رجل في سن الستين، يرتدي رداءً أبيض وعمامة ملفتة للأنظار، يقف بجانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الكثير من المناسبات الوطنية والتاريخية المشهودة، أمام مئات الآلاف من المواطنين المتجمهرين لسماع خطاب الرئيس، وذلك على خلاف المشهد التقليدي الذي عادةً ما يكون فيه الرئيس محاطًا فقط بعدد من القادة ورجال السياسة الذي يرتدون البذلات الرسمية وربطات العنق امتثالًا للإتيكيت الخاص بقواعد السياسة الدولية، لكن وجود هذا الرجل بالتحديد، بهيأته الإسلامية غير المألوفة كجزء أساسي من المشهد السياسي التركي، سد الفراغ الديني الذي خلقته العلمانية في عهد مصطفى كمال أتاتورك.
اسمه علي أرباش ويتولى منصب وزير هيئة الشؤون الدينية، درس وتخرج في مدارس الأئمة والخطباء التي عرفت أشكالًا من القمع والتكميم، وتعلم أردوغان في فصولها وجرب الاحتقار المؤسسي والاجتماعي الذي لازم تلاميذها، فقد قيل له في أحد الأيام بأن “دراسته لا تؤهله إلا لغسل الموتى“، إذ لم يُسمح لخريجيها دراسة أي تخصص جامعي باستثناء الشريعة الإسلامية.
ولعل الخلفية الإسلامية والتجربة التعليمية والاجتماعية لكل من أردوغان وأرباش، ساهمت في إيجاد نقطة التقاء بين طموحات رجل السياسة المحافظ أردوغان، ورجل الدين المجتهد أرباش، الأمر الذي يزيل الغموض عن هذا التقارب الشديد الذي يميز علاقتهما، ويعلل سبب تحول وزارة الديانة التركية من هيئة مغيبة عن الوسط التركي إلى سلطة مركزية في عهد حزب العدالة والتنمية.
السؤال المعهود
تركيا دولة علمانية النظام دستوريًا، وإسلامية الهوية مجتمعيًا، انقسمت توجهات وانتماءات مواطنيها بين التيار العلماني اليساري والتيار الإسلامي المحافظ، فخلقت أزمة بين من تمسك بالهوية التي ورثها عن الدولة العثمانية، والمتحمس للثقافة والتقاليد الأوروبية، وبين هذا وذاك، كثرت وطالت الجدالات والاهتزازات بين الحكومة ورموزها، وترتب على ذلك انقلابات وإعدامات واعتقالات على مر العقود دون أن يجيد أحد الإجابة بموضوعية عن هذا السؤال: تركيا دولة إسلامية أم علمانية؟
ذات مرة، أجاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن هذا السؤال وقال: “العلمانية هي الضامن لممارسة المعتقدات الدينية بحرية، ولا تعني اللادين أو معاداة الدين، ولذلك يمكن أن تكون الدولة علمانية، ولكن لا يمكن أن يكون الفرد علمانيًا، فالعلمانية ليست ديانة”، نافيًا أي تعارض بين المفهومين، ومحاولًا أن يرضي أنصاره وألا يثير سخط أعدائه في الوقت نفسه.
لكن رغم حياده الفكري واللفظي سعى الرئيس الذي انخرط مبكرًا في الإسلام السياسي من خلال انضمامه إلى أحزاب السلامة الوطنية والرفاه والفضيلة، وآخرها العدالة والتنمية، بكل الطرق الممكنة إلى إبراز الحضور الإسلامي في مختلف مجالات الحياة، مفتخرًا بجذوره وحنينه إلى الدولة العثمانية التي قادت العالم الإسلامي لنحو 600 سنة.
عمومًا، غاب هذا الطرح عن المشهد السياسي في الفترة الأخيرة بسبب الانشغال العام في الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد، ولكن ازدياد ثقل وزن وزارة الديانة في الحسابات التركية وتقلدها أدوارًا ليست ثانوية أو روتينية، أزعج المعارضة العلمانية، سواء لأنشطتها التوسعية أم لارتفاع ميزانيتها السنوية بالمقارنة مع بقية الوزارات الأخرى، ولكن في الوقت عينه، برهن تبدل حالها على نجاح الوزارة الدينية في شق طريقها إلى السلطة رغم قرارات المنع ومحاولات القمع السابقة.
ولكي نتعرف على تاريخها الطويل، بدايةً من التأسيس ووصولًا إلى مرحلة الإغلاق ونهاية بالتوسع والتحكم، لا بد أن نمر أولًا على شخصيتين رئيسيتين، وهما محمد غورماز رئيس وزارة الديانة السابق، وعلي أرباش الرئيس الحاليّ للوزارة.
محمد غورماز.. انتقال الهيئة الدينية من المسجد إلى السياسة
ولد الرئيس السابق لوزارة الديانة التركية في قضاء نيزيب، بمحافظة غازي عنتاب عام 1962، درس الابتدائية والثانوية في مدينته الأم، ثم بدأ التعليم العالي في كلية الإلهيات بجامعة أنقرة عام 1983 في قسم الحديث.
