ترجمة وتحرير: نون بوست
لا تعتبر الأخبار التي تفيد بأن القيصر الروسي فلاديمير بوتين يسعى لوضع خطط للتشبث بالسلطة إلى أجل غير مسمى، أمرا مفاجئا. ومع ذلك، فهي تثير قلقًا عميقًا بالنسبة لضحايا بوتين، لا سيما الشعب الروسي والديمقراطيات الغربية. لقد أدار بوتين، البالغ من العمر 67 عامًا، روسيا باعتباره رئيسا ورئيس للوزراء على مدار 21 سنة، وهي الفترة السياسية التي لم يتمكن سوى جوزيف ستالين من تخطيها. وعلى غرار ستالين، صنع بوتين الكثير من الأعداء وتسبب في الكثير من البؤس طوال مسيرته السياسية.
عُرفت روسيا في ظل فترة حكم بوتين القاتمة بالمحسوبية والفساد على نطاق واسع، إلى جانب قمع المعارضين المحليين وحرية التعبير والعدوان العسكري وإخلال التوازن في الخارج. ومرة أخرى، مثل ستالين، لا يعتبر التقاعد الخيار الآمن بالنسبة للجاسوس السابق في الاستخبارات السوفيتية، “كي جي بي”، الذي اشتُهر بقسوة القلب وجعل الاغتيال وسيلة حديثة لسياسة الدولة. وسيكون التخلي عن السلطة دعوة للقصاص، سواء على الصعيد القانوني أو المادي.
مع ذلك، يبدو أن بوتين لا يرغب في محاكاة الديكتاتوريين في بلدان أخرى من خلال جعل نفسه رئيسًا مدى الحياة، وهو المسار الذي اختاره الرئيس الصيني شي جين بينغ. وتجدر الإشارة إلى أنه يولي أهمية للغطاء الخارجي من الشرعية الديمقراطية. وبناءً على المقترحات التي وقع الكشف عنها الأسبوع الماضي، يمكن أن يتولى بوتين منصب رئيس وزراء قوي في سنة 2024 حين تنتهي فترة رئاسته، أو يمكن أن يصبح رئيسا لهيئة مجلس الدولة التي أنشأها.
من المؤكد أن إرثه الإجرامي من عدم الكفاءة الاقتصادية وإساءة استخدام السلطة والارتشاء في أية انتخابات حرة ونزيهة، سيجعله يغرق دون أثر
علاوة على ذلكن يمكن تولي هذه الوظائف إلى أجل غير مسمى. فضلا عن ذلك، يملك بوتين خيارا ليصبح رئيسًا لمجلس الدوما (البرلمان) أو زعيما لحزبه الحاكم “روسيا الموحدة”، وبالتالي ممارسة السلطة وراء الكواليس على غرار ياروسلاف كاتشينسكي، زعيم حزب القانون والعدالة في بولندا. وبغض النظر عن خياره، سيقع الحد من صلاحيات أي خليفة لمنصب الرئيس وستوضع قيود جديدة على فترة ولايته، كما سيقع الحد من قدرة حكومة الأقلية العدائية والمهاجرين الروس، الذين يمثلون 7 بالمئة من إجمالي عدد السكان، على تحديه.
لا تعد الاستقالة القسرية لحكومة بأكملها، بما في ذلك رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، سوى محاولة من بوتين لإعادة تعيين إدارته قبل انتخابات مجلس الدوما خلال العام المقبل. وفي هذا الإطار، يقول المحللون إنه يخشى أن تكون عدم شعبية ميدفيديف، الذي وجهت له تهم بالفساد، بدأت تلقي بظلالها عليه. وفي الآن ذاته، يُعتبر تعيينه لرئيس وزراء غير منتمي لحزب سياسي، يُدعى ميخائيل ميشوستن، وهو خبير قديم في لعبة هوكي الجليد ومسؤول حكومي سابق في قطاع الضرائب، طريقة غير مناسبة لحرمان المنافسين المحتملين من أي فرصة.
على الرغم من أن هذه التغييرات قُدمت على أنها إصلاحات دستورية مستحبة، إلا أنها تخدم بوضوح غرضًا واحدًا مشتركًا يتمثل في إرساء السياسة البوتينية إلى الأبد. ومن خلال إظهار عدم نيته للحصول على التقاعد من منصبه، يأمل بوتين في القضاء على معركة خلافة محتملة في مهدها. وقد يكون كل ذلك مفيدا بالنسبة لبوتين، لكنه سيء للغاية بالنسبة لروسيا. ومن المؤكد أن إرثه الإجرامي من عدم الكفاءة الاقتصادية وإساءة استخدام السلطة والارتشاء في أية انتخابات حرة ونزيهة، سيجعله يغرق دون أثر. في المقابل، تبدو الانتخابات الحرة والنزيهة في الوقت الراهن أبعد من أي وقت مضى، خاصة بعد القمع الوحشي للمتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في موسكو في الصيف الماضي.
