على غير الأعراف الدستورية الخاصة بتكليف رئيس الحكومة الجديد بمحضر رسمي وخلال اجتماع يشارك به رئيس البرلمان ورئيس مجلس القضاء الأعلى، أعلن وزير الاتصالات الأسبق، محمد توفيق علاوي، توليه رئاسة الحكومة العراقية الجديدة بناء على ترشيح الرئيس برهم صالح، وذلك في تسجيل مصوّر بث على مواقع التواصل الاجتماعي فجر اليوم السبت.
الاختيار كان مفاجئًا لقطاع كبير من العراقيين لا سيما المحتجين في الشوارع التي دخلت تظاهراتهم شهرها الخامس، معتبرين أن تسمية علاوي رئيسًا للحكومة الجديدة استهتارًا بحراكهم وتهميشًا لحضورهم الميداني وتجاهلًا لمطالبهم المرفوعة منذ انطلاق الشرارة الأولى للاحتجاجات.
ورغم حرص رئيس الحكومة المكلف على طمأنة الغاضبين من خلال دعوته للمتظاهرين بالاستمرار في حراكهم كما جاء في فيديو له خاطب من خلاله العراقيين قائلًا: “الآن أنا موظف عندكم، وأحمل أمانة كبيرة، وإذا لم أحقق مطالبكم، فأنا لا أستحق هذا التكليف”، وتابع “لازم نحميكم بدل ما نقمعكم”، إلا أن الخطاب لم يلق قبولًا لدى الشارع الذي انتفض تنديدًا بهذا الاختيار.
وكانت التوقعات تذهب إلى تكليف الرئيس العراقي في حال فشل الكتل السياسية في التوافق على رئيس وزراء باختيار شخصية رئيس الوزراء بنفسه وكان اسم رئيس جهاز المخابرات العامة هو المرشح الأوفر حظًا، غير أن حسم الكتل النيابية العراقية أمرها في الوقت الإضافي دفعه إلى الانصياع للنص الدستوري وتكليف علاوي بالمنصب.
10 تعهدات للعراقيين
بعد دقائق قليلة من تكليفه بتشكيل الحكومة قطع علاوي عددًا من التعهدات على نفسه أمام الشعب العراقي، وهي الوعود التي كانت بالأمس مطالب رئيسية للمحتجين، على رأسها: تشكيل حكومة بعيدة عن المحاصصة الطائفية والحزبية وتكون ممثلة لجميع الأطياف، بجانب إجراء انتخابات برلمانية عراقية مبكرة بالتشاور مع مفوضية الانتخابات.
كما تعهد بتشكيل فريق استشاري في مكتبه بمشاركة ممثلين من المتظاهرين، ومغازلة الغاضبين في الشارع بالتوعد بمعاقبة المسؤولين عن قتل المحتجين، وحصر السلاح بيد الدولة والامتناع عن استخدام الأسلحة الحية، كذلك توفير أكبر قدر من فرص العمل للمواطنين.
رفع محتجون في ساحة التحرير لافتات تحمل صورًا لعلاوي، مكتوبًا عليها لا مكان لمرشح الأحزاب السياسية في الحكومة الجديدة
وكانت جنسيته البريطانية مثار الانتقادات التي وجهت لرئيس الحكومة الجديد، وهو ما دفعه للتعبير عن استعداده للتنازل عنها نزولًا عند رغبة المتظاهرين، متعهدًا في الوقت ذاته بحماية العراق من أي تدخل خارجي، وعدم الاستجابة للضغوط من الأحزاب السياسية.
وفي النهاية أكد علاوي مرة أخرى احترامه لحق التظاهر وحماية المتظاهرين من أي اعتداءات قمعية من هنا أو هناك، لافتًا في الوقت ذاته إلى عدم التمسك بالمنصب واستعداده التخلي عن هذا التكليف إذا لم يتمكن من تلبية المطالب الشعبية والوعود التي قطعها على نفسه.
