كما هي الحال في المجتمعات ما قبل الحديثة عامة، وفي ممالك النفط الخليجية خاصة، فإن البذور الأولى للدولة تتكفل بغرسها وحدة ثقافية اجتماعية بدائية، تتمركز حول الموارد، بعد نجاحها في بسط السيطرة على الجغرافيا وتحييد الخصوم بالقوة والسياسة، وفي وقتٍ لاحق، تنحصر مهمة هذه الوحدة أو “السلالة” كما يسميها مايكل هيرب، في احتكار الثروات ومراكمة النفوذ السياسي، بالإضافة إلى بعض الأدوار الضرورية الأخرى مثل حفظ أمن الجغرافيا والاتصال مع الجيران من جهة، وتوزيع الفوائض على بقية الوحدات الأصغر على أساس النفوذ والانتماء إلى “السلالة” المسيطرة من جهة أخرى.
العتوب
في حالة الكويت، فإن عائلة “الصباح” نفسها كانت جزءًا من تحالف ثلاثي ينضوي تحت لواء فرع قبلي معروف في شبه الجزيرة العربية بـ”العتوب”، تعود جذور العتوب إلى عُتبة بن رباح بن طلال الذي ينحدر عن الجد العربي الأكبر “عدنان”، وقد غادر التحالف المكون من آل صباح وآل خليفة والجلاهمة موطنه الأصلي في “الهدار”، بمنطقة “الفلاج”، جنوبي نجد، نهايات القرن السابع عشر، قاصدًا شمال الجزيرة العربية.
مهدت حفاوة “بني خالد” الذين كانوا يحكمون نطاق الإحساء والقطيف الطريق أمام استقرار “العتوب” المهاجرين في المنطقة التي باتت تُعرف خلال فترة وجيزة بالقرين أو الكويت
وبحسب المصادر التاريخية التي وثقت هذا التغير الاجتماعي، فإن هنالك عددًا من الأسباب التي تواطأت معًا من أجل تسهيل هذه الهجرة، فبالإضافة إلى العوامل القسرية المتعلقة بكثرة الصراعات القبلية بين فروع “العتوب” والحاجة إلى استيطان مناطق أكثر استقرارًا، والعوامل الطبيعية القهرية مثل موجات الجفاف الشديد التي ضربت شبه الجزيرة منتصف القرن السابع عشر، فقد ساعد رحيل المحتل البرتغالي عن شبه الجزيرة العربية بعد هزيمته من دولة اليعاربة العُمانية، القبائل على إعادة الانتشار بطول ساحل الخليج العربي.
وقد مهدت حفاوة “بني خالد” الذين كانوا يحكمون نطاق الإحساء والقطيف بعد انفصالهم عن الدولة العثمانية، الطريق أمام استقرار “العتوب” المهاجرين في المنطقة التي باتت تُعرف خلال فترة وجيزة بالقرين أو الكويت، وهي أسماءٌ اصطلاحية، ظهرت مطلع القرن الثامن عشر، للإشارة إلى الوحدة السياسية الجديدة التي تحدها ولايةُ بغداد العثمانية من الشمال، وتطل على ساحل الخليج العربي في الشرق، ويرجح أن هذه الأسماء اشتقاقات صرفية “تصغيرية” تُحيل إلى دلالات متعلقة بالطبيعة الجيوسياسية للمكان، حيث المساحة المحدودة والحاجة إلى الحصون والقلاع.
الانفصال
مرت الدولة الكويتية التي نعرفها، تحت حكم آل صباح، بثلاث مراحل أساسية منذ النشأة إلى الوضع الحاليّ، وهي: الانفصال والتأسيس والاستقلال، وكان لكل مرحلةٍ من هذه المراحل رجالٌ وتحديات ومفاجآت.
فعلى سبيل المثال، لم يكن مقررًا أن يكون حكم الأرض الجديدة مقتصرًا على أحد الفروع الثلاث المهاجِرة بعينه، حيث عقد التحالف القادم من نجد اتفاقًا ضمنيًا على أن تكون السلطة تشاركيةً تداوليةً منذ البداية، فيرأس صباح بن أحمد الكويت سياسيًا، ويتولى خليفة بن علي إدارة الشؤون التجارية، ويشرف جابر العتبي (الجلاهمة) على أمور البحر والصيد.
