ترجمة وتحرير نون بوست
يعد تورط الإمارات العربية المتحدة في الأزمة الليبية اختبارًا حاسمًا بالنسبة لها، لأنه يتعلق بالمصالح الاستراتيجية لأبوظبي، في واحد من أهم الملفات التي تخص مستقبلها على الساحة الدولية، من أجل إيجاد دور لا غنى عنه بين القوى الكبرى في العالم، وخاصة الولايات المتحدة والصين. في الوقت الحاضر يتمتع أمير الحرب الليبي خليفة حفتر بنوعين من الدعم، الأول دعم سري تقدمه كل من روسيا وفرنسا، وآخر أكثر وضوحا وعلنية توفره مصر والإمارات.
على الرغم من أن القاهرة بدأت تخفض من حجم مساندتها للجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، فإن أبوظبي في المقابل لا تزال تقدم الدعم العسكري والسياسي، وتريد تواصل هجوم حفتر حتى السيطرة على كامل طرابلس. وبسبب هذا الموقف الإماراتي فإن العملية العسكرية لدخول العاصمة الليبية لا تزال متواصلة، وذلك رغم إجماع القوى الدولية على الهدنة والتقائها في مؤتمر برلين، والتأكيد في هذا المؤتمر على الحاجة الملحة لوقف تقديم السلاح من دول أجنبية للأطراف المصارعة، وضرورة احترام المقررات الأممية المتعلقة بحظر إرسال الأسلحة إلى ليبيا.
يمكن اعتبار أن الإمارات تبدو الطرف المستفيد أو الرابح الحقيقي بعد مؤتمر برلين، حيث أنها تمكنت من جعل رجلها في ليبيا يصبح يحظى بالقبول في أروقة الدبلوماسية الدولية، دون أن تضطر للتوقف عن دفعه للمضي قدما في الخيار العسكري. وفي هذا السياق تقول تشينزيا بيانكو، الباحثة في شؤون أوروبا والشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “بالطبع الجميع يكرر أن الحرب في ليبيا لا يمكن حسمها على المستوى العسكري، إلا أن أبوظبي لا تتفق مع هذا الرأي، وهذا معناه أنها تشارك في الجهود الدبلوماسية الدولية دون أن تؤمن فعلا بأن الحل السياسي هو الخيار الوحيد المطروح.”
لدى أبوظبي العديد من المصالح في الحرب الليبية، على رأسها سلسلة الموانئ البحرية التي تسيطر عليها، في إطار استراتيجية إماراتية متمثلة في بناء مجموعة من المنافذ البحرية بفرض نفسها كجزء لا غنى عنه من مشروع الحزام والطريق الذي تعمل عليه الصين.
من المؤكد أن الإماراتيين يرغبون في أن تكون لهم القدرة على لعب دور محوري في المشروع الصيني الضخم، ويصبحوا شريكا استراتيجيا في إنجاح هذه المبادرة، خاصة وأنهم يعتبرون أن المستقبل سيكون لهذا التحالف، ولا ينظرون للولايات المتحدة على أنها ستكون القوة الأكثر تأثيرا في قادم السنوات. هذه الحسابات تفسر مسارعة الإماراتيين لوضع يدهم على البنى التحتية في ميناء مدينة برقة الواقعة في شرق الساحل الليبي، وهي المنطقة الخاضعة لسيطرة قوات حفتر، وذلك من أجل تسخير هذا الميناء للأغراض المدنية والعسكرية. وفي منطقة شمال أفريقيا بشكل عام، تواجه أبو ظبي صعوبة في توسيع مجال نفوذها، بسبب المزاج السياسي الرافض لها في دول كالمغرب وموريتانيا وتونس، وهي عوامل تزيد من أهمية ليبيا.
يؤكد علماء الجيولوجيا وجود مخزونات هامة من الغاز والنفط قبالة السواحل الليبية، ومن المؤكد أن أبوظبي مهتمة بالحصول عليها، كما أن ليبيا تمثل بالنسبة لها ممرا بين البحر الأبيض المتوسط ودول القرن الأفريقي
تجدر الإشارة إلى أن هنالك أيضا هدف سياسي آخر تسعى الإمارات لتحقيقه، وهو ملاحقة جماعة الإخوان المسلمين، الذي باتت تتخذ من تركيا الآن معقلا له، وبما أن ليبيا مهمة لأنقرة في الوقت الحالي، فإن هذه الأخيرة أصبحت العدو اللدود لأبوظبي. ويدور بين البلدين رهان آخر لا يقل أهمية عن السياسي، يتعلق بالموارد الطبيعية، حيث أن تركيا تطور تحالفنا وثيقا مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، من أجل وضع إطار مشترك للتحرك في شرقي البحر الأبيض المتوسط، خاصة وأن التحالفات الجيوسياسية بين بقية بلدان المنطقة تحولت لتحالفات ضد أنقرة، من أجل الاستئثار بالثروات الطاقية الضخمة القابعة في أعماق المياه.
