منذ فترة ليست ببعيدة شاهدنا معاناة “هانا بيكر” في أحد مسلسلات نتفليكس 13Reasons why تلك الفتاة التي سار معها كل شيء في اتجاه مخالف، وانتهى الأمر بأن أُغتُصبت من فتى لامع في مدرستها، ذكر أبيض كان القانون في صفه، والتحيز أيضًا.
تلك القصة تتشابه مع ملايين القصص الأخرى التي تحدث في أمريكا، لا تنتهي بانتحار الفتاة بالضرورة، ولكن تجعلها تعيش مع نوع آخر من الموت، خصوصًا لو كانت تلك الفتاة من أصول آسيوية أو إفريقية أو أي شيء غير النموذج الأمريكي الأبيض ذي الشعر الأشقر والعيون الملونة.
من تكون “شانيل ميلر” Chanel Miller؟
شانيل ميلر كاتبة أمريكية من أصول آسيوية، طالبة جامعية عادية للغاية، ليس هناك أي شيء يميزها مثل ملايين الطلاب حول العالم. في 18 من يناير 2015 تعرضت تلك الفتاة للاغتصاب من طالب جامعي آخر يدعى بروك تيرنر، لكنه تمكن بشكل ما من الحصول على حكم مخفف لأن شانيل كانت فاقدة لوعيها!
هيمنت تلك القضية على العناوين الرئيسية في ذلك الوقت، استمر الأمر لفترة طويلة جدًا، حيث إنها كانت صفعة واضحة فوق وجه القضاء الأمريكي الذي يمنح امتيازات للذكور البيض خصوصًا فيما يخص الاعتداء الجنسي في حرم الجامعات، وأيضًا إذا كانت المعتدى عليها من أصول مختلطة.
عام 2016 حصل تينر على ستة أشهر حبس وسنتين مراقبة، مما أثار ضجة كبيرة عرفت باسم الشعب ضد نيرنر، فقد بدا القاضي آرون بيرسكي متحيزًا للمتهم، لذلك بدلًا من الحكم عليه بـ14 سنة، تغير الأمر وأصبح ستة أشهر، فهو سبَّاح وله مستقبل جامعي ممتاز، بينما شانيل مجرد فتاة أخرى بلا أي مستقبل، وأكد القاضي تلك التخمينات عندما قال: “الحكم بالسجن سوف يكون له أثر شديد عليه، وأظن أنه لن يكون خطيرًا على الآخرين”.
وكأن السجن لن يكون شديدًا على أي شخص آخر، فهل على القضاء أن يُخرج أي شخص لن يتحمل السجن؟ ومن المفترض عليه تحمل نتيجة أفعاله؟ هل يقوم القضاء الأمريكي على الظن؟ لأنه ظن أن مرتكب ذلك الجرم لن يكرره!
لكن على كل حال بعد صدور الحكم كتبت شانيل ميلر بيانًا قويًّا ومؤثرًا من 12 صفحة باسم مستعار وهو “إيميلي دو”، كشفت فيه ما حدث لها وكيف أثر الاغتصاب على حياتها بعد ذلك. كتبت في بيانها: “لقد ظلت حياتي معلقة لأكثر من عام، سنة من الغضب والكرب وعدم اليقين”.
وفي أربعة أيام تصفح بيانها 11 مليون شخص!
كيف أثرت شانيل ميلر في النظر إلى ضحايا الاعتداء الجنسي في أمريكا؟
كان بيان شانيل ميلر ملهمًا لحركة #METoo التي كشفت الكثير عن حوادث التحرش والاغتصابات، إنه الألم ذاته الذي تشاركته كل أولئك النساء، فقد جعلت التغطية الإعلامية هذا الحادث وكأنه حادث سيئ السمعة، على الرغم من عثور اثنين من الشهود على تينر ومعه شانيل فاقدة وعيها، لكن العناوين ركزت على مسيرته في السباحة وتطلعاته للانضمام إلى الفريق الأوليمبي الأمريكي، وفي الوقت نفسه همشت ميلر ولم تهتم بحياتها أو تأثير ما حدث عليها.
