ما كان لوزير الدفاع المصري – آنذاك – عبد الفتاح السيسي أن يقف في الـ3 من يوليو 2013 معلنًا وبشكل مباشر الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي ووضعه قيد الإقامة الجبرية ثم اعتقاله وتقديمه للمحاكمة، ومن بعدها فرض كامل سيطرته على المشهد السياسي، دون دعم إقليمي ودولي، وضوء أخضر مباشر من أطراف هنا وهناك.
كان الدعم الذي تلقاه السيسي ونظامه لا سيما من دول الخليج على رأسها السعودية والإمارات، ومعهما أمريكا وحليفتها “إسرائيل”، الحائط الذي استند إليه نظام الثالث من يوليو لعبور حالة الفوران التي انتابت الشارع المصري في أعقاب المجازر التي ارتكبها بحق أنصار الثورة والداعمين لها.
اليوم وبعد 7 سنوات من تلك الأجواء وفي الذكرى الـ9 للثورة، تغيرت الكثير من ملامح خريطة الدعم الذي تلقاه النظام المصري، خاصة بعد تباين الرؤى حيال بعض الملفات وتقاطع المصالح بشأن قضايا عدة، هذا بجانب انشغال بعض الأنظمة الداعمة بأزماتها الداخلية فيما يتعرض حلفاء آخرون إلى أزمات ربما تطيح بهم خارج المشهد برمته، فالعقد لم يعد بذات التماسك القديم وفق ما ذهب البعض.
السعودية.. ليس الذي كان
كانت السعودية من أوائل الدول التي أعلنت دعمها للإطاحة بأول رئيس مدني منتخب في مصر، ليس كراهية في شخصه قدر ما هي كراهية للتجربة برمتها، وخشية انتقال العدوى إلى عدد من الدول الأخرى ومنها المملكة بلا شك، ومن ثم كان الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز أول من قدم يد العون لوزير الدفاع المصري في هذا الوقت.
السعودية ومعها فريق ليس بالقليل من الحلفاء سواء في أوروبا أم إفريقيا كرست كل جهودها لإنجاح خطوة السيسي في التخلص من حكم الإخوان، وذلك عبر إستراتيجيات عدة، أولها تمثل في تقديم الدعم المادي الذي تجاوز 5 مليارات دولار فيما أمدت الرياض القاهرة باحتياجاتها من الوقود بما يعادل مليار دولار أخرى.
وفي المؤتمر الاقتصادي الذي عقدته مصر بمدينة شرم الشيخ السياحية، مارس 2015، قدمت السعودية 4 مليارات دولار على شكل استثمارات في مصر، وبعدها بـ9 أشهر تقريبًا وجه الملك سلمان بن عبد العزيز بزيادة استثمارات السعودية في المحروسة، بمبلغ 30 مليار ريال سعودي، أي ما يعادل 8 مليارات دولار، كما وجه أيضًا بتوفير احتياجات مصر من الوقود لمدة 5 سنوات.
رغم حالة الانسجام الواضحة في المواقف بشأن هذا الملف، فما خفي أعظم، فثمة خلاف كبير بين السيسي والإمارات رغم التحالف الظاهري بينهما
لكن اليوم الوضع تغير كثيرًا، فلم تعد العلاقات كما كانت قبل 7 سنوات، لا سيما بعد موقف السيسي من عدم المشاركة في الناتو العربي الذي تشكل بالخصوص من أجل خوض حرب ضد إيران، الأمر الذي انعكس على العلاقات بين الرئيس المصري وولي العهد السعودي وإن لم يخرج للعلن بالشكل الواضح.
الأزمات التي تعرضت لها المملكة في الأشهر الأخيرة من استهداف لشركة أرامكو فضلًا عن التهديدات المتتالية من الحوثيين في اليمن، بجانب ما تتعرض له من ابتزاز مستمر سواء من الولايات المتحدة أم الخسائر التي تتكبدها في ملفي سوريا واليمن، كل هذا أثر بشكل كبير على خريطة دعمها للنظام المصري الذي لم يقدم أي مردود إيجابي بشأن المأمول منه لا سيما على مسار الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة ولا الوقوف إلى جانب المملكة امتثالًا لعبارته الشهيرة “مسافة السكة”.
الإمارات.. تضارب المصالح
لم تكن الإمارات بعيدة عن المشهد هي الأخرى، فمنذ 2013 كان أبناء زايد في طليعة داعمي نظام السيسي، سياسيًا وماليًا، فمدّوا له أيديهم بالمال وحرّكوا دبلوماسييهم لدعم انقلابه في الغرب، فضلاً عن الأحاديث المتواترة بشأن دورها القوي في الترتيب للإطاحة بالرئيس المنتخب.