تباين في ردود الفعل
البيان الذي ذكره رئيس الحكومة المكلف لاقى ترحيبًا كبيرًا لدى ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت التي حثت على العمل سريعًا لتنفيذ الإصلاحات والمساءلة في البلاد، لافتة في تغريدة على تويتر إن الالتزامات التي وردت في حديث علاوي تلبي كثيرًا من مطالب المحتجين السلميين، وهذا يعتبر مؤشرًا مشجعًا وجديرًا بالترحيب.
وداخليًا.. قال ائتلاف الوطنية بزعامة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي إن الائتلاف لم يرشح أي شخص لرئاسة الحكومة ولن يكون شاهد زور على حد وصفه، مضيفًا في تصريح له على موقعه الإلكتروني أنه لن يقبل بمرشـح يملى عليه من خارج العراق.
فيما أوضح زعيم التيار الصدر مقتدى الصدر أن الشعب من اختار رئيسًا لوزرائه وليس الكتل السياسية وهذه خطوة جيدة ستعزز في المستقبل، وفق قوله، معربًا في بيان له عن أمله ألا يستسلم علاوي للضغوط وأن يعلن برنامجه ويسرع في البدء بالانتخابات المبكرة، متعهدًا بمنع كل من ينتمي لتياره من الزج بنفسه في الحكومة أو التأثير على تشكيلها بأي شكل كان.
أما جبهة الإنقاذ والتنمية البرلمانية فقد رحبت بتسمية علاوي، وطالبته بالإعداد لانتخابات مبكرة بإشراف الأمم المتحدة وأن يرشح نفسه في الانتخابات القادمة، معتبرة أن الاختيار يتناسب وظروف البلد الأمنية والسياسية وهو ما ينعكس على المرحلة المقبلة التي تتطلب شخصية تمتلك ذات المواصفات.
تحدث سياسيون ونواب عن وجود اتفاقيات سياسية عقدتها التحالفات والكتل البرلمانية، قادت لترشيح علاوي
رفض شعبي
رفض العراقيون قرار التكليف، حيث واصلوا التظاهرات ضد هذا الإجراء لليوم الثاني على التوالي، وأغلقوا الطريق الرابط بين محافظتي النجف وكربلاء بالسواتر الترابية، وتعهدوا بعدم التراجع حتى يتم إلغاء القرار، فيما وصف معتصمو ساحة التحرير (مركز الاحتجاجات في بغداد) تكليف علاوي برئاسة الحكومة بأنه استهتار بمطالبهم، ودعوا في بيان لهم إلى ما أسموها خطوات تصعيدية سلمية للرد على هذه الخطوة.
كما رفع محتجون في ساحة التحرير لافتات تحمل صورًا لعلاوي، مكتوب عليها لا مكان لمرشح الأحزاب السياسية في الحكومة الجديدة، معتبرين أن هذا القرار إنما جاء بالتنسيق بين القوى السياسية في الغرف المغلقة بعيدًا عن إرادة المتظاهرين ورغبتهم في إعادة هيكلة السلطة الحاكمة بعدما ثبت فشلها في إدارة المرحلة.
وأصر المحتجون على تشكيل حكومة مستقلة عن الأحزاب السياسية ولا تخضع لأي ارتباطات خارجية، مرددين شعارات تطالب القوى السياسية بالابتعاد عن ملف تشكيل الحكومة، والالتزام بما اتفقت عليه ساحات الاعتصام من مرشحين لتولي المنصب.
وميدانيًا، فقد جاب مئات المتظاهرين بمسيرات ساحة الحبوبي وسط مدينة الناصرية، في محافظة ذي قار (جنوب)، معلنين رفضهم لعلاوي، وفي النجف (جنوب)، عبر مئات المتظاهرين في ساحة ثورة العشرين عن رفضهم لهذا الاختيار كون علاوي وزيرًا سابقًا بحكومة نوري المالكي، المتهمة بسرقة وهدر مليارات الدولارات.
