ترجمة وتحرير نون بوست
خلال العقدين الماضيين، ظهر نوع جديد من الآباء، فما بين الآباء الهليكوبتر (مصطلح يشير إلى الإفراط في الرقابة على الأطفال كطائرة تحوم فوق رؤوسهم) والأمهات النمر (مصطلح يشير إلى اهتمام الأم الشديد بإنجاز أطفالها فكل شيء يدور حول الإنجاز والفوز) تشترك جميع هذه الأنماط المختلفة في أمر شائع وهو الإفراط في الأبوة.
في تلك الأنماط يتحكم الوالدان في كل تفاصيل حياة أطفالهم ويمنحونهم القليل من الاستقلال الذاتي ويضعونهم تحت ضغط شديد لتحقيق التقدم الأكاديمي والنجاح الشخصي، بينما يسمحون لهم بالقليل من الحرية لاختبار الفشل والإحباط.
هؤلاء الآباء يعودون مهرولين إلى المدرسة إذا نسى أطفالهم أدوات الرياضة أو لم يؤدوا واجبهم المنزلي ويسألون الآباء الآخرين في دردشة واتساب عن الواجب المنزلي إذا نسيه أطفالهم، إنهم يعتقدون دائمًا أن أطفالهم على حق ويواجهون معلميهم إذا شعر أطفالهم أنهم لا يحصلوا على معاملة عادلة، كما يواجهون الآباء الآخرين في حال لم يتم دعوة أطفالهم إلى حفل ما.
مع نمو أطفالهم يقرر هؤلاء الآباء الشهادة الثانوية التي يجب أن يختارها أطفالهم ولا يسمحون لأبنائهم المراهقين بالسفر وحدهم خوفًا من اختطافهم، قد يقرر هؤلاء الآباء مرافقة أبنائهم إلى مقابلات التقديم للجامعة وربما حتى مقابلات العمل، وهم يعتبرون أنهم أفضل أصدقاء لأبنائهم وليسوا والديهم.
لا شك أن هذه الأفعال تنم عن الحب، لكن المشكلة أنهم يفعلون ذلك ليضمنوا أن الأطفال لن يفشلوا في مهمة ولن يواجهوا احتجازًا أو إحباطًا بسبب عدم دعوتهم إلى حفل، هؤلاء الآباء لا يسمحون لأطفالهم بالفشل، ونتيجة لذلك فإنهم يعيقون نمو أطفالهم بشكل فعال.
قوة الفشل
عندما يتعلم الأطفال كيفية التغلب على الفشل تتطور لديهم خاصية المرونة، ويتعلمون التعامل مع الإحباط وتنظيم عواطفهم بشكل صحيح، من الضروري أن يتعلم الأطفال تلك المهارات في أثناء الطفولة ليصبحوا قادرين على إدارة حياة ناجحة بعد ذلك.
يعاني الشباب الذين يملكون مثل هؤلاء الآباء من الاكتئاب والتوتر وقلة الرضا في الحياة بالإضافة إلى نقص القدرة على تنظيم عواطفهم
تركز معظم أبحاث الأبوة المفرطة على تأثيرها على طلاب الجامعة، لكن العلاقة بين الإفراط في الأبوة والعواقب السلبية كانت موجودة في جميع الأعمار، في الواقع يميل الأطفال الذين يملكون آباءً مفرطين في أبوتهم في مرحلة ما قبل المدرسة والمرحلة الابتدائية إلى المعاناة من مستويات عالية من الخجل والقلق وقلة العلاقات مع أقرانهم.
عند فحص المراهقين وطلاب الجامعة كانت هذه العواقب السلبية مستمرة، فعلى سبيل المثال يعاني الطلاب ما بين 16 إلى 28 سنة ممن يملكون آباء هليكوبتر من مستويات منخفضة من الكفاءة الذاتية والثقة التي يملكها الناس في قدراتهم ومهاراتهم وعلاقات ضعيفة مع الأقران.
في بحث مماثل، يعاني الشباب الذين يملكون مثل هؤلاء الآباء من الاكتئاب والتوتر وقلة الرضا في الحياة بالإضافة إلى نقص القدرة على تنظيم عواطفهم، كما تولد لديهم شعور عالٍ بالاستحقاق وزيادة في تعاطي المخدرات عن غيرهم.
الأمر سيئ للوالدين أيضًا
الإفراط في الأبوة ليس له آثار سلبية على الأطفال فقط، فالآباء المفرطون في أبوتهم أكثر عرضة لمستويات عالية من القلق والتوتر والندم، الذي بدوره له آثار سلبية على أطفالهم الذين قد يتحملون قلق والديهم ويجعلون الأمر مرتبطًا بهم.
قد يكون هذا الأمر هو السبب في ارتفاع نسبة طلاب الجامعة المصابين بالقلق والاكتئاب، في الواقع وجد استطلاع جرى مؤخرًا أن 1 من كل 5 طلاب جامعيين في المملكة المتحدة يعانون من مستويات عالية من القلق.
لذا، هل ينبغي أن يتراجع الآباء عن المشاركة في حياة أطفالهم؟ ليس تمامًا، فالأمر معقد بعض الشيء، فقد أظهرت الأبحاث بشكل واضح أن الأطفال الذين يشارك آباؤهم في حياتهم يقدمون آداءً أفضل في المدرسة ويملكون مستوى عاليًا من تقدير الذات ولديهم علاقات جيدة مع أقرانهم مقارنة بالأطفال الذي لا يشارك آباؤهم في حياتهم على الإطلاق.
الأطفال الذين يملكون آباءً محبين وحياة دافئة وتوقعات عالية يقدمون أداءً أفضل من الأطفال الذين يعيشون في حياة باردة ومتساهلة، لكن الصعوبة تكمن في تحديد القدر المناسب من الحب والمطالبة، وعليه يحاول الباحثون الآن إثبات المستوى الأمثل من مشاركة الوالدين.
لا شك أن الآباء يودون حماية أطفالهم وتجنيبهم الألم، لكنهم بحاجة أيضًا إلى التفكير مليًا عندما تتجاوز تلك الحماية المستوى المطلوب، لذا في المرة القادمة عندما يهاتفك طفلك من المدرسة ليطلب منك إحضار أدواته الرياضية فكر مرتين قبل أن تقوم بذلك.
إن الحياة لا تخلو من المشاكل والإحباطات، لذا من الأفضل تعليم أطفالك مواجهة تلك المشاكل بدلًا من حل جميع مشكلاتهم، بتلك الطريقة يساعد الوالدان أطفالهم على تطوير المرونة والقدرة على التعامل مع الإحباطات، تلك الأدوات التي تسمح لهم بالنجاح عندما يغادروا منزل والديهم.
المصدر: ذي كونفرسايشن