وبحسب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، فقد قدمت الإمارات 14 مليار دولار لمصر منذ يوليو 2013 وحتى مارس 2015، مضيفًا في تصريحات سابقة له أن بلاده “تدعم مصر بمساعدات جديدة بقيمة 4 مليارات دولار، منها مليارا دولار يتم إيداعهما في البنك المركزي، وتوظيف ملياري دولار لتنشيط الاقتصاد المصري عبر مبادرات”.
وبحسب تصريح سابق للشيخة لبنى بنت خالد القاسمي وزيرة التنمية والتعاون الدولي بالدولة، فإن المساعدات التي قدمتها الجهات المانحة الإماراتية إلى مصر خلال عام 2013 وحده، بلغت 16.99 مليار درهم إماراتي (أكثر من 4 مليارات دولار)، تمثل 78.57% من إجمالي التمويل الإماراتي المقدم خلال عام 2013.
لم يكتف نتنياهو بدعم حليفه وصديقه السيسي على مستوى العلاقات الخارجية والدولية فقط، وإنما داخليًا بشكل كبير لا مثيل له تاريخيًا بين البلدين
لم يدم هذا الدعم طويلًا، فخلال العامين الماضيين شهدت العلاقات بين القاهرة وأبو ظبي توترًا نسبيًا، أسفر عن تقليص حجم الدعم على المستويات كافة، وقد تباينت تقديرات عدد من الخبراء والمحللين السياسيين والاقتصاديين بشأن هذا التراجع وأسبابه، ما بين عدم رضى الإمارات عن نظام السيسي وأدائه، وتأثر دول الخليج سلبًا بأسعار النفط، وما نتج عنها من مراجعات في سياساتهم الاقتصادية.
وتعاني أبو ظبي من مشاكل كبيرة، داخليًا وخارجيًا، ففي اليمن على سبيل المثال تواجه خلافات كبيرة مع السعودية بسبب اختلاف الأجندات على الأرض هناك، فيما لم يقدم الرئيس المصري أي دعم لحليفه محمد بن زايد، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الإماراتيين أكثر من مرة.
كذلك الوضع في ليبيا، فرغم حالة الانسجام الواضحة في المواقف بشأن هذا الملف، فما خفي أعظم، فثمة خلاف كبير بين السيسي والإمارات رغم التحالف الظاهري بينهما، فلكل طرف منهما أجندته الخاصة التي تتعارض مع مصالح الطرف الثاني التي تعد من أبرزها رغبة مصر في سيطرة حفتر على شرق ليبيا دون الدخول في معارك خاسرة في الغرب، فيما ترى الإمارات أن الغرب أهم من الشرق ولا بد من السيطرة على العاصمة والقضاء على الفصائل الإسلامية هناك.
الوضع الداخلي كذلك لم يكن ببعيد عن الساحة، إذ يواجه أبناء زايد تهديدت متعددة جراء التوترات الأخيرة مع إيران وتهديد الحوثيين باستهداف مناطق حيوية وحساسة في دبي وأبوظبي، الأمر الذي بالتأكيد يثير قلق ولي عهد أبوظبي بشكل كبير وقد يثير مشاكل داخلية بين حكام الإمارات الأخرى، وخاصة حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد الذي لا يرى جدوى من ممارسة محمد بن زايد الخارجية وتوريط البلاد بهذا الشكل.
تلك المتغيرات كان لها تأثير كبير في انكفاء السياسة الإماراتية على الشأن الداخلي أكثر رغم أصابعها التي تعبث في أكثر من ملف، غير أن الموقف من النظام المصري لم يعد كما كان في السابق، وذلك رغم التنسيق الظاهري بين قادة البلدين وهو ما تفضحه الخلافات الكامنة التي تخرج للسطح بين الحين والآخر.
نتنياهو.. الحليف المأزوم
لم يعبر نظام إقليمي عن فرحته بما فعله السيسي في 2013 قدر ما عبر النظام الإسرائيلي، فمنذ الوهلة الأولى كشفت تل أبيب دعمها للسيسي كونه الرئيس الأكثر قربًا لها، وكرست حكومة بينامين نتيناهو جهودها الاقتصادية والسياسية والإعلامية لدعمه وتحفيزه وتقديم يد العون له للتخلص من حكم الإسلاميين.
