واصلت السلطات المغربية نهجها لضمان مصالحها، دون أن تولي أي اهتمام للأصوات الرافضة لهذا التوجه، حيث صادق برلمان البلاد على مشروعيْ قانونين يحددان الحدود البحرية للمملكة بشكل أحادي، الخطوة التي ترفضها إسبانيا بشدة، خشية تطبيق المغرب سياسة الأمر الواقع، فهل يؤثر هذا الأمر على طبيعة العلاقات بين البلدين.
ترسيم الحدود
البرلمان المغربي، صادق في جلسته الأخيرة على نصوص قانونية تحمل تعديلات جذرية على التشريعات المغربية المتعلقة بالمجالات البحرية الخاضعة لسيادة المملكة، أهمها إدخال المياه المقابلة لسواحل الصحراء ضمن المنظومة القانونية المغربية.
ويحدد مشروعا القانونين الجديدين، الحدود البحرية للمملكة المغربية، وينشئان منطقة اقتصادية خالصة يبلغ مداها 200 ميل بحري في المياه الواقعة بين الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو وأرخبيل الكناري التابع لإسبانيا.
وبموجب القانون الأول المصادق عليه بات المجال البحري الغربي للمغرب يمتد الآن من طنجة في أقصى الشمال إلى بلدة “لكويرة” في أقصى جنوب الصحراء الغربية، أما القانون الثاني فينظم تحديد منطقة اقتصادية خالصة تمتد إلى مسافة مئتي ميل بحري في عرض الشواطئ الأطلسية للمغرب، وتشمل منطقة المياه الواقعة بين سواحل الصحراء الغربية وجزر الكناري التابعة لإسبانيا.
سبق أن دخل البلدان سنة 2001 في مفاوضات لتحديد المياه الإقليمية بين الطرفين في الصحراء وجزر الكناري
بموجب هذا القانون، سيتم ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة في عرض سواحل الأقاليم الجنوبية للمملكة وإدراجها صراحة ضمن المنظومة القانونية للمغرب، إذ سيتم حذف الإحالة إلى خط الوسط كمنهج وحيد لترسيم الحدود البحرية، والتنصيص، في المقابل، على الإنصاف الذي يعتبر أكثر تجاوبًا مع مصالح المملكة.
وكان مجلس الوزراء المغربي قد صادق على هذه القوانين في يوليو/تموز 2017، حيث كان ملزمًا بتقديم ملفه الرسمي لتمديد جرفه القاري داخل أجل عشر سنوات من مصادقته على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون البحار الموقعة بمونتيغوباي في 10 من ديسمبر 1982، الذي كان في أواسط العام 2007.
رفض إسباني
المصادقة على هذه القوانين أثارت حفيظة الإسبان، حيث قالت وزيرة الخارجية الإسبانية أرانشا غونزاليس على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي تويتر، إن هناك اتفاقًا بين بلدها والمغرب على أن ترسيم الحدود البحرية، لا يمكن أن يتم بشكل أحادي الجانب، بل عبر اتفاق بين الطرفين.
وترى السلطات الإسبانية أن ترسيم الحدود من المغرب وبشكل أحادي يشكل تعديًا صارخًا على الحدود البحرية الإقليمية لجزر الخالدات، وسبق أن أقدمت البرتغال على خطوة مماثلة، دون أن تتحرك الحكومة الإسبانية.
كانت إسبانيا ترغب في ترسيم مياه إقليمية تشمل 300 ألف كلم مربع، وهي تمتد إلى مياه الصحراء ومياه يفترض أنها برتغالية في جزر صغيرة شمال الكناري وجنوب جزر ماديرا، ويعود الخلاف المغربي الإسباني في هذه المسألة إلى كون المسافة الفاصلة بين السواحل المغربية وجزيرة “فويرتيفونتورا” التابعة لجزر الكناري لا تتجاوز 100 كيلومتر، وهي مسافة تجعل البلدين في موقف خلاف لكون المنطقة الاقتصادية الخالصة، حسب القانون الدولي، تصل إلى أكثر من 200 كيلومتر من السواحل، وفي حال كانت المسافة الفاصلة بين سواحل دولتين تقل عن هذه المسافة، يكون ترسيم الحدود البحرية بينهما مرتبطًا باتفاقهما.
— Arancha Gonzalez (@AranchaGlezLaya) 22 janvier 2020
سبق أن دخل البلدان سنة 2001 في مفاوضات لتحديد المياه الإقليمية بين الطرفين في الصحراء وجزر الكناري، وتسبب الموضوع في النزاع بين الطرفين لأن إسبانيا تتجنب التوقيع على اتفاقية رسمية مع الرباط طالما لم يتم الحسم في السيادة على الصحراء.
وفي سنة 2009، قدمت إسبانيا التي صادقت على الاتفاقية الأممية، ملفها الخاص بتحديد المياه الإقليمية والجرف القاري الخاص بجزر الخالدات، وسارع المغرب بدوره للاعتراض عليه عبر مراسلة رسمية موجهة إلى الأمم المتحدة.