وبعد نصف قرن شهد ولادة جيل من السكان المحليين وبدأت خلاله معالم الجغرافيا الجديدة تكتسي بالهُوية العتوبية المتنوعة، تغير الوضع تمامًا، فقرر بن خليفة الانسحاب من ترويكا السلطة المتفق عليها والرحيل إلى “زبارة” في قطر، ثم تبعه في غضون فترة قصيرة قائد الفرع الجلهمي جابر العتبي.. فما الذي حدث؟
ترجح المصادر أن هذا الانفصال التاريخي يعود إلى سببين: السبب الأول هو اضطراب المنطقة نسبيًا في هذا الوقت، منتصف القرن الثامن عشر، نتيجة للصراعات المستمرة بين العثمانيين والفرس من جهة وتوتر الأوضاع في “نجد” قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى من جهة أخرى، فيما تعزو المصادر السبب الثاني إلى رغبة آل صباح في الانفراد بالسلطة، وتجلى بوضوح في وراثة عبد الله بن صباح الحكم بعد وفاة أبيه صباح الأول، بدلًا من تدوير الرئاسة بين فرعي التحالف.
نجح الجيل الأول والثاني من أبناء صباح خلال هذه المرحلة في توظيف إمكانات الجغرافيا وصراعات السياسة الدائرة في الخليج لصالحهم، وذلك عبر اجتذاب الشركات الأجنبية الكبرى إلى مينائهم المستقر، مقارنة بالموانئ الأخرى المجاورة، وغرس بذرة مجتمع تجاري صغير ينشط على استخراج “اللؤلؤ” وتصديره، وبحسب الرحالة الألماني كارستين نيبور الذي بعثه أحد حكام الدنمارك لمعاينة المنطقة، فقد بلغ حجم الأسطول الكويتي في هذه الفترة نحو 800 سفينة.
التأسيس الفعلي
بعد 150 عامًا من بزوغ نجم عائلة آل صباح في الكويت، أفرزت العائلة قائدًا تاريخيًا جديدًا، لم يكن القائد الجديد بطلًا ملحميًا على غرار قصص البطولة المنتشرة في الآداب الشعبية، وإنما كان قائدًا ينتمي إلى المدرسة الواقعية، وهو الشيخ مُبارك الصباح الذي أحدث وصوله إلى السلطة “انقلابًا” حقيقيًا في أعراف العائلة الحاكمة (الانقلاب الأول)، وعلاقاتها بالعالم الخارجي وطبيعة التوازنات بين السلطة وطبقة التجار، بل وفي هُوية المجتمع نفسه.
فرض مبارك الكبير (1896 – 1915) سطوته على السلطة في الكويت، عقب اغتياله أخيه الشقيق محمد وأخيه غير الشقيق جراح، بسبب خلافاتٍ على تقاسم كعكة الحكم خلال الفترة التالية لوفاة شقيقه الأمير عبد الله الثاني الصباح، ليعلن بذلك تأسيس عرفٍ جديد في تداول السلطة – جرى تضمينه في الدستور الكويتي الحاليّ – يقصر الإمارة على “ذرية الشيخ مبارك الصباح”، بعد أن كانت الولاية متاحةً لكل ذرية صباح الأول بلا تحديد.
وقد أقلقت تصرفات الشيخ مبارك الدولة العثمانية التي كانت تدعم أخويه المقتولين في مواجهته، بعد سيطرتها على نفوذ الدولة الخالدية في القطيف والإحساء، ثم أجج حدة هذا الخلاف ميلُ الشيخ إلى البريطانيين الذين كانوا يسعون بدورهم إلى إيجاد موطئ قدم في الخليج عقب رحيل البرتغاليين وظهور مؤشرات واضحة على تداعي الدولة العثمانية. وهكذا توالت الأحداث في هذا المسار، بدءًا من توقيع أمير الكويت معاهدة الحماية البريطانية (الأمن مقابل النفوذ) عام 1899، مرورًا باختياره علمًا “وطنيًا” بديلًا لعلم الدولة العثمانية، وصولًا إلى اعتراف العثمانيين أنفسهم باستقلال الكويت رسميًا 1913.