في 25 من يوليو 2013، كشفت المحطة الثانية من الإذاعة العبرية “ريشت بيت” تكثيف نتنياهو كل الجهود الدبلوماسية والسياسية لإنجاح خطوة عزل مرسي، كما كثف اتصالاته مع الرئيس الأمريكي وقادة الكونغرس ورئيس الحكومة البريطانية والرئيس الفرنسي مرارًا، لحثهم على دعم السيسي، وتطلب ذلك في إحدى المرات إعادة الاتصال بقصر الإليزيه 5 مرات في يوم واحد.
علاوة على إصدار تعليماته للموساد والاستخبارات العسكرية بإثارة موضوع دعم وزير الدفاع المصري خلال المحادثات مع جميع نظرائهم في الغرب، كما وجه سفراءه في كل البلدان بتسخير القنوات الدبلوماسية لإقناع الحكومات بأهمية دعمه، حتى وصل الأمر بالوزير الإسرائيلي جلعاد أردان أن اتهم حكومة جنوب إفريقيا بأن موقفها الرافض لتحركات السيسي يُعد تشجيعًا على الإرهاب.
استبعاد الحل العسكري لم يكن محصورًا في قلق القاهرة من عقوبات المجتمع الدولي فحسب، بل أيضًا لتجنب الصدام مع الحلفاء المشاركين في عملية بناء السد
لم يكتف نتنياهو بدعم حليفه وصديقه السيسي على مستوى العلاقات الخارجية والدولية فقط، وإنما داخليًا بشكل كبير لا مثيل له تاريخيًا بين البلدين، ففي سيناء، حيث يُحارب الجيش المصري مجموعات مسلحة، كان الدعم العسكري والسياسي كبيرًا، فمن ناحية أصبح التدخل العسكري الإسرائيلي مباشرًا وقويًا ولم يكتف بتبادل المعلومات الاستخباراتية فقط، وبدا المشهد أن حكومة الاحتلال صارت “مكتب علاقات عامة” للسيسي، وفق وصف الباحث الفلسطيني صالح النعامي.
وفي خضم هذا الدعم غير المسبوق إسرائيليًا لرئيس مصري تعرض نتنياهو لضربة قوية قبل شهرين، بعدم حصوله على الأغلبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة وتعادله مع غريمه السياسي بيني جانتس، وذلك في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية التي جرت مؤخرًا.
وفي ضوء تلك المعطيات يواجه نتنياهو موقفًا صعبًا، ومن ثم يُستبعد من رئاسة حزب الليكود كشرط لتكوين حكومة ائتلافية مما يعني ضياع المستقبل السياسي لنتنياهو، وعليه فإن هذا التطور في تل أبيب قد يضعف الموقف الإقليمي للرئيس المصري إذ يعد نتنياهو من داعمي السيسي بشكل مباشر، كما أن صفقة القرن التي يروج لها في الأوساط الإعلامية لا يمكن تمريرها إلا في وجود رئيس حكومة إسرائيلي يميني مثل نتنياهو، لكن برحيله أو مشاركته في حكومة ائتلافية قد يصبح موقفه ضعيفًا.
سد النهضة.. ورقة التوت
رغم الدعم الظاهري الذي يقدمه الحلف الثلاثي السعودية والإمارت و”إسرائيل” إلى نظام السيسي، فإن الأمور لم تكن أبدًا كما يتم الترويج لها إعلاميًا، ففي الوقت الذي تعزف العواصم الثلاثة على نغمة التحالف مع القاهرة ومساندتها في معاركها الداخلية والخارجية جاءت التطورات الأخيرة في ملف سد النهضة لتعري الجميع وتسقط ورقة التوت عن العلاقات المغلفة بطابع التفاهم والتنسيق بين الحلفاء.
بعد أن وصلت المفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا بشأن السد إلى طريق مسدود، تصاعد الحديث عن سيناريوهات الرد المصري، وبات الحديث عن الخيار العسكري كحل سريع محل تداول بين السياسيين والعسكريين ورواد السوشيال ميديا، غير أن الكثير من المصادر استبعدت هذا الخيار.
استبعاد الحل العسكري لم يكن محصورًا في قلق القاهرة من عقوبات المجتمع الدولي فحسب، بل أيضًا لتجنب الصدام مع الحلفاء المشاركين في عملية بناء السد كما كشفت بعض المصادر، إذ تشارك في عمليات البناء شركات من جنسيات عدة من بينها شركات سعودية وإماراتية وإسرائيلية.
بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، تنفس السيسي الصعداء، حيث وجد في الرئيس الجديد ضالته، خاصة بعد عبارات الثناء والمديح التي كان يطلقها ترامب بحق نظيره المصري
ووفق التقارير الكاشفة لجنسيات الشركات العاملة في بناء سد النهضة، فهناك شركة “رافيل” الإسرائيلية المتخصصة في الصناعات الدفاعية التي تعاقدت معها الحكومة الإثيوبية لتزويدها بمنظومة الصواريخ الدفاعية “Spyder-MR” لتأمين السد والمنطقة المحيطة به من أي هجمات جوية أو صاروخية، هذا بجانب شركات أخرى إسرائيلية.
كذلك تشارك بعمليات بناء السد مجموعة “العامودي” المملوكة لرجل الأعمال السعودي من أصول إثيوبية، محمد حسين العامودي (قُدرت ثروته عام 2015 بنحو 13.5 مليار دولار، وهو واحد من رجال الأعمال الذين ألقى وليّ العهد محمد بن سلمان القبض عليهم لابتزازهم، من خلال احتجازهم لفترة في واقعة فندق “ريتز كارلتون” الشهيرة) حيث أمدّ اثنان من مصانع الإسمنت المملوكة للعامودي في إثيوبيا، بينهما مصنع “ميدروك”، شركة ساليني الإيطالية، بكل الكميات المستخدمة في عمليات بناء السد، بينما وُقِّعَت عقود مع شركات وسيطة مملوكة له لتقديم الخدمات اللوجيستية للمشروع، في وقت أعلن فيه تبرعه بنحو 80 مليون دولار لاستخدامها في تشييد السد عام 2015.
ورغم الخلاف البين بين القاهرة وأديس أبابا، فإن حجم الاستثمارات السعودية الحاليّة في إثيوبيا يتجاوز 5.2 مليار دولار، تستحوذ الاستثمارات الزراعية منها ما نسبته 30%، وتشغل الرياض حاليًّا المرتبة الثالثة من حيث الاستثمار في أديس أبابا، في ظل تطلعات لزيادة المشاريع السعودية من خلال حوافز عدة طرحتها إثيوبيا للمستثمرين السعوديين، من بينها الإعفاء الجمركي وتوصيل الكهرباء وإلغاء الازدواج الضريبي، كما الصندوق السعودي للتنمية قدم تمويلات وقروضًا ميسرة لمشروعات لها صلة غير مباشرة بسد النهضة، تحت مسمى استنهاض التنمية في ريف إثيوبيا.
إماراتيًا.. فقد بلغت الاستثمارات الإماراتية في إثيوبيا قرابة 3 مليارات دولار وتتركز في السياحة والضيافة، إذ تنشط شركات إماراتية، مثل “جلفار الخليج للصناعات الدوائية” و”راك سيراميكس”، في إثيوبيا، بالإضافة إلى مجموعة “الغيار” العقارية العملاقة التي شرعت في عدد من الاستثمارات في القطاعين السياحي والفندقي، كذلك قدمت أبو ظبي مساعدات مالية دولارية أسهمت في عمليات بناء السد، فضلًا عن تعهدها العام الماضي بتقديم ما إجماليّه ثلاثة مليارات دولار في شكل مساعدات واستثمارات إلى إثيوبيا، دعمًا لرئيس الوزراء الإثيوبي الحائز جائزة نوبل للسلام قبل أيام قليلة.
ترامب.. أزمات وضغوط داخلية
أوقفت الولايات المتحدة برئاسة باراك أوباما، المعونات الاقتصادية لمصر ثم أوقفت المساعدات كافة مؤقتًا، وكذلك أوقفت توريد بعض صفقات الأسلحة مثل طائرات إف 16 والأباتشي وقطع ومعدات عسكرية، وكذلك إلغاء مناورات النجم الساطع، بجانب مواقف أخرى شبيهة من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، وذلك ردًا على ما فعله الجيش المصري بعزل الرئيس المدني المنتخب بصورة غير ديمقراطية.
اعتبرت إدارة أوباما ما قام به السيسي يتنافى مع معطيات الديمقراطية التي طالب بها المصريون في 2011، وظلت العلاقات بين القاهرة وواشنطن تعاني من توترات متباينة، لم يكن لها التأثير الكبير في ظل التوازن الذي كان يحققه الدعم السعودي الإماراتي في الجانب الآخر.
وبعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، تنفس السيسي الصعداء، حيث وجد في الرئيس الجديد ضالته، خاصة بعد عبارات الثناء والمديح التي كان يطلقها ترامب بحق نظيره المصري، وهي العبارات التي شابهها تناقضات واضحة، لعل آخرها وصفه له بـ”الديكتاتور المفضل لديه”.
