تحتضن العاصمة الألمانية برلين بعد غد الأحد مؤتمرًا خاصًا حول ليبيا، من أجل الوصول إلى حل سياسي متوافق بشأن الأزمة المتفاقمة هناك، يجمع المؤتمر الدولي الأطراف المعنية في الشأن الليبي، لكن مع غياب تونس الدولة الجارة لليبيا عن قائمة المدعوين، ما أثار استغراب العديد من الأوساط التونسية والمهتمين في الشأن الليبي، خاصةً إذا علمنا أنه الجزائر ومصر من بين الضيوف المنتظرين للحضور.
قائمة المدعوين
أعلنت الحكومة الألمانية عن قائمة المدعوين الأخيرة للمشاركة في مؤتمر برلين حول الأزمة الليبية، ضمّت بعض التعديلات عن القائمة الأصلية المتمثلة في مجموعة “5+5″، حيث شملت الدعوة مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن (الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، فرنسا، بريطانيا والصين).
كما تضمنت أيضًا دول إقليمية، وهي ألمانيا باعتبارها الدولة المنظمة، وتركيا، فضلًا عن إيطاليا ودول عربية مثل الإمارات ومصر والجزائر (تأكدت دعوتها مؤخرا)، إلى جانب دعوة دولة الكونغو التي يرأس رئيسها، دنيس ساسو أنغيسو، لجنة رفيعة تعنى بالأزمة الليبية.
تمّ تغييب تونس عن حضور هذا المؤتمر الخاص بجارتها الشرقية ليبيا رغم ترأسها جامعة الدول العربية في دورتها العربية، وشغلها منصب عضو غير دائم في مجلس الأمن للفترة 2020 -2021
رغم غيابها عن القائمة الأولى، فقد تضمنت القائمة النهائية دعوة طرفي النزاع الليبي، إذ تمت دعوة فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا، إضافة إلى اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يهاجم طرابلس منذ أشهر. إلى جانب هؤلاء تمت دعوة العديد من المنظمات الدولية والإقليمية لحضور هذا المؤتمر المرتقب حول ليبيا، وهي منظمة الأمم المتحدة وبعثتها إلى ليبيا التي يرأسها غسان سلامة، والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، والجامعة العربية.
تغييب تونس
غابت عن هذه القائمة تونس رغم كونها واحدة من أوائل المعنيين بحل الأزمة الليبية، ذلك أنها أكثر الدول المتضررةً من الحرب هناك، وهي واحدة أيضًا من أبرز الدول التي تسعى إلى المساهمة في حل الأزمة الليبية المتواصلة منذ سنوات، نظرًا لعمق الروابط المشتركة بين هذين البلدين وتأثرها بشكل مباشر ومستمر من تردي الأوضاع في جارتها الشرقية.
لا شك أن تونس بما تحمله من روابط تاريخية ومصالح إستراتيجية تجاه ليبيا منذ قديم الزمان، تبقى من أهم الدول الداعمة لاستقرار ليبيا، لما في ذلك من مصالح كبرى لها، فانعدام الاستقرار في هذا البلد سيكون له تأثير سلبي عليها.
وما فتئت تونس تحرص من خلال مساعيها الدبلوماسية على تحقيق أكبر قدر من التوافق ببن الأطراف الليبية، دون تدخل أطراف خارجية والمحافظة على العملية السياسية الديمقراطية في البلاد وعدم إقصاء أي طرف، لأن إيجاد حل للأزمة الليبية يعدّ مفتاحًا لحل العديد من المشاكل الداخلية ذات الطابع الأمني والاقتصادي في تونس، فيما يمثّل غياب هذا الحلّ تهديدا للتجربة الديمقراطية التونسية.
دعت ألمانيا إلى هذا المؤتمر 11 دولة
تمّ تغييب تونس عن حضور هذا المؤتمر الخاص بجارتها الشرقية ليبيا رغم ترأسها جامعة الدول العربية في دورتها العربية، وشغلها منصب عضو غير دائم في مجلس الأمن للفترة 2020 -2021 (شغلت تونس مقعد عضو غير دائم بمجلس الأمن ثلاث مرات في تاريخها في الفترات 1959 – 1960 و1980 – 1981 و2000 – 2001).
وسبق أن أكّدت المكلفة بالاتصال برئاسة الجمهورية التونسية رشيدة النيفر أن تونس كانت حريصة على أن تكون ممثلة في مؤتمر برلين منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأبلغت وزير الخارجية الألماني بذلك خلال لقائه بالرئيس قيس سعيد في الشهر ذاته، لكنها لا تعلم سبب عدم توجيه الدعوة.
وكانت تونس التي تسلمت مقعدها بمجلس الأمن، قد شاركت قبل نحو أسبوعين في الجلسة الطارئة للمجلس المنعقدة بطلب من الجمهورية التونسية والمملكة المتحدة وروسيا حول الأحداث الأخيرة في ليبيا، وبحضور الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة، بحسب بيان للخارجية التونسية.
في هذه الجلسة، عبرت تونس عن “استنكارها الشديد ورفضها المطلق لتواصل سفك دماء الليبيين، مشددةً على ضرورة التحرك العاجل لمجلس الأمن لفرض احترام قراراته ذات الصلة بالشأن الليبي”، والدفع نحو تسوية سلمية سياسية للأزمة في ليبيا.
