ترجمة وتحرير نون بوست
لا تزال ليبيا تصارع حربًا أهليةً داميةً منذ ما يقارب العقد. ومع ذلك، فشل المجتمع الدولي حتى الآن في الوفاء بعهوده بتحمل مسؤولية إنهاء العنف وإرساء السلام والاستقرار. وها نحن اليوم نشهد عواقب هذه اللامبالاة. إن الحكومة الليبية، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، تتعرض للهجوم من قبل أمير الحرب خليفة حفتر منذ عدة سنوات. وتتمتع مجموعته المسلحة، التي تسعى إلى تنفيذ انقلاب في البلاد، بدعم من الحكومات المناهضة للديمقراطية وعلى رأسها مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب حكومات أخرى.
على الرغم من الجهود المبذولة للتوسط في حل سياسي، مثل اتفاق الصخيرات لسنة 2015، لم يفعل العالم ما يكفي لدعم العناصر المؤيدة للدبلوماسية والحوار في ليبيا. في أوروبا، قسّمت هذه القضية القارة التي لم تتخذ بعد قرارًا بشأن ما ينبغي القيام به في ليبيا. فمن جهتها، ستستضيف ألمانيا، الداعمة للحكومة الشرعية للبلاد والداعية للدبلوماسية، مؤتمرًا للسلام في برلين يوم الأحد. وعلى النقيض من ذلك، انحازت فرنسا إلى العقل المدبر للانقلاب الليبي، المشير خليفة حفتر، ضد الحكومة الشرعية للبلاد.
تمثل الحرب الأهلية الليبية اختبارًا حقيقيًا بالنسبة للاتحاد الأوروبي. فهل سيدعم القادة الأوروبيون النظام العالمي الليبرالي في مواجهة أي هجوم آخر؟
ربما يتساءل البعض لماذا ينبغي على أوروبا الانخراط في الصراع الليبي في المقام الأول، خاصة بالنظر إلى وجود حروب ومواجهات وأزمات إنسانية أخرى في جميع أنحاء العالم. في الواقع، قد يمثل فشل الاتحاد الأوروبي المحتمل في دعم حكومة الوفاق الوطني الليبية بشكل كاف خيانةً لقيمه الأساسية، بما في ذلك الديمقراطية وحقوق الإنسان. وترك ليبيا تحت رحمة أحد أمراء الحرب سيكون خطأ ذا أبعاد تاريخية.
علاوة على ذلك، ستواجه أوروبا مجموعةً جديدةً من المشاكل والتهديدات إذا سقطت حكومة ليبيا الشرعية. سوف تجد المنظمات الإرهابية مثل تنظيم الدولة والقاعدة، التي عانت من هزيمةٍ عسكريةٍ في سوريا والعراق، أرضًا خصبة لاستجماع قواها. في الأثناء، تقاتل بعض الجماعات التي تتبنى إلى حد كبير أيديولوجية تلك المنظمات الإرهابية، بما في ذلك السلفيّة المدخليّة، بالفعل إلى جانب حفتر. وإذا استمر النزاع، فإن العنف وعدم الاستقرار سيزيدان من تدفق الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.
تمثل الحرب الأهلية الليبية اختبارًا حقيقيًا بالنسبة للاتحاد الأوروبي. فهل سيدعم القادة الأوروبيون النظام العالمي الليبرالي في مواجهة أي هجوم آخر؟ أم سيتنازلون عن مسؤولياتهم كما فعلوا في سوريا، ليشاهدوا تطور الأزمة من بعيد؟ يجب أن يفهم أصدقاؤنا وحلفاؤنا الأوروبيون أنهم لا يستطيعون تغيير العالم بمجرد التنديد والتعبير عن قلقهم. ولا يمكن الدفاع عن القانون الدولي والديمقراطية وحقوق الإنسان دون تحمل بعض الأعباء.
ستجد أوروبا نفسها في مفترق طرق. عند هذا الملتقى التاريخي، يجب أن تتحلى الأطراف التي تسعى لتحقيق السلام بالشجاعة وأن تبذل قصارى جهدها لتضع حدًا للعنف
يعلمنا التاريخ أن مكافأة أولئك الذين يرفضون تطبيق الدبلوماسية والذين يسخرون من المجتمع الدولي لن تُؤدي إلا إلى ظهور مشاكل أكثر خطورة بسرعة. ومع ذلك، تشير آخر التطورات في ليبيا إلى أن بعض القادة الأوروبيين لم يتعلّموا من هذه الدروس. يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى أن يُظهر للعالم أنه جهةٌ فاعلةٌ في الساحة الدولية. ويمثل مؤتمر السلام القادم الذي سيُعقد في برلين خطوةً مهمةً للغاية نحو تحقيق هذا الهدف.
في المقابل، يتعين على الزعماء الأوروبيين التوقف عن التحدث قليلاً والتركيز على اتخاذ خطواتٍ ملموسة. وبما أن أوروبا لا تهتم كثيرًا بتوفير الدعم العسكري لليبيا، فإن الخيار الواضح يتمثل في العمل مع تركيا، التي وعدت بالفعل بتقديم مساعدة عسكرية.
تدعم تركيا بالكامل حكومة ليبيا الشرعية والمدعومة من الأمم المتحدة. وبموجب أحدث اتفاقيات التعاون الأمني والعسكري، تعهدنا بحماية الحكومة الليبية من المتآمرين. في هذا الصدد، سنشرف على تدريب قوات الأمن الليبية ومساعدتها على مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر والتهديدات الخطيرة الأخرى التي تترصد الأمن الدولي.
ستجد أوروبا نفسها في مفترق طرق. عند هذا الملتقى التاريخي، يجب أن تتحلى الأطراف التي تسعى لتحقيق السلام بالشجاعة وأن تبذل قصارى جهدها لتضع حدًا للعنف. يمكن لأوروبا أن تعتمد على تركيا – الصديق القديم والحليف المخلص – لتحقيق هذا الهدف.
المصدر: بوليتيكو