ترجمة وتحرير: نون بوست
تتركز معظم المناطق الأمازيغية في ليبيا غربيّ البلاد، حيث تتوزع في مدينة زوارة على ساحل البحر المتوسط، وفي الجنوب الغربي من طرابلس في جزء كبير من جبل نفوسة. يضم هذا المجال غالبية المجموعات الأمازيغية الليبية، هذا إلى جانب واحة غدامس التي تقع في الجنوب الغربي على الحدود الجزائرية التونسية الليبية.
أمّا في أقصى الجنوب، على امتداد الحدود الجزائرية وصولا إلى حدود النيجر، يعيش الأمازيغ الطوارق بين حدود ليبيا والجزائر. كم تعيش في العاصمة الليبية طرابلس العديد من الجماعات الأمازيغية التي لها مصالح تدعمها الأنشطة العديدة التي يمارسونها، خاصة التجارية منها.
رجل يمر من أمام متجر رُسم على بابه رمز أمازيغيّ يعني السلام، في جادو شرق ليبيا، 17 تموز/ يوليو 2011 (وكالة فرانس برس).
يصعب إجراء تقييم ديموغرافي للسكان الأمازيغ الليبيين نظرا لغياب الاحصائيات اللغوية، كما هو الحال بالنسبة لجميع أقطار شمال إفريقيا. لكن استنادا إلى مصادر ليبية رسمية، يمثل الأمازيغ حسب أكثر الأرقام انتشارا، 10 بالمئة من إجمالي سكان البلاد. ويتركز الجزء الأكبر منهم في زوارة وجبل نفوسة، حيث يقدر عددهم بنحو 700 ألف شخص.
في بداية السنة الأمازيغية الجديدة، انتشر الشعار الأمازيغي في كل مكان في مدينة زوارة، وهي مدينة ساحلية تقع في أقصى غرب ليبيا بالقرب من الحدود التونسية تضم نحو 80 ألفا من الأمازيغ. ترفرف على جميع واجهات المباني الرسمية في المدينة راية يتوسطها حرف الزاي كتبت بالتيفيناغ، وهي الأبجدية التي يستخدمها الطوارق والأمازيغ.
كما هو الحال في جميع المناطق والقرى التي يسكنها الأمازيغ في ليبيا، تُعرض الهوية الأمازيغية بكل فخر لإبراز التطور الذي شهدته ليبيا بعد سقوط معمر القذافي في سنة 2011. منذ شباط /فبراير 2011، دفعت الأحداث بالأمازيغ الليبيين إلى احتلال مواقع الصدارة وسلطت الضوء على الدور المهم الذي يضطلعون به في الكفاح ضد النظام. وعلى الجبهة الواقعة غرب البلاد، كانت المشاركة العسكرية للأمازيغ حاسمة في انهيار نظام القذافي نهائيا والاستيلاء على طرابلس.
حفتر ينتصر للعرق العربي
لكن منذ انطلاق هجوم قوات حفتر على طرابلس في الرابع من نيسان/ أبريل 2019، كان القلق واضحًا على السكان الأمازيغ، وقد تزايد منذ احتدام القتال في كانون الأول/ ديسمبر 2019. نأى الأمازيغ بأنفسهم عن حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس منذ بداية مفاوضات الصخيرات في سنة 2015، التي استُبعدوا منها. لكن الموقف العدائي الذي اتخذه حفتر وتأكيده على الانتصار للعرق العربي الواضح في صفوف جيشه، دفع الأمازيغ إلى رفع تحفظاتهم فيما يتعلق بفايز السراج وتعبئة جماعاتهم المسلحة لتدعم صفوفه، بشكل دفاعي على الأقل.
في هذا الصدد، يؤكد الناشط السياسي الليبي طلعت محمد بغني أن “جميع المناطق الأمازيغية اتخذت توجها واضحا، وهو دعم الشرعية الدولية المتمثلة في حكومة الوحدة الوطنية بقيادة فايز السراج، لمناهضة أي اعتداء على العاصمة طرابلس من قبل ميليشيات حفتر التي تدعمها مصر والإمارات والسعودية وفرنسا”.