ضحية موقفها “الغامض”
“استبعاد تونس رغم أهميتها كدولة جارة لليبيا يقيم فيها أكثر من مليون ليبي، ورغم أنها حاليًا عضو غير دائم في مجلس الأمن، إنما اختاره منظمو مؤتمر برلين بعد أن ظهر جليًا غياب أوراق ضغط في يد الدبلوماسية التونسية يمكن استغلالها لخدمة المصالح التونسية المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالوضع الليبي”، وفق الإعلامية التونسية سوسن برينيس.
تضيف برينس في تصريح لنون بوست، “الإعلان عن بداية التدخل التركي إلى جانب حكومة الوفاق في طرابلس أربك الدبلوماسية التونسية، التي ظلت طويلًا تتبنى علانية الحياد الايجابي دون أن توضع في اختبارات حقيقية تثبت هذا الحياد.”
وتتابع، “السياسة الخارجية التونسية كانت دائمًا داعمةً للاتجاه العام للدول المسيطرة على الجامعة العربية، ففي 2011 دعمت التدخل العسكري للناتو في ليبيا وأيدت هذا التدخل عسكريًا ولوجستيًا، وفي 2015 أيدت تونس عاصفة الحزم والتحالف العربي في اليمن.”
وترى الإعلامية التونسية أن “المعضلة أمام الدبلوماسية التونسية اليوم في ليبيا هي انقسام المشهد بين محورين، محور داعم لحفتر تمثله السعودية والإمارات ومصر وفرنسا، ومحور آخر مؤيد للحكومة الشرعية في طرابلس تمثله خاصة تركيا. هذا التردد في اختيار الاصطفاف جعل الموقف التونسي غامضًا فهو من جهة يدعم الشرعية الدولية الممثلة في حكومة السراج، ومن جهة أخرى لا يدين هجوم حفتر على طرابلس بلغة واضحة، خشية إزعاج الدول الداعمة له.”
غياب موقف واضح للدبلوماسية التونسية واعتمادها سياسة الحياد السلبي تجاه الأزمة الليبية، وقضية اعتقال الخبير الأممي المنصف قرطاس جعلا السلطات الألمانية لا ترى جدوى من وجود تونس في برلين
سبق أن عبرت الرئاسة التونسية في بيان رسمي عن رفضها المطلق لسياسة الاصطفاف فيما يتعلق بالملف الليبي، مؤكّدة أنها “لن تقبل بأن تكون عضوًا في أيّ تحالف أو اصطفاف على الإطلاق، ولن تقبل أبدًا بأن يكون أيّ شبر من ترابها إلاّ تحت السيادة التونسية وحدها”.
يتبين من هنا أن إصرار تونس على الحياد السلبي والموقف الغامض مما يحصل في الجارة ليبيا (لا موقف واضح لها يمثلها وستدافع عنه من خلال المشاركة)، أضاع عليها فرصة المشاركة والدفاع عن مصالحها في مؤتمر برلين المرتقب، الذي من المنتظر أن يحدّد مستقبل الوضع في هذا البلد العربي المنكوب.
وكانت كلّ من تركيا وإيطاليا قد عبّرتا في مناسبات مختلفة عن ضرورة وأهمية مشاركة تونس في مؤتمر برلين، لما تحظى به تونس من “مكانة على الصعيد الدولي وعلى دورها المحوري في حلّ الأزمة الليبية”، وفق وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي، لويدجي دي مايو.
قضية الخبير الأممي قرطاس
فضلاً عن موقفها الغامض، يعود سبب استبعاد تونس عن مؤتمر برلين، إلى تداعيات اعتقال المنصف قرطاس الذي يعمل كخبير في الأمور المتعلقة بشحنات الأسلحة غير القانونية الواردة إلى ليبيا، عقب وصوله إلى مطار تونس الدولي في أواخر مارس/آذار الماضي.
وتم القبض على قرطاس، وإيداعه السجن بتهمة “الكشف بشكل متعمد عن معلومات تم جمعها من خلال عمليات تدخل واعتراض ومراقبة صوتية تتعلق بخطط الدفاع الوطنية للدولة التونسية ونقلها إلى دولة أجنبية أو عملائها”، لم يُكشف عن اسمها، بحسب ما ورد في الترجمة الإنجليزية للقرار الرسمي بفتح تحقيق في الأمر، وفق دوتشيه فيلا.
وقرطاس الذي كان مسافراً بوثيقة سفر رسمية صادرة عن الأمم المتحدة، هو مواطن تونسي – ألماني مزدوج الجنسية، ويعمل عضواً في فريق خبراء تابع للأمم المتحدة مكلف بالتحقيق في شحنات أسلحة محتملة من وإلى ليبيا.
خلفت معارك طرابلس خسائر بشرية كبيرة
أثار اعتقال قرطاس الذي أفرج عنه بعد شهرين، مواجهة دبلوماسية تونسية ألمانية، حيث عبّرت ألمانيا في أكثر من مرة عن استنكارها من اعتقال مواطنها رغم أنه يحمل الحصانة الديبلوماسية وعدم تفاعل السلطات التونسية مع طلبات الإفراج عنه.
غياب موقف واضح للدبلوماسية التونسية واعتمادها سياسة الحياد السلبي تجاه الأزمة الليبية، وقضية اعتقال الخبير الأممي المنصف قرطاس جعلا السلطات الألمانية لا ترى جدوى من وجود تونس في برلين لبحث سبل الخروج من الأزمة الليبية.