قد يكون للوهلة الأولى عنوان المقال غريبًا ومستنكرًا، فما العلاقة التي تجمع بين منظمة تُعنى بحقوق الإنسان ونظام حاسوبي جديد ومتطور يحاكي أدمغة البشر؟ نعم ليس هناك علاقة البتة، ولكن في الكثير من الشاشات والقنوات الفضائية العربية والمواقع الإلكترونية، أصبح هناك علاقة وطيدة!
في إحدى الفضائيات العربية المشهورة التي يرصد لها أموال طائلة ويتابعها الملايين من المشاهدين في الدول العربية، وأنا استمع لنشرة الأخبار، خرجت المذيعة التي تقدم فقرة أخبار العلوم والتكنولوجيا لتتلو على مسامعنا الخبر التالي: “طورت شركة سوني اليابانية روبوتًا على شكل كلب يستخدم منظمة العفو الدولية في اتخاذ قراراته”!
فقلت لعلّي سمعت الخبر بشكل خاطئ أو على غير مرادها. تصفحت بعض مواقع الإنترنت العربية المهتمة بنقل الأخبار العلمية والتقنية، فإذا بي أمام العديد من العناوين التي أرى فيها مصطلح “منظمة العفو الدولية” حُشِرَ بأسلوب مضحك وركيك.
فعلى سبيل المثال، جوال يمتلك كاميرا تعالج الصور من خلال منظمة العفو الدولية، وتطبيقات جوال لتعليم منظمة العفو الدولية، وسيارة ذاتية القيادة تعرف مسارها من خلال خرائط سلمتها إياها نفس المنظمة!
ولأخرج من حيرتي توجهت إلى ويكيبيديا التي يصفها البعض “بالمُخَلّص”، لسهولة ما تطرحه، عسى أن أجد أصل العلاقة الغريبة بين المنظمة والأجهزة الإلكترونية، وبحثت عن منظمة العفو الدولية، فظهرت لي عدة نتائج تُعَرَّف بالمنظمة ومؤسسها ونشاطها والدول التي توجد فيها وإنجازاتها، ولم أجد للمنظمة أي علاقة بكاميرا الجوال ولا تطبيقاتها، ولا تلك السيارة التي تقود نفسها، بل والأكثر من ذلك أن المنظمة لا تملك أي صلة بتاتًا “بكلب شركة سوني”.
فعدت من ويكيبيديا وأنا فارغ اليدين، فقررت اقتفاء أثر “الكلب” وأرجو أن لا يضل طريقه فنضيع معًا، ولن تبحث عنّا المنظمة كونها مشغولة بتطوير أجهزة الكمبيوتر!
تتبعت أصل الخبر في المواقع الأجنبية وكان الخبر كالتالي: Sony company dog uses the AI، وكانت ترجمة الخبر عند “جوجل ترانسليت” كالتالي: كلب شركة سوني يستخدم منظمة العفو الدولية!
زادت الترجمة من حيرتي وكدت أتراجع عن الظّن السيء تجاه تلك المذيعة وقلت لنفسي (إنّ بعض الظن إثم)، لولا أن التفتت إلى الرمز “AI”.
أردت التوصل لأصل هذا الرمز وماذا يعني، فبحثت عنه، فإذا بقائمة طويلة لأكثر من 100 مصطلح، لكن ما لفت انتباهي مصطلحين وهما مدار حديثي هنا:
AI = Artificial Intelligence (الذكاء الاصطناعي).
AI = Amnesty International (منظمة العفو الدولية).
فالذكاء الاصطناعي مقرون بكل تطور علمي وتكنولوجي، ومنظمة العفو الدولية لها مجال فيما يخص حقوق الإنسان وغيرها، ويبدو أن مترجم جوجل الذي يعتمد عليه أغلب محرري الأخبار العلمية والتكنولوجية في المواقع والقنوات العربية، يترجم أينما وجد رمز “AI” بمنظمة العفو الدولية بغض النظر عن محتوى النص أو سياق ذكره، وهنا كان أصل اللبس عند محرري الأخبار.
الذكاء الاصطناعي هو سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية
فكان من الأولَى من شركة عملاقة مثل جوجل أن تستخدم “منظمة العفو الدولية” وأقصد به “الذكاء الاصطناعي” حسب ترجمتها بتطوير خوارزمياتها الخاصة بالترجمة، وأن يفرق مترجمها بين الخبر العلمي من غيره، وهنا راودني تساؤل مخيف، فإن كان هذا حال إعلامنا، فما حال مناهجنا في المدارس والجامعات التي جُل مفرداتها كتب مترجمة من الإنجليزية، فهل يمكن أن نعثر على مثل هذه الأخطاء في كتبنا بالمستقبل؟
وللتعريف بالمصطلحين السابقين سأنقل تعريف ويكيبيديا لهما:
منظمة العفو الدولية هي منظمة غير حكومية يقع مقرها في لندن عاصمة إنجلترا، وتُركز في عملها على كل القضايا التي تتعلق بحقوق الإنسان، وتُؤكد المنظمة أن لديها أكثر من 7 ملايين عضو ومؤيد في جميع أنحاء العالم، وتهدف خلال حملاتها إلى أن ينال كل شخص حقوقه كافة التي يضمنها له الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما تُحاول لفت انتباه باقي الحكومات والجمعيات الدولية إلى وضعية حقوق الإنسان في شتى الدول.
الذكاء الاصطناعي هو سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، ومن أهم هذه الخاصيات القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة مسبقًا.