تدرك أنها قد تكون أولى ضحايا التوترات، إما لأن الوجود الأمريكي مستهدف، أو لأن منشآتها النفطية أو سفاراتها مستهدفةً أيضًا”. أورد كذلك المحلل عبد الخالق عبد الله أن اغتيال قاسم سليماني أعاد إرساء “شكل من أشكال ثقة حلفاء الخليج في الولايات المتحدة”، مضيفًا بأن “مقتل سليماني قرار في غاية الأهمية، اعتبره كثيرون شجاعًا جدًا”.
لا يمحو هذا الاغتيال الانطباع بعدم إمكانية التنبؤ بقرارات دونالد ترامب، ولا بأن الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة غير واضحة المعالم، فقد اختار الرئيس الأمريكي عدم الرد بعد الأعمال الانتقامية الإيرانية خلافًا لتصريحاته السابقة. في الحقيقة، ما زال وقع الصدمة التي خلفتها سلسلة الضربات التي شُنت على أبرز موقعي نفط في المملكة العربية السعودية في 14 أيلول/سبتمبر 2019. فخلال فصل الصيف عندما بلغ التوتر أوجه، تعرضت هذه المنشآت للهجوم بشكل غير مسبوق، وبعد أن تبناه المتمردون الحوثيون في اليمن، دون وجود أدلة مقنعة على ذلك، نسب الأمريكيون هذا الهجوم لإيران غير أن واشنطن لم تبد أي رد فعل عسكري.
بوادر التهدئة
بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة الخليجيين، كان ذلك تذكيرًا بضعفهم نظرًا لقربهم الجغرافي من إيران، وكذلك دليلًا على أن الولايات المتحدة لا تشن قتالًا من أجلهم، وبالتي ظلت هذه المخاوف قائمة، وإلى جانب ذلك، أردفت ياسمين فاروق أن “الغارة التي شنّتها الولايات المتحدة (ضد قاسم سليماني) لا تعني بأي حال من الأحوال أن الأميركيين سيردون الفعل في حال وجهت إيران ضربة أخرى إلى المملكة العربية السعودية، فقد تعلموا الدرس منذ ضربة 14 أيلول/سبتمبر، إذ لا وجود لأي ضمان بأن الولايات المتحدة ستتدخل، إذا لم يوجه لها هجوم مباشر وفي حال مورس ضغط إيراني على حلفاء واشنطن”.
اتخذت المملكة العربية السعودية منهجا أكثر براغماتية منذ هجمات أيلول/سبتمبر، ألا وهو التركيز على مشاريعها الوطنية واسعة النطاق
يدعو ذلك إلى استفسار دول الخليج عن الاستراتيجية التي تبنتها تجاه إيران، منذ حادثة تخريب واحتجاز ناقلات النفط في ربيع عام 2019، تراجعت دولة الإمارات العربية المتحدة وقامت بمحاولات تهدئة تجاه طهران. وأشار عبد الخالق عبد الله إلى أن “الإمارات ما زالت تنحو هذا المنهج المتمثل في تخفيف حدة التوترات”. إضافة إلى ذلك، أعلنت الإمارات أنها ستقلص عدد قواتها في اليمن اعتبارًا من شهر تموز/يوليو.
من جانبها، ووفقا لياسمين فاروق: “اتخذت المملكة العربية السعودية منهجًا أكثر براغماتية منذ هجمات أيلول/سبتمبر، ألا وهو التركيز على مشاريعها الوطنية واسعة النطاق، والانخراط في القضايا الإقليمية من أجل تحقيق الاستقرار في البيئة الإقليمية للمملكة، لكن هذا التوجه أصبح محل شكوك في الوقت الحالي، إذ تتعلق القضية باليمن، فالمملكة العربية السعودية، التي تورطت في حرب بدأت منذ سنة 2015، “راهنت على الانقسامات صلب الفصائل الحوثية لتحقيق التهدئة”، لكن اغتيال قاسم سليماني جاء ليوحد صفوف المتمردين ويزيد من “تعقيد” المفاوضات أكثر فأكثر.
المصدر: لوموند