بعد ذلك بخمس سنوات، عادت إسبانيا وبادرت مرة أخرى بشكل أحادي دون استشارة المغرب بتقديم طلب إلى الأمم المتحدة لترسيم مياهها الإقليمية، الأمر الذي أدى إلى احتجاج الرباط خلال شهر مارس 2015، مما دفع بإسبانيا إلى التراجع وتأكيد استعدادها لترسيم الحدود البحرية والمياه الإقليمية بعد الحل النهائي لنزاع الصحراء.
ومن المنتظر أن تؤدي وزيرة خارجية إسبانيا، أرانشا غونزاليز لايا، غدًا الخميس زيارة رسمية للرباط، لإجراء مباحثات ثنائية مع نظيرها المغربي، ناصر بوريطة، بشأن هذه المسألة وبحث سبل إيجاد حل لها وتجاوز السجال بين البلدين.
قرار سيادي مغربي
هذا التخوف الإسباني لا مبرر له، وفق الأستاذ في الجامعة المغربية والخبير الدستوري رشيد لزرق، ويؤكد لزرق في حديث لنون بوست أن “على الحكومة الإسبانية الوضوح مع المملكة المغربية والتوجه نحو تسوية جميع الإشكالات معها”، وأوضح محدثنا أن قرار ترسيم الحدود البحرية، هو “قرار غايته إقرار السيادة الوطنية على الإقليم وفق معاهدة جامايكا الصادرة سنة 1982، التي دخلت حيز التنفيذ عام 1994، وتضمنت مناطق الملاحة الدولية البحرية، بين مياه داخلية وإقليمية، ومنطقة المرور البري، إلى جانب المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري”.
وأضاف “المغرب تعاطى مع إسبانيا وفق كونه دولة ذات سيادة، ومعاهدة جامايكا نظمت الخلافات التي قد تنشأ في هذا المجال في إطار القانون الدولي والعلاقات بين البلدين”، متابعًا “يفترض على إسبانيا احترام القرارات السيادية بترسيم الدولة للحدود البحرية كموقف سيادي خاص بالمملكة المغربية وللمغرب كامل الحق في ترسيم حدوده البحرية”.
الخلاف المغربي الإسباني يبدو أن يتجاوز ما تم التصريح به، خاصة أن هذه السواحل عرفت في السنوات الأخيرة اكتشافات مهمة للنفط في المياه البحرية المقابلة لجزر الكناري
يرجع الخبير المغربي “التخوف الإسباني للعديد من القضايا التي تخص الحدود البحرية بين بلاده وإسبانيا، خاصة أن إسبانيا ما زالت تحتل العديد من المناطق المغربية التي لا تعترف الدولة المغربية بسيادة إسبانيا عليها في البحر المتوسط كجزيرة ليلى والجزر الجعفرية، وهما جزء من الإقليم المغربي وكذلك الشأن بالنسبة إلى سبتة ومليلية، وفي المحيط الأطلسي هناك جزر الكناري التي تعتبرها إسبانيا تابعة لسيادتها وليست أراضٍ محتلة”.
وأوضح وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي ناصر بوريطة أن من الأسباب التي أملت هذه الخطوة ضرورة تحيين التشريعات الوطنية لتطابق “السيادة الكاملة للمملكة المغربية في حدودها البرية والبحرية”، وذلك على اعتبار أن القانون الذي كان يحدد المجال البحري للمغرب اعتمد سنة 1973 أي قبل ضم الصحراء الغربية.
نفط؟
الخلاف المغربي الإسباني يبدو أن يتجاوز ما تم التصريح به، خاصة أن هذه السواحل عرفت في السنوات الأخيرة اكتشافات مهمة للنفط في المياه البحرية المقابلة لجزر الكناري التي تقع في المحيط الأطلسي، على بعد نحو 100 كيلومتر عن السواحل الجنوبية للمغرب.
كانت شركة “جينيل إنيرجي”، الشركة الأولى التي توصلت إلى هذا الاكتشاف في منطقة سيدي موسى ضواحي مدينة سيدي إفني (جنوب المغرب)، إلا أنها أكدت أن وجود النفط في المنطقة يحتاج إلى مزيد من التقييم، كما سبق أن منحت السلطات الإسبانية ترخيصًا لعملاق النفط الإسباني “ريبسول” ببدء أعمال التنقيب في سواحل الجزر، رغم معارضة حكومة الجزر والمنظمات غير الحكومية لهذا الترخيص، بحجة الإخلال بالنظام البيئي للجزر التي تعتبر السياحة محورًا لاقتصادها.
ترسيم المغرب لحدوده البحرية من جانب واحد من شأنه أن يزيد في توتر العلاقات الإسبانية المغربية، خاصة في ظل وجود ملفات عالقة أخرى بين البلدين ينتظر حلها منذ سنوات.