وفي محافظة ديالى (شرق)، احتشد مئات المتظاهرين في مدينة بعقوبة (مركز المحافظة) معلنين رفضهم للقرار الذي يرونه لا يغير كثيرًا في المشهد، معتبرين أن التغيير في الأسماء وفقط، أما التوجهات والأجندات كما هي دون أي تغيير يطرأ عليها، وهو ما يعني أن القادم لن يكون مختلفًا كثيرًا عما آلت إليه الأوضاع الراهنة من تدهور.
هل جاء بصفقة؟
تحدث سياسيون ونواب عن وجود اتفاقيات سياسية عقدتها التحالفات والكتل البرلمانية، قادت لترشيح علاوي، على رأسها تحالفا “سائرون” المدعوم من مقتدى الصدر، و”الفتح” بزعامة هادي العامري، وهو ما يتوافق مع ما ألمح إليه المتظاهرون بشأن وجود ما أسموه “صفقة سياسية” تم على أساسها تسميته – دون غيره – لهذا المنصب، بعد 5 أشهر من الاحتجاجات الشعبية.
من جانبه كتب النائب في البرلمان العراقي كاظم الصيادي عبر حسابه في موقع “تويتر”، قائلًا: “الكتل السياسية اتفقت على تكليف علاوي بشرط توزيع المناصب”، فيما ألمح النائب مختار الموسوي عن تحالف “الفتح” أن “ترشيح محمد توفيق علاوي جاء باتفاق بين تحالفي الفتح وسائرون، إضافة إلى أطراف سياسية أخرى أيدت تسميته لرئاسة الحكومة”.
الكتل السياسية اتفقت على تكليف علاوي بشرط توزيع المناصب#النائب_كاظم_الصيادي
— النائب كاظم الصيادي (@nl1khoI8lWK2Aog) February 1, 2020
وأوضح في تصريحات له أن “تحالف الفتح هو من دفع باتجاه محمد علاوي بالتوافق مع الصدر، واسمه مطروح منذ أكثر من شهر”، داعيا المتظاهرين إلى “العودة لمنازلهم ومنحه، مدة ستة أشهر، وإذا لم يفلح، فبإمكانهم العودة لساحة التحرير”، نافيًا “وجود أي صفقة بين التحالفات والشخص المكلف برئاسة الحكومة، كما لم تؤخذ عليه أي التزامات بخصوص الاتفاقية الاقتصادية مع الصين وخروج القوات الأجنبية وغيرها”، مخاطبًا علاوي بالقول: “لا تجامل أي سياسي من أجل شعبك ووطنك لأنك ستفشل”.
وفي الإطار ذاته قال المحلل السياسي العراقي هشام الهاشمي: “فراغ المشهد من الكتل السياسية القوية ترك المجال أمام أحزاب تحالف الفتح أن تكوّن تلك الاتفاقية أو التفاهم مع محمد علاوي، وهو جاء خلافًا لشروط ساحات التظاهر، وشروط المرجعية الدينية، أيضًا هناك الكثير من التحفظات عليه”.
وفي مقارنة مع سلفه المستقيل عادل عبد المهدي، قال الهاشمي: “الأخير بتاريخه وعلاقاته أقوى بكثير من محمد توفيق علاوي الذي يكاد يكون مغمورًا تاريخيًا، وذو علاقات صغيرة وضيقة”، مضيفًا “بشكل عام هو جاء بطريقة غير مرضية لساحات التظاهر، بالتالي هل سيصمد طويلًا بهذه الطريقة؟ لا أظن ذلك. ومن خلال معرفتنا بمحمد علاوي، فهو شخصية بلا حزب سياسي، وليس لديه فصائل تدافع عنه، وثالثًا هو لا يمتلك قرارًا مستقلًا”.
يذكر أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قد سارع، أمس السبت، إلى إعلان تأييده لتكليف علاوي برئاسة الحكومة، لافتًا إلى أن الشعب من اختار رئيسًا لوزرائه، وأنه لن يزج من ينتمي إليه في الحكومة، وهو التأييد الذي وصفه محتجون بأنه يأتي في سياق الصفقة السياسية سالفة الذكر.
