ترجمة وتحرير: نون بوست
تقول أسماء الهوني إنها ضاقت ذرعا بالحراك النسائي الوطني. وباعتبارها ناشطة ومشاركة وفيّة منذ سنة 2017، حتى أنها ألقت خطابا في المسيرة التي نُظمت في ولاية فيرمونت في شهر آذار/ مارس 2019، أكدت الهوني أنها باتت تشعر بأنها لم تعد تنتمي لهذه الحركة. وفي حديثها مع موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، أفادت الهوني: “لقد اتخذت موقفا واضحا بأنني لن أشارك في المسيرة هذه السنة، ويعود السبب في ذلك إلى أن الحركة النسوية والدعوة لحقوق الإنسان انتقائية للغاية”. وأضافت قائلة: “إذا كنت حقا تسعى للدفاع عن حقوق المرأة وتحريرها، فينبغي عليك تحرير جميع النساء بلا استثناء، وهو ما لا يقوم به الحراك النسائي”.
وتجدر الإشارة إلى أن الحراك النسائي هي مجموعة أمريكية غير ربحية انبثقت عن مسيرة واشنطن الأولى التي نُظمت سنة 2017 بعد تنصيب دونالد ترامب رئيسا للبلاد. وتصف الحركة نفسها على أنها منصة “أنشأتها النساء لخدمة جميع الناس” بهدف تمكين الجميع من العيش بأمان و”التحرر من العوائق الهيكلية”.
مع ذلك، تعتبر الهوني واحدة من عدد متزايد من النساء المسلمات والنساء ذوات البشرة الملونة اللاتي أعلنّ مقاطعتهن للمسيرة التي ستُنظم هذه السنة بسبب المخاوف المتكررة من أن هذه الحركة تهيمن عليها النساء من العرق الأبيض بشكل كبير، ناهيك عن كونها لا تبدي أي اهتمام بالقضايا التي تواجهها المجتمعات الأخرى. وحيال هذا الشأن، أوضحت الهوني: “يملك هذا البلد تاريخا لبعض أنواع الحركة النسوية التي تعمل على إقصاء بعض النساء. وقد عزز الحراك النسائي هذه الممارسة ومنح بعض النساء قيمة أكبر على حساب نساء أخريات اليوم”.
قالت نوشينا حسين إن الحركات التقدمية أمامها طريق طويل لوضع حد للانحياز ضد المسلمين.
أكدت عدد من النساء المسلمات أن المسيرة ليست شاملة ولا تهتم بجعل المسلمات والنساء ذوات البشرة الملونة رموزا لها. من جهتها، قالت نوشينا حسين، التي كانت تشغل منصب عضو في المجلس الاستشاري لفرع مينيسوتا في مسيرة 2019، لموقع “ميدل إيست آي”، أن الطريقة التي تتعامل بها بعض الحركات التقدمية مع النساء المسلمات الجريئات لا تشجع النساء الأخريات اللاتي يتطلعن إلى المشاركة في الخدمة العمومية.
في سياق متصل، أوضحت نوشينا حسين أن “وجود شخصيات مثل ليندا صرصور وزهرة بيلو في المجلس، اللتين يُعرف عنهما صراحتهما وجرأتهما في الحديث عن مثل هذه القضايا، أمر في غاية الأهمية. لكن عندما يتحدثن، يتعرضن للهجوم، وتُبذل العديد من الجهود لإسكاتهن”.
من جهة أخرى، قالت المديرة التنفيذية لمنظمة “إحياء الأختية”، وهي منظمة غير ربحية يقع مقرها في منيابولس: “ترى الكثير من النساء المسلمات مدى ضعف هؤلاء النساء لأنهن يعبرن عن آرائهن ثم يخترن الابتعاد عن هذه المناصب نتيجة لذلك”. كانت ليندا صرصور، وهي ناشطة اجتماعية في مدينة نيويورك، إحدى الرئيسات المشاركات في المسيرة. وباعتبارها ناشطة جريئة أمريكية من أصول فلسطينية، كانت دائما تواجه اتهامات بمعاداة السامية طوال فترة توليها لهذا المنصب. وفي منتصف سنة 2019، تنحت عن منصبها في المجلس.
إسكات المجتمع
تعرض الحراك النسائي لعملية تدقيق مكثفة منذ استبعاد الناشطة بيلو من المجلس بسبب انتقاداها لإسرائيل، والتي وصفها منتقدوها بأنها معادية للسامية، وهو ادعاء أقره مجلس الإدارة في نهاية المطاف عند استبعادها. والجدير بالذكر أن هذا القرار خلق جدلا واسعا داخل الحراك النسائي. وعلى مدى أشهر، سعى النشطاء المعنيون إلى الحصول على توضيح من المشرفين عن الحراك النسائي فيما يتعلق بالمعاملة التي تلقتها بيلو، ولكن لم يلقوا أي تجاوب. في المقابل، استقالت مارسي ويلز، وهي عضو في اللجنة التوجيهية في سنة 2019، بسبب هذه القضية.
