يقول علماء المنطق إن المقدمات المتطابقة تقود إلى النتائج ذاتها، والبدايات المتشابهة حتما تؤدي لذات النهايات، لكن هل من الممكن أن تنطبق تلك القاعدة الفلسفية على العلوم السياسية، هذا ما يحتاج إلى دراسة وتروٍ من الخبراء والاستعانة بتجارب التاريخ في هذا الشأن.
حين خرج المصريون صبيحة 25 يناير 2011 لم يكن خروجهم مخططًا له لإشعال فتيل ثورة أو خلافه، بل إن فكرة الثورة ذاتها لم تكن واردة في مخيلة العشرات الذين خرجوا في اليوم الأول، لكن من المؤكد أن ما أخرجهم ما كان له أن ينتظر بعدما وصلت الأوضاع إلى الحد الذي لا يمكن الصمت حياله.
كانت خطايا نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك بما يتبعه من سياسات حولت المواطن إلى أداة لا قيمة لها وسط لاعبين يتحكمون في مصيره ويديرون المشهد من داخل المكاتب المكيفة، الدافع القوي الذي أخرج صوت الغضب من داخل الحناجر الصامتة طيلة عقود طويلة، تعرضت خلالها لشتى أنواع التنكيل حتى تبقى هكذا دون صوت مسموع ولو على سبيل الهمس.
وبعيدًا عن تفاصيل المشهد فإن تلك الأخطاء التي قادت المصريين إلى إشعال واحدة من أنضج ثورات العصر الحديث (البدايات) أسفرت في النهاية عن إسقاط نظام كان يعتقد البعض وقتها أنه لا يقهر، لتصل إلى نتيجة واحدة مفادها أن كل الأنظمة أيًا كانت قوتها وأيًا كان حجم التضخيم منها ومن قدراتها، هي في حقيقتها طبل أجوف لا قيمة له أمام الإرادة الشعبية القوية التي أثبتت أن الشعب إذا أراد يومًا الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.
ومنذ توليه مقاليد الأمور في 2014 إثر انقلابه على الراحل محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب، يسير الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على خطى مبارك بصورة شبه كربونية، على المستويات كافة، وإن تطرف في بعضها بشكل فاق النظام الراحل بمراحل، لنستدعي السؤال السابق مرة أخرى: هل من الممكن أن تقود المقدمات المتشابهة إلى ذات النهايات؟ غير أن هذا الأمر يتوقف بصورة محورية على توافر ما سمي بـ”الإرادة الشعبية” تلك التي أسقطت صنم مبارك بكل جبروته وشلت أذرعه الأمنية والسياسية في ساعات قليلة.
خطايا مبارك
لم يترك نظام مبارك بابًا لاستفزاز المصريين إلا وطرقه، مستندًا في ذلك إلى جيش أمين من الإعلام والقضاء وقوات الأمن بشتى أنواعها، فضلًا عن كيان حزبي استطاع أن يحتكر الحياة السياسة والبرلمانية حتى حوّل مؤسسات الدولة إلى مطية لخدمة النظام ورموزه.
سياسيًا.. فرّغ مبارك الساحة تمامًا من الأحزاب كافة، إلا الحزب الوطني الديمقراطي، الذي تم حله بعد الثورة، حيث نجح في افتراش أرضية شعبية غطت معظم القطر المصري من شماله لجنوبه، ومن شرقه لغربه، وكان الانضمام لهذا الكيان جواز سفر لتحقيق العديد من المكاسب والمصالح، فكان قبلة المنتفعين الطامعين في المناصب.
وفي المقابل تم تضييق الخناق على بقية الكيانات الحزبية التي تحولت إلى هيئات كرتونية لإكمال المشهد الديمقراطي دون وجود فعلي على أرض الميدان، اللهم إلا بعض الأحزاب التي تعد على أصابع اليد الواحدة، لكن النظام كان لها بالمرصاد، فسجن قادتها وأغلق مقارها وشوه رموزها، على رأسها حزب الغد المصري وبقايا حزب الوفد.
اقتصاديًا.. يعد الاقتصاد المصري في عهد مبارك أسوأ أداءً منذ 1952 وذلك بسبب تفشي الفساد والغلاء واتباع سياسة الخصخصة، وذك وفقًا لما أكده الباحث الاقتصادي أحمد السيد النجار في كتابه “الانهيار الاقتصادي في عصر مبارك.. حقائق الفساد والبطالة والغلاء والركود والديون“.
