ترجمة وتحرير نون بوست
حثّت الاستخبارات الأمريكية نظيرتها البريطانية على مراقبة خديجة جنكيز، خطيبة الصحفي السعودي المقتول جمال خاشقجي، عن كثب بعد أن أصبحت على علم بخطة السعودية لإبقائها تحت المراقبة في المملكة المتحدة السنة الماضية، وذلك وفقًا لمصادر المخابرات الغربية.
اعتقدت الولايات المتحدة أن السّعودية تضمر “الطموح والنية” لمراقبة جنكيز في لندن في أيار/ مايو الماضي، بعد سبعة أشهر من مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، حيث ذهب للحصول على الأوراق اللازمة حتى يتمكن من إنهاء معاملات الزواج. لكن ليس من الواضح ما إذا كانت المراقبة المقصودة لجنكيز إلكترونية أو مادية، أو ما إذا كانت ناجحة.
لكن خوف وكالات الاستخبارات من أن تكون جنكيز مستهدفة بهذه الطريقة، وأن السعودية تستعد للقيام بذلك في المملكة المتحدة بعد فترة وجيزة من الاحتجاج على مقتل خاشقجي، سوف يكون مصدر قلق في المجتمع الدبلوماسي. وسيسلط ذلك الضوء على مخاوف نشطاء حقوق الإنسان الذين جادلوا منذ فترة طويلة بأن السعوديين يستخدمون المراقبة لتتبّع وتخويف المعارضين ومنتقدي المملكة.
حيال هذا الشأن، قالت هالة الدوسري، وهي ناشطة سعودية وزميلة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إن “السعودية تحاول وضع حدّ لكل شيء، لذلك من المتوقّع أنهم سيحاولون التأكد من أن صوت خديجة ومناصرتها للقضية محدودان. إن جميع أنواع السلوكيات غير القانونية مستمرة، لم يتغير شيء”.
كانت خديجة جنكيز، تركية الأصل، مدافعة صريحة عن العدالة في قضية خاشقجي، الذي قُتل في تشرين الأول/ أكتوبر 2018. وقرر مسؤولو الاستخبارات الأمريكية، بدرجات مختلفة من الثقة، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أعطى الأمر بتنفيذ عملية القتل. ومن جهتها، نفت المملكة العربية السعودية تورط الأمير شخصيا في ذلك.
توحي الأخبار حول جنكيز بأنه، بعيدًا عن كبح جماح الحملة السعودية لإسكات المنتقدين في الداخل والخارج، فإن الحكومة السعودية تعزز ما أسماه مسؤول سابق في إدارة أوباما “موقف” الدولة لمراقبة المعارضين والنقاد
في المقابل، تكشف صحيفة “الغارديان” عن الجهود التي تبذلها السلطات الأمريكية والبريطانية لضمان حماية جنكيز في أعقاب تقرير للكاتب الصحفي في واشنطن بوست ديفيد إغناتيوس الذي كشف أن وزارة الخارجية الأمريكية رفضت مؤخرًا اقتراحًا تقدمت به شركة دفاع أمريكية “دينكورب” لتدريب أجهزة المخابرات السعودية لأنه لم يكن لدى المملكة “ضمانات مناسبة لمنع تنفيذ عمليات سرية غير قانونية” مثل قتل خاشقجي.
في الواقع، كشف العمود عن قلقين مستمرين تواجههما الحكومة الأمريكية، أوّلها أن سعود القحطاني، المستشار المقرب من ولي العهد الذي عُوقب على دوره في ترتيب جريمة القتل، كان لا يزال يعمل خلف الكواليس، وثانيهما أن هناك “تقارير” تفيد بأن جنكيز وأحد أبناء خاشقجي كانا “تحت المراقبة السعودية في لندن الصيف الماضي”. ومن جهته، قال متحدث باسم وزارة الخارجية: “ليس لدينا تعليق على هذه المسألة”.