عندما سُئل عما إذا كان هذا موقفًا مشتركًا بين جميع الأمازيغ في ليبيا، أجاب محاورنا بأن هذا القرار “مدعوم بتصريحات ومنشورات من جميع بلديات المناطق الأمازيغية في ليبيا”. ومن جهته، يؤكد وائل أبو زيد، وهو باحث ليبي مقيم في زوارة، أن الأمازيغ الليبيين “معادون لحفتر لأن أيديولوجيته تقوم على الإقصاء، وترتكز على فكر عرقي عربي يبرز حتى من تسمية جيشه بالقوات المسلحة العربية”.
أما فيما يتعلق بتدخل القوات التركية، يعتقد وائل أبو زيد أن هذا التدخل ليس بأي حال من الأحوال التدخل الأجنبي الأول في ليبيا، مبينا أنه “قبل الأتراك، شهدنا تدخل الإماراتيين والمصريين والسودانيين والروس”. كما يعتقد أن الأتراك يتدخلون “بناء على اتفاق دفاعي أبرم بين الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا والأتراك”. وتأكيدا منه على الشرعية، يعتقد الباحث أن حكومة الوحدة الوطنية هي الحكومة الوحيدة المعترف بها دوليا لأنها “نتجت عن اتفاق الصخيرات في سنة 2015”.
حسب إبراهيم موسى سعيد قراده، السفير الليبي السابق والمستشار السابق للأمم المتحدة، ساهمت المناطق البربرية التي انضمت إلى ثورة شباط/ فبراير 2011 منذ بداية اندلاعها بشكل كبير في الانتفاضة الشعبية وقد بذلت جهودا كبيرة في الساحات خلال المعارك. لقد سقطت في صفوفهم العديد من الضحايا وعانوا من الحصار والتشريد”.
عاصمة للتعددية
أورد إبراهيم موسى سعيد قراده أنه “منذ اندلاع الهجوم على طرابلس، تحالف جميع الأمازيغ مع مواقف القوى المدافعة عن طرابلس، حيث انضموا إلى قوى الدعم الشعبي لقوات حكومة الوحدة الوطنية الشرعية رغم تفاقم شعورهم بالاستبعاد والنبذ من طرف هذه الحكومة”. وأضاف السفير السابق أن الأمازيغ انضموا إلى الدفاع عن طرابلس “لعدة أسباب”، لعل أولها، “الرفضً المطلق من حيث المبدأ لعودة الديكتاتورية العسكرية الاستبدادية بعد الإنكار والاضطهاد الذي لطالما كانوا يعانون منه أثناء عهد القذافي”.
في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2009، تبادل رجلان من الجالية الأمازيغية الليبية أطراف الحديث في الجبل الغربي، على بعد 250 كيلومترا غرب طرابلس (وكالة فرانس برس).
أما السبب الثاني، حسب السفير السابق، فهو “رهان بناء دولة مواطنة مدنية وديمقراطية. فقيادة قوات حفتر والحكومة المؤقتة التي تدعمه، تحمل خطابا إقصائيا معاديا للأجانب، ولا سيما من خلال تسمية قواته “القوات المسلحة العربية الليبية”. كما أنه يستحضر “إصدار هيئة الشؤون الدينية التابعة لحفتر فتاوى تدعو إلى تكفير الأمازيغ في شمال ليبيا، وخاصة الإباضية، التي تزامنت مع موجة السلفية الطائفية، المدعومة من الوهابية السعودية. وأخيرًا، “يعتز الأمازيغ في ليبيا بطرابلس ويعتبرونها رمزًا وعاصمة وطنية تعددية لجميع الليبيين”.
اليوم، وعلى الرغم من أن الأغلبية الساحقة للأمازيغ في ليبيا يقفون في صف حكومة الوحدة الوطنية بقيادة فايز السراج، إلا أن هذا لا يعني أنهم يؤيدونها بشكل مطلق. فلا يعترف المذهب الإسلامي العرقي غير المدني الذي تتبناه هذه الحكومة بأي شكل من أشكال التنوع الثقافي واللغوي في ليبيا. علاوة على ذلك، زاد قلقهم بعد تدخل تركيا التي لم تتردد في إراقة دماء الأكراد. ورغم عدم ثقتهم في فايز السراج وحكومته، يبدو العداء الذي يكنه الأمازيغ في ليبيا لحفتر له تأثير كبير على مواقفهم، على الأقل في الوقت الحالي.
المصدر: ميدل إيست آي