الباحث أشار إلى أن اقتصاد مبارك شهد في تلك السنوات “مستوى غير معهود من اضطراب الخدمات العامة التي تمس حياة الناس” مثل انقطاع الكهرباء ونقص مياه الشرب وتلوث مياه نهر النيل نظرًا لإلقاء مياه الصرف الصناعي والزراعي “وأحيانًا الصحي” دون محاسبة.
كما أضاف أن سياسة الخصخصة التي انتهجتها حكومات مبارك (عاطف عبيد) أدت إلى ما هو أسوأ من نمو طبقات طفيلية وهو “انحدار جزء من مصاف الطبقة الوسطى” نحو الفقر بعد تعرض هذه الطبقة التي تعد الأكثر تعليمًا ومحافظة “للسحق اقتصاديًا” نتيجة سوء توزيع الدخل.
اجتماعيًا.. شهدت سنوات مبارك زيادة في عدد الفقراء، كما تعرضت الطبقة الوسطى لضربات موجعة قسمت ظهرها، وأصبحت تعاني نفس أمراض الطبقة الفقيرة، ومنها ضعف الأجور وغلاء الأسعار والبطالة، بل تعرضت لطمس حقوقها في السلم الطبقي، رغم أنها كانت الفئة الوحيدة التي تواظب على أداء واجباتها دون قيد أو شرط، وتحملت فاتورة جميع مراحل النضال الوطني والبناء منذ أكثر من مئة عام.
وقد تعرضت تلك الطبقة التي تضم أطباءً وقضاةً ومحامين ومدرسين وصحفيين وأساتذة جامعات وموظفين في دواوين الحكومة إلى التجاهل حتى تآكلت وهبط كثير من أبنائها إلى مستوى الطبقة الدنيا، رغم أن الطبقة الوسطى هي قاعدة المجتمع لما تحظى به من ثقل فكري وأخلاقي وثقافي.. وهي قاطرة المجتمع نحو التقدم.. ودون الحفاظ عليها يحدث خلل جسيم في بناء المجتمع كله.. وهو ما تشهده مصر الآن.
السنوات الأخيرة من حكم مبارك على وجه التحديد شهدت انهيارًا رهيبًا في السلم الطبقي، وذلك لعدة أسباب، ربما على رأسها “زواج السلطة والثروة” الذي ترتب عليه وجود طبقة من الأثرياء ممن تربحوا من توزيع الأراضي الصحراوية وتحويلها إلى منتجعات حققت المليارات من الجنيهات أو ممن تربحوا من التوكيلات وتجارة القمح واللحوم واحتكار الحديد وغيرها.. التي أدت في النهاية إلى تآكل وتلاشي “الطبقة الوسطى”، بعد أن ازداد الفقراء فقرًا وازداد الأغنياء ثراءً.
منذ توليه السلطة قبل 6 سنوات لجأ السيسي إلى استنساخ نظام مبارك بحذافيره، وكأنه كتاب واحد يسير على نهجه كل من يجلس على كرسي الحكم بخلفية عسكرية
حقوقيًا.. شهدت الساحة المصرية في عهد مبارك خاصة وزير داخليته الأخير حبيب العادلي (1997-2011) انتهاكات جسيمة في سجل حقوق الإنسان، دفعت مصر لتبؤ مراتب متأخرة في التصنيفات العالمية للدول الأكثر انتهاكات لحقوق مواطنيها، وهو ما عرضها لحملة انتقادات حقوقية قبيل الثورة مباشرة.
كما امتلأت السجون والمعتقلات بمئات السياسيين والشخصيات العامة وكل من يثبت وجهة نظره أو يغرد خارج السرب فريدًا، لكن فترة الاعتقال لم تدم طويلًا في المجمل، فكان الهدف تقليم الأظافر “وقرصة ودن” لا أكثر من ذلك، إذ لم تشهد السجون المصرية حالات وفاة بين المعتقلين كما هو عليه الآن.