والجدير بالذكر أنه يُطلب من وكالات الاستخبارات الأمريكية بموجب القانون تحذير الأفراد إذا عُرف أنهم يواجهون خطرًا وشيكًا بالقتل والخطف والأذى الجسدي الخطير، وذلك وفقًا لتوجيهات سنة 2015 المعروفة باسم “واجب التحذير”.
توحي الأخبار حول جنكيز بأنه، بعيدًا عن كبح جماح الحملة السعودية لإسكات المنتقدين في الداخل والخارج، فإن الحكومة السعودية تعزز ما أسماه مسؤول سابق في إدارة أوباما “موقف” الدولة لمراقبة المعارضين والنقاد. وحسب أندرو ميلر، خبير الشرق الأوسط الذي خدم في مجلس الأمن القومي بقيادة باراك أوباما، “إنهم يستخدمون مجموعة متنوعة من الأدوات بطبيعة الحال. إنها سياسة الدولة. أما النقطة الثانية، فمن الواضح أن تداعيات مقتل خاشقجي لم تغير موقف الدولة السعودية بشكل جذري. لحسن الحظ، لم يقع اختطاف وقتل أي شخص آخر، لكنهم ما زالوا يتتبعون معلومات عن خصومهم”.
إن التفاصيل الجديدة حول مخاوف المراقبة سوف تولّد مزيدًا من الانتقادات للحكومة السعودية، حيث دعا محققو الأمم المتحدة إلى فحص شامل للادعاءات الجديدة التي تكشف عن تعرّض جيف بيزوس، المالك الملياردير لصحيفة “واشنطن بوست”، للاختراق بعد تلقيه ملف فيديو على واتساب من الحساب الشخصي للأمير محمد بن سلمان.
بالإضافة إلى ذلك، أشار كل من ديفيد كاي وأنييس كالامار، مقررا الأمم المتحدة الخاصان اللذان يحققان في القضية، إلى “نمط من المراقبة المستهدفة للأفراد المشبوهين بأنهم معارضون” للمملكة، وخاصة الأشخاص الذين “لهم أهمية استراتيجية”. من جهته، رفض الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، جيف بيزوس، التعليق علانية، ولكنه نشر هذا الأسبوع صورة على تويتر وهو يقف بجانب جنكيز في نصب تذكاري لخاشقجي في إسطنبول، واستخدم الوسم “#جمال” في المنشور.
بيزوس (الشخص الثالث على اليسار) وجنكيز (في الوسط) عند إزاحة الستار عن نصب خاشقجي التذكاري في الثاني من تشرين الأوّل/ أكتوبر من السنة الماضية، في الذكرى السنوية الأولى لمقتل الصحفي.
من جهة أخرى، لم يرد متحدث باسم السعودية في واشنطن على طلبنا للتعليق. كذلك، اتصلت صحيفة “الغارديان” بمساعد جنكيز، لكن جنكيز رفضت بدورها تقديم تعليق. وفي السابق، نفت المملكة العربية السعودية استخدام أدوات المراقبة ضد نشطاء حقوق الإنسان ومنتقدي المملكة، كما وصفت الادعاءات المتعلقة باختراق هاتف بيزوس بأنها “سخيفة”.
ذكرت صحيفة الغارديان في السنة الماضية أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية نبهت نظراءها في النرويج إلى تهديد سعودي محتمل ضد ناشط مؤيد للديمقراطية يدعى إياد البغدادي، وهو منتقد للنظام السعودي يعيش تحت حماية اللجوء في النرويج. وأدى التنبيه في 25 نيسان/ أبريل، أي بعد حوالي سبعة أشهر من مقتل خاشقجي، إلى دفع السلطات النرويجية إلى الاندفاع إلى منزل بغدادي. وقال البغدادي في مقابلة عبر الهاتف مع “الغارديان” في ذلك الوقت: “بالطريقة التي فهمت بها، كان السعوديّون يبحثون في أمري، لكن ليس هناك أدنى فكرة عما سيفعلونه”.
المصدر: الغارديان