“سنفرض عقوبات قاسية على من يحاول العبث بجيب المواطن، وسيتم فرض رقابة حقيقية على الأسعار في السوق وذلك حفاظًا على القدرة الشرائية للجزائريين”، شكلت هذه الفقرة أبرز تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خلال مقابلة أجراها مع بعض مسؤولي وسائل الإعلام الوطنية العمومية والخاصة الأربعاء الماضي.
وقال القاضي الأول للبلاد: “سنعمل على مراقبة الأسعار محافظة على القدرة الشرائية للمواطن البسيط ومحاربة للمضاربة”، وتابع “من يزيد في تسعيرة الحليب إنه في خطر وسيعاقب من يرفع السعر إلى 45 دينارًا جزائريًا”، واعتبر الأمر “خيانة وطنية”.
ضرائب مجحفة
تزامنًا مع هذا أعلن الوافد الجديد على قصر المرادية، عبد المجيد تبون “مراجعة الضرائب التي وردت في قانون الموازنة لسنة 2020″، ووصفها بـ”المجحفة”، وأعلن في نفس اللقاء، أنه خلال قانون الموازنة التكميلي سيعفى من الضرائب أصحاب الأجور الأقل من 30 ألف دينار جزائري.
وتعهد رئيس الجزائر بالقضاء على الفقر المزري الذي يعيشه الشعب الجزائري ومحاربة عدم التوازن في الدخل، بقوله “لما نقضي على الجباية على أقل من 30 ألف دينار لن نخسر كثيرًا، لأنها بعد البترول تمثل 30% من مداخيل الجباية”، مضيفًا “رفع القدرة الشرائية للمواطنين لا رجعة فيه”.
وشهدت القدرة الشرائية للجزائريين منذ 2014 تراجعًا ملحوظًا بسبب قرار تعويم العملة المحلية، بعد أزمة هبوط أسعار النفط الخام، ولا يزال القرار ساري المفعول، حيث تضمن قانون الموازنة العامة لسنة 2020، تعويمًا جديدًا للعملة المحلية حيث أصبح الدولار الواحد يساوي 123 دينارًا مقارنة بـ118 دينارًا مقابل دولار واحد في قانون الموازنة الحاليّ، وأثر هذا الإجراء بشكل كبير على القدرة الشرائية للجزائريين خصوصًا مع إقرار التمويل غير التقليدي (طبع الدينار) لسد العجز وسداد الدين الداخلي.
كانت حكومة رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى المسجون حاليًّا في قضايا فساد، قد أقرت التمويل غير التقليدي في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وأصدرت ما يفوق 56 مليار دولار أي ما يعادل 6556 مليار دينار جزائري واحد في قانون الموازنة الحاليّ.
واتسعت دائرة الفقر في حقبة الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، حيث كشف آخر تقرير أعدته الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في أواخر يناير/كانون الثاني 2019، أن عدد الفقراء الذين يعيشون تحت خط الفقر قفز إلى 15 مليون أي نحو 38% من الجزائريين، حيث تدهورت وضعيتهم الاجتماعية وأصبحوا غير قادرين على اقتناء أساسيات الحياة.
مهمة ليست بالهينة
أجمع مراقبون على أن حماية القدرة الشرائية للجزائريين لن تكون بالأمر الهين بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد، ويقول في هذا السياق النائب البرلماني السابق محمد حديبي، في تصريح لـ”نون بوست” إن القرارات التي اتخذها الرئيس الجزائري لحماية القدرة الشرائية للجزائريين “مسكنات مؤقتة” لا تفي بالغرض المطلوب، ويضيف “هذه الإجراءات قد تعالج القليل من مشاكل الجزائريين لكنها ليست حلولًا حقيقةً”.
ويؤكد حديبي، ضرورة البحث عن حل اقتصادي جذري يصنع الثروة للجزائريين ويحررهم من قناة مداخيل البترول القاتلة للإرادة، ويضيف قائلًا: “التفكير الجدي هو تحرير المبادرات الاقتصادية وإنعاش المؤسسات وفتح فضاءات للاستثمار في كل القطاعات وإزاحة عراقيل البيروقراطية وتفكيك اللوبيات المتغلغلة في الدولة التي تكبح الاستثمار وميادينه حكرًا عليها فقط دون دخول طاقات جديدة”.
يقول من جهته النقابي مسعود بوديبة لـ”نون بوست”: “الواقع المعيشي للمواطن الجزائري شهد تدهورًا فظيعًا”، ولم يستبعد إمكانية انفجاره في الأشهر القادمة، بسبب فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي عاشتها الجزائر.
ولعل أبرز ما فاقم معاناة الجزائريين وساهم في تدني قدرتهم الشرائية غلاء الأسعار وارتفاع نسبة التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية وهو ما قسم المجتمع الجزائري إلى فئتين: فئة تصنف في دائرة الفقر وتشكل الأغلبية المطلقة وتمثل أكثر من 80% وفئة أخرى تزداد ثراءً وتمتلك الثروة وهي الأقل.
ويقترح بوديبة لتحسين القدرة الشرائية للجزائريين وضع سياسة أجور تعتمد على مرجع تحديد الحد الأدنى للعيش ومنه الحد الأدنى للأجور، ليتم بعدها وضع أجور تحفظ كرامة الموظف وتؤسس لاستقرار مجتمعي يسمح ببناء الجزائر الجديدة.
“السياسة المعتمدة بشكلها الحاليّ هي إنهاك لميزانية الدولة دون تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة”
يقول عضو في المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، فادي تميم، لـ”نون بوست” إن المنظمة سبق وأن دقت ناقوس الخطر بشأن القدرة الشرائية للمستهلك الجزائري، ويشير إلى أن السلطة مطالبة اليوم بتحسين القدرة الشرائية التي تدنت بدرجة كبيرة.
ويشير فادي تميم إلى أن المنظمة تنادي بإعادة النظر في آلية الدعم الذي لم يعد يصل للمستهلك الجزائري وتستفيد منه “جماعات” تخصصت في كل مجال من مجالات الدعم، ويرافق هذا الأمر الإنقاص من السلسلة التجارية بين المنتج والمستهلك التي تسلل إليها الكثير من المضاربين مما يرفع الأسعار بطريقة غريبة، إضافة إلى محاربة المضاربين من أصحاب غرف التبريد غير المرخصة التي تنشط في السوق الموازية بتخزين سلع ورفع أسعارها لضخها مرة أخرى في السوق.
ويطالب النائب البرلماني عن حركة مجتمع السلم الجزائرية (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد) ناصر حمدادوش، بإعادة النظر في الدعم الاجتماعي بشكله الحاليّ، قائلًا لـ”نون بوست”: “السياسة المعتمدة بشكلها الحاليّ هي إنهاك لميزانية الدولة دون تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة، كما أنها لم تسهم في تحسين الحياة الاجتماعية للمواطن على المستويات كافة وهو ما أبقاها بعيدة عن مصلحة الشعب الحقيقية”.