ترجمة وتحرير نون بوست
على مشارف زحلة – تلك المدينة الواقعة في سهل البقاع اللبناني – يحمل اثنان من موظفي الإغاثة لافتات وهواتف محمولة وهما يسيران داخل مخيم صغير للاجئين يضم 11 مأوى مؤقتًا مبنيًا من الخشب والمشمع.
يقودهم أحد سكان المخيم خلال المستوطنة – التي تعد واحدة من بين العديدين في سهل البقاع ذي الأرض الزراعية الواسعة الواقع بين بيروت ودمشق ويضم عدة قرى متناثرة ذات منازل من الطوب الإسمنتي – ويشير اللاجئ إلى إحدى الخيام التي تم تجديدها من أجل فصل الشتاء، ثم قادهم إلى مطبخ خيمة أخرى وأشار إلى ضعف الدعامات الخشبية والتسريبات في السقف.
يسجل موظفو الإغاثة عدد السكان في كل خيمة وكذلك عدد المراحيض والمطابخ في المخيم، تأتي هذه الزيارة في إطار مبادرة لمنظمة “ميد إير” غير الحكومية ومقرها سويسرا لتحديد موقع الآلاف من مخيمات اللاجئين غير الرسمية في لبنان.
تقول رينيه حنا مدير إدارة المعلومات في المشروع الذي ساعد في تطوير مشروع وضع الخرائط: “دائمًا ما كنت أقول إن المشروع يمنح عنوانًا للأشخاص الذين فقدوا منازلهم، مما يعيد لهم بعض من كرامتهم بشكل ما”.
تعتمد المبادرة على تقنية “GIS” (نظم المعلومات الجغرافية) رغم أن البيانات الأساسية تم جمعها بالطريقة القديمة دون وسائل تقنية عالية لتحديد المواقع مثل الطائرات دون طيار، يتجول فريق رسم الخرائط في البلاد خلال العام ويتوقفون في كل مخيم للتحدث مع السكان وإجراء مسح شامل.
لم يوقع لبنان اتفاقية اللاجئين عام 1951 ويشير المسؤولون الحكوميون إلى السوريين على أنهم نازحون وليسوا لاجئين
يدخل الفريق إحداثيات المخيمات الجديدة أو أي تغيير في عدد السكان أو المرافق في المخيمات القديمة على قاعدة بيانات كبيرة يتشاركونها مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “UNHCR” والمنظمات غير الحكومية الأخرى التي تعمل في المخيمات، يستطيع العمال المتجهون إلى المخيمات لتوزيع مساعدات أو الاستجابة لنداء طارئ الوصول إلى تلك الخرائط عبر تطبيق على الهاتف.
يستضيف لبنان – تلك الدولة الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 4 ملايين نسمة – أكثر من 900 ألف لاجئ سوري مسجل ونحو مئات الآلاف غير المسجلين، مما يجعل البلاد تضم أكبر عدد للاجئين لكل فرد من بين دول العالم أجمع.
لكن لا توجد أي مخيمات رسمية للاجئين تديرها الحكومة أو حتى وكالة الأمم المتحدة للاجئين في لبنان، حيث يعد اللاجئون موضوعًا حساسًا، فلبنان لم يوقع على اتفاقية اللاجئين عام 1951 ويشير المسؤولون الحكوميون إلى السوريين على أنهم نازحون وليسوا لاجئين.
دائمًا ما كان المسؤولون في لبنان يشعرون بالقلق بشأن استقرار السوريين بشكل دائم مثلما حدث مع اللاجئين الفلسطينيين عام 1948، واليوم بعد 70 عامًا هناك نحو 470 ألف لاجئ فلسطيني مسجل في لبنان لكن عدد الذي يعيشون داخل البلاد من المتوقع أن يكون أقل من ذلك.
عام 2015 طالبت الحكومة مفوضية اللاجئين بالتوقف عن تسجيل اللاجئين السوريين ومنع تشييد مخيمات دائمة لهم، كان معظم اللاجئين يعيشون في منازل وشقق حسب بيانات الأمم المتحدة، لكن عدد الذين يعيشون في المخيمات غير الرسمية ازداد بشكل كبير بعد أن انتقل اللاجئون من المنازل والشقق المؤجرة إلى المخيمات عندما انتهت مدخراتهم.
بنهاية عام 2019 قال تقرير ميد إير إن هناك 302.209 لاجئ سوري يعيشون في أكثر من 6 آلاف مخيم غير رسمي بعد أن كان عددهم 236.000 في أواخر 2016، تقول ليزا أبو خالد المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: “أدى ارتفاع تكلفة الإيجار ومساحة المأوى المحدودة في لبنان إضافة إلى سياسة “لا مخيمات” التي تنتهجها البلاد إلى اتجاه اللاجئين السوريين نحو البحث عن مأوى في المخيمات العشوائية غير الرسمية”.
يستأجر اللاجئون المساحات من مالكي الأراضي التي عادة ما تكون أراضي جديدة غير مستخدمة صالحة للزراعة، فيبني اللاجئون مخيمات من الخشب والمشمع فوقها، وتقدم مفوضية اللاجئين ومنظمات أخرى بعض مواد البناء والمساعدات المالية للأسر الأشد احتياجًا، لكن العديد من اللاجئين يدفعون الإيجار من أموالهم الذي عادة ما يكون 50 دولارًا شهريًا.
تقول حنا إن الطبيعة اللامركزية وغير الرسمية لنظام اللاجئين إضافة إلى نقص عناوين الشوارع في البلاد بشكل عام، يجعل تقديم المساعدات أو الاستجابة للطوارئ مثل الفيضانات والحرائق مشهدًا مخيفًا، مضيفة “بالنسبة لي، فعندما أحتاج لأن أخبر أحدهم عن عنواني سأقول له انعطف ثاني يسار بعد النتوء على الطريق فقد تجد منزلي هناك، هل يمكنك أن تتخيل محاولة إخبار أحدهم أين تعيش وسط اللامكان في المخيم؟”.