تلاقت توجهات السيسي وترامب على طاولة واحدة ومسار واحد، العداء للإسلام السياسي والتعويل على الجماعات الإسلامية كونها السبب الأول للإرهاب والتطرف في العالم، وهي النغمة التي ساعدت على التقريب بين الرئيسين، بجانب حماية السيسي للمصالح الأمريكية في المنطقة وتنسيقه القوي مع الحليف الإسرائيلي.
غير أن الأمور انتابها بعض التغيير الواضح، فالرئيس الأمريكي لديه العديد من الملفات المهمة التي قد تجعله لا يعطي أهمية كبرى للسيسي، لا سيما أنه على أعتاب فترة رئاسية جديدة، يريد خلالها حشد كل الأصوات خلفه، بينما تطاله اتهامات كبيرة على وقع تدخلات روسيا في الانتخابات التي جرت عام 2016.
انفراط عقد تحالف دعم السيسي لم يقتصر على الجانب الخارجي وفقط، فداخليًا تخلت عنه الكثير من القوى السياسية التي ساندته بداية الأمر جراء سياسة الإقصاء التي اتبعها مع تلك القوى
وفي الوقت ذاته هناك أزمة حاليّة يعانيها ترامب مع الصين وأوروبا تجاريًا، كما أنه بات لا يهتم كثيرًا هذه الأشهر بصفقة القرن، مما يعني أن نظرته لما يحدث في مصر ليست ذات أهمية كبيرة إذا حدث تغيير من داخل المؤسسة العسكرية نفسها، وهي التغيرات التي ربما دفعت النظام المصري إلى إعادة ترتيب إستراتيجياته في الآونة الأخيرة بشكل مختلف في ضوء تلك المستجدات الأخيرة.
الأمر ذاته يتشابه مع الموقف الأوروبي، فبعيدًا عما يروج له الإعلام الموالي للنظام بشأن التفاهمات الكبيرة بين القاهرة والعواصم الأوروبية، فإن الموقف من نظام السيسي لم يعد كما كان في السابق، فعلى سبيل المثال رضخت بريطانيا خلال الفترة الأخيرة لضغوط حلفاء القاهرة لاعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية، ومناوءة الفعاليات المعارضة للسيسي في البلاد.
لكن مع مرور الوقت تراجعت حدة استهداف المعارضين، وتم السماح لتنظيم فعاليات معارضة، كما حدث في الفعاليات الأخيرة أمس تزامنا مع زيارة السيسي للندن للمشاركة في أعمال قمة الاستثمار البريطانية الإفريقية، بحضور رئيس الوزراء بوريس جونسون ومشاركة 21 رئيس دولة إفريقية.
وفي الإطار ذاته قدم مجموعة من المحامين البريطانيين شكوى إلى قيادة شرطة مكافحة الإرهاب بالعاصمة لندن تطالب بإصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس المصري على خلفية اتهامات بالتعذيب والقتل، وفي البيان الصادر عن غرف العدل الدولية في بريطانيا (غيرنيكا)، فإنها تقدمت بشكوى جنائية إلى قيادة شرطة مكافحة الإرهاب بالعاصمة تطلب فتح تحقيق في دعاوى قتل وتعذيب وإصدار مذكرة توقيف بحق السيسي.
انفراط عقد تحالف دعم السيسي لم يقتصر على الجانب الخارجي فقط، فداخليًا تخلت عنه الكثير من القوى السياسية التي ساندته بداية الأمر جراء سياسة الإقصاء التي تبعها مع تلك القوى، على رأسها جبهة الإنقاذ الوطني وقوى التيار المدني واليساري، الأمر الذي أدى إلى انقلاب الكثيريين من رموز تلك التيارات على الرئيس ونظامه، وباتوا اليوم في صفوف المعارضة المنبوذة من النظام وأذرعه الإعلامية والأمنية والقضائية.
وبعد 9 سنوات من ثورة يناير الخالدة و7 سنوات من حكم السيسي الفعلي للبلاد، تغيرت ملامح خريطة الدعم الإقليمي والدولي، الذي كان أحد أبرز الأعمدة التي استند إليها الرئيس المصري لترسيخ أركان حكمه، ورغم محاولات القاهرة تصدير صورة إيجابية عن استمرار هذا التحالف، فإن المستجدات الأخيرة كشفت وبشكل كبير ما به من ثغور تجعل استمراره مسألة تحتاج إلى إعادة دراسة.