واتجه لاحقًا إلى مصر في بعثة من وزارة التربية الوطنية من أجل التفرغ للدراسات والأبحاث في جامعة القاهرة لمدة عام واحد، وبقي في ساحات التعليم إلى أن أتم دراسة الماجستير عام 1990 والدكتوراه بعد 5 سنوات.
انتقل إلى حقول العمل خلال الأعوام 1995-1997 عندما درّس في كلية الإلهيات بجامعة أحمد يسوي، وتقدم بخطواته سريعًا حين تولى مهمة إعداد برنامج المعهد العالي بالإلهيات في جامعة الأناضول.
عاش في إنجلترا لمدة عامين للدراسة والبحث، ثم عاد إلى وطنه الأم وعين أستاذًا مساعدًا عام 1998، وأستاذًا مشاركًا عام 1999، وعمل محاضرًا في كلية التربية بجامعة حجي تبه بين عامي 2001 و2003، ثم حاز لقب أستاذ دكتور عام 2006، وفي نهاية سنة 2010 اختير رئيسًا للشؤون الدينية بعد أن تولى منصب النائب لمدة 7 أعوام تقريبًا، وذلك بدلًا من علي بارداق أوغلي.
يُعرف غورماز بوجهات نظره الإصلاحية والحداثية وعدد من المواقف الحاسمة والفريدة، مثل حشد المؤذنين في ليلة الانقلاب الفاشلة وإلقاء الخطبة الأولى في تركيا باللغة الكردية وانتقاد المتشددين الذين يرفضون وجود النساء والأطفال في المساجد
في إحدى الفعاليات السنوية التي تنظمها هيئة الشؤون الدينية، قال أردوغان في كلمة ألقاها خلال الاحتفال: “لسنوات طويلة، لم نتمكن من رؤية رئيس وزارة الديانة التركية وهو يتجول في بلادنا مرتديًا العمة والجبة”، في إشارة إلى غورماز والتاريخ المعقد الذي مرت به الوزارة ومنُع فيه رؤساء الهيئة من ارتداء الأزياء الإسلامية التي تعبر عن مناصبهم ومعتقداتهم.
حققت الهيئة جزءًا كبيرًا من نجاحاتها على يد غورماز الذي دعمه حزب العدالة والتنمية وجعله جزءًا أساسيًا من الصورة العامة للبلاد، حيث نقل غورماز اهتمامات هيئة الشؤون الدينية من المسجد إلى السياسة، ولكنه لم يبتعد في الوقت نفسه عن ساحات العبادة، بل حاول الدمج بينهما كلما سنحت الفرصة بذلك.
على سبيل المثال كان من أوائل الأصوات التي نادت العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، بأن “يعيد النظر بأوضاع العلماء في بلاد الحرمين”، على خلفية حملة الاعتقالات التي شنتها السعودية في السنوات الأخيرة وشملت حينها الشيخين سفر الحوالي وسلمان العودة.
يُعرف غورماز أيضًا بوجهات نظره الإصلاحية والحداثية وعدد من المواقف الحاسمة والفريدة، مثل حشد المؤذنين في ليلة الانقلاب الفاشلة وإلقاء الخطبة الأولى في تركيا باللغة الكردية وانتقاد المتشددين الذين يرفضون وجود النساء والأطفال في المساجد، وقد يكون ذلك نتاج دراسته التي جمعت بين التعليم الديني والتعليم التقليدي، فبحسب روايته، رفض والده انضمامه إلى مدارس الأئمة والخطباء في بادئ الأمر، ثم وافق لاحقًا على التحاقه بهذا النوع من المدارس بشرط إتمامه الدراسة التقليدية في نفس الوقت.
الدكتور علي أرباش.. الواجهة الإسلامية في تركيا
يتحدث أرباش بهدوء ووقار ملفت، وكأنه يقرأ كلماته من نص مكتوب ومجهز مسبقًا، ولكن قد يخونه صوته أحيانًا وتختفي الكلمات عن لسانه، فهو يشبه أردوغان بكثرة تحركاته وخطاباته وفعالياته، إذ ذكر في أحد اللقاءات الصحفية بأنه زار نحو 19 مكانًا وهيئة ومقرًا في يومين ونصف تقريبًا، ما سبب له إجهادًا وتغيرًا في الصوت، ما يدل في الوقت ذاته على الجهد الذي يبذله في إدارة هذه الوزارة.
ولد علي أرباش في قرية يشيل يورت، بمدينة كبادوز بأوردو عام 1961، ودرس الابتدائية في مدرسة يشيل يورت الابتدائية، وتخرج في مدرسة سكاريا للأئمة والخطباء الثانوية عام 1980، ثم تخرج في كلية الإلهيات بجامعة مرمرة عام 1984. ما بين الأعوام 1982-1993 عمل موظفًا دينيًا في عدة جوامع تابعة لدار إفتاء منطقة الفاتح بإسطنبول/رئاسة الشؤون الدينية.
