بسبب التركة الثقيلة التي ورثتها عن الحكومات التي تعاقبت خلال حقبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة؛ يُرجح أن تواجه الحكومة الجزائرية برئاسة الأكاديمي والدبلوماسي السابق عبد العزيز جراد، صعوبة في تطبيق الوصايا التي وزعها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال ترؤسه المجلس الوزاري الأحد.
وتنتظر الحكومة التي تعكف على إعداد خطة عملها، تحديات عديدة، فبين محاولة إنقاذ اقتصاد البلاد الذي شهد تدهورًا ملحوظًا على خلفية الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ أكثر من 11 شهرًا وتوحيد صف الجزائريين، تجد الحكومة نفسها في مواجهة ملفات شائكة، خاصة أن القاضي الأول للبلاد أقر بالمشاكل التي تتخبط فيها بعض القطاعات الوزارية على غرار الصحة والصناعة والفلاحة.
ملف تركيب السيارات.. المهمة الأصعب
الوصايا التي أعطاها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حسب بيان صادر عن رئاسة الجمهورية الجزائرية، تتمثل أولًا في وضع حد للنفوذ المتزايد لـ”اللوبيات” التي تستحوذ على السياسيات العمومية، وطالب الوافد الجديد على قصر الرئاسة بـ”منظومة قانونية صالحة لمدة طويلة لا تقل عن عشر سنوات، توفر الرؤية الواضحة للمستثمرين بهدف خلق الاستقرار في المنظومة القانونية، لتحفيز رجال الأعمال على الاستثمار”.
وأعطى تبون في هذا السياق الأولوية لفتح الملفات الساخنة، على رأسها قضية استيراد السيارات في شكل أطقم جاهزة للتركيب في صيغة “سي كا دي” و”إس كا دي”، وطالب بتصفية هذه الوضعية ووضع قواعد جديدة، وهو الملف الذي تورط فيه وزراء سابقون ورجال أعمال، وكبد خزينة الدولة الجزائرية خسائر فادحة قاربت 129 مليار دينار جزائري.
يقول الخبير الاقتصادي الجزائري سليمان ناصر لـ”نون بوست”: “معالجة ملف صناعة تركيب السيارات يعتبر من أثقل الملفات التي تواجه الحكومة، بالنظر إلى التخبط الكبير الذي يشهده القطاع”، ويقترح المتحدث في هذا السياق مراجعة دفتر الشروط الحاليّ الذي وقع تسرع كبير في إعداده وشروطه صعبة التحقيق، لكنه يرى ضرورة أن تكون المعالجة متأنية وبعد استشارة واسعة للخبراء وللممارسين في الميدان حتى لا تتكرر نفس أخطاء دفتر الشروط الحاليّ الذي صدر مع نهاية سنة 2017 أي من فترة قصيرة نسبيًا وبالتالي حتى لا نكون مضطرين لتغيير هذا الدفتر من فترة لأخرى.
محاربة ظاهرة تضخيم الفواتير
وضع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مكافحة وتجريم وتشديد العقوبات على المستوردين المضخمين للفواتير التي تحدث نزيفًا حادًا في المال العام بالعملة الصعبة، في لائحة أولويات الحكومة، وكان تبون قد تعهد خلال حملته الانتخابية بمحاربة ظاهرة تضخيم الفواتير لأنها دمرت الاقتصاد الجزائري.
يقول الخبير الاقتصادي سليمان ناصر، إن محاربة تضخيم الفواتير أحد الحلول المعقولة والعاجلة بالنظر إلى الخسائر الكبيرة التي يتكبدها الاقتصاد الجزائري، وعاد المتحدث لتصريحات وزير التجارة السابق بختي بلعايب التي كشف فيها أن التضخيم يصل إلى نحو 18 مليار دولار سنويًا، وأكد أن فاتورة الاستيراد تتراوح بين 45 و46 مليار دولار في السنتين الأخيرتين، وفي حالة إذا تم تقليصها فإنها ستنخفض إلى حدود أقل من 30 مليار دولار سنويًا، وهذا من شأنه أن يطيل عمر هذا الاحتياطي نسبيًا، علمًا بأنه قد يصل مع نهاية هذه السنة إلى 58 مليار دولار، بعد أن كانت تقديرات الحكومة في قانون المالية للسنة الحاليّة تجعله في حدود 62 مليار دولار.
وذكر أن “عقلنة الواردات لا ينبغي أن تكون على حساب سير المؤسسات والاحتياجات الضرورية للمستهلكين”، وأكد في هذا السياق إطلاعه على أوجه العجز في الميزان التجاري، بعد أن سجل القطاع في 2019 انخفاضًا في الواردات والصادرات، على التوالي بأكثر من 7.7% ونحو 13%، في الوقت الذي سجلت فيه الصادرات خارج المحروقات تراجعًا بنحو 10%، وألح على ضرورة الإسراع في وضع إستراتيجية ترقية الصادرات خارج المحروقات، بالتعاون الوثيق مع الدوائر الوزارية المعنية.
يقول في هذا السياق الخبير الاقتصادي كمال سي محمد: “لا يجب أن تبقى القرارات مجرد حبر على ورق، فالواردات ما زالت في حدود 50 مليار دولار والاستيراد أكبر مرض مستعص يصيب الاقتصاد والإنتاج الوطني”.
إجراءات امتصاص الغضب
لم يفوت مجلس الوزراء، الحديث عن الأزمات اليومية التي تعترض مسار المواطن الجزائري، على رأسها أزمة الحليب، حيث وضعها القاضي الأول للبلاد ضمن أولويات قطاع الفلاحة، محدّدًا للحكومة مهلة ستة أشهر للقضاء على أزمة أكياس الحليب بصفة نهائية، كما شدّد على ضرورة وضع سياسة وطنية لتخزين المواد الغذائية لحل مشكل التسويق.
بالمقابل، وضع الرئيس الجزائري يده على مكمن الجرح الذي يقض مضجع المواطن، وأقر بأن مصالح الاستعجالات الاستشفائية وأقسام التوليد هما نقطة الضعف الرئيسة في المنظومة الصحية، وأن الأمر يستدعي إعادة تنظيم القطاع ووضع إجراءات عملية، خاصة بتكوين أطباء متخصصين في الاستعجالات وشبه الطبي، وتشجيع المنافسة بين أطباء الاستعجالات، بمنح التحفيزات المناسبة، وشدد الرئيس على عدم رفض استقبال أي امرأة حامل وهي في اللحظات الأخيرة للولادة، من أي مصلحة طبية كانت.
كما ألح على ضرورة التشخيص المبكر المجاني، لبعض الأمراض المرتبطة بالسن والأمراض المزمنة والسرطان، مشددًا على أهمية التفكير الجدي لحل مشكل الخدمة المدنية، ومنح التحفيزات اللازمة، مع التفكير في إعطاء الأولوية لتكوين أطباء من الجنوب، بهدف إيجاد حل نهائي لمشكلة نقص الأطباء المتخصصين في الجنوب.
أخيرًا، لا شكّ أن التحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة جسام، وإن تفاوتت جسامتها بالنظر لطبيعة كل تحد والفئة المستفيدة منه (أو حتى المتضررة منه من “عصابات” وفاسدين)، ومدى ارتباطه المباشر بحياة الناس واقتصادهم ومعيشتهم، والمؤمّل أن تنجح حكومة جراد في مواجهة مسؤولياتها ورفع سوية الاقتصاد بما يطمئن الشارع المنتفض ويطبّع الحياة الجزائرية من جديد.