ترجمة وتحرير نون بوست
بينما يبدو تعريف مصطلح تقدير الذات غير ضار بشكل سطحي “ثقة الفرد في قيمته وقدراته”، فالأفكار المحيطة به تعد من أكثر المفاهيم الضارة الشائعة، فتقدير الذات يقول إنه إذا كان لديك ما يكفي من “X” (والمقصود بها شيء مادي أو تجربة أو علاقة وغيرهم) فإنك ستكون أقل قلقًا وإحباطًا وأكثر سعادة.
على كل حال ليس بإمكانك أبدًا أن تتخلص من مشاعر القلق والغضب، فهي جزء ضروري من الحياة، فقد ثبت أن تجنب مثل هذه المشاعر لن يؤدي إلا إلى زيادتها، في دراسة “وايت بيرز” الشهيرة أثبت الدكتور دانيل فينجر أنه عند محاولة عدم التفكير في شيء ما فإنك تفكر فيه بشكل أكبر، وبالتالي فتجاهل مشاعر القلق والإحباط لن يساعدك في التخلص منها، ومفهوم تقدير الذات لن يساعدك لعدة أسباب.
أولًا: يتضمن مفهوم تقدير الذات أحكامًا لا نهائية لنفسك مقابل الأشخاص من حولك، فأنت إما “أفضل من” أو “أسوأ من” كل شخص أمامك، هذه الطريقة في التفكير تخلق الكثير من التصنيفات، ولن تستطيع أن ترى الآخرين حقًا، ما احتياجاتهم وكيف يمكن أن تساعدهم، فحينها تفقد الوعي، هذا هو النقيض تمامًا لما يجب أن يصبح عليه العالم ليصير مكانًا أفضل “قبول الاختلاف والاحتفاء بذلك”.
ثانيًا: محاولة بناء تقدير الذات تعني استخدام طرق عقلانية للتعامل مع دوائر عصبية غير عقلانية، فالعقل العاطفي اللاواعي أكثر قوة من الجانب العقلاني، إنه اختلاف ضخم.
يشعر الأطباء بالإنهاك بشكل وبائي والدليل على ذلك معدلات الانتحار، فهي مستمرة في الارتفاع
ثالثًا: عندما يكون تقديرك لذاتك تحت رحمة آراء الآخرين بمن فيهم أنت، فإنك ستكون ممنونًا للآخرين دائمًا، وهناك مشكلة خاصة في هذا الأمر، حيث إن تقدير الآخرين لذاتهم يتحسن عندما يشعرون أنهم أفضل منك، هذا السيناريو يتناقض تمامًا مع الحكمة القديمة التي تقول إن جوهر الاستمتاع بالحياة يبدأ عندما تتصل بذاتك أولًا حتى لو تكن سعيدًا بها.
وأخيرًا: ما الذي سيحدث عندما تصل للأشياء التي تعتقد أنها ستخفف من قلقك ثم لا ينجح الأمر؟ ستصبح أكثر إحباطًا لأنه لم يعد لديك حل آخر، فكرّ في جميع الأشخاص المشهورين الذين دمروا أنفسهم، لقد كان لديهم كل وسائل الراحة الممكنة لكنها لم تساعدهم على تجاوز مشاعر القلق.
الإنجاز ليس فعّالًا
يؤثر الإرهاق بشكل مرعب على رعاية المرضى ويؤثر كذلك على عائلات الأطباء، يشعر الأطباء بالإنهاك بشكل وبائي والدليل على ذلك معدلات الانتحار، فهي مستمرة في الارتفاع، معظم هؤلاء الأطباء يعيشون الحلم، فقد حصلوا على درجة تعليم عالية ولديهم ثروة وسمعة جيدة وعائلات جميلة وغيرهم الكثير، إنهم يمتلكون أكثر مما يكفي لتقدير الذات.
لكن حالات الانتحار ليست مجرد أرقام، فأنا شخصيًا أعرف 19 من زملائي الأطباء الذين قتلوا أنفسهم، و4 من بين 18 زميلًا في كلية الطب ماتوا انتحارًا، أحدهم كان زميل جراح متخصص في جراحات العمود الفقري وأحد الأشخاص الذين يمكنك الاعتماد عليهم في كل شيء، هذا اليوم قضاه معي في جراحة ما وساعد في عملية صعبة، وفي تمام الساعة الثانية صافحني وقال: “لقد كانت حالة جيدة، لدي موعد لا يمكنني تفويته” ورحل بعيدًا، بعد 3 ساعات أطلق النار على نفسه.
