فاجأ تعيين رئيس دائرة الضرائب الفيدرالية ميخائيل ميشوستين، غير المعروف جيدًا على نطاق واسع في المشهد السياسي الروسي، في منصب رئيس الوزراء الجديد في روسيا الرأي العام الروسي وأثار ريبته. لا تعد هذه الخطوة الأولى من نوعها في السياسة الروسية، حيث سُحِب الرئيس فلاديمير بوتين إلى أعلى المجال السياسي بطريقة مماثلة من قبل بوريس يلتسن.
خلال شهر آب/ أغسطس 1999، اختير بوتين ليكون بين أحد النواب الثلاثة لرئيس الوزراء وبعد ذلك عين ليشغل منصب رئيس حكومة الاتحاد الروسي من قبل يلتسن الذي أعرب أنه يريد أن يخلفه بوتين. وافق بوتين على الترشح للرئاسة ثم صادق مجلس الدوما على ذلك بأغلبية 233 صوتًا (في حين عارض 84 نائب وامتنع 17 آخر عن التصويت). لم يكن بوتين بحاجة إلا إلى الحصول على 226 صوت، ليكون خامس رئيس وزراء روسي في مدة لم تتجاوز ثمانية عشر شهرًا.
عند تعيينه، لم يكن من المتوقع أن يستمر بوتين لفترة أطول من سابقيه، حيث لم يكن في ذلك الوقت معروفا لدى عامة الناس بشكل جيد. كان يعتبر في البداية من أنصار يلتسن. على غرار رؤساء الوزراء الآخرين، لم يختر بوتين وزراء حكومته بنفسه، بل تكفلت بهذه المهمة الإدارة الرئاسية.
مع بداية فصل جديد في السياسة الروسية، خلف ميخائيل ميشوستين دميتري ميدفيديف الذي شغل منصب رئيس الوزراء حتى منتصف شهر كانون الثاني/ يناير 2020. وقد عمل كل من بوتين وميدفيديف معًا حتى أنهما تبادلا منصب الرئيس ورئيس الوزراء. وُصف هذا التحول من قبل العديد من وسائل الإعلام الروسي بأنه مشابه لحركة الصبّ في لعبة الشطرنج. في هذا السياق، قال ميدفيديف في وقت لاحق إنه “سيكون مستعدًا لأداء أنشطة عملية في الحكومة” مع بوتين.
في سنة 2003، ناقش ميشوستين أطروحة حول “آلية الإدارة المالية للدولة الروسية” وحصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد. أما في سنة 2010، حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد
في خطابه أمام الجمعية الفيدرالية، أوضح بوتين، في 15 كانون الثاني/ يناير: “مجتمعنا يدعو بوضوح إلى التغيير. الناس يريدون التنمية، حيث يعيشون ويعملون، أي في المدن والمناطق والقرى وجميع أنحاء البلاد. يجب تسريع وتيرة التغيير كل عام وتحقيق نتائج ملموسة للوصول لمستويات معيشية يلاحظها الناس بوضوح. لذلك، أكرر أنه يجب أن يشارك الشعب بفعالية في هذه العملية”.
خلال لقائه مع مجلس الوزراء بعد ذلك، أفاد بوتين: “من جهتي، أود أن أشكركم على كل ما وقع إنجازه حتى الآن خلال فترة عملنا المشتركة. أنا راض عن نتائج عملكم. بالطبع، لم ننجح في تحقيق كل الأهداف، لكن لا يمكن أبدا النجاح بالكامل في كل شيء”. ومن ثم شكر الحكومة وأضاف قائلا: “شغل ميدفيديف منصب رئيس الجمهورية، من ثم شغل منصب رئيس الوزراء منذ ثمانية أعوام تقريبًا، وهي على الأرجح أطول فترة يشغلها مسؤول في هذا المنصب في تاريخ روسيا الحديث”.
علاوة على ذلك، عقد بوتين اجتماع عمل منفصل مع رئيس مصلحة الضرائب الفيدرالية ميخائيل ميشوستين واقترح عليه أن يتولى منصب رئيس الوزراء. بعد الحصول على موافقته، قدّم الرئيس ترشيح ميخائيل ميشوستين للنظر في مجلس الدوما. في 16 كانون الثاني/ يناير، أقر مجلس الدوما بأن ميشوستين هو رئيس الوزراء الجديد للاتحاد الروسي. أيد ما يقارب 383 نائبا اختيار بوتين، ولم يعارض أحد، في حين امتنع 41 نائبا عن التصويت.