تطبيقًا للعُرف الجديد الذي أرساه مبارك الصباح في العائلة الحاكمة، فقد تناوب أبناؤه على السلطة في الكويت بالفعل
كما يرجع الفضل إلى “أسد الجزيرة العربية” – كما عُرف آنذاك – في تقويض سلطة “التجار” المنافس الأثير للعائلة الحاكمة في الكويت، بعد ما حاولوا التملص من التزامهم بدعمه ماليًا في حروبه الخارجية ضد القبائل العربية، وخاصة “آل الرويشد” حُكام حائل، بالإضافة إلى دوره في “تمدين” المجتمع المحلي من خلال بناء عدد من المستشفيات والمدارس، بالتعاون مع الإنجليز والأمريكيين.
وتطبيقًا للعُرف الجديد الذي أرساه مبارك الصباح في العائلة الحاكمة، فقد تناوب أبناؤه على السلطة في الكويت بالفعل، حيث تولى جابر بن مبارك السلطة بعد وفاة أبيه باعتباره وليًا للعهد، ثم تلاه أخوه “سالم” عقب وفاته، وبنهاية هذه الفترة التي لم تستمر طويلًا (1915 – 1921) ليحل محلهما حفديهُما تناوبًا أيضًا، باتت الكويت أمام جناحين بارزين يجري تداول السلطة بينهما حصرًا من ذرية الشيخ مبارك الصباح: الجناح الجابري، والجناح السالمي.
الاستقلال
بعد 40 عامًا من المبايعة الشعبية لهذه الطريقة في تداول السلطة، جنت الكويت خلالهم ثمار الاستقرار الناتج عن العيش في كنف الحماية البريطانية وبشارات “النفط” المصدر إلى الخارج خلال فترة حكم أحمد الجابر الصباح (1950 – 1965)، وجدت العائلة الحاكمة نفسها أمام مفترق طريق تاريخي: سيرحل البريطانيون عن الخليج، وبحلول عام 1961، أُعلن الاستقلال الرسمي للكويت عن بريطانيا فعليًا، وبدأت معالم هذا الانسحاب تظهر جليًا في شكل “العلم الوطني” الجديد، وتأسيس الدستور والحياة النيابية بشكل حقيقي لأول مرة في البلاد.
كان قرار الانسحاب البريطاني من الكويت صادمًا للعائلة الحاكمة، فقد كانت الإمبراطورية البريطانية – خلال فترة صعودها – قادرة على حماية ممتلكات العائلة في ولاية “البصرة” والتصدي للسفن العثمانية التي تحاول منازعة “مبارك الكبير” في حكمه على الكويت، ومن ناحية أخرى، فإن الكويت خصوصًا باتت تحتاج إلى وجود قوة عظمى في المنطقة تضمن استقرار الإمدادات النفطية التي تشكل مصدر دخل هائل للعائلة، وتحميها من الجيران الطامعين في ثروتها النفطية، مستغلين صغر المساحة (17 ألف كيلومتر مربع) وقلة عدد السكان.
وبالفعل، لم يكد يمر أقل من عقد على جلاء القوات البريطانية عن الكويت بالكامل (1971) وعامان فقط على تولي الأمير أحمد الجابر الصباح حكم البلاد، حتى دخل الخليج كله نفقًا مظلمًا يسمى “الثورة الإيرانية” 1979 التي أدت إلى اندلاع حرب ضخمة وصلت نيرانها إلى حدود الكويت: الحرب العراقية الإيرانية، ولم تستفق العائلة الحاكمة من آثار هذه الحرب الطاحنة، إلا على وقع الغزو العراقي للكويت نفسها أغسطس/تموز 1990.
الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كان يخطط للقضاء على العائلة الحاكمة بالكامل، منعًا لإثارة سؤال “الشرعية” من القوى الدولية
بالنسبة للكويت الدولة، كان الاجتياح العراقي الكبير كارثة مُحققة، نظرًا لأن الكويت دفعت فاتورة دعم العراق في حربه ضد إيران عبر سلسلة طويلة من التفجيرات التي نفذتها الميليشيات الشيعية في الداخل أيام الثمانينيات، كما أن الدولة في هذا التوقيت كانت تعيش مرحلة انتقالية تحاول فيها اكتشاف إمكاناتها والتعافي من آثار الانسحاب البريطاني وتداعيات الحرب العراقية الإيرانية.