يؤكد علماء الجيولوجيا وجود مخزونات هامة من الغاز والنفط قبالة السواحل الليبية، ومن المؤكد أن أبوظبي مهتمة بالحصول عليها، كما أن ليبيا تمثل بالنسبة لها ممرا بين البحر الأبيض المتوسط ودول القرن الأفريقي، حيث توجد العديد من المصالح الجيوسياسية الإماراتية. ومن الأمثلة الأخرى حول هذه السياسة الإماراتية وحسابات الثروات الطاقية، هنالك الحرب الدائرة في اليمن، حيث أن الإماراتيين يركزون قبل كل شيء على السيطرة على السواحل في الجنوب، أين يقومون ببناء الموانئ البحرية من أجل ضمان مرور النفطية والغاز عبر أنابيب في البر، للاستغناء على مضيق هرمز والتهديدات الإيرانية. وتعد جزيرة سقطرى أبرز مثال على ذلك، فهذه الجزيرة المتواجدة في جنوب اليمن قبالة القرن الأفريقي، تخضع الآن بحكم الأمر الواقع للسيطرة الإماراتية، بسبب موقعها الهام في سلسلة الموانئ التابعة لأبوظبي ولتأمين الملاحة البحرية.
بدخولها في ليبيا تمكنت الإمارات من صياغة استراتيجية، ربما يكون الملف الليبي هو الاختبار الحقيقي والحاسم لها، تتمثل في التوجه أكثر فأكثر نحو بكين
بالطبع، فإن الحديث عن الإمارات يقود إلى الحديث عن المملكة السعودية، والتساؤل حول ما إذا كان هناك تداخل بين استراتيجية البلدين. وفي الواقع توجد بعض التناقضات بينهما، ولكن بشكل عام هنالك انسجام بين رؤية أبوظبي والرياض، إذ أن كلاهما يتفق على فكرة السيطرة على الموانئ والتحالف مع المشروع الصيني، تماما كما يتفقان على أنه في ظل تراجع الولايات المتحدة عن التزامها وتدخلها في الشرق الأوسط، فإن المجال متاح لهما للتمديد وتوسيع نفوذهما، استباقا لأي خطوات تقوم بها أنقرة في هذا الصدد.
قد كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن العلاقات بين الإمارات والصين، ولكننا نعلم جيدا أن أبوظبي تربطها علاقة صداقة وتحالف وثيق مع واشنطن. وبدخولها في ليبيا تمكنت الإمارات من صياغة استراتيجية، ربما يكون الملف الليبي هو الاختبار الحقيقي والحاسم لها، تتمثل في التوجه أكثر فأكثر نحو بكين. ولكن كيف يتمكن الإماراتيين من إدارة هذه العلاقة الازدواجية؟ في الواقع يعلم الإماراتيون أنهم شريك لا غنى عنه لحماية المصالح الاستراتيجية الضخمة لكلا القوتين، خاصة وأن واشنطن وبكين تبحثان عن الاستفادة من الشرق الأوسط دون التورط فيه بشكل كبير، وهكذا فإن الإماراتيين وجدوا طريقة للانخراط في هذه المساعي الصينية والأمريكية في نفس الوقت.
يتصف الإماراتيون بالبراغماتية الشديدة، إذ أنهم بهذه الطريقة أصبحوا مفيدين لكلا الخصمين. وتعد ليبيا أكبر مثال على ذلك، حيث أن الموقف الأمريكي شهد تغيرا طفيفا في الفترة الأخيرة، تحت ضغط الصورة الإعلامية القاتمة لهذه الحرب، ولكن إلى وقت قريب كانت واشنطن لا تمانع من التدخل الإماراتي في ليبيا، لأنها حريصة على عدم التورط بشكل مباشر، بل ترغب في الاستفادة من هذا التدخل الإماراتي.
المصدر: مجلة فورميكي الإيطالية