ولكنه لم يتخل عن الحياة الأكاديمية، فأنهى عام 1987 دراسة الماجستير بأطروحة أعدها بعنوان “التكرارات في القرآن” في فرع التفسير في كلية الإلهيات بجامعة مرمرة، وفي عام 1993 ختم هذه المرحلة بدراسة الدكتوراه بأطروحة “عقيد الملائكة في الأديان الإلهية” في فرع تاريخ الأديان.
في العام نفسه، عُين أرباش أستاذًا محاضرًا في قسم تاريخ الأديان في كلية الإلهيات بجامعة سكاريا، وفي العام الذي يليه، توجه إلى فرنسا للقيام بأبحاث في مجال العلوم الدينية وتاريخ الأديان في مكتبة جامعة سوربون والمركز الوطني للفنون والثقافات جورج بومبيدو، ثم أجرى دراسات في مجاله باعتباره عضوًا ضيفًا في الهيئة التدريسية في كلية العلوم البشرية بجامعة ستراسبورغ على مدار عام كامل اعتبارًا من مطلع العام الدراسي 1996-1997، ثم عاد إلى بلاده ليصبح أستاذًا مساعدًا في نوفمبر/تشرين الثاني 1998 ثم صار أستاذًا في يناير/كانون الثاني 2004.
خلال الأعوام 1993-2006 عمل رئيسًا لفرع تاريخ الأديان، كما عمل رئيسًا لفرع الفلسفة وعلوم الأديان، وعلى مدى 5 أعوام خلال الفترة 1997-2002، شغل منصب نائب عميد كلية الإلهيات بجامعة سكاريا وعميدًا للكلية ذاتها لدورتين خلال الأعوام 2006-2011، وعمل أيضًا عضوًا في مجلس الشيوخ بجامعة سكاريا خلال الأعوام 2003-2011، كما عمل عضوًا في المجلس الإداري بنفس الجامعة خلال الفترة 2006-2011، ثم تم تعيينه في المديرية العامة للخدمات التعليمية برئاسة الشؤون الدينية.
وكانت تلك أولى خطواته نحو الرئاسة التي تحققت بتاريخ 17 من سبتمبر/تموز 2017، بعد استقالة محمد غورماز. عدا عن المناصب والمسميات، نتج عن هذه المسيرة التعليمية والمهنية 12 كتابًا من مؤلفات أرباش، وعددًا من المقالات والمحاضرات التي تناقش قضايا ومسائل دينية واجتماعية مختلفة.
تاريخ تأسيس رئاسة الشؤون الدينية التركية
زمن الدولة العثمانية
كان الصدر/الوزير الأعظم وشيخ الإسلام من أهم أركان الحكم في الدولة وأعلاها سلطة، فقد كان الوزير الأعظم يحكم البلاد، بينما يتزعم شيخ الإسلام “المجتمع العلمي”، وهما الطرفان اللذان أشرفا على شؤون التعليم والقضايا الشرعية والفقهية، وشغلا مناصب بيروقراطية مهمة في جهاز الدولة، وكانا يظهران معًا في الاحتفالات والاجتماعات الرسمية والوطنية، وفي بعض الأحيان كان شيخ الإسلام يحظى باهتمام وتقدير أكثر من الوزير الأكبر نفسه.
تذكر الروايات التاريخية أن الملا فيناري أول من تولى منصب شيخ الإسلام، في عصر مراد الثاني (1421 ـ 1451)، وكان حينها يترأس شيخ الإسلام مهام المؤسسة الدينية والقانونية، وذلك بعد أن يُنهي الدراسة في المؤسسة العلمية ويحصل على درجة وتزكية جيدة من معلميه، كما كان يجب أن يخدم شيخ الإسلام في الحي كقاضٍ، ومن ثم للولاية كي يتم تعيينه قاضيًا عسكريًا لولاية إسطنبول، من الجهاز القضائي التابع للدولة. ولكن في عهد السلطان محمود الثاني (1808 ـ 1839) لم تعد الخدمة والخبرة في المجال القضائي مطلبًا إلزاميًا لاختيار شيخ الإسلام.
علمًا أنه منذ ظهور هذا المنصب في تاريخ الدولة العثمانية كان شيخ الإسلام يحافظ على منصبه حتى وفاته، ولكن عندما عزل السلطان سليمان القانوني، شيخ الإسلام جوي زادا محمد أفندي، باتت سلطة التعيين والعزل بيد السلطان مباشرة.
مع انهيار الدولة العثمانية عام 1923 انتقلت مهمة تقديم الخدمات الدينية إلى وزارة الشريعة والأوقاف التي تم إيقافها عن العمل لاحقًا
حرصت الدولة العثمانية على منح شيوخ الإسلام أجورًا عالية، فقد كانوا يتقاضون يوميًا 600 أقجا عثمانية، وكانوا يعملون من المنزل لعدم توافر مقر حكومي ورسمي لهم، وذلك