عندما تخرجت حنا من الجامعة عام 2013 بدرجة في علوم الكمبيوتر وشهادة جانبية في خرائط نظم المعلومات الجغرافية لم تكن تتوقع أن تشارك سريعًا في مجال العمل الإنساني، لكنها تعلمت سريعًا أن مهاراتها مطلوبة في الجهود المتزايدة للاستجابة للاجئين.
عندما بدأت ميد إير في وضع خرائط المخيمات عام 2013 وجد الموظفون مخيمات منعزلة لم يزرها أي من المنظمات ولم تحصل على أي خدمات أو مساعدات، تقول حنا: “لم يكن هناك من يعلم بمكانهم والسبب أن بعض المواقع تبعد عن أقرب طريق رئيسي نحو 45 دقيقة بالسيارة للوصول إليهم وسط اللامكان، لكن هؤلاء الناس هم الأكثر ضعفًا ومن يحتاجون للمساعدة حقًا”.
كانت الخرائط مهمة خلال العواصف الشتوية الشديدة العام الماضي التي تسببت في غمر العديد من المخيمات بالفيضانات، فقد ساهمت الخرائط في عثور مجموعات الإغاثة على المخيمات التي تحتاج للمساعدة في نزح الماء أو إمدادات جديدة مثل المراتب والبطانيات.
غطت الخرائط الأولى عام 2013 وادي البقاع الذي يضم أعلى تجمع من مخيمات اللاجئين في البلاد، وفي عام 2014 بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وشركاء من منظمات غير حكومية تمكنت ميد إير من توسيع مشروع الخرائط ليشمل لبنان بأكمله.
معايير المساعدة أصبحت أكثر صرامةً مع استمرار القتال في سوريا وتعب المانحين
باستخدام برنامج “Esri” لنظم معلومات الخرائط انتشرت الفرق في البلاد وحددت موقع كل مخيم تصل إليه، في بعض الحالات كانت المفوضية أو المنظمات على علم بمكان بعض المخيمات بالفعل، وفي حالات أخرى كان سكان المخيمات يوجهون فريق الخرائط للمخيمات الأخرى، كما كان فريق الخرائط يقود في طرق البلاد بحثًا عن مخيمات.
يحصل كل مخيم على رمز يُسمى “P code” وهو عبارة عن سلسلة من الأرقام تحدد المحافظة والقرية وخطوط الطول والعرض، يجري فريق الخرائط مسحًا لسكان المخيم لجمع وإدخال البيانات الأساسية عن عدد الخيام والسكان والبنية التحتية مثل مصادر المياة وعدد المراحيض في الموقع.
يعيد الفريق المسح كل 4 أشهر لتدوين التغييرات، في بعض الحالات يخلي الجيش أو ملاك الأراضي المخيمات، وفي البعض الآخر تظهر مخيمات جديدة، وقد تنتقل الأسر بحثًا عن أعمال موسمية وربما يعود بعضهم إلى سوريا.
هناك خط ساخن الآن يستطيع اللاجئون الاتصال به عند انتقالهم إلى مكان جديد لطلب زيارة فريق الخرائط، تقول حنا: “لقد اعتدنا سؤال اللاجئين والبلديات ونحن نقود وسط اللامكان بحثًا عن مخيمات جديدة، والآن يتصل اللاجئون أنفسهم بنا على الخط الساخن”.
أصبحت التغيرات ملحوظة في قاعدة بيانات الخرائط التي تشاركها المنظمة مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمات غير الحكومية التي تقدم الخدمات للمخيمات، فعلى سبيل المثال، إذا وجد فريق الخرائط مخيمًا جديدًا فقد يحتاج الوافدون الجدد إلى عدة إيواء وألواح بلاستيك وفينيل وألواح خشبية، ولا يستطيع أن يصل إلى قاعدة البيانات إلا المنظمات غير الحكومية التي تم التحقق منها وتعمل في المنطقة بموافقة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
في بعض الأحيان يصبح فريق الخرائط متنفسًا لإحباطات السكان بسبب نقص المساعدات، فمعايير المساعدة أصبحت أكثر صرامة مع استمرار القتال في سوريا وتعب المانحين، في مخيم قريب من زحلة يشير السكان إلى خيام من الخشب المتشقق والأسقف المسربة ويشتكون من أن المخيم لم يحصل على أي قماش أو خشب جديد من الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية منذ 4 سنوات.
يقول أحمد إبراهيم – أب لثلاثة أطفال – إنه لا يجد أي عمل وعليه ديون تصل إلى 8000 دولار ويعيش في خيمة تسرب المياه، ويضيف: “في الأمس أمطرت قليلًا فسقط الماء فوق أطفالي”، يقول علي إسماعيل الذي يعمل في فريق الخرائط في البقاع منذ 6 سنوات: “في بعض الأحيان يصبح العمل محبطًا، فأصعب شيء أن تدخل مخيمًا ما وتجد الوضع سيئًا لكنك لا تستطيع أن تفعل أي شيء”.
لكنه يؤكد أن عملهم أحدث فارقًا كبيرًا، حيث يقول: “في بعض المخيمات التي وصلنا إليها وجدنا وافدين جددًا لا يملكون أي شيء، فأعطاهم الفريق رمزًا ثم بدأت المنظمات غير الحكومية بالوصول إليهم وزيارتهم ومساعدتهم بتوفير المأوى والمراحيض، وبالتالي تحسن وضعهم بعد فترة قليلة”.
المصدر: وايرد