لا تحظى كلمة النسوية بقدر كبير من الإعجاب لأسباب مختلفة، بالنسبة للرجال فهناك الكثير من المشاكل في العالم التي يمكن للنساء الاهتمام بها بدلًا من إقحام النسوية في كل مسألة، وهناك الرجال الأكثر منطقية الذين يتساءلون لما النسوية بالذات وليست العنصرية أو حقوق الإنسان، فهما يخدمان نفس الهدف (عدم التمييز)، بالنسبة للكاتبة تشيماماندا فقد واجهت نوعًا خاصًا من الاعتراضات لأنها سوداء نيجيرية بينما النسوية أمر خاص بالسيدات ذوات البشرة البيضاء المتفرغات!
تشماماندا أديتشي هي كاتبة وروائية نيجيرية نشأت في مجتمع الإيغبو الذي يتناقل داخله بعض التقاليد الإفريقية ولكنها كانت محظوظة بما يكفي لتنشأ داخل أسرة متعلمة متطلعة استطاعت بمساعدتها أن لا تنحصر حياتها داخل القالب المعتاد من التفكير، كان الأب والأم أستاذين بالجامعة وكذلك أصبحت شيماماندا فيما بعد ليس في نيجيريا ولكن في أمريكا.
في البداية درست الكاتبة مجال الطب قبل أن تنتقل لمجالات أخرى في أمريكا في سن صغيرة للغاية (19 عامًا).
النسوية: غضب، دفاع عن النوع أم كره للرجال؟
ذكرت الكاتبة في حديث لها في (TEDX) أن أول ذكر لكلمة النسوية في حياتها كانت من صديق الطفولة بعمر الرابعة عشر بعد جدال طويل عندما حاولت إثبات وجهة نظرها فكانت المحصلة أن وصفها بالنسوية، ما يمكن أن نحصل عليه من هذا الموقع بغض النظر عن الموضوع الذي تجادلا بشأنه هو وصف الأنثى بالنسوية لمجرد دفاعها عن وجهه نظرها، أو أن ترى حقها فى التعبير عن هذه الرأي.
لم يكن هذا الموقف الوحيد الذي وصفت الكاتبة فيه بالنسوية، بل ذكرت عدة مواقف بسبب أعمالها الأدبية، ففي وقت إصدار رواية “زهرة الكركدية البنفسجية” التي كتبت باللغة الإنجليزية، صنفت بالنسوية بسبب بعض الشخصيات والأحداث، بينما نصحها صحفي بعدم تصنيف نفسها كنسوية لأن النسويات لسن سعيدات ولم ينجحن في الحصول على زوج، ونصحتها سيدة نيجيرية بالمثل لأن كلمة النسوية ليست من التقاليد الإفريقية!
“ولأن النسوية شيءٌ غير إفريقي فقد قررت تسمية نفسي الآن “نسوية إفريقية سعيدة”، ثم أخبرني صديق عزيز أنني عندما أسمي نفسي “نسوية”، فذلك يعني أنني أكره الرجال، لذلك قررت أنني سأصبح الآن “نسوية إفريقية سعيدة لا تكره الرجال”، وفي مرحلة من المراحل كنت “نسوية إفريقية سعيدة لا تكره الرجال، وتحب أن تضع أحمر شفاه، وأن تنتعل الكعب العالي إرضاءً لنفسها لا من أجل الرجال”.
بالطبع معظم ما سبق ذكره كان سخريةً، ولكن ما يظهره هو شدة احتشاد كلمة “نسوية” بالحمولات، الحمولات السلبية: أنت تكرهين الرجال، تكرهين حمالات الصدر، تكرهين الثقافة الإفريقية، تعتقدين أن على النساء تولي القيادة دومًا، لا تضعين مساحيق التجميل، لا تزيلين شعرك، أنت دائمًا غاضبة، لا تمتلكين حس الدعابة، لا تستخدمين مزيلًا للعرق.