وبالنسبة للعائلة الحاكمة، فإن هذا الاجتياح كان يعني – حال نجاحه – استئصال آل صباح من الكويت إلى الأبد، فقد داهمت القوات العراقية القصر الأميري فور وصولها إلى العاصمة، بحثًا عن الشيخ جابر الأحمد، وبحسب الشهادات التاريخية، فإن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كان يخطط للقضاء على العائلة الحاكمة بالكامل، منعًا لإثارة سؤال “الشرعية” من القوى الدولية وتنفيذًا لحلمه بجعل الكويت “المحافظة العراقية التاسعة عشرة”.
ولكن العائلة الحاكمة نجحت في الهروب إلى المملكة العربية السعودية فور علمها باجتياح البلاد مباشرةً، لتنجو من الفخ الصدامي بالقضاء على شأفة آل صباح، وتفسح المجال أمام القوات الدولية، بقيادة الولايات المتحدة، التي قدمت أوراق اعتمادها كـ”حامٍ أمين لعروش حكام الخليج”، لتحرير الكويت فبراير/شباط 1991، ولتعيد بناء العقيدة القتالية الجديدة للجيش الكويتي الذي هرب أيضًا إلى السعودية والبحرين، على أساس تأخير سيطرة أي قوة غازية على العاصمة، لحين وصول الدعم الأمريكي.
صباح الأحمد والانقلاب الثاني
بعد وفاة الأمير جابر الأحمد الذي استمر حكمه من 1977 إلى 2006، كان مقررًا أن يكون حكم البلاد من نصيب الشيخ “سعد العبد الله السالم الصباح”، فمن جهة العُرف، كان الشيخ سعد أبرز أعلام الجناح السالمي الذي حان دوره في تولي السلطة، ومن ناحية القانون، كان الشيخ سعد يشغل منصب ولي العهد الكويتي بالفعل، ولكن ذلك لم يحدث، فقد تولى الأمير صباح الأحمد الصباح حكم الكويت بدلًا منه.. فما الذي حدث؟!
أثار الأمير الحاليّ للكويت، صباح الأحمد، مسألة تأثير الوضع الصحي المتردي لولي العهد على قدرته في إدارة شؤون البلاد، وقد كان الشيخ سعد معروفًا بمرضه الشديد وتراجع قدراته الذهنية، خاصة أنه كان يبلغ من العمر 76 عامًا حينها، ثم حرض الشيخ صباح الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء في هذا التوقيت، مجلس الوزراء والرأي العام في الكويت للضغط على مجلس الأمة من أجل إيجاد مخرج دستوري لنقل الولاية إليه بدلًا من ولي العهد، بعد أن سرت في الأرجاء فكرة عجز ولي العهد عن قراءة القسم الدستوري.
لم يكن هذا “الانقلاب الناعم” سهلًا على العائلة الحاكمة في الكويت قط، فقد ظل الشيخ سعد وليًا لعهد الكويت منذ عام 1977، وذلك بعد أن وقع عليه الاختيار من ضمن ثلاثة أشخاص كان الأمير صباح نفسه واحدًا منهم، كما تُنسب إليه بعض الاستبصارات المهمة في تاريخ الكويت، مثل اقتراح سفر العائلة إلى الطائف بعد الغزو العراقي، وبحسب مدير مكتبه في هذا التوقيت، فقد كانت إرادته الشخصية هي قيادة البلاد مؤقتًا، على أن تنتقل السلطةُ إلى عضو آخر من العائلة بسلاسة في ضوء العرف والدستور بعد رحيله، ولكن الأمير صباح الذي كان يحكم البلاد فعليًا منذ 2003، استطاع تحجيم الخلافات من خلال اختيار ولي عهد من الجناح السالمي وهو الشيخ “نواف الأحمد”.