وكعادة الأنظمة الديكتاتورية، وظّف مبارك ورجاله الملف الطائفي لخدمة أجندات سياسية، متبنيًا عددًا من التفجيرات كان الهدف منها تفتيت اللحمة الوطنية وإشغال الرأي العام عن قضايا أخرى، يأتي على رأسها التفجير الذي استهدف كنيسة القديسين مار مرقص الرسول والبابا بطرس خاتم الشهداء بمنطقة سيدي بشر بمدينة الإسكندرية المصرية صباح السبت 1 من يناير 2011 في الساعة 12:20 عشية احتفالات رأس السنة الميلادية، خير تجسيد على هذه السياسة، كما أنه كان في الوقت ذاته نقطة الاشتعال التي أججت ثورة يناير بعدما شعر المصريون بمختلف انتماءاتهم الدينية أن النظام يتلاعب بهم.
على خطى مبارك
ربما الخلفية العسكرية للرئيسين، مبارك والسيسي، قد أثرت بشكل كبير عن طريقة التفكير والإستراتيجيات المقنعة لعقليهما، خاصة أن السياسات ذاتها تتشابه إلى حد كبير مع مرحلة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث سيطرة جنون العظمة وأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وخنق الأفق السياسي والعداء مع الحريات الإعلامية واستعداء كل ما يمت لحقوق الإنسان بصلة.
لم ينس المصريون تلك الصورة التي جمعت السيسي ومبارك قبل سنوات من الثورة، حين كان السيسي وقتها قائدًا في سلاح المخابرات الحربية وهو يسلم على رئيسه الذي كان في زيارة للجهاز، حينها توقع الكثيرون أنه سكون خليفة له في كل شيء، وذلك رغم محاولة المقربين من الرئيس الحاليّ نفي أي تشابه بين الرجلين، في ضوء تكثيف الحملات الإعلامية بين الحين والآخر لتشويه مبارك ونظامه وفترة حكمه بالكلية.
منذ توليه السلطة قبل 6 سنوات لجأ السيسي إلى استنساخ نظام مبارك بحذافيره، وكأنه كتاب واحد يسير على نهجه كل من يجلس على كرسي الحكم بخلفية عسكرية، الأمر الذي دفع البعض إلى تشبيه النظام الحاليّ، بأنه “نظام مباركي بصبغة سيساوية”، استنساخ ليس للإستراتيجيات وحدها، لكن بذات الرجال ونفس الوجوه تقريبًا، وهو السلاح الذي رجح البعض إمكانية أن يكون له دور في خلخلة النظام الحاليّ.
بين المستقبل والوطني.. إن كان مبارك قد فرّغ الحياة السياسية من الأحزاب للسماح للحزب الوطني بالهيمنة، فإن السيسي فرغها حتى من الكيانات والتيارات السياسية غير الحزبية، فما كان مسموحًا به أيام مبارك من نشاطات لبعض الحركات مثل 6 أبريل وكفاية وغيرها، وهي الحركات التي كان لها تأثير في الوصول إلى 25 يناير، فإن الوضع الآن بات أكثر تسطيحًا.
ومنذ 2015 وحتى اليوم طغى على السطح أحد الكيانات الوليدة، تحت مسمى “مستقبل وطن” وفي غضون أشهر قليلة بات الحزب الثاني داخل مجلس النواب (البرلمان) وبعدها بأقل من عام بات حزب الأغلبية بعدما نجح في استقطاب عشرات البرلمانيين التابعين للأحزاب الثانية.
الظهور المفاجئ للحزب على الساحة السياسية والبرلمانية والانتشار الكثيف الذي حققه، دفع بعض السياسيين إلى الذهاب أنه خليفة للحزب الوطني المنحل، إذ رجحوا أنه سيكون البديل لـ”الوطني” في الوقت الحاليّ من حيث السيطرة واحتكار المشهد السياسي وموالاة السلطة.
تشير المنظمات الحقوقية في المجمل إلى زيادة حدة انتهاكات حقوق الإنسان في مصر منذ تولي السيسي منصب الرئيس قبل ستة أعوام، فيما تذهب التقديرات إلى وجود نحو 60 ألف معتقل رأي ومعارض في مصر
فالحزب خلال أربع سنوات فقط تمكن من أن يكون له عشرات الأمانات المركزية في 27 محافظة على مستوى الجمهورية، ويضم عضوية أكثر من 300 ألف شاب بحسب تصريحات قياداته، بجانب سيطرته على المشهد السياسي في معظم الأقاليم عبر مندوبيه هناك الذين فاقت سلطة بعضهم سلطة المسؤولين التنفيذين.
