لا تزال عملية اغتيال رئيس فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، في عملية أمريكية خاصة بمطار بغداد الدولي، تتفاعل على الصعيد الدولي والمحلي فيما تسعى دول الإقليم لاستيعاب الصدمات الارتدادية للزلزال الذي أحدثه الاغتيال.
دخول واشنطن وطهران في مواجهة مفتوحة يثير المخاوف الدولية والقلق الإقليمي، بسبب آثار وتداعيات مثل هذه المواجهة على السلم الدولي والوضع الاقتصادي الهش في العالم، وحالة عدم الاستقرار التي تميز الشرق الأوسط وتجعله برميل بارود قابل للانفجار.
وساطة قطرية
هذه المستجدات وضعت حكومة تصريف الأعمال العراقية الطرف الأضعف في المعادلة الإقليمية بموقف حرج، حيث يطالبها قادة الفصائل المسلحة الموالية لإيران والمنضوية تحت لواء هيئة الحشد الشعبي بالثأر، وأقله من وجهة نظرهم إخراج القوات الأمريكية من العراق، وهو ما ترجم على شكل قرار أصدره البرلمان العراقي في 5 من يناير/كانون الثاني الحاليّ، يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء وجود أي قوات أجنبية على الأرض العراقية خلال جلسة استثنائية.
وهو الأمر الذي أغضب الولايات المتحدة التي لا تريد ترك العراق بهذه السهولة، وهددت بفرض عقوبات اقتصادية على بغداد حال شرعت باتخاذ خطوات فعلية لإخراج قواتها من البلاد، وهو ما ينذر بانهيار الاقتصاد العراقي.
الدبلوماسية القطرية المعروفة بأنها متخصصة في المنطقة بعمليات إطفاء الحرائق، وتستعين بها الأطراف الدولية في المنطقة للتوسط في الأزمات، دخلت على خط الأزمة، حيث شهدت بغداد زيارة مفاجئة لوزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الأربعاء 14 من يناير/كانون الثاني الحاليّ، وعكس تعليق وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم على الزيارة أهميتها حيث قال: “زيارة مهمة في توقيت حرج”.
فيما تسعى الأطراف الرسمية في الحكومة العراقية لاحتواء تداعيات الأزمة وتجنيب البلاد مخاطر العقوبات الأمريكية، تصعد الأذرع الإيرانية لهجة التهديد والوعيد تجاه واشنطن
وتأتي أهمية الزيارة بسبب سعي واشنطن الحثيث لتهدئة الأوضاع في المنطقة، واحتواء تداعيات اغتيال سليماني فيما يتجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لخوض غمار سباق الانتخابات الرئاسية للفوز بفترة ثانية، لذلك تضغط إدارته لإعادة العراق إلى موقف الحياد الذي أعلنته الحكومة قبل عملية الاغتيال، ويمكن اعتبار الدور القطري محوري في عقلنة صانع القرار في بغداد، فيما تضغط إيران بالاتجاه المعاكس لتصعيد لهجة التحدي وهو ما يبرز في خطاب الفصائل الموالية لها.
وسريعًا جاءت آثار زيارة آل ثاني إلى العراق، حيث أكدت الرئاسات العراقية الثلاثة (الجمهورية والحكومة والبرلمان)، على مراعاة مصالح العراق وأمنه السياسي والمالي، وقالت في بيان: “رئاسات الجمهورية والبرلمان والوزراء اجتمعت في قصر السلام مساء الأربعاء من أجل بحث آخر المستجدات السياسية والأمنية”، وأضاف البيان: “المجتمعون اتفقوا على مواصلة مبدأ مراعاة مصالح العراق وأمنه السياسي والمالي في الموقف الوطني المتوازن من الأزمات الإقليمية والدولية المحيطة بالعراق، وبما ينأى به عن الصراعات، والتأكيد على التهدئة وضبط النفس ومنع التصعيد”.
وأوضحت الرئاسات الثلاثة: أنه “تم التأكيد على أهمية الإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة وتلبية متطلبات الإصلاح في مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والخدمية، بما يحفظ سيادة العراق وأمن العراقيين من تحديات الإرهاب حتى تحقيق النصر الناجز”.