لكن يبدو أن هذا الانقلاب الأخير فتح الباب على مصرعيه أمام العبث في أعراف العائلة الحاكمة الكويتية، حتى صارت رائحة الخلافات تزكم الأنوف وأصبحت قضية “صراع الأجنحة” مدخلًا رئيسًا لفهم السياسة الداخلية للبلد الساحلي الصغير. في عام 2012 طالبت جريدة “القبس” أعضاء العائلة صراحةً بالعمل على وضع حد لمشكلاتهم التي باتت تؤثر على الدولة سلبًا بعد أن تشعبت وخرجت إلى الإعلام، وهو نفس العام الذي شهد إصدار محكمة التمييز حكمًا قضائيًا نهائيًا بالسجن على ثلاثة من أعضاء العائلة كان من بينهم الشيخ عبد الله السالم الصباح، بتهمة الإساءة إلى الذات الأميرية على موقع “تويتر”.
النظام الكويتي الحاليّ الذي نخرته الشيخوخة والصراعات والفساد، بات يكابد من أجل البقاء، عبر بعض الأوراق المحدودة مثل ورقة “السلفيين”
وفي عام 2015، أثيرت قضية “شريط الفتنة” التي أشعلت الكويت، ذلك الشريط الذي بثه أحد أعضاء العائلة البارزين (أحمد الفهد) لقياداتٍ كبرى في الدولة منها رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، متضمنًا تفاصيل محاولة الانقلاب على الأمير صباح، ومعلوماتٍ خطيرة عن شبكات فساد مالي ترتبط بإيران و”إسرائيل”، وفي غضون عام 2017، أصدرت نفس المحكمة السابقة حكمًا مماثلًا بحبس عدد من أعضاء العائلة، لعين التهمة المشار إليها عام 2012، ولكن هذه المرة كان الحكم ضد شخصيتين بارزتين في “الجناح الفهدي”: أحدهما عذبي الفهد نائب رئيس جهاز أمن الدولة ونجل شقيق الأمير الحاكم.
بينما كان بطل أحدث قضايا الصراع داخل العائلة الحاكمة، هو الشيخ ناصر صباح الأحمد، نجل الأمير ووزير الدفاع، الذي اتهم زميله وزير الداخلية خالد الجراح بالسطو على ودائع مالية تقدر بـ800 مليون دولار كانت مخصصة كـ”مساعدات للعسكريين”، إبان قيادته لوزارة الدفاع قبل الداخلية، وتسببت هذه “الفضيحة” في إقالة الحكومة والإطاحة بنجل الأمير، وتعيين حكومة جديدة ضمت وزيرًا للداخلية من خارج العائلة الحاكمة للمرة الأولى في تاريخ الكويت.
وبحسب تقرير لصحيفة “نيويورك بوست” أكدت مضمونه ورقةٌ بحثية نشرها مركز “كارنيغي” للدراسات، فإن النظام الكويتي الحاليّ الذي نخرته الشيخوخة والصراعات والفساد، بات يكابد من أجل البقاء، عبر بعض الأوراق المحدودة مثل ورقة “السلفيين”، حيث تحاول السلطة إحلالهم محل “الإخوان” الذين تغلغلوا في المجتمع، خاصة بالمؤسسات الدينية الرسمية، منذ منتصف القرن الماضي، استجابةً للضغوط الإقليمية المطالبة بنبذهم.
وتستفيد الأسرة من هذه الورقة، بحسب هذه الدراسات، في اتجاهين متضادين: الاتجاه الأول هو نزع الشرعية الدينية عن الأصوات الشعبية المطالبة بإصلاحات جذرية في العائلة، خاصة تلك الأصوات القادمة من البرلمان، والاتجاه الثاني هو منح الشرعية الدينية لسياسة الأسرة المعادية للاحتلال الإسرائيلي، التي باتت ملاذًا أخيرًا لحكم الجناح الجابري أمام سخط الجماهير.
مستقبل مشوش
في الوقت الذي يرجح باحثون مطلعون على الأوضاع في العائلة الحاكمة مثل كريستيان أولريكسن الأكاديمي في كلية لندن، أن المهمة الأساسية للأمير القادم، نواف الأحمد، ستكون إعادة الهدوء والاتزان إلى أروقة القصر الأميري وإدارة الصراع بين الحكومة والبرلمان الذي يمثل الرافد الثاني للسلطة في الكويت، تشير تقارير أخرى إلى أن الإمارة القادمة على وجه الخصوص قد تكون سببًا في فوران قدح الخلافات الذي يغلي منذ عام 2006.