ويعتمد الكيان على قواعد الحزب الوطني القديمة لا سيما في المحافظات، فتجد أن الغالبية العظمى من رؤساء الأمانات المحلية هم في الأصل أعضاء حزب وطني سابقين، بعضهم رموز لها ثقلها المالي والمجتمعي، وهذا ما يفسر القفزات السريعة للحزب ميدانيًا وبين الناس.
ومنذ 2015 وحتى اليوم، يسير الحزب على خطى الوطني المنحل، فقبيل الاستفتاء على التعديلات الدستورية، كان أعضاء الحزب دون غيرهم من الأحزاب الأخرى، يجمعون صور بطاقات الموظفين بالمؤسسات الحكومية والمدارس والمستشفيات ودور الحضانة والمجالس المحلية والشعبية وإدارات المدن ومصالح الكهرباء والمياه والتموين ومن المحال التجارية والورش والمصانع، بدعم الأمن الوطني، والحشد للتصويت مع وعود بدفع أموال لأصحاب البطاقات.
وكما كان حزب مبارك يهيمن على المحليات، فإن مستقبل وطن يخطط لنفس الهيمنة تقريبًا وإن كان بصورة أعمق، حيث بدأ في تجهيز جيل من القيادات الشابة المدربة تحت أعين وأذن الأجهزة السيادية لخوض معركة المحليات القادمة التي يتوقع البعض أنها محسومة قبل أن تبدأ، وبذلك يسيطر الحزب على البرلمان والأجهزة التنفيذية والمحليات، وهو ما كان عليه الحزب الوطني.
التخلص مما سوى مستقبل وطن لم يقتصر على الأحزاب التي من الممكن أن تنافس أو تصارع على السلطة، بل وصلت المجزرة إلى الكيانات الداعمة للنظام الحاليّ في مواجهة الإخوان، وعلى رأسها “جبهة الإنقاذ” التي قادت مظاهرات 30 يونيو، ورغم تفككها بعد الانقلاب فإن أبرز قيادتها كونوا تحالف “الحركة المدنية الديمقراطية” كنواة لجبهة معارضة في الداخل، بينها حزبا الدستور والكرامة، وعلى رأسهم المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي.
لكن مع مرور الوقت كان التنكيل بها وقادتها الجزاء المتوقع، فلم تسمح لهم السلطات بتنظيم أي فعاليات، كما اعتقل عدد من أعضائها، الأمر ذاته مع الحركات الشبابية التي لم تسلم هي الأخرى من الملاحقة على رأسها حركتا 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين، وهي الخطوة التي دفعت الكثير من السياسيين إلى اعتزال الحياة السياسية في ظل ما يرونه من حالة خنق متعمد للأجواء السياسية مع سبق الإصرار والترصد.
سجل حقوقي مشين.. في أكتوبر الماضي، أصدرت 11 منظمة حقوقية مصرية، تقريرًا مشتركًا، في إطار الاستعداد لجلسة استعراض الملف الحقوقي المصري أمام الأمم المتحدة، التي عقدت في 13 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عن حالة حقوق الإنسان في مصر خلال الأعوام الخمس الماضية.
المنظمات في تقريرها أكدت أن أوضاع حقوق الإنسان حاليًا أسوأ كثيرًا عما كانت عليه في 2014، إذ شهدت السنوات الخمس الماضية ارتفاعًا في حالات القتل خارج نطاق القانون، خاصة بعد كل عملية إرهابية، فضلًا عن الإفراط في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام حتى للأطفال، وشبهة القتل العمد للمساجين السياسيين بالإهمال الطبي والصحي العمدي لهم في أثناء الاحتجاز، بالإضافة إلى التنكيل بالأحزاب السياسية والانتقام من الحقوقيين، وشن أكبر حملة على ذوي الميول الجنسية المختلفة والعابرين جنسيًا، واستمرار التعدي على حقوق النساء والأطفال، ناهيك عن السيطرة على الإعلام وحجب المواقع، وحبس الصحافيين وترحيل المراسلين الأجانب.
