بعد أيام قليلة على تعليق دولة بوليفيا، اعترافها بـ”الجمهورية المزعومة” التي أطلقتها جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية وقطع جميع علاقاتها مع الكيان، أعلنت السلطات المغربية، اعترافها بالحكومة البوليفية، مؤكدة انضمامها إلى جهود المجتمع الدولي للإسهام في تحقيق الأهداف التي حددتها الدعوة لإجراء الانتخابات العامة في البلد الجنوب أمريكي.
اعتراف جاء ليؤكد أهمية قضية الصحراء الغربية عند السلطات المغربية، حتى إن البعض أصبح يتساءل هل أصبحت هذه القضية المحدد الأبرز والأهم للدبلوماسية المغربية وعلاقاتها بالبلاد الخارجية؟
بوليفيا تسحب اعترافها بالبوليساريو
على خطى دولة السلفادور التي سحبت اعترافها، في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، بجمهورية البوليساريو “الوهمية”، قررت بوليفيا بداية هذا الأسبوع “تعليق اعترافها وقطع جميع علاقاتها مع الكيان الوهمي”، وفقًا لما أعلنته وزارة العلاقات الخارجية بالبلد الجنوب أمريكي في بيان نشر على موقعها الرسمي.
ويفسر هذا التوجه الجديد لهذه الدولة، بتراجع اليسار في هذه الدولة، حيث كانت بوليفيا من أكبر المدافعين عن جبهة البوليساريو في العالم إلى جانب الجزائر وفنزويلا وجنوب إفريقيا، وتتولى الحكم في بوليفيا حكومة محافظة منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما نصبت جانين أنيز نائبة رئيس مجلس الشيوخ، نفسها رئيسة للدولة.
وأجبرت الاحتجاجات العنيفة الرئيس اليساري إيفو موراليس (أطول رؤساء أمريكا اللاتينية المعاصرين بقاءً في السلطة) على العيش في المنفى، حيث يقيم في الأرجنتين حاليًّا، ومن المنتظر أن ينتخب البوليفيون رئيسًا وبرلمانًا جديدين في 3 من مايو/أيار المقبل، بعد انتخابات جرت في 20 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي حقق فيها موراليس فوزًا ساحقًا ولكن لطخته اتهامات على نطاق واسع بالتلاعب.
وأثنت الخارجية البوليفية في بيانها على دعم المغرب للتغيير الحاصل في بوليفيا بعد فشل الانتخابات الرئاسية الأخيرة وتصويت البرلمان على جانين أنيز رئيسة مؤقتة للبلاد في أفق إجراء انتخابات جديدة، وجاء في البيان “بفضل العلاقات الممتازة للمملكة المغربية مع الدول الإفريقية والعربية، فإن المملكة المغربية ستكون بوابة لبوليفيا نحو إفريقيا والدول العربية”.
علاقات الدولة البوليفية بالمملكة المغربية لم تكن على أحسن حال، فقد كانت ضيقة جدًا وليست هناك علاقات مباشرة بين البلدين
أشار البيان إلى موقف بوليفيا الجديد من قضية الصحراء، حيث قال “استنادًا إلى الشروحات التي قدمتها المملكة المغربية، تتبنى دولة بوليفيا موقف الحياد البناء والالتزام بدعم مساعي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي حتى يتمكن الطرفان من التوصل إلى حل سياسي وعادل ودائم ومقبول تماشيًا مع مبادئ الأمم المتحدة، وفي هذا الصدد، تقرر بوليفيا تعليق الروابط الحاليّة مع الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”.
ويرتبط هذا البلد الجنوب أمريكي، بعلاقات كبيرة مع جبهة البوليساريو، حيث إن الأخيرة كانت تعتمد سفيرًا لها في العاصمة الفعلية لاباز، كما أن نشطاءها ينشطون بقوة في النسيج السياسي والمدني ببوليفيا وينظمون يوم “للشعب الصحراوي” في بوليفيا بالتزامن مع يوم البحر الذي يحييه البوليفيون في 23 من مارس من كل سنة.
وسبق لمسؤولين بوليفيين أن زاروا المخيمات الصحراوية عن طريق الجزائر في مناسبات رسمية عدة للتعبير عن وقوفهم ومساندتهم لجبهة البوليساريو التي تسعى إلى انفصال الصحراء الغربية عن المغرب وإقامة دولة هناك.
المغرب يرد الاعتراف
المغرب بدوره سرعان ما أعرب عن اعترافه بالحكومة البوليفية الجديدة، مؤكدًا في بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج أن “المملكة المغربية التي تتابع باهتمام الوضع السياسي في بوليفيا، تعترف بالحكومة الدستورية لرئيسة دولة بوليفيا متعددة القوميات، السيدة جينين أنييز تشافيز، وتنضم لجهود المجتمع الدولي للإسهام في تحقيق الأهداف التي حددتها الدعوة لإجراء الانتخابات العامة في بوليفيا”.
