ترجمة وتحرير نون بوست
في الأسبوع الماضي وقعت الحكومة الانتقالية السودانية اتفاقية سلام مؤقتة مع واحدة من أكبر الحركات المتمردة في البلاد، مما جلب آمالًا حذرة بانتهاء عقود من الصراع وعدم الاستقرار في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.
كانت اتفاقية الجمعة التي وقعها مالك أجار قائد أحد فصائل الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال “SPLM-N” من أهم الإنجازات التي حدثت بعد شهور من المحادثات بين الخرطوم والجماعات المتمردة في جوبا عاصمة جنوب السودان.
بالنسبة للمستضعفين في النيل الأزرق وجبال النوبة جنوب كردفان، فتحسن العلاقات بين الخرطوم والمتمردين قد يعني الفرق بين الحياة والموت، خلال رحلتنا إلى ولاية جنوب النيل الأزرق جنوب السودان، رأينا المدارس المقصوفة والعيادات المدمرة وكلية تدريب المعلمين تحت الأنقاض.
يلوم القرويون الضربات الجوية السودانية على ذلك ويقولون إنها استهدفت المدنيين بشكل عشوائي، تتفق روايتهم مع تقارير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، التي تتهم الجيش السوداني منذ 2011 تحت قيادة عمر البشير بقصف المدنيين بشكل عشوائي.
لم نكن نستطيع أن نطهو الطعام فوق النار ليلًا خوفًا من اكتشاف مكاننا، ولم نتمكن من زراعة الطعام بسبب القصف، كنا نأكل أوراق الشجر والفواكه والعشب
أصبح الصراع هادئًا منذ عزل البشير العام الماضي، لكن الدمار الذي سببته سنوات من الحرب أصبح واضحًا، لم يكن هناك طرق مرصوفة، وكنا نسير في طرق مليئة بالحفر التي غمرتها مياه الفيضانات، وفي طريقنا مر بنا القرويون في أثناء رحلتهم الطويلة على الأقدام نحو مخيمات اللاجئين في الجنوب.
الجنود يرتدون النعال
كانت الحدود نفسها تتميز بسلسلة طول الطريق يحرسها حفنة من جنود جنوب السودان يرتدون النعال في أقدامهم ويحملون بنادق آلية على أكتافهم، في رحلة استمرت لساعة نحو الشمال التقينا بالقرويين في مركز إدارى محلي بمنطقة شالي يتكون من 3 أكواخ بجوارهم مسجد تعرض للتفجير.
حذرنا القرويون من الألغام الأرضية، تصف حنا – أم لستة أطفال – أهوال الحرب حيث تقول: “كانت الطائرات تأتي في أي وقت نهارًا أو ليلًا، وفي بعض الأحيان تأتي 4 مرات في اليوم، لكم نكن نستطيع العمل أو النوم، عندما تهجم الطائرات كنت أجري بأطفالي للاختباء في الخنادق التي قد تكون خطيرة تمامًا مثل القنابل، وفي إحدى المرات قرصني عقرب في ظهري”.
تتحدث حنا بصعوبة لأنها في إحدى المرات وفي أثناء هربها من القنابل انتصب ثعبان أمامها وبصق سمه في فمها، أما حياة – أم لثمانية أطفال – فتقول: “كانت الطائرات تقصف بشكل عشوائي، كان الجميع مستهدفًا حتى الماعز الصغيرة، لم نكن نستطيع أن نطهو الطعام فوق النار ليلًا خوفًا من اكتشاف مكاننا، ولم نتمكن من زراعة الطعام بسبب القصف، كنا نأكل أوراق الشجر والفواكه والعشب”.
مجاعة مرتقبة
يقول القرويون إن القصف توقف منذ عام، لكن المشاكل لم تنته هنا، يقول ياهي محي الدين رئيس الإدارة المحلية: “ليس لدينا دواء ولا مواد مدرسية، كما أن بعض المدارس أصبحت مدمرة، ندرس الآن تحت الأشجار، في هذا العام وبسبب الفيضان تدمرت جميع المحاصيل”.
