ترجمة وتحرير: نون بوست
اختفى صديق لي مؤخرا رقميّا، حيث تخلّى عن جميع مواقع التواصل الاجتماعي. كما ذكر العديد من الناس أنه من المرجّح أن يفعلوا الشيء نفسه. ولا شك أنك رأيت منشورات مماثلة من أشخاص تعرفهم عن الحاجة إلى الابتعاد عن حياتهم الرقمية. ومن ناحية، أتفهّم موقفهم، إذ إن الحالة الراهنة للعالم الحديث هي عبارة عن مليارات الأصوات المطالبة باهتمامك، ومن السهل السماح للأشخاص السلبيين بالتأثير عليك وإحباطك. وربما يكون الأمر مرهقًا، فإذا كانت حياتك الحقيقية عبارة عن كفاح فعلي، ستكون الكآبة الرقمية ساحقة.
في المقابل، لا يوجد هناك داعي لأن تكون الأمور بهذا الشكل. ومن خلال الجهد الواعي والدقيق، أجبرتُ منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية الثلاثة على أن تصبح جوانب إيجابية في حياتي، أو في أسوأ الحالات، أن تكون محايدة. وفي حين أن بعض هذه الوسائل تُصوّر مدى روعة أصدقائي، إلا أن الأمر يتعلق حقًا بمعرفة كيفية جعل هذه الخدمات تعمل لصالحك بطريقة مفيدة، عوضا عن جرّك إلى الأسوأ بفضل التيارات اللامتناهية من المخلفات الضارة. ومن المؤكد أن استخدام التطبيقات والبرامج المساعدة للمتصفح، وحتى إيقاف تشغيل الإشعارات، يمكن أن يكون مفيدا. في المقابل، تكمن الخطوات الموجودة هنا ضمن تطبيقات كل منصة التي تهدف إلى مساعدتك.
فيسبوك
يعد الفيسبوك الأهمّ، في ظل وجود أكثر من 1.5 مليار مستخدم نشط يوميًا. لذلك، من البديهي أن يكون لديك حساب، أو تكون على الأقل قد أنشأتَه في مرحلة ما. في الواقع، كان الفيسبوك طريقة غير ضارة لمشاركة الصور مع الأصدقاء، ولكنه سرعان ما تغير ذلك تمامًا.
نظرا لأن الفيسبوك أصبح جزءًا لا يتجزأ من الوجود الحديث، أصبح الهوس به جزءًا من العادات الاجتماعية. وفي الحقيقة، تنتشر النكات حول “إلغاء صداقة” شخص ما، والتداعيات السياسية والاجتماعية التي تنجرّ عن ذلك، موجودة في كل مكان. فضلا عن ذلك، يُعدّ حظر الأشخاص قاسيًا للغاية، حيث يمنع الآخرين من رؤية منشوراتك أو التعليق عليها. وفي بعض الحالات، يعدّ “إلغاء المتابعة” من أسهل الطرق التي من شأنها أن تريحك.
على سبيل المثال، اقترب جوناثان بيربريدج، الذي يبلغ من العمر 43 سنة، من التخلي على الفيسبوك تماما. وبحسب رأيي، كان السبب وراء ذلك منطقيّا للغاية حيث “يصر الفيسبوك على إظهار كل نقاش دار بين أحد أصدقائي وأقاربهم العنصريين الذين لم ألتقيهم مطلقًا”. وعلى الرغم من أن الفيسبوك حدّث خوارزميّاته مؤخّرا، إلا أنه لا يزال يعتقد أنّك ستكون مهتمًا بما يتحدث عنه أصدقاؤك. وفي حال كان أصدقاؤك يتجادلون طوال الوقت مع الغرباء، فإنك ستشاهد النقاش كاملا.
