فتح الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون، ملف استغلال الغاز الصخري الذي أثار معركة حامية الوطيس بين الوزير الأول السابق عبد المالك سلال المسجون في قضايا فساد، وسكان المناطق الواقعة في أقصى جنوب البلاد على غرار سكان منطقة “الدبداب” الواقعة في محافظة إيليزي وحاسي مسعود وحاسي الرمل وشملت موجة الغضب أيضًا سكان الشمال، وأجبرت الحكومة بعدها على تجميده.
ملاذ لإنقاذ البلاد
ألمح الوافد الجديد على قصر المرادية عبد المجيد تبون، في لقاء له مع مؤسسات إعلامية محلية حكومية وخاصة، إلى إجبارية تنفيذ مشروع الغاز الصخري باعتباره ملاذًا لإنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها، خاصة في ظل استمرار تهاوي احتياطي الصرف من العملة الأجنبية.
وقال تبون، إن الغاز الصخري “ضروري”، واستدل بتطور اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، غير أنه اعترف بالمقابل أن “أول تجربة لنا كانت غلطة حيث لدينا صحراء شاسعة لكن ذهبنا إلى منطقة عين صالح”، وذكر أن “قرار استغلال هذا النوع من الغاز جاء فجأة ولم يتم تحضير الجزائريين لمثل هذا القرار”، مؤكدًا “سنقيم التجارب بهدوء وهذه أمور تخص الأخصائيين، ولا بدَ أن يتأكد كل أطياف الشعب الجزائري أن الغاز الصخري هو ثروة مدفونة وإذا أردنا رفع المستوى المعيشي لا بد من استغلال هذه الثروة”، فاستغلال الغاز الصخري – يقول تبون – يحتاج إلى نقاش وطني وليس انفرادًا بالرأي.
توقيت المشروع غير مناسب
أثارت تصريحات تبون بخصوص إجبارية استئناف استغلال الغاز الصخري، موجة غضبة واسعة في الشارع الجزائري، وأخذت الاحتجاجات السياسية المستمرة، بُعدًا مغايرًا في الأسبوع التاسع والأربعين، برفعها شعارات رافضة وهتافات منددة بهذا المشروع، كذلك شهدت مدن جنوبية مرشحة لاحتضان التجارب مظاهرات مماثلة لهذه.
ورفع المحتجون شعارات من قبيل: “ممنوع في فرنسا ومسموح في الجزائر” و”وروح احفر في باريس”، وأظهرت هذه الشعارات حجم الرفض الشعبي لما تفكر فيه السلطة حاليًّا.
وتضم الجزائر حسب دراسات أمريكية 20 تريليون متر مكعب من الغاز الصخري، وعلى 7.5 مليار برميل من النفط الصخري الذي يمكن تقنيًا استغلاله، وهذه الأرقام جعلت الجزائر تحتل المرتبة الثالثة عالميًا فيما يتعلق بالموارد القابلة للاستخراج تقنيًا بعد الصين والأرجنتين.
وفي تعليقه على تصريحات رئيس الجزائر، يقول البرلماني السابق محمد حديبي لـ”نون بوست” إن فكرة استغلال الغاز الصخري غير سديدة في توقيتها، ويشير إلى أنه كان من المفروض عدم طرح الموضوع في هذا التوقيت بالذات لأن هناك من يوظف أي ورقة لإبقاء حالة اللاستقرار في البلاد وشحن الشارع الجزائري بعد أن فقد أوراقًا أخرى.
ويؤكد حديبي أن هناك بدائل أخرى أمام الجزائر، مهما كان حجم ثروة المحروقات التي تتمتع بها، كالتوجه إلى صناعة إنتاج الثروة وتنويع الصادرات خارج المحروقات.