فإذا كان الشيخ صباح قد ناهز الـ90 عامًا، فإن ولي عهده الذي لم يمسك بالسلطة بعد يبلغ من العمر 82 عامًا، ومن المعلوم أنه قد تردد على الولايات المتحدة في الأعوام الأخيرة لتلقي العلاج جراء إصابته بأحد الأمراض النادرة في الدم، وبموجب الدستور الكويتي، فإنه يتعين على الأمير الجديد اختيار ولي عهد – بالاتفاق مع مجلس الأمة الذي يصوت على ترشيحه بأغلبية الثلثين من أصل 50 عضوًا – خلال عامه الأول على رأس السلطة.
يعد الشيخ أحمد قادمًا من خلفية مهنية غير سياسية (الرياضة) رغم توليه كثيرًا من المناصب السياسية في الحكومة
وبحسب مصادر صحفية مقربة من الاستخبارات الإماراتية، في خضم محاولات الأخيرة لفك شفرة العائلة التي استعصت عليها بوضوح خلال أزماتها الأخيرة في المنطقة، فإن ولي العهد القادم لن يخرج عن أربع أسماء محددة، هي: الشيخ مشعل الأحمد (80 عامًا)، شقيق الأمير ونائب رئيس الحرس الوطني الذي شاع تأييده للشيخ سالم العبد الله إبان أزمة الانقلاب الثاني، بيد أنه يعاني مشكلاتٍ صحية في “الكلى” إلى جانب تقدمه في العمر، والشيخ ناصر المحمد (79 عامًا) الذي يمتلك سجلًا مهنيًا تاريخيًا في العمل الحكومي، خاصة رئاسة الوزراء، ويحظى بترحيب واسع من طبقة رجال الأعمال وتجمعه اتصالات وثيقة بالطائفة الشيعية الجعفرية (30% من مسلمي الكويت)، ويحاول مؤخرًا ترميم علاقته مع الرياض.
ومن الجناح المارق، جناح آل فهد، ترجح المصادر صعود اسم الشيخ “أحمد الفهد” (56 عامًا) بقوة كأحد أبرز المرشحين لولاية العهد في الفترة القادمة، إذ طالما شعر هذا الفرع بالتهميش، رغم أحقيته بالتصعيد، نظرًا لكون الوالد “فهد الأحمد” شهيد العائلة الوحيد خلال الغزو العراقي، ويعد الشيخ أحمد قادمًا من خلفية مهنية غير سياسية (الرياضة) رغم توليه كثيرًا من المناصب السياسية في الحكومة، ويعتبر أحد المقربين من خط الدوحة وإسلاميي الكويت بأطيافهم (إخوان وشيعة)، وتجمعه علاقة صداقة بالشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر، إلا أن كثيرًا من الأزمات التي أثارها، وكان على رأسها أزمة “شريط الفتنة” قد تقلص من فرص اختياره في هذا المنصب.
ومن أبناء الأمير، يطفو على السطح اسم نجله الأكبر الشيخ “ناصر الصباح” (71 عامًا)، فعلى الرغم من استبعاده من الوزارة الأخيرة بعد الأزمة التي أثارها في الحكومة، فقد استفاد منها في الظهور بثوب مكافح الفساد أمام الشعب، ويرتبط وزير الدفاع السابق بعلاقةٍ قوية مع الصينيين في سياق إشرافه على بناء مدينة تجارية ضخمة ضمن مشروع “طريق الحرير” شمال البلاد، وقد أثارت هذه المدينة لغطًا في مجلس الأمة بسبب احتوائها على “مخالفات شرعية”، وترجح المصادر أنه قد يكون اسمًا ملائمًا إذا ما استحدثت العائلة الحاكمة منصب “ولي ولي العهد” على غرار المملكة العربية السعودية، نظرًا لصعوبة انتقال الإمارة من الأب لابنه في هذه الظروف المعقدة بشكل مباشر.