ارتفعت نسبة عدد الفقراء في مصر إلى 32.5% من السكان عام 2017-2018، مقارنة بنحو 27.8% عام 2015-2016
وكان نتاجًا لهذا التقرير أن قدمت نحو 90 دولة ملاحظات على سجل مصر الحقوقي، حيث تم توجيه نحو 140 توصية وملاحظة بشأن ملفات التعذيب والمرأة وحرية التعبير والإعدام والشرطة والمدافعين عن حقوق الإنسان والإخفاء القسري ووقف الحبس الاحتياطي كعقوبة.
وتشير المنظمات الحقوقية في المجمل إلى أن زيادة حدة انتهاكات حقوق الانسان في مصر منذ تولي السيسي منصب الرئيس قبل ستة أعوام، فيما تذهب التقديرات إلى وجود نحو 60 ألف معتقل رأي ومعارض في مصر، كما شملت الانتهاكات قمع التلاميذ لمجرد احتجاجهم على نظام الامتحانات واحتجاز بعضهم، هذا بخلاف الفتيات صغار السن أيضًا.
هذا بخلاف التحولات الكبيرة التي عرفها المشهد الإعلامي، كان أبرزها ظهور “أذرع إعلامية” وانتشار ما يسمى “المال المخابراتي”، وصولًا إلى ترسانة قضائية حكمت قبضتها على الصحافة والصحافيين، حتى تحولت مصر بحسب وصف الجهات الحقوقية الدولية إلى “سجن كبير للصحفيين”.
اقتصاد مترهل.. يعاني الاقتصاد المصري من مأزق كبير منذ تولي السيسي، لا سيما فيما يتعلق بحجم الديون الذي قفز بمعدلات صاروخية غير مسبوقة، ووفقًا لأحدث الأرقام المعلنة من البنك المركزي المصري، فإن الدين الخارجي لمصر وصل في نهاية مارس/آذار الماضي إلى نحو 106.2 مليارات دولار، مقابل نحو 88.16 مليار دولار في ذات الفترة من العام الماضي، بزيادة بلغت نحو 18.1 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 35.1% من الناتج المحلي.
فيما ارتفع الدين العام المحلي على أساس سنوي بنسبة 20.25% ليصل إلى 4.108 تريليون جنيه (241.9 مليار دولار) نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، بما يمثل 78.2% من الناتج المحلي، منه 85.3% من الديون المستحقة على الحكومة و8.3% على الهيئات الاقتصادية و6.4% على بنك الاستثمار القومي.
رافق ذلك زيادة في معدلات البطالة والتضخم وغيرها من المعايير التي انعكست بشكل أو بآخر على حياة المواطن العادي، التي تأثرت كثيرًا بسبب حزمة الإجرءات القاسية التي اتخذتها الحكومة لا سيما خلال العامين الأخيرين، يأتي على رأسها تحرير صرف العملة المحلية (الجنيه)، ورفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه والمواصلات العامة وزيادة الرسوم والضرائب.
وكان نتاجًا لهذه الإجراءات أن ارتفعت نسبة الفقراء إلى 32.5% من السكان عام 2017-2018، مقارنة بنحو 27.8% عام 2015-2016، حسب ما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فيما تشير بعض التقديرات إلى أن هذا العدد في إطار الزيادة خلال المرحلة القادمة.
ما أشبه الليلة بالبارحة.. فالأجواء تعود بالذاكرة إلى ما قبل 2011، المشهد يتطابق في كثير من جوانبه، سياسيًا واقتصاديًا وحقوقيًا واجتماعيًا، بل إن الوضع ربما يكون أكثر احتقانًا في ظل التغول أكثر وأكثر في الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المواطنون، سواء كان نتيجة سياسات اقتصادية قاسية أم إجراءات أمنية مستبدة.
وإن تشابهت البدايات إلى حد التطابق تقريبًا، فإن الوصول إلى النهاية ذاتها أمر يتطلب رهانات وشروط محددة، تبقى الكلمة الفصل فيها للشارع المصري، ومن الصعب التكهن بها في الوقت الراهن في ظل تغير الكثير من المفاهيم في العلوم السياسية التي لا تخضع في كثير من قياساتها للقواعد المنطقية وإن استدلت بها أحيانًا، لتظل الأيام القادمة وحدها من تحمل مفاتيح الإجابة عن هذه الأسئلة.