يمكننا في البداية الرد على النصائح التي وجهتها للكاتبة من أحد كتبها الأخرى الذي ترجم إلى العربية باسم “عزيزتي هاجر أو مانيفستو نسوي بخمسة عشر نصيحة” الذي تسرد فيه عدة نصائح للتربية حتى يمكن للطفلة أن تكبر لتصبح نسوية وبجانب النصائح التي بعضها يبدو بديهيًا وبعضها صادم ولكن الكتاب حمل في طياته إجابات لسؤال لما يخاف البعض من كلمة نسوية أو يعتبرها إهانة؟
نجحت تشيماماندا وذاع صيتها في العالم وترجمت كتبها وروايتها إلى الكثير من اللغات لأنها ببساطة تمتلك الكثير من العناصر الغريبة التى لم نكن نعرفها
لم ليست حقوق الإنسان أو العنصرية؟
قد يبدو السؤال للوهلة الأولى منطقيًا، لما يجب أن تكون المشكلة خاصة وليست عامة، الرجال أيضًا يعانون في مجالات أخرى، ولكن الكاتبة ترد بأن الخطوة الأولى لحل المشكلة هي الاعتراف بها، نعم في أوقات الحروب يعاني الجنسان من مشاكل الجوع والعمل ولكن في الظروف العادية عندما يتأهل الرجل والمرأة بنفس المؤهلات والقدرات ويكون راتب عمل الرجل أعلى من الأنثى هنا نحن لا نتحدث عن حقوق الإنسان بالتأكيد، بل عن حقوق مختلفة.
هل جعلت الأعمال الأدبية السيدة النسوية محط الأنظار؟
ربما شهرة تشيمامندا الأساسية ظهرت للمرة الأولى بعد روايتها التي حققت نجاحات مبهرة وحملت أفكارها بالطبع، فكل أعمال تشيماماندا تدور حول الحرب النيجيرية في الستينيات والسبعينيات التي أثرت عليها بسبب اشتراك قبيلتها “الإبيغو” في هذه الحرب.
“زهرة الكركديه الأرجوانية” الرواية الأولى التي حققت نجاحًا كبيرًا وفازت بجائزة كتاب الكومنولث، تجري أحداثها في الستينيات، حيث يرسل الأب أبناءه بعيدًا عن الحرب والأهوال، وهناك يجد الأبطال حياةً أكثر حميمية بين العائلة، وربما أكثر ما جذب الأنظار إلى هذا العمل هو الشريحة الجديدة التي تم طرحها (أغنياء إفريقيا)، فأبطال العمل هم ملاك من علية القوم وليسوا الثوار أو الفقراء.
أما العمل الثاني وهو رواية “نصف شمس صفراء” التي تحكي أيضًا عن الحرب والمعاناة الإنسانية حازت جائزة أورانج ووصلت إلى نهائيات جائزة National Book Award، بل ويتم إقرارها في مناهج الجامعة، وقد ساعد على هذا كون أعمالها كتبت باللغة الإنجليزية في المقام الأول، وتم تحويلها إلى فيلم ناجح عام 2013.
أما العمل الروائي الأخير “أمريكانا” بجانب فكرة الحرب بالطبع تدور الأحداث حول قصة حب لفتى وفتاة، قبل أن تضطر الفتاة للسفر للولايات المتحدة الأمريكية ومواجهه الاختلافات الحضارية الهائلة بين نيجريا وأمريكا، ونال هذا الكتاب نصيبه أيضًا من الشهرة وحاز جائزة National Book Award التي فشلت فى الحصول عليها رواية “نصف شمس صفراء”، كما تم اعتبار العمل ككتاب العام من نيويورك تايميز.
نجحت تشيماماندا وذاع صيتها في العالم وترجمت كتبها وروايتها إلى الكثير من اللغات لأنها ببساطة تمتلك الكثير من العناصر الغريبة التي لم نكن نعرفها، وكما كان تشينوا أتشيبي من قبل حين أوصل قصص إفريقيا إلى العالم وجعلهم أكثر قربًا للحياة القبلية، فإن تشيماماندا لم تجعلهم فقط يشاهدون الحرب الطائفية التي طالما سمعوا عن وحشيتها بل أكثر عن الأغنياء ومشاعرهم وعن النسويات أيضًا كما يبدو.