إلى جانب الخيار الجذري بالتخلي عن الفيسبوك تماما، كان حلّ جوناثان يتمثل في إلغاء متابعة الجميع. وإذا قمت بإلغاء متابعة شخص ما، فلن ترى منشوراته أو محادثاته. وتجدر الإشارة إلى أنه ستبقون أصدقاء معه، وسيظل بإمكانهم رؤية منشوراتك. في المقابل، لن ترى منشوراتهم أو تعليقاتهم على منشورات شخص غريب. وعلى الرغم من أن التغذية الإخبارية الخاصة بك ستكون فارغة إلى حد ما، إلا أنه يمكنك اختيار ميزة رؤية ما ينشره أصدقاؤك. فضلا عن ذلك، ستظل تطّلع على منشورات أي مجموعة تنتمي إليها على الفيسبوك، ذلك إذا افترضنا أنك لا تزال تتابعها. وعموما، أعاد جوناثان متابعة عدد قليل من الأشخاص الذين يُدرك أنهم لا يتجادلون عبر الإنترنت.
من المؤكد أنه لا ينبغي عليك أن تكون قاسيًا مثل جوناثان، لكن من الممكن أن يكون نظام إلغاء المتابعة حلاّ يعود عليك بالنفع. فهل لديك صديق ينشر الأشياء السلبية فقط؟ أو شخصا يكتب تعليقات وقحة؟ إذن انتقل إلى صفحتهم، وانقر على “إلغاء المتابعة”. وستصبح قائمة آخر الأخبار الخاصة بك أكثر هدوءًا ومتعة.
إنستغرام
أنا أحب الإنستغرام، إذ تتكون التغذية الإخبارية الخاصّة بحسابي من صور الكلاب بنسبة 60 بالمئة، وصور السفر بنسبة 30 بالمئة، والصور التي ينشرها الأصدقاء بنسبة 10 بالمئة. ولطالما كانت جزءا إيجابيا من حياتي الرقمية. وبكلّ صدق، أنا أتابع حسابًا يعرض مجرد لقطات مقربة من أنوف الكلاب. فكيف لا تبتسم عندما يظهر شيء من هذا القبيل في قائمة آخر الأخبار الخاصة بك؟
يمكن جعل تطبيق الإنستغرام أكثر تسلية مقارنة بالفيسبوك والتويتر، إذ بإمكانك ألاّ تتبع الحسابات أو الوسوم التي لا تحبها. وفي حال نشر شخص ما صورا لرحلاتهم المدهشة، وجعلك ذلك تعيسا، فلا تتابعه. علاوة على ذلك، يمكنك تحديد الأشخاص الذين بإمكانهم رؤية منشوراتك للتقليص من عدد الأشخاص الذين سيكتبون تعليقات، وهي عملية مشابهة لإلغاء متابعة صفحة على الفيسبوك.
الإنستغرام يعرف ما تطّلع عليه، بالإضافة إلى ما تبحث عنه وما تنقره. وإذا ما استمرّيت في النقر على شيء ما، سيفترض الإنستغرام أن هذا ما تريد رؤيته
من جهة أخرى، يعدّ الاستثناء المتعلّق بهذه الوسيلة البسيطة عبارة عن علامة التبويب “بحث”، التي تعرض صورًا عشوائية على ما يبدو من حسابات عشوائية. وسمعت أن الناس يشكون من أن الإنستغرام لا يسلط الضوء سوى على الأشخاص المؤثرين ونصائح التجميل السيئة على صفحة البحث. ولكن هل تعلم ما يظهر لي؟ صور كلاب بنسبة 60 بالمئة، وصور الصفر بنسبة 30 بالمئة، وصور أخرى بنسبة 10 بالمئة.
نتيجة لذلك، لا تعد صفحة البحث عشوائية على الإطلاق، إذ أن الإنستغرام يعرف ما تطّلع عليه، بالإضافة إلى ما تبحث عنه وما تنقره. وإذا ما استمرّيت في النقر على شيء ما، سيفترض الإنستغرام أن هذا ما تريد رؤيته. بالإضافة إلى ذلك، يعد التطبيق دقيقا للغاية، حيث أنه لا يُظهر لي “كلابا” فحسب، وإنما يعرض لي فصائل كلاب الكورجي والشيبا إينو، وهما المفضلان لدي. وفي الواقع، تعد هذه هي الصور التي أستمر في النقر عليها، وبالطبع يواصل الإنستغرام إظهارها لي.
