يتواصل استهداف الحراك الشعبي في الجزائر، من السلطات الحاكمة رغم وعود الرئيس الجديد عبد المجيد تبون باتباع نهج الحوار مع المحتجين والإصغاء لمطالبهم. وعد لم يتحقق بعد وفق العديد من الجزائريين والمنظمات الحقوقية الدولية، فالاعتقالات متواصلة وقمع المظاهرات مستمر وتكميم الأفواه في تزايد.
استهداف الحراك
منظمة هيومن رايتس ووتش، قالت في أحدث بيان لها عن الجزائر، إن سلطات هذا البلد العربي تواصل اعتقال ومحاكمة نشطاء من الحراك الشعبي تعسفيًا رغم وعود الحوار التي أطلقها الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، وقال المدير التنفيذي بالنيابة لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش إريك غولدشتاين: “بدلًا من إطلاق سراح كل من اعتقل بسبب تظاهره سلميًا، واصلت السلطات اعتقال واحتجاز أشخاص بسبب نشاطهم السلمي”، كما جاء في بيان المنظمة.
تواصل استهداف الحراك والنشاطين، جاء رغم عرض الرئيس عبد المجيد تبون الذي كان أحد أبرز المقربين من عبد العزيز بوتفليقة، الحوار على الحراك
أكدت المنظمة الحقوقية أن السلطات الجزائرية اعتقلت منذ الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عشرات النشطاء الذين شاركوا في احتجاجات سلمية، ولا يزال الكثيرون رهن الاحتجاز ويواجهون تُهمًا تستند إلى مشاركتهم في الاحتجاج السلمي أو انتقاد السلطات.
وتتعلق التهم التي وجهت للمعتقلين بـ(إهانة رئيس الجمهورية والمساس بأمن الدولة والدعوة إلى تجمهر غير قانوني بموجب المادة 97 من قانون العقوبات والمساس بوحدة التراب الوطني بموجب المادة 76 والمشاركة في تجمهر غير مسلح وتوزيع منشورات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية)، وتصل مدة عقوبات بعض هذه التهم إلى عشرة أعوام سجنًا.
120 ناشطًا رهن الاعتقال
إلى جانب ذلك، أكدت اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين، وجود 120 من نشطاء الحراك رهن الحبس الاحتياطي في سجون مختلفة بأنحاء البلاد كافة، من بين هؤلاء الناشط سمير بلعربي الذي عبّر عن معارضته الشديدة للانتخابات الرئاسية ودعا إلى رحيل “جميع رموز النظام” في خطابات ألقاها في مظاهرات الجمعة وعلى التليفزيون الوطني، والإثنين طلبت النيابة السجن ثلاث سنوات لبلعربي، ومن المتوقع النطق بالحكم الإثنين 3 من فبراير/شباط، ورئيس الجمعية الوطنية للشباب “راج” عبد الوهاب فرساوي الذي يقبع في سجن الحراش، ويحاكم فرساوي الذي اعتُقل يوم 10 من أكتوبر/تشرين الأول في العاصمة بتهمة المساس بوحدة التراب الوطني وعرقلة مرور العتاد الحربي.
كما يتواصل اعتقال المنسق الوطني لحزب “الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي” غير المعترف به والأمين العام السابق لحزب “جبهة القوى الاشتراكية” البارز، كريم طابو الذي اعتُقل يوم 26 من سبتمبر/أيلول في منزله بالدويرة، في ضواحي العاصمة، بتهم تجنيد مرتزقة لصالح دولة أجنبية في الأرض الجزائرية وتوزيع منشورات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية، بموجب المادتين 76 و96 تباعًا.
تأجيل محاكمة العديد من النشطاء
فضلًا عن تواصل اعتقال الصحفي والناشط السياسي، فضيل بومالة، وقد وجه له مدع بالمحكمة الابتدائية في الدار البيضاء بولاية الجزائر تهمة المساس بوحدة التراب الوطني وتوزيع منشورات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية، بموجب المادتين 79 و96 من قانون العقوبات على التوالي.
ومن المتوقع أن تجري محاكمات المحتجزين من نشطاء الحراك في الأيام المقبلة، فمن المقرر أن تعقد محكمة استئناف عنابة يوم 16 من فبراير/شباط المقبل، استئنافًا للناشط والسجين السابق في عنابة، الذي ما زال يخضع لإشراف قضائي بتهم تتعلق بالهجوم على وحدة الأراضي الوطنية من خلال منشورات فيسبوك واضطرابات النظام العام والهجوم على رموز الدولة ومؤسساتها وتهديدات بالقتل والتحريض على تجمع مسلح.