نقمة
أما الخبير الاقتصادي سليمان ناصر، فوصف الغاز الصخري بـ”النقمة”، وقال في تعليق له: “النفط والغاز هما اللذان علمانا الكسل والاتكال على الدولة في كل شيء والفساد والاختلاس”، وذكر في منشور فايسبوكي له عبر صفحته الرسمية، أن الحكومات المتعاقبة كثيرًا ما تغنت بالسعي إلى تنويع الاقتصاد والخروج من اقتصاد الريع لكن بمجرد أن ترتفع أسعار النفط تعود هذه الحكومات إلى تبذير الأموال وشراء السلم الاجتماعي.
واستدل المتحدث بلغة الأرقام لتأكيد طرحه، وقال: “الجزائر لم تعد تصدر من المنتجات الفلاحية إلا 50 مليون دولار، ولم يعد للمغرب الشقيق لا نفطًا ولا غازًا فأصبح يصدر من هذه المنتجات 5 مليارات دولار”، وأوضح أن هناك فرقًا شاسعًا بيننا وبينهم لسبب واحد وهو لعنة النفط والغاز.
وتابع الخبير الاقتصادي سليمان ناصر قائلًا: “الغاز الصخري قد يكون نعمة على شعوب أخرى كشعب بحر الشمال الذي أصبح نفطهم قياسًا عالميًا دون أن يعيقهم عن بناء اقتصاد قوي، وليست لشعوب جعلت من الاستيراد هواية وتحلم بتنويع الاقتصاد، لذلك بقيت ولعقود من الزمن تسمى بالبلدان السائرة في طريق التنمية، ولم تصل بعد”.
استخراجه مكلف ولا فائدة له
وعن أسباب رفض الجزائريين لمشروع الغاز الصخري رغم وصفه بـ”الثروة النائمة”، يقول النائب البرلماني عن حركة مجتمع السلم الجزائرية (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد)، أحمد صادوق، لـ”نون بوست” إن الموقف من الغاز الصخري ليس مربوطًا بكونه ثروة، ويشير إلى أن هناك عدة أسباب تقف وراء هذا الرفض أبرزها أن الحكومة والنظام السياسي لا يملكان رؤية اقتصادية شاملة وواضحة لإخراج البلاد من التبعية للمحروقات، حيث أنهم لا يفكرون إلا في الريع وهم ينتظرون فقط ارتفاع أسعار المحروقات أو الذهاب لاكتشاف بترول وغاز جديد في حين أن المسؤولية تقتضي أن نحافظ على ما تحت الأرض للأجيال القادمة ونبدع في تطوير وإنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي هي العمود الفقري لأي نهوض.
يؤكد النائب البرلماني أن مسألة الغاز الصخري مسألة مجتمعية وليست مسألة حكومة أو رئيس
ويشير صادوق إلى أن استخراج الغاز الصخري في هذه الظروف مكلف ولن يعود بأي فائدة على الخزينة العمومية على اعتبار أن وسائل الاستخراج والتطوير ما زالت في بدايتها ومكلفة جدا والذكاء يقتضي أن ننتظر حتى تتطور الدراسات وتقل تكلفتها وتستقر، حينها يمكن للجزائر أن تستعمله متى تشاء، وليس أن نجعل الجزائر حقل تجارب لدول أخرى.
أما الإشكال الثالث، فيقول أحمد صادوق إنه متعلق بمسألة البيئة، فصحراء الجزائر تزخر بالمياه الجوفية، وينبغي المحافظة على الثروة المائية فهي أهم وأغلى من ثروة الغاز الصخري.
ويؤكد النائب البرلماني أن مسألة الغاز الصخري مسألة مجتمعية وليست مسألة حكومة أو رئيس والأصل أن يفتح فيها نقاش مجتمعي عميق مع كل الشركاء السياسيين والاجتماعيين والخبراء وحتى المواطنين حتى يدار الملف بحكمة ورؤية تعود على البلد والمواطن بإيجابية وليس فقط كخضوع لمساومات الشركات العالمية الكبرى التي لا ولن تراعي مصلحة الجزائر والجزائريين.