في هذا الصدد، قالت الهوني، وهي منظمة مجتمع في ولاية فيرمونت، إن تهميش المسيرة التي تتعلق ببيلو، والتي تطرح القضايا التي تواجه المجتمع، يعكس الرغبة في إسكات المجتمع نفسه. وأكدت الهوني: “لقد تحدثت بيلو عن تحديد الأوصاف للمباحث الفيدرالية وحظر السفر الذي فرض على مواطني بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة، ولها تاريخ حافل في طرح القضايا المهمة التي تتعلق بمجتمعنا”.
في تصريح لها لموقع “ميدل إيست آي”، أفادت بيلو بأن الحراك النسائي “الذي دام لعدة أشهر، كان هدفه تحسين وضع المجتمعات العربية والإسلامية. لكن لسوء الحظ لم يتحقق هذا المطلب”. في المقابل، لم يرد الحراك النسائي على طلب “ميدل إيست آي” للتعليق بشأن هذه المسألة.
في بيان صدر في أيلول/ سبتمبر، أشار الحراك إلى أن بيلو قد عزلت من منصبها بعد أن خلصت المنظمة إلى أن “بعض تصريحاتها العلنية [كانت] تتعارض مع قيم ومهمة المنظمة”. لم يقتصر تهميش الحراك النسائي على النساء المسلمات فقط، بل صدرت شكاوى مماثلة – قائمة على السياسة ذات البعد الواحد – من قِبل آخرين قالوا إن “الحراك النسائي” لم يتناول قضايا ترتبط بمجتمع السود، على غرار أعمال الشرطة الوحشية.
النزعة الرمزية
صرّحت زينب خان، منظمة مجتمع في ولاية أتلانتا، بأن الافتقار إلى تقاطع أشكال التمييز أدى إلى عرقلة المسيرة منذ البداية. وأضافت خان: “شاركت في المسيرة الأولى لأول مرة في سنة 2017. وفي تلك الأثناء، لم أشعر أن قيمي كانت ممثلة، فقد شعرت بأن وجودي كان رمزيًّا. وأتذكر أنه كانت هناك تلك اللافتات لامرأة مسلمة ترتدي العلم الأمريكي كحجاب. هذا كل ما كنت بحاجة لمعرفته”.
يقول المراقبون إن الفترة التي سبقت هذا العام كانت أكثر هدوءً من المعتاد، وهو ما يدل على أن كل شيء ليس على ما يرام في الحركة. ففي حين جذبت النسخة الأولى من المسيرة والفعاليات المماثلة الملايين من الناس في جميع أنحاء البلاد، لا يتوقع المراقبون إقبالًا مماثلًا في هذا العام. وحيال هذا الشأن، قالت حسين: “أعتقد أن هيئة المحلفين لا تزال تنتظر الهدف وراء المسيرة في الوقت الحالي، ما زلنا بحاجة إلى معرفة ما حققته عدى عن جلب الناس إلى الشوارع”.
في مقابلة لها مع موقع “ميدل إيست آي”، أفادت روبي خان، وهي ناشطة طلابية تقيم في مدينة نيويورك، بأن فشل الحركة في تحقيق تقاطع أشكال التمييز إلى جانب ما أسمته بظاهرة “استنفاد التعاطف الجماعي”، يعنى أنها لا تتوقع نسبة إقبال عالية كما هو الحال في سنة 2017. وأضافت خان أنه على الرغم من انخفاض نسبة المشاركة، إلا أنها لن تستبعد تمامًا “الجهود التي تبذلها المجموعات التي تعنى بالنوع الاجتماعي ومجتمع المثليين والنساء التي ستجتمع عشية المسيرة للتنسيق والتفكير في مواطن القصور”.
يوم الخميس، جادلت ماي ماي تشان، من جمعية حقوق المساواة، وهي مجموعة تدافع عن العدالة بين الجنسين في أماكن العمل والمدارس في جميع أنحاء البلاد، بأن هناك العديد من الأسباب للاستياء من الحركة. وكتبت تشان: “بالنسبة للكثير من الناس، فإن اتخاذ “الحراك النسائي” العديد من القرارات التي تتعارض مع مهمتهم يمثل سببا وجيها بما يكفي لإلغاءه. حاليا، أنا لا أنبذ الحراك النسائي، وآمل ألا يتم إقصائي من قبل الحراك في المستقبل”. لكن الهوني قالت إنه من الضروري اتخاذ موقف جادّ حيال هذه المسألة، “وإذا لم نرسل رسالة، فسيبقى هذا الوضع متواصلا. لذا ينبغي عليهم أن يعلموا أن إقصاء النساء الفلسطينيات والمسلمات ليس فعلا صائبًا”.
المصدر: ميدل إيست آي