كما سيتم محاكمة رئيس مكتب الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في مدينة وهران قدور شويشة، يوم 5 من فبراير/شباط المقبل، وكانت محكمة وهران قد أدانته، في 10 من ديسمبر/كانون الأول بالسجن سنة مع النفاذ، بتهم الازدراء والعنف ضد موظفين ومؤسسات حكومية وعرض منشورات من شأنها المساس بالمصلحة العامة.
وعود لامتصاص الغضب
تواصل استهداف الحراك والناشطين، جاء رغم عرض الرئيس عبد المجيد تبون الذي كان أحد أبرز المقربين من عبد العزيز بوتفليقة، الحوار على الحراك مباشرة بعد استلام مهامه على رأس السلطة في البلاد الشهر الماضي، حيث قال في مؤتمر صحافي: “أتوجه مباشرة للحراك المبارك وأمد له يدي لحوار جاد من أجل جمهورية جديدة”.
وقبل ذلك، التزم تبون أن يصدر قرارات تتماشى مع طلبات الحراك، وتطلع إلى أن يتحرر جهاز القضاء بعد الحراك، بعد أن “كان يعمل بالهاتف” واستعمل أحيانًا كأداة قمع (لأن العدالة كانت مسيسة)، آملًا في أن “حرية العدالة” ستكرس إلى الأبد.
الملاحظ من تطور الأحداث في الجزائر، أن الحراك الشعبي سيستمر إلى غاية التحرك الفعلي للرئيس تبون في فتح أبواب حوار جدي وتنظيم لقاءات مباشرة مع المحتجين الفاعلين
يرى العديد من الجزائريين أن وعود تبون مجرد كلام لاستمالة المحتجين، بدليل أن الأوضاع على حالها منذ وصوله إلى قصر المرادية، فيما يرد النظام بأنه يعمل لحل كل الإشكاليات العالقة وتهيئة مناخ مناسب للحوار وزرع الثقة بين جميع الأطراف.
ويرى هؤلاء أن وعود تبون، تهدف فقط إلى امتصاص غضب الشارع وتهدئته، عملًا بإستراتجيات نظام بوتفليقة، في ظل تواصل نزول مئات الآلاف إلى الشوارع وانعدام الثقة في الوعود التي تقدمها السلطة، خاصة أنه أحد الشخصيات التي أعادها النظام إلى الساحة.
تواصل الحراك
في ظل عدم استجابة السلطات لمطالبهم وتنكر الرئيس لوعوده، يواصل عشرات الآلاف من الجزائريين التظاهر في مختلف مدن البلاد، وخرج أمس الثلاثاء آلاف الطلبة للأسبوع الـ49 على التوالي دعمًا للحراك الشعبي الذي انطلق في فبراير الماضي، وفي مقدمة مطالبهم إطلاق سراح المعتقلين وتنحي رموز نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة عن المشهد السياسي.
وكانت أحزاب المعارضة المنضوي تحت مظلة “ميثاق البديل الديمقراطي والسيادة الشعبية”، قد أعلنت السبت الماضي التزامها بتوحيد صفوف حركة الاحتجاج الشعبي في الجزائر الرافضة للنظام الذي تتهمه بتنصيب رئيس مقرب من الرئيس المعزول بوتفليقة.
تواصل المظاهرات في مدن الجزائر
تشكل “ميثاق البديل الديمقراطي” بعد رحيل بوتفليقة عن الحكم، ويضم هذا التحالف أحزاب “جبهة القوى الاشتراكية” و”التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية” و”العمال” الذي تقضي رئيسته لويزة حنون عقوبة 15 سنة سجنًا، إلى جانب الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان ومنظمة “تجمع عمل شباب” التي يقبع رئيسها حاليًّا في السجن.
الملاحظ من تطور الأحداث في الجزائر، أن الحراك الشعبي سيستمر إلى غاية التحرك الفعلي للرئيس تبون في فتح أبواب حوار جدي وتنظيم لقاءات مباشرة مع المحتجين الفاعلين في أوساط الحراك والإصغاء لمطالبهم والاستجابة لهم.