في هذا السياق، لخص رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين نتائج التصويت قائلا: “زملائي، اتخذ المجلس قرارا ينص على الموافقة على تعيين ميخائيل فلاديميروفيتش ميشوستين رئيسًا للوزراء، على خلفية ترشيحه من قبل رئيس الاتحاد الروسي”.
تبعا لذلك، أصدر الرئيس فلاديمير بوتين مرسوما يقضي بتعيين ميخائيل ميشوستين رئيسا للوزراء في البلاد. ويفيد المرسوم الذي نشر على الموقع الإلكتروني للكرملين: “وفقًا للمادة 83 (أ) من الدستور الروسي، وقع تعيين ميخائيل فلاديميروفيتش ميشوستين رئيس وزراء لروسيا”. ويدخل المرسوم حيز التنفيذ في يوم توقيعه.
ولد ميخائيل ميشوستين في الثالث من شهر آذار/ مارس 1966 في موسكو من أب من أصل روسي يهودي وأم من أصل روسي. أكمل دراساته العليا في سنة 1992. وتزوج وأنجب ثلاثة أبناء. ويعد مولعا بممارسة الرياضة ولعب هوكي الجليد، فضلا عن أنه يعد عضوا في المجلس المشرف على النادي الرياضي المركزي للجيش في موسكو.
في سنة 2003، ناقش ميشوستين أطروحة حول “آلية الإدارة المالية للدولة الروسية” وحصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد. أما في سنة 2010، حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من أكاديمية الاقتصاد الوطني التابعة لحكومة الاتحاد الروسي، التي تُعرف، في الوقت الحالي، باسم الأكاديمية الروسية الرئاسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة.
منذ التخرج، عمل ميخائيل ميشوستين في العديد من المؤسسات. في شباط/ فبراير 2009، التحق باحتياطي الموظفين لرئيس روسيا. في سنة 2010، عُيّن ميخائيل ميشوستين رئيس دائرة الضرائب الفيدرالية. ومن سنة 2011 إلى سنة 2018، كان عضوا في المجلس الرئاسي لتنمية الأسواق المالية.
خلال هذه الفترة، انتُقدت مصلحة الضرائب لنهجها الصارم للغاية الذي تتبعه تجاه الأعمال التجارية، بينما رفض ميشوستين هذه الادعاءات، مشيرًا إلى انخفاض كبير في عدد عمليات التفتيش. مع وصول ميشوستين في سنة 2010، غيرت مصلحة الضرائب الفيدرالية نهجها في تنظيم عمليات الرقابة، مع التركيز على العمل التحليلي.
نتيجة لذلك، انخفض عدد عمليات تدقيق الضرائب بشكل حاد، بينما زادت كفاءتها. في وقت سابق، كان يخضع عاشر شخص يدفع الضرائب إلى الفحص، ولكن في سنة 2018، فحصت السلطات الضريبية شركة تجارية صغيرة واحدة فقط من أصل أربعة آلاف شركة. كما انخفض عدد عمليات التفتيش للشركات الكبيرة ومتوسطة الحجم بشكل كبير.
من جهته، قال نائب رئيس مجلس الاتحاد إلياس أوماخانوف لوكالة أنباء إنترفاكسك: “هذا الترشيح هو أمر غير متوقع على الإطلاق، لكن هذا لا يعني أنه شخصية مكروهة، بل ربما حتى العكس. ليس كل رؤساء المالية محبوبين ومقبولين. من وجهة نظري، ينظر عامة الشعب إلى ميشوستين إلى حد كبير على أنه الشخص المناسب لهذا المنصب”. وأضاف أوماخانوف: “هذا دليل آخر على أن رئيسنا يعتمد على المهنيين في هذه اللحظة الصعبة والحرجة التي تحتاج فيها البلاد إلى قفزة نوعية، لا سيما في المجال الاقتصادي. هذا يرجع إلى التكنولوجيا الجديدة، والرقمنة. هذا بالضبط هو المجال الذي ترك فيه ميشوستين بصمة كمدير للضرائب”.