يخشى فيليب إدريس كبير زعماء القبائل من تعرض المنطقة لمجاعة بسبب الدمار الذي خلفته الفيضانات في المحاصيل، يقول إدريس: “لم تكن فيضانات هذا العام طبيعية، لقد قضوا على مواشينا والماعز والخراف والدجاج، لقد فقد الناس منازلهم ونزح بعضهم، ولم يعد الناس أقوياءً بما فيه الكفاية لزراعة المحاصيل، أعتقد أنه ستحدث مجاعة هذا العام”.
اتفاقية السلام ذاتها لن تحل هذه المشاكل، لكن عودة الأمن ستسمح بعودة المساعدات الإنسانية وإعادة بناء القرويين لاقتصادهم المدمر، إحدى علامات التغيير كانت زيارة قريبة من المدير التنفيذي لبرنامح الغذاء العالمي ديفيد بيسلي يوم 18 من ديسمبر الماضي، كانت هذه أول مرة تدخل فيها وكالة إنسانية تابعة للأمم المتحدة النيل الأزرق منذ عقد من الزمان، لكن العقبات الأساسية ما زالت قائمة.
جذور انفصالية
تعود جذور الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال إلى الحركة الانفصالية التي حاربت الجيش السوداني في حرب أهلية وحشية منذ 1983 وحتى توقيع اتفاقية سلام بوساطة دولية عام 2005، مما أدى إلى انفصال جنوب السودان في 2011، انفصل مقاتلو الحركة عن الانفصاليين الجنوبيين وواصلوا نضالهم المسلح في نفس العام بعض أن أصبح واضحًا أن جنود كردفان والنيل الأزرق ما زالوا تابعين للسودان، لكن الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال انفصلت أيضًا.
هذه المنطقة التي زرناها لا تخضع لسيطرة الفصيل الذي يقوده آجار وتفاوض الأسبوع الماضي من أجل اتفاقية سلام مع الحكومة السودانية، لكنها تخضع لفصيل آخر يقوده عبد العزيز الحلو، لكن الحلو لم يضع اسمه في الوثيقة مما يعني أن هناك احتمالًا حقيقيًا باستكمال القتال.
استقبلت الحشود المبتهجة حمدوك في مشهد يدل على زيادة رغبة جميع الأطراف في الوصول إلى حل سياسي
يسيطر فصيل الحلو على الجزء الأكبر في المنطقتين ولديه حضور عسكري أكثر قوة، كما أنه متمسك بأن تحصل منطقتا جنوب كردفان والنيل الأزرق على تشريع علماني، وهو تنازل حساس للغاية للحكومة الانتقالية التي ما زالت تضم أعضاءً سابقين من حكومة البشير.
ومع ذلك، أدت الاضطرابات السياسية العام الماضي والمظاهرات المؤيدة للديمقراطية في الخرطوم إلى تغير جذري في الأوضاع، وفي لحظة رمزية فارقة قام رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك بزيارة معقل كاودا الذي يعيش فيه الحلو بجبال النوبة جنوب كردفان، استقبلت الحشود المبتهجة حمدوك في مشهد يدل على زيادة رغبة جميع الأطراف في الوصول إلى حل سياسي.
كان ياسر عرمان – نائب رئيس الفصيل – الذي وقع على اتفاقية الجمعة قد حُكم عليه بالإعدام في عهد البشير، وقال: “نرغب في تغيير وسائل نضالنا من النضال المسلح إلى النضال السياسي، كان النضال المسلح الموضة السائدة، فالكلاشينكوف كان رمزًا للحرية في الستينيات والثمانينيات، وفي هذه الأيام مثل حرب العصابات علينا أن نتغير”.
لكن أحد المراقبين المقربين من المفاوضات يقول إن احتمالية أي اتفاق سلام نهائي تتوقف على توقيع الحلو لها، وأضاف: “رجاله مسلحون ومدربون بشكل جيد، والسلام من دونهم لن يكون له معنى”، ما زالت المفاوضات في جوبا مستمرة والآمال في ازدياد، لكن التغيير الحقيقي والمستمر لشعب شالي المنسي ليس مضمونًا بعد.
المصدر: ميدل إيست آي