قبل ساعات قليلة من انتهاء المهلة الدستورية، قرر الرئيس التونسي قيس سعيد تكليف شخصية جديدة بتشكيل الحكومة القادمة، وفق ما يقتضيه الدستور، شخصية جديدة ستكون مهمتها شاقة بالنظر إلى الفسيفساء الموجودة في البرلمان، فهل يقدر رئيس الحكومة المكلف على تجميع المشتت ونيل ثقة البرلمان وتفادي انتخابات مبكرة أم أن مصيره سيكون كمصير الحبيب الجملي الذي فشل في نيل الثقة.
سعيد يختار الفخفاخ
الرئيس سعيد، كلف الوزير السابق إلياس الفخفاخ بتشكيل الحكومة الجديدة، من بين عشرات المرشحين الذين قدمت الأحزاب الممثلة في البرلمان أسماءهم لرئاسة الجمهورية، وفق ما أعلنته الرئاسة التونسية مساء أمس الإثنين.
رشحت العديد من الأحزاب إلياس الفخفاخ لهذا المنصب الأبرز في الدولة، من بينها ”تحيا تونس”(14 نائبًا) الذي يترأسه رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد ويحظى بدعم التيار الديمقراطي (22 نائبًا من مجموع 217 نائبًا) الذي يقوده محمد عبو، فيما يرفضه “قلب تونس” (38 نائبًا) الذي يرأسه نبيل القروي.
أكد إلياس الفخفاخ أنه سيسعى لتكوين حكومة ”تكون في مستوى انتظارات الشعب التونسي”
بحسب مقتضيات الفصل 89 من الدستور، أمام الفخفاخ مهلة شهر لتشكيل حكومته وعرضها على البرلمان بعد فشل حكومة الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان، وإذا لم يمنح أعضاء البرلمان الثقة للحكومة الجديدة، سيكون من حق رئيس الجمهورية حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه 45 يومًا وأقصاه 90 يومًا.
وقبل نحو أسبوعين، رفض البرلمان التونسي منح الثقة للحكومة التي قدمها رئيس الوزراء المكلف الحبيب الجملي، وفشل الجملي في تمرير حكومة كفاءات خالية من مشاركة الأحزاب، بعد أسابيع من المشاورات، إذ صوت 134 نائبًا ضد الحكومة، في حين صوت 72 لصالحها، وتحفظ ثلاثة نواب.
الفخفاخ في سطور
ينتمي إلياس الفخفاخ (48 عامًا) إلى حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، حيث يرأس مجلسه الوطني، وكان مرشحه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لكنه لم يتمكن من تجاوز الدور الأول من الاستحقاق الرئاسي الذي تم في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي.
في تلك الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، نجح الفخفاخ في جمع التزكيات من كتلة حركة النهضة، فيما لم يحصل على تزكيات لترشحه للرئاسة من كتلة نداء تونس وكتلة الحرة لحركة مشروع تونس وكتلة الجبهة الشعبية، رغم أنه توجه إليهم.
شارك الفخفاخ في أول حكومة منتخبة بعد الثورة التي قادتها “الترويكا” (ائتلاف بين حركة النهضة الإسلامية وحزبين علمانيين هما “المؤتمر من أجل الجمهورية” وحزب “التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات”)، حيث شغل منصب وزير السياحة في حكومة حمادي الجبالي (ديسمبر/كانون الأول 2011 – مارس/آذار 2013).
كما تولى منصب وزير المالية بحكومة علي العريض (مارس/آذار 2013 – يناير/كانون الثاني 2014) التي تشكلت عقب استقالة الجبالي من منصبه نهاية فبراير/شباط 2013 على وقع جريمة اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد.
ينتمي الفخفاخ إلى مدينة صفاقس (جنوب)، ثاني مدينة اقتصادية في تونس، حيث ولد بها عام 1972، درس هناك وتخرج سنة 1995 في “المدرسة الوطنية للمهندسين”، تخصص في الهندسة الميكانيكية، ثم حصل على درجة الماجستير بنفس التخصص من مدرسة “إينسا” بمدينة ليون الفرنسية، وعلى درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة “إيسون” في فرنسا.
عمل في بداية حياته العملية في فرنسا مديرًا لمشروع البحث والتطوير في شركة متخصصة بتصنيع المطاط في ميدان صناعة السيارات والطيران، كما كان مسؤولًا عن تطوير عمليات تصنيع في العديد من مصانع المجموعة وفي بعض فروعه في العالم لا سيما بولندا.