بوتين لا يرفض الخروج من شبه جزيرة القرم فحسب، وإنما يسعى إلى تغذية الصراع الانفصالي في شرقيَ أوكرانيا
خلافا لذلك، أضحى بوتين غير متسامح بشكل متزايد مع أي شكل من أشكال المعارضة الفعلية أو المشتبه فيها، سواء كان ذلك في شكل منظمات المجتمع المدني أو وسائل الإعلام أو الناشطين الجريئين الذين يتعرضون للاضطهاد، على غرار أليكسي نافالني. وبسبب سوء تدبير بوتين وإهماله، أصبح الاقتصاد الروسي في وضع رهيب، حيث كان يعتمد بشكل كبير على صادرات الطاقة، ويفتقر إلى الاستثمار الأجنبي ويعاني من هروب رؤوس الأموال. وعموما، يعود السبب في ذلك إلى عدم قدرة الشركات على الاعتماد على سيادة القانون لحماية تعاملاتها أو منع محاولات الابتزاز والرشوة.
في الواقع، فشل بوتين في تحقيق مشاريعه المفترضة المتعلقة بالإنفاق القومي، التي تبلغ قيمتها 390 مليار دولار. وفي الواقع، ينبغي أن تكون وعوده بالتحديث الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة في مقابل انخفاض الأجور الحقيقية والتخفيضات في الرواتب التقاعدية التي تقدمها الدولة مستمر لمدة خمس سنوات متعاقبة. وفي الآن ذاته، من الواضح أن بوتين يخشى نوع التحرير السياسي الذي قد يسهل قدرًا أكبر من التنافس الاقتصادي والاستثمار الدولي. على النقيض من ذلك، تسعى مقترحاته الأخيرة إلى زيادة تقييد النفوذ الأجنبي.
يمثّل استمرار الضغوط على التنمية في روسيا بسبب العقوبات الغربية المفروضة عليها بعد ضمها لشبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني، الجوانب السلبية واسعة النطاق للسياسة البوتينية الدائمة.
والجدير بالذكر أن بوتين لا يرفض الخروج من شبه جزيرة القرم فحسب، وإنما يسعى إلى تغذية الصراع الانفصالي في شرقيَ أوكرانيا. ولا يعتبر هذا الصراع سوى نسخة أصغر من الفوضى القاتلة التي سببتها القوات الروسية في سوريا منذ سنة 2016، حيث يستمر القتل والتشريد الجماعي في إدلب.
يتعاون بوتين مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحملته المناهضة للأكراد المؤيدين للوجود الغربي في شماليَ شرقيَ سوريا. وفي الآونة الأخيرة، عمد إلى إدخال المرتزقة الروس في الحرب في ليبيا، ودعم المتمردين ضد الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس.
يعدّ احتمال تمديد بوتين لفترة حكمه العدمية وتعزيزه، أمرا رهيبا خاصة وأن فترة حكم بوتين تعد بمثابة وجه العدو
تجدر الإشارة إلى أن نفوذ روسيا المؤذي في عهد بوتين إلى أبعد من ذلك، ليشمل نشر النفوذ السري في البلقان وأوروبا الشرقية، ومحاولات تقسيم الاتحاد الأوروبي، والهجمات الإلكترونية على دول البلطيق، وحملات التضليل لتقويض العمليات الديمقراطية في بريطانيا والولايات المتحدة.
في شأن متصل، أدى الفيتو الروسي في العديد من المناسبات إلى تقليص نفوذ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية. وفي هذه الأثناء، يتسرب سم بوتين عبر مؤسسات غربية أخرى، مثل الرئيس المخادع دونالد ترامب، وإضعاف تحالف الناتو ومجموعة الدول الصناعية السبع (الذي وقع استبعاده منها)، وتقويض الديمقراطية الأوروبية بحديثه العفوي عن الليبرالية الغربية “البائدة”. وبالحديث عن السم، من يشكك في أن بوتين وأتباعه كانوا وراء محاولة اغتيال سيرجي ويوليا سكريبال في سالزبوري، دون التعرض للعقاب، ومقتل انفصالي شيشاني في برلين العام الماضي؟
يعد فلاديمير بوتين رجلا متقلبا، فهو وطني مفتول العضلات وشعبوي يميني، ومناور ساخر، وأمير حرب عالمي متحجر القلب. وفي هذا السياق، تعدّ كل هذه الوجوه معادية لمصالح الشعب الروسي، ومعادية بشكل أساسي لمبادئ الحرية والديمقراطية في الغرب. وفي الحقيقة، يعدّ احتمال تمديد بوتين لفترة حكمه العدمية وتعزيزه، أمرا رهيبا خاصة وأن فترة حكم بوتين تعد بمثابة وجه العدو. ومن الآن فصاعدا، ينبغي الاعتراف به على هذا النحو.
المصدر: الغارديان