يولي المغرب أهمية كبرى لقضية الصحراء
شكرت المملكة المغربية “دولة بوليفيا متعددة القوميات على موقفها الحكيم بشأن النزاع الإقليمي بخصوص قضية الصحراء المغربية، الذي يؤكد التزامها بمساعدة الأطراف على التوصل إلى حل سياسي عادل ومستدام ومقبول لدى الأطراف كافة، في إطار الأمم المتحدة”.
جدير بالذكر أن علاقات الدولة البوليفية بالمملكة المغربية لم تكن على أحسن حال، فقد كانت ضيقة جدًا وليست هناك علاقات مباشرة بين البلدين ولا تحصل في الغالب هذه العلاقات القليلة إلا من خلال التجمعات الكبرى الاقتصادية اللذين يكونان فيها طرفين كما هو الحال لتجمع وزراء مالية أمريكا الجنوبية والدول العربية، أو لقاءات مجلس الأمن والأمم المتحدة.
الصحراء الغربية محدد لسياسة المغرب الخارجية
ما حصل يؤكد وفق الأستاذ في الجامعة المغربية رشيد لزرق أن “قضية الصحراء كانت وما زالت محدد السياسية الخارجية المغربية، فهي على رأس أولويات السياسة الخارجية للمملكة باعتبارها القضية الوطنية الأولى للمغاربة”، ويرى رشيد لزرق في حديث لنون بوست “أنه حتى إن ظهر من الناحية العملية أن الدبلوماسية المغربية بدأت تتحرر شيئًا فشيئًا من ثقل هذه القضية لا سيما في تعاطي المملكة مع بعض الدول الإفريقية، مؤخرًا، تبقى قضية الصحراء المغربية جوهر فهم السياسية الخارجية للبلاد وتفاعلها مع العديد من القضايا الدولية”.
أمميًا، تعتبر “الصحراء الغربية” الواقعة على الساحل الأطلسي، أرضًا متنازعًا عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو
بدوره، يرى الباحث المغربي عمر مروك أن “التفاعلات الخارجية لأي بلد تقوم على مجموعة من المحددات، من بينها مدى التقارب أو التباعد بشأن قضايا سياسية أو اقتصادية أو حقوقية معينة، ومن حيث وجود اتفاقيات ثنائية للتعاون أو الانضمام من عدمه لتكتلات ذات مصالح مشتركة، بل وحتى تقارب وجهات النظر من قضايا دولية خلافية عالقة”.
يضيف مروك في مداخلة مع نون بوست “المغرب لم يخرج عن هذا الإطار، فقد عرفت علاقاته ببعض الدول تذبذبًا انطلاقًا من تفاعلات معينة كانت محددًا للسياسة الخارجية المغربية التي تقوم إجمالًا على أساس احترام سيادة الغير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام مبدأ الشرعية الداخلية والقانون الدولي، لذلك كانت قضية الصحراء المغربية محددًا أساسيًا لتفاعلات المغرب الخارجية”.
من جانبها ترى القيادية في حزب الاتحاد الاشتراكي (حزب يساري مغربي) شريفة لومير، أن “قضية الصحراء هي قضية المغرب الأولى، لكن المغرب كان دائمًا موضوعيًا في شأن العلاقات الثنائية التي تربطه بأي بلد”.
وتؤكد لومير أن العديد من الدول في منطقة أمريكا اللاتينية ستحذو حذو بوليفيا، وستقطع علاقاتها مع جبهة البوليساريو على غرار الأوروغواي التي بصدد مراجعة موقفها الداعم لهذا الكيان، ويرجع هذا إلى التغييرات السياسية التي تعرفها المنطقة في الآونة الأخيرة، وفق حديث شريفة لومير لنون بوست.
ضم المغرب الصحراء الغربية لحكمه بعد المسيرة الخضراء
أمميًا، تعتبر “الصحراء الغربية” الواقعة على الساحل الأطلسي، أرضًا متنازعًا عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، وتشكل المنطقة الواقعة تحت سيطرة جبهة البوليساريو بين منطقة سيطرة المغرب وموريتانيا 20% من مساحة الصحراء الغربية، فيما يسيطر المغرب على 80% من هذه المستعمرة الإسبانية السابقة التي تغطي منطقة صحراوية شاسعة تبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتر مربع، ويديرها بصفتها الأقاليم الجنوبية، وذلك منذ إعلان الملك الحسن الثاني عن “المسيرة الخضراء” في 16 من أكتوبر/تشرين الأول 1975 التي أسفرت عن تحرير ولايات الجنوب.
يستند المغرب في ذلك إلى رأي استشاري لمحكمة العدل الدولية أقر بوجود روابط قانونية وأواصر بيعة بين الملوك المغاربة وشيوخ الصحراء عبر تاريخ البلاد، وفيما تطالب البوليساريو، المدعومة من الجزائر، وأعلنت قيام “جمهورية عربية ديمقراطية”، باستفتاء لتقرير المصير، ومنذ 2007، تقترح الرباط منح الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا تحت سيادتها من أجل التوصل إلى حل للأزمة باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من أراضيه.