من جانبه، وصف النائب الأول لرئيس لجنة مجلس الاتحاد للميزانية والأسواق المالية، سيرجي ريابوخين ميشوستن بأنه مسؤول عام ناجح للغاية. وقال: “إنه أحد كبار المحترفين، ورجل دولة كبير جدًا وشخص حقق نجاحات كبيرة في نظام الإدارة العامة في المجال الضريبي والمالي. أعتقد أن ترشيحه أمر جيد”.
وفقًا للخبراء، لعل السبب الذي يقف وراء هذا التغيير الجذري وإعادة ضبط النظام السياسي الروسي هو التحول الذي ستشهده السلطة في المستقبل. في الواقع، يعتقد المحلل السياسي كونستانتين كالاتشيف أن قرار بوتين اختيار ميشوستين رئيسا للوزراء مرتبط بحياده السياسي، فضلا عن أنه يعد معروفا في مجتمع الأعمال والشركات. مع ذلك، من غير المرجح أن يصبح الرئيس الجديد للحكومة خليفة لبوتين.
علاوة على ذلك، وصف جميع المسؤولين الذين تحدثوا إلى صحيفة “فيدوموستي” هذا الخيار بأنه مفاجئ ولكنه جيد في الوقت ذاته. في الحقيقة، يعد قطاع الضرائب هو الوحيد الذي شهد طفرة في إدارة الدولة الروسية. في هذا الإطار، قال مسؤول على صلة بالنظام المالي إن: “مصلحة الضرائب الروسية من إحدى أفضل الخدمات في العالم من حيث تحصيل الضرائب وتطوير التقنيات”. وحسب عدة تقارير إعلامية، يُعرف ميشوستين في الحكومة بأنه مدير ذو كفاءة عالية، حيث ساهمت الخدمات الجليلة التي قدمها في إنقاذ البلاد خلال الأزمة التي عرفتها.
تمتلك روسيا، التي تتمتع بأكبر مساحة في العالم، قاعدة واسعة من الموارد الطبيعية، بما في ذلك المخزونات الرئيسية التي تملكها من الخشب والنفط والغاز الطبيعي والفحم والخامات
كُلّف ميشوستين بإنجاز برنامج بوتين الاقتصادي، أي المشاريع الوطنية التي تصل قيمتها إلى 26 تريليون روبل، إلى غاية سنة 2024. وحسب الصحيفة، كانت عملية تنفيذ البرنامج البطيئة وضعف النمو الاقتصادي من بين الأسباب التي جعلت حكومة ميدفيديف موضع انتقاد. في هذا الصدد، قال الشريك في شركة “تاكسولوجي” أليكسي أرتيوخ إن “الإنجاز الرئيسي الذي حققه ميشوستين يتمثل في تحويل وكالة تحصيل الضرائب إلى إدارة تقدم خدمات”.
أصلح ميشوستين إدارة كبار دافعي الضرائب، حيث أضحى بإمكان الشركات تنسيق الصفقات مقدمًا مقابل تمكين دائرة الضرائب الفيدرالية من الوصول إلى أنظمة محاسبة الشركات. وأوضح أليكسي أرتيوخ أنه “في حال وُسّع نطاق هذه الأساليب لتشمل خدمات أخرى، سيؤدي هذا إلى تحقيق تقدم كبير”.
ذكرت الصحيفة الروسية المحلية “كوميرسانت” أن روسيا ستبقى جمهورية رئاسية قوية، فضلا عن أن جميع التغييرات القادمة ترتبط بنتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة في سنة 2024. في هذا السياق، صرح ميشوستين خلال الجلسة العامة لمجلس الدوما بأن “روسيا لديها ما يكفي من الأموال لتحقيق جميع الأهداف التي حددها الرئيس فلاديمير بوتين”. سيتطلب تنفيذ جميع الالتزامات الاجتماعية التي ذكرها الرئيس في خطاب حالة الاتحاد 64.8 مليار دولار.
تمتلك روسيا، التي تتمتع بأكبر مساحة في العالم، قاعدة واسعة من الموارد الطبيعية، بما في ذلك المخزونات الرئيسية التي تملكها من الخشب والنفط والغاز الطبيعي والفحم والخامات وغيرها من الموارد المعدنية، التي يمكن استخدامها لدعم التنمية الاقتصادية ورفع مستوى معيشة السكان.
المصدر: مودرن دبلوماسي