إنتاج مسلسل يتحدث عن المسيح الدجال بميزانية كبيرة شيء مثير للاهتمام حقًا، بل إنني تشوقت لرؤية ما قد تفعله نتفليكس بإنتاج قصة مثل هذه.
جميعنا لاحظنا أن اتجاه نتفليكس الآن نحو الشرق، الغرب في العموم لا يكف عن إعادة إنتاج الأفلام والمسلسلات القديمة التي تكون مخيبة لآمال عشاقها، ففي الوقت الذي تتجه فيه شبكة مثل هولو لإنتاج الأعمال الأدبية الثقيلة محاولة الخروج عن قائمة الروايات الأمريكية الأكثر مبيعًا والسيناريوهات التي تعتمد فقط على الأكشن ولا شيء سواها، نجد أن نتفليكس بدأت في الاتجاه نحو العرب، فبعد اتجاهها إلى المحتوى الإسباني والكوري والياباني والهندي، بدأت تأخذ خطوات حقيقية لاستكشاف المنطقة العربية، وكانت أولى محاولاتها الفاشلة إنتاج مسلسل “جن”، لكنها استمرت في المحاولة، لإثراء محتواها ببعض القصص التي تختلف كليًّا عن القصص الأمريكية.
كيف روجت نتفليكس للمسلسل؟
المسلسل يحكي عن ضابطة CIA تبدأ في تتبع أحد الأشخاص يسير خلفه بعض الجموع، متوجسة أن يبدأ جماعته الإرهابية. المسلسل يطرح عددًا من الأسئلة مثل: ماذا سوف يحدث إذا ظهر المسيح الدجال في هذا العصر؟ من أين سيظهر؟ من سيتبعه؟ هل سنكتشف احتياله؟
هذا ما فهمناه من الإعلانات والترويج للمسلسل، وهذا ما جعلنا نتحمس، سوف تنتج نتفليكس مسلسلًا يتناول جزءًا من عقيدة الإسلام ونرجو أن يتم الأمر دون محاولة للإساءة إلى معتقدات الجميع، لكن هذا لم يحدث بالطبع لأنها قصة شائكة ولن تنتهي بإرضاء الجميع مع اختلاف التوجهات الدينية، لكن التوجه الديني هنا ليس الأزمة في الحقيقة، بل التوجه السياسي، فتلك القصة التي تشوقت لرؤيتها لم تكن إلا مسلسل أمريكي آخر، وما روجت له نتفليكس أبعد مما شاهدناه بالفعل في ذلك المسلسل الممل.
كيف تكتب قصة جيدة؟ وكيف تفسدها على طريقة نتفليكس؟
فكرة عمل قصة تربط بين ظهور المسيح الدجال، ظن المسلمون سواء أنه المهدي أو “عيسى” عليه السلام، وربطه بـ”يسوع” في المسيحية فكرة جيدة، أن يبدأ كل هؤلاء في اتباع شخص واحد، وكيف من المفترض أن ينساقوا خلفه ويرون فساده في الأرض هو العمل الصحيح. إن فكرة كهذه تركز بالطبع على الأشخاص في حد ذاتهم وأخلاقياتهم، ولكنها بالطبع تحولت لتركز على أمريكا.. فكيف حدث هذا؟
١- المؤامرة المحيطة بأمريكا
نكتشف أن “المسيح” ليس إلا رجل إيراني كان يعمل مع عمه في سيرك، إنه مجرد محتال كما أنه للصدفة إيراني! وما هو هدفه؟ الوصول إلى البيت الأبيض واستغلال تدين الرئيس الأمريكي في محاولة إقناعه بسحب جميع قواته من الدول والعيش بسلام، ويبدأ الرئيس في اتخاذ هذا القرار العاطفي بالطبع، لنجد ماذا بعدها؟ إيران تحرك قواتها لأن الهدف من المسلسل كله إظهار أن الجميع يريد فقط سقوط أمريكا، وأمريكا تمنع الحرب بسبب وجود قواتها في كل تلك البلاد، وأن هذا ليس لصالحها إنه لصالحنا نحن!