هذا الاتهام تناغم مع ما كشفته الوثيقة المسربة التي حملت توقيع عدد من قادة الكتل السياسية التي توصف بالقريبة من إيران أظهرت اختيار علاوي لرئاسة الوزراء في مقابل تعهده بإنفاذ اتفاقية الصين التجارية، والالتزام بقرار إخراج القوات الأمريكية من البلاد، وحملت الوثيقة توقيع رئيس تحالف الفتح هادي العامري، إضافة إلى قادة كتل سياسية أخرى.
تحذير بالتصعيد في مقابل وعود بالإصلاح.. هكذا يبدو المشهد العراقي بعد حسم الخلاف على اسم رئيس الوزراء الجديد خلفًا لعادل عبد المهدي، بانتظار ما إذا كان علاوي سيتمكن من تشكيل الوزارة أم لا
لم تتضح بعد الدوافع وراء تسريب الوثيقة بهذه الكيفية التي وُصفت بـ”الغريبة”، لكن مصادر كشفت بأن صالح عقد اجتماعًا في قصر السلام في بغداد مع عدد من النواب وقادة الكتل البرلمانية، حيث تمّ إعلان النبأ، المصادر ذاتها أشارت إلى أنه قبل الإعلان بساعات قليلة تدخل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بصورة شخصية لتقليص مساحة الخلافات بين قادة الكتل الشيعية الرئيسية في البلاد
جدير بالذكر أن رئيس الحكومة العراقية المكلف، والمولود في الكرادة ببغداد عام 1954، قد التحق بكلية الهندسة المعمارية بجامعة بغداد لكنه لم يكمل دراسته، حيث اضطر إلى ترك الجامعة في السنة النهائية ومغادرة العراق إلى لبنان بعد موجة الاعتقالات عام 1977 على إثر أحداث الأربعين (انتفاضة قام بها الشيعة نتيجة منعهم من السير إلى كربلاء في ذكرى الأربعين لاستشهاد الأمام الحسين)، وما لبث أن أكمل دراسته بالجامعة الأمريكية في بيروت ونال شهادة البكالوريوس في هندسة العمارة عام 1980.
وشارك في تأسيس عدة شركات متخصصة في إنتاج الأسلاك والكابلات الكهربائية الموزايك والبلاستيك والأقراص المدمجة في العراق وبريطانيا، كما عمل في مجال التصميم المعماري والمقاولات والتجارة في بريطانيا ولبنان.
كما نال عضوية بعض الجميعات الأممية والحقوقية، منها “منظمة الحوار بين الأديان” التي تحمل الصفة الاستشارية في الأمم المتحدة للدفاع عن حقوق الإنسان وبشكل خاص العراقيين خلال فترة الحصار على العراق، كذلك كان أحد مؤسسي منظمة “نداء كوسوفو” للدفاع وإغاثة الأقلية المضطهدة في تسعينيات القرن الماضي في جمهورية يوغسلافيا السابقة.
وفي المجمل يبدو أن أحزاب السلطة نجحت في تحويل الأنظار عن مطلب إسقاط الرئاسات الثلاثة وتشكيل حكومة طوارئ وتأسيس محكمة خاصة بجرائم وانتهاكات ارتكبت خلال السنوات الماضية، تحديدًا انتهاكات الفساد (المطالب التي رفعها الثوار منذ اليوم الأول ) إلى جرّ البلاد لأزمة جديدة منذ شهرين، عن طريق الخلافات على اسم رئيس الحكومة.
تحذير بالتصعيد في مقابل وعود بالإصلاح.. هكذا يبدو المشهد العراقي بعد حسم الخلاف على اسم رئيس الوزراء الجديد خلفًا لعادل عبد المهدي، بانتظار ما إذا كان علاوي سيتمكن من تشكيل الوزارة أم لا في ظل انتفاضة الشارع مرة أخرى، وسط مخاوف من إطلاق يد الأمن لمواجهة تجاوز الخط الأحمر في الاحتجاج، لتستمر الأوضاع على صفيح ساخن حتى إشعار آخر.