وما يؤكد أن التحرك القطري تجاه بغداد جاء في إطار تهدئة الأوضاع في المنطقة، تصريح الشيخ جوعان بن حمد آل ثاني، شقيق أمير قطر، عبر موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، حيث قال في تغريدة الخميس 16 من يناير/كانون الثاني: “تقوم دولة قطر بدور الوساطة لقيادة المنطقة إلى السلام بعدما اشتبكت المصالح وتضاربت المشاريع الإقليمية والدولية.. الجميع يثق في قدرة الدوحة على تقريب وجهات النظر بين العواصم المتخاصمة وإطفاء الحرائق التي أشعلتها أخطاء متراكمة”.
تقوم دولة #قطر بدور الوساطة لقيادة المنطقة إلى السلام بعدما اشتبكت المصالح وتضاربت المشاريع الإقليمية والدولية ..
الجميع يثق في قدرة الدوحة على تقريب وجهات النظر بين العواصم المتخاصمة وإطفاء الحرائق التي أشعلتها أخطاء متراكمة ..
— جوعان بن حمد (@JoaanBinHamad) January 15, 2020
ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى زيارة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى إيران وهي الأولى له منذ توليه منصبه عام 2013، وقد حظي الأمير الشاب باستقبال رسمي حافل كان على رأسه الرئيس الإيراني حسن روحاني، وتعكس الحفاوة حجم التعويل الإيراني على المواقف القطرية، وهو ما أشار إليه الشيخ جوعان في تغريدة علق فيها على الزيارة وأشار فيها إلى البعد الجيوسياسي الذي تحمله.
زيارة سيدي صاحب السمو الأمير المفدى لطهران تُحيل في زمانها ومكانها إلى قيم الجوار في تصوّر قطر للآخر مهما اختلفت معه وقيم الحوار في تصورها للحلول وإدارة الخلاف ..
وهي في معناها الجيوسياسي إشارة متكررة إلى حالة تأثير وفاعلية سياسية قطرية تتجاوز ضرورات الجغرافيا ..@TamimBinHamad pic.twitter.com/BMlWNTV2OK
— جوعان بن حمد (@JoaanBinHamad) January 12, 2020
الأذرع الإيرانية تُصعّد
وفيما تسعى الأطراف الرسمية في الحكومة العراقية لاحتواء تداعيات الأزمة وتجنيب البلاد مخاطر العقوبات الأمريكية، تصعد الأذرع الإيرانية لهجة التهديد والوعيد تجاه واشنطن، وهو ما ينذر بفصام قد يتحول إلى ازدواجية داخل الدولة، ينذر بمواجهة سياسية قد تتطور إلى عسكرية، بحسب مراقبين.
حيث قال “حزب الله” العراقي في بيان: “لقد تضاعفت انتهاكات القوات الغازية وجرائمها، وازداد تجبرها على أرض المقدسات مع زيادة أعدادها، وإصرارها على تحدي إرادة الشعب العراقي، برفضِها الامتثال لقرار مجلسِ النواب بسحبِ قواتها من العراق، وبات جليًا أنها لا تحترم إرادة الشعب، ولا تقيم وزنًا للقوانين الدولية، وبدل أن ترعوي تعالت خطاباتها العدائية التي تنم عن العنجهية والصلف والتعالي على الشعوب في محاولة بائسة لكسر إرادة الشعب العراقي وابتزازه”.
وأضاف البيان “لدى شعبنا الأبي خيارات عدة أمام هذا التحدي، منها الخوض في صفحةٍ جديدةٍ من المنازلة، وهي الاستعداد لثورة شعبية موحدة لمواجهة الاحتلال الأمريكي الغاشم، نثبت فيها للعالم الذي عليه أن يراقب ويشاهد كيف سيتعامل أبناء علي والحسين، وأبناء العراق من الشمال إلى الجنوب مع جرائم وانتهاكات أراذل الأرض وشياطينها، وكيف ستكون هذه الثورة الشعبية درسًا جديدًا من دروس العزة والإباء لكل شعوب العالم”.
ويتوقع محللون أن الحديث عن انتفاضة شعبية في البيان، يمكن أن يكون مؤشرًا على شكل التصعيد الذي تخطط له الأطراف الشيعية في الأيام القادمة، الذي سيحول مسار الرد العسكري الذي لطالما تحدثت عنه هذه الأطراف إلى الرد الشعبي عبر تسيير المظاهرات والاحتجاجات، وقد تتحول إلى اعتصامات تحاصر فيها جموع من الجماهير القواعد والمعسكرات الأمريكية.