لذلك المسلسل ليس علاقة له بظهور المسيح الدجال أو يسوع أو المهدي المنتظر حتى، فالمسلسل يتحدث ببساطة عن العداء الإيراني لأمريكا، التصوير كان في عدد كبير من الدول، مما جعل بعض الشخصيات عرب وآخرين إسرائيليين وغيرهم أمريكان في توليفة تخدم حبكة سياسية رخيصة ومملة، وهذا ما سوف يتضح في النقاط التالية.
2- أحداث مملة وشخصيات مسطحة
الحلقات مملة وطويلة إلى درجة مؤلمة والشخصيات مسطحة للغاية، فكيف يحدث التطور للشخصيات والأحداث؟ ما الذي تغير منذ الحلقة الأولى للعاشرة؟ لا شيء.
إذا كنت كاتبًا جيدًا، فأنت تدرك جيدًا كيف تبدأ القصة وتنهيها، حتى إن كان هناك موسم آخر جديد، هناك شيء يجب عليك أن تصل إليه، أن تصل إليه الشخصيات، أن يحدث تطور ما، لكن هذا لم يحدث، فالبداية تشبه النهاية، مسطحة وبلا أهمية حقًا، كما أن القصة لا تحتمل 10 حلقات! كان من الممكن أن تنتهي في خمس فقط على أقصى تقدير.
شخصية البطلة “إيفا غيلر” Eva Geller على سبيل المثال التي تؤدي دورها الممثلة “ميشيل موناغان” Michelle Monaghan، في البداية نجدها تتحدث بجدية عن أنه لا يوجد شيء رمادي، وجميع الأشياء أبيض أو أسود فقط، هذا شخص سيئ أو شخص جيد، لا يوجد وسط أبدًا.
تلك كانت بداية جيدة للشخصية، كان من الممكن أن تتغير في نهاية الموسم، لكن لم يحدث أي تطور في شخصيتها! لا شيء! منذ اللحظة الأولى التي نرى فيها الضابط الإسرائيلي ونرى البطلة التي تعمل مع الـCIA نعرف جيدًا أنهما سوف يقيمان علاقة.. لماذا؟ لأن الكتابة رخيصة ولأنه إسرائيلي وهي أمريكية.
3- محاولة جعل الجميع يتعاطف مع العدو
في وسط مشهد الاحتلال ووجود الإسرائيليين في بيت المقدس والطلقات النارية يحاولون إقناع الجميع أن الطلق الناري لا يكون عشوائيًا وأن هناك سببًا ما، فهم ليسوا وحوشًا يطلقون النيران على الجميع وأن البطل الإسرائيلي “أفيرام داهان” Aviram Dahan الذي يقوم بدوره الممثل الألماني “تومر سيسلي” Tomer Sisley يرتكب أخطاء، لكنه مدفوع إليها، لكنه شخص جيد، ونادم، ويحاول التغير، وحياته سيئة.. هذا غباء، محاولة أنسنة الإسرائيليين في أعين العرب كتبت بشكل سيئ، وحشرت في وسط السيناريو الممل لتجعله أكثر مللًا.
4- شخصيات لا قيمة لها
عدد كبير من الشخصيات لا قيمة له، حقًا، إذا حذفت تلك الشخصيات لن يكون لها أي دور، إذا كانت تلك الشخصيات ستأخذ دورًا مهمًا في الأجزاء القادمة، كان من الممكن أن تظهرها في لقطة أو مشهد أو حتى عدة مشاهد، لا أن يدور حولها خط كامل من المسلسل!
5- كيف تكتب عن المسيح بشكل عصري؟
كيف تكتب عن المسيح بشكل عصري؟ فحتى رغم الاشتباه بوجود مؤامرة، فإن المسيح يصل إلى أمريكا بسلام، بل ويتمكن من أخذ حق اللجوء بها! دون البحث في خلفيته ومعرفة من هو ودون أي إثبات لهويته، ورغم أن الـCIA تقول إنه رجل خطير لكن القضاء الأمريكي يرحب به ولا يمسسه، لأنها بالطبع أمريكا أرض الحريات وكل هذا الهراء.
إن هذه هي القصة.. مجرد قصة جيدة أفسدتها نتفليكس بالأمركة ولا سبيل لإصلاحها حقًا.