عاد إلى تونس سنة 2006، حيث تقلد منصب مدير عام لشركة “كورتيل” المتخصصة في صناعة مكونات السيارات، ثم أصبح مديرًا عامًا لمؤسسة أخرى بنفس المجال، وفي سنة 2014 أسس شركته الخاصة، وهي شركة متخصصة في مشاريع البنية التحتية.
حكومة مصغرة
عقب تكليفه بهذا المنصب ولقائه بالرئيس، أكد إلياس الفخفاخ أنه سيسعى لتكوين حكومة ”تكون في مستوى انتظارات الشعب التونسي”، مضيفًا أنه سيعمل على أن تكون متناغمة مع ما عبر عنه الشعب التونسي في الانتخابات الأخيرة، حسب تصريحه.
وأشار الفخفاخ في كلمته إلى أنه سيعمل على التغيير الجدي في السياسات العامة من أجل إرساء شروط ومؤسسات الدولة العادلة والصادقة والقوية من خلال دولة تنصف جهاتها وأحياءها الأضعف وتنهي عقود الفقر والتهميش.
يستشير رئيس الحكومة المكلف رئيس الجمهورية فقط في منصبي الدفاع والخارجية عند تشكيل الحكومة المرتقبة
أوضح أن حكومته ستتكون من ”فريق مصغر منسجم وجدي يجمع بين الكفاءة والإرادة السياسية القوية والوفاء للثوابت الوطنية ولأهداف الثورة المجيدة”، مضيفًا أن الحكومة ستسعى إلى التعاون المستمر مع رئاسة الجمهورية لخدمة الوطن والشعب، مشيرًا إلى أنه سيفتح المجال لأوسع حزام سياسي ممكن في تشكيل الحكومة بعيدًا عن أي إقصاء أو محاصصة حزبية مع الوفاء للتوجه الأغلبي، وفق تعبيره.
فرص كبيرة لمرور حكومته
اختيار إلياس الفخفاخ لتشكيل الحكومة القادمة لم يكن مفاجئًا قياسًا بالأسماء التي رشحتها جل الأحزاب السياسية، وفق الصحفي التونسي أحمد محروق، ويرى محروق في تصريح لنون بوست، أن الفخفاخ أفضل المرشحين لهذا المنصب باستثناء السيد المنجي مرزوق الذي لم تنصفه نشأته الجغرافية، وفق قوله.
وتوقع الصحفي التونسي أن تمر حكومة الفخفاخ المرتقبة ويتم المصادقة عليها في مجلس الشعب بأغلبية، وأرجع ذلك إلى خوف من وصفهم بـ”نواب الصدفة” و”أكبر البقايا” الذين يبلغ عددهم قرابة الـ163 نائبًا على مقاعدهم في حال إعادة الانتخابات، لذلك فإنهم لن يغامروا بامتيازاتهم وسيصوتون لأي حكومة ستعرض عليهم.
يتشكل البرلمان التونسي من 217 نائبًا
بدورها، أكدت الإعلامية التونسية خولة بن قياس قدرة حكومة الفخفاخ المقبلة على حصد ثقة البرلمان، كونه سيقدم تصورًا جديدًا لحكومة أزمة تعمل على تقديم حلول عملية لوضع البلاد المتأزم، وتوقعت بن قياس في تصريح لنون بوست، تقديم إلياس الفخفاخ شخصيات متنوعة وكفاءات.
وأوضحت محدثتنا أن أعضاء البرلمان التونسي في مأزق لأنهم لن يعترضوا حتى لو أرادوا الاعتراض، فالتوقيت حاسم وقاتل ونواب البرلمان لن يقبلوا بخسارة مقاعدهم وامتيازاتهم في هذه الظرفية التي تمر بها البلاد، لذلك فإن الفخفاخ سيتمكن من تجميع أكبر حزام برلماني حوله.
وأضافت “نحن لسنا في مرحلة مريحة للانتظار وإعطاء الفرص، فالآجال الدستورية واضحة ووضع البلاد الاقتصادي واضح أيضًا للجميع، لذلك فإن كل المؤشرات تقول إن الحكومة ستمر كما يريدها الفخفاخ”.
وأمام الفخفاخ الآن مهلة شهر ليقدم تشكيلة حكومته للبرلمان على أن تنال ثقة الأغلبية (109 أصوات)، ويستشير رئيس الحكومة المكلف رئيس الجمهورية فقط في منصبي الدفاع والخارجية عند تشكيل الحكومة المرتقبة.
وتصدرت حركة النهضة نتائج الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد في الـ6 من أكتوبر/تشرين الأول، بحصولها على 52 مقعدًا، تلاها حزب “قلب تونس” بـ38 مقعدًا، ثم التيار الديمقراطي بـ22 مقعدًا، وائتلاف الكرامة المتحصل على 21 مقعدًا.