لقد اقتربت كثيرًا من أن أكون الضحية رقم 20، هناك عدة مشاكل مع العمل الزائد وفقدان الاستقلال وقلة الوقت للحديث مع المرضى، ومع ذلك فالسبب الأساسي للقلق المكبوت والإحباط لا يمكن التعرف عليه بسهولة ومعالجته، فعندما تتحدث عن مشكلة القلق تجد أن الأطباء يغيرون الموضوع سريعًا.
ومع ذلك ولأنني ساعدت العديد من الزملاء لاجتياز تلك الهوة، فالأمر دائمًا يتعلق بالقلق، هذا القلق سام خاصة في مجال الطب فعادة ما يكون المعيار عندما يضعف الأداء، ورغم أن القلق والسعي نحو الكمال يدفعك إلى القمة، فإنه يدمرك في النهاية.
الكمالية
رغم أن الكمال يبدو منطقيًا خاصة في مجال الجراحة، فإنه مميت، فهو يخلق شعورًا مكثفًا ومزمنًا بالقلق من كونك غير جيد بما فيه الكفاية، بعدها يتملكك الإحباط لأنك غير قادر على تحقيق أهداف مستحيلة، هذه المشاعر تتسبب في ضعف وتشتت الأداء، وتؤدي الكمالية إلى تعزيز مشاعر القلق الناجمة عن الغضب حتى يصبح القلق مفرطًا في النهاية.
تنقسم مراحل الغضب والإحباط إلى: الظروف ثم اللوم ثم الضحية ثم الغضب، فمع الكمالية سوف تلوم الموقف أو نفسك لأنك أقل من الكمال، أنت الآن في موقف الضحية حيث لا يوجد أي موقف كامل ولا توجد نقطة نهاية، ولهذا السبب يحقق الأطباء الكثير حتى ينجح الأمر ثم يتوقف ذلك فجأة، لا يقتل الناس أنفسهم بالضرورة بدافع الاكتئاب، إنه غالبًا تصرف غاضب، فالغضب مدمر وآخر خطوة لهذا التدمير هو تدمير نفسك، إنني أستخدم عالم الطب كمثال لأنني أعمل فيه، لكن هذه المفاهيم تنطبق على جميع المواقف.
نيك وهولت
يلعب ابني نيك وصديقه هولت التزلج الحر العالمي، لقد تعلمت الكثير من المفاهيم التي أعلمها اليوم بسبب مشاهدة طريقة تعاملهما مع محنة التنافس تحت الضغط الشديد والوقوع تحت رحمة الحكام، كما أنهما مهووسان بالفوز كهدف نهائي.
عمل ديفيد إليمي أحد أصدقائي وهو مدرب رياضي معهما – وكذلك أنا – لتعليمهما كيف يستمتعان بالرحلة بغض النظر عن النتائج، لقد بدأ الأمر يؤتي ثماره ببطء رغم أنه ثقافة مسابقات التزلج تركز على الفوز.
عام 2007 فاز هولت بالبطولة الوطنية للتزلج الحر، شعر هولت أن أحد العوامل المهمة التي ساعدته على الفوز كانت تقنيات الوعي والتصور التي تعلمها في مناقشاتنا، فمن خلال الاتصال بأفضل جهد له بدلًا من النتائج تمكن من التحرر من القلق والأداء بحرية، وفي اليوم التالي لتحقيق الفوز قال لي: “لقد كنت محقًا، فالفوز غيّر من حياتي لمدة 12 ساعة فقط، بينما ما زالت الحياة مستمرة على حالها”.
إذا كنت تحاول أن تخلق حياةً فقط لتملأ الفراغ بداخلك ولتعريف ذاتك فهذه مشكلة كبيرة، فالحل أن تكون واعيًا ومتفهمًا لذاتك بما في ذلك إخفاقاتك والتقدم للأمام بأفضل ما تملكه من جهد، من الجيد أن تسعى نحو تحقيق التميز، لكن الأمر لا علاقة له بالحد من القلق والإحباط، هناك فرق كبير بين الثقة بالنفس وتقدير الذات، فبغض النظر عن مصدر رزقك، إذا كنت تستطيع الاتصال بذاتك فبإمكانك حينها أن تخلق الحياة التي تريدها.
المصدر: سايكولوجي توداي