بعد كل ذلك التعتيم والتهميش والحكم على تينر بستة أشهر فقط وإصدارها بيانها تحت اسم مستعار، ووصوله إلى 11 مليون مشاهدة في أربعة أيام فقط ظهرت حركة #MeToo، وبعد مرور هذا العدد من السنوات قررت شانيل أنه حان الوقت لنعرف اسمها وأن تخبرنا بتجربتها كاملة في كتاب.
اعرف اسمي ومغالطة الضحية المثالية
تبدأ ميلر كتابها “اعرف اسمي” Know My Name بـ”أنا خجولة”، لكنها حاولت تحدي خجلها هذا، وطوال الكتاب حاولت أن تكشف لنا النفاق الذي عُومِلت به، وتتساءل عن سبب سرقة براءتها منها ومنح القاضي للمتهم قدر أقل من المسؤولية الأخلاقية التي يجب عليه تحملها.
في كتابها تتحدى ميلر مغالطة الضحية المثالية، سواء من خلال الحديث عن ما حدث لها أم من خلال الإشارة لحوادث ظالمة أخرى حدثت للآخرين.
إن ميلر مثلها مثل جميع الفتيات، مقيدات بثقافة تطالب ضحايا التحرش والاغتصاب بإثبات أنهم بشر مثل أمك وأختك وابنتك! وقد حاولت في كتابها كسر نمط الضحية المثالية، تلك التي تتحدث عندما يحدث لها شيء، تقاوم رغبتها في الصمت، رغم تعليقات الإنترنت السيئة التي تخبرها أنها استحقت ما حدث لها!
كيف ساعدت ميلر في تغيير النظام الذي خذلها؟
لقد ساعدت شانيل ميلر بالفعل في تغيير النظام الذي خذلها، فبعد أن أصبح بيانها منتشرًا انتشارًا فيروسيًّا؛ أقرت ولاية كاليفورنيا مشروعي قانونين لتوسيع نطاق ما يُطلق عليه “اغتصاب”، وفرضت عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات كحد أدنى للاعتداء الجنسي على شخص فاقد الوعي أو مخمور، كما استُدعي القاضي آرون بيرسكي الذي أصدر حكمًا مخففًا على تينر من الناخبين في يونيو 2018، بعد ما حصلت شانيل على أكثر من مليوني توقيع عبر الإنترنت يدعو
إلى إقالته.
لماذا تعتبر مذكرات شانيل ميلر من أهم كتب 2019؟
مما لا شك فيه أن كتاب شانيل ميلر سوف يشجع على إجراء المزيد من المحادثات المهمة عن التحرش والاغتصاب، كذلك عن كيفية التعامل مع ضحية الاغتصاب، الخزي الذي تشعر به في وسط إجراءات الكشف الطبي والألم الذي تبثه تعليقات الإنترنت الخبيثة. إن كتابها قد يشكل إضافة كبيرة في المدارس الغربية، لتوعية الطالبات الصغيرات وإظهار أن هناك من يشاركهن آلامهن.
رغم أنه كتابها الأول، فإنه مُلهم ومُؤثر للغاية، مثير للبكاء في الكثير للمواضع أيضًا.
“ارفع رأسك عندما تأتي الدموع، عندما يتم الاستهزاء بك، يهينوك، يستجوبونك، يهددونك، عندما يخبرونك أنك لا شيء، عندما يحولون جسمك إلى الفتحات. ستكون الرحلة أطول مما تتخيل، وسوف تجدك الصدمة طريقها إليك مرارًا وتكرارًا. فقط لا تصبح الشخص الذي يؤذيك”. اعرف اسمي
لقد مرت أكثر من خمس سنوات على الاعتداء الوحشي على شانيل ميلر، ورغم ذلك كانت على استعداد لاتخاذ الخطوة ومواجهة الجميع، وأن تظهر للعالم أنها امرأة قوية، وهذا ما أثبته بيانها وكتابها.