كنتيجة لذلك، بكل بساطة، إذا كان موقع إنستغرام يعرض عليك أشياء أنت لا تحبها، فلا تنقر عليها، وانقر على شيء آخر مختلف. ولن يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لضبط ذلك وإظهاره لك. وفي حال كنت تريد التخلص بشكل أسرع من أشياء لا تعجبك، فيمكنك أن تجعل التطبيق يعرضها عليك بشكل أقل، أو يمكنك تخطي صفحة البحث تمامًا وإلقاء نظرة على الحسابات التي تتابعها فحسب، على افتراض أنك انتقيت تلك القائمة وحددتها لتشمل الحسابات التي تثير اهتمامك فحسب.
تويتر
في حين أنه من السهل أن تجعل حسابك على موقع إنستغرام، وفيسبوك بشكل عام إيجابيًا، إلا أن الأمر ليس بتلك السهولة بالنسبة للتويتر، حيث أنه من الأصعب للغاية تجنب ما لا تريد رؤيته. فعلى سبيل المثال، قد تتابع كاتبًا يعجبك من ينشر تغريدات عن كائنات الآلف الصغيرة معظم الوقت، ثم ينشر فجأة عن مخلوقات الأورك الخرافية. ومن المحتمل ألا ينال هذا الأمر إعجابك. من جهة أخرى، هناك الكثير من الحسابات المسلية، حيث هناك حساب ينشر أشياء مفيدة صحية بشكل مبهج وممتع للغاية. ومن الممكن أن تجعله إيجابيًا، ولكن الأمر يحتاج إلى جهد أكبر من المنصتين السالف ذكرهما.
في البداية، تنطبق قاعدة إلغاء المتابعة في التويتر أيضا كما هو الحال مع فيسبوك وإنستغرام. ويمكنك البدء بالضغط على زر كتم الصوت وحظر الحسابات، ما من شأنه أن يخلصك من المغردين السامين. بالإضافة إلى ذلك، يمكنك تحديد قائمة بالكلمات التي لا ترغب في رؤيتها. وعلى الرغم من أن هذه العملية تستغرق وقتا طويلا، إلا أنها تتيح لك إمكانية التخلص من الأشياء التي تثير إحباطك. والجدير بالذكر أن هذه العملية يدوية وتحتاج إلى القيام بها في كل مرة، ومفيدة إلى حد ما، ولكنها لا تعتبر طريقة مثالية.
على سبيل المثال، يمكنك وضع كلمة “أورك” في قائمة الكلمات التي لا ترغب في ظهورها، ولكن في حال نشر شخص ما تغريدة كُتب فيها “ألق نظرة على هذا المقال” وكان عنوان المقال “مخلوقات الأورك أفضل من كائنات الآلف”، فسيزال بإمكانك رؤيته. وإذا كان هناك حساب محدد يعيد دائمًا نشر محتوى لا يعجبك، في حين أن التغريدات الأصلية تعجبك، فيمكنك أيضًا إيقاف تشغيل إعادة نشر تغريدات على أساس كل حساب.
بالإضافة إلى ذلك، يمكنك تشغيل عامل تصفية الجودة وعوامل التصفية المتقدمة الأخرى للحد من الردود التي يكون مصدرها حسابات تحتوي على عدد قليل من المتابعين فحسب (على سبيل المثال البريد العشوائي أو البوتات)، والحسابات الجديدة وما إلى ذلك. لا يوجد خيار للتخلص من الحسابات التي تحمل صور أنيمي في الملف التعريفي، ولكن ينبغي أن تتوفر هذه الميزة. ولجعل التويتر ممتعًا قدر الإمكان، من الأفضل إلغاء خاصية المتابعة بأسلوب شديد للغاية. كما يجدر بك أيضًا التفكير في العديد من الحسابات المهمة الموجودة على موقع إنستغرام وفيسبوك.
العالم المادي
قدّمت النصائح المذكورة أعلاه طرقا لجعل هذه الخدمات تظهر لك ما تريد رؤيته. ولكن لسائل أن يسأل: ماذا ستُظهر للعالم؟ بالتأكيد، هذا سؤال مختلف تمامًا. شعرت إيمي ليو، البالغة من العمر 22 عامًا، بأنها كانت تظهر بشخصية مزيفة في حياتها الرقمية، وكان هذا أحد الأسباب التي جعلتها تتخلى عن مواقع التواصل الاجتماعي. وفي هذا السياق، قالت ليو:” شعرت أنني أرسم نسخة مزيفة من شخصيتي، التي لم تكن حقيقية، لا سيما على موقع الإنستغرام، حيث من غير المسموح أن تظهر العيوب أو العثرات الموجودة في حياتك، لأنه ينبغي أن تظهر الجانب الجميل فيها فحسب”.
بالتأكيد أستطيع تفهم هذا الأمر، حيث جبت الكثير من الأماكن لمدة نصف سنة وأنشر العديد من القصص على حسابي على موقع الإنستغرام حول الأماكن التي أزورها والأشياء التي أقوم بها. ويعدّ كل ما أنشره متاحا بشكل علني لأصدقائي. ونادرا ما أنشر تجارب سلبية، حتى على حسابي الخاص على فيسبوك المخصص للأصدقاء والعائلة.
حين نشرت في إحدى المرات شيئا سلبيا عن حياتي، وردتني تعليقات على غرار “أنت تسافر دائما، كل شيء على ما يرام، توقف عن التذمر”. ولكن، هذا ظلم وأمر غير صحيح. في المقابل، حين يبدو ما تختار تقديمه للعالم مثاليا، يعتقد الأشخاص أن كل شيء مثالي. لقد توقفت عن نشر منشورات كهذه، وهذا يمثل تحديًا عندما لا تكون الأمور على أحسن ما يرام، لكنني تعلمت أن مواقع التواصل الاجتماعي ليست في المكان المناسب للحصول على الدعم.
إليك خلاصة القول: لست مجبرا على نشر أي شيء لا تريده، كما أنك لست مضطرا لأن تنشر أي شيء على الإطلاق. وبطبيعة الحال، هناك ضغوط للمشاركة، ولكن ما تشاركه وكمية ما تنشره يظل أمرا منوطا بك. ومن غير المحتمل أن يلاحظ أحد ما إذا كنت لا تشارك منشورات خلال أسبوع أو أكثر، خاصة إذا بقيت نشطا ومازالت تعلق على مشاركات الآخرين (إذا كنت ترغب في ذلك).
سيكون لديك فكرة أفضل لتحديد الأشياء التي تفتقدها وما تريده تحقيقه من هذه الخدمات
إذن ما الذي حدث لصديقتي التي اختفت من الحياة الرقمية؟ حسنًا، إنها مازالت غير موجودة. ولأسباب أنانية شعرت بالحزن، إذ لم يعد بإمكاني رؤية ما الذي تقوم به بانتظام. لكننا مازلنا نتواصل كل بضعة أسابيع لتبادل الأخبار. وعلى الرغم من ذلك، بالنسبة لها، كانت هذه خطوة إيجابية. ولم تقرر إلى حد الآن ما إذا كانت ستعود، ولكنها تعرف أن هذا الخيار مازال متاحا إذا أرادت ذلك.
قد تجعل هذه الحقيقة القرار أسهل بالنسبة لك، إذ لطالما يمكنك إعادة تنشيط حساباتك، أو فتح حساب جديد يحتوي على مجموعة مختارة للغاية من الأصدقاء. وربما بعد الابتعاد لفترة ما عن الحياة الرقمية، سيكون لديك فكرة أفضل لتحديد الأشياء التي تفتقدها وما تريده تحقيقه من هذه الخدمات، حيث يمكنك ضبطها بشكل دقيق لتظهر لك ما ترغب فيه فحسب. إنه عالم صعب، وأوصي بتربية الكثير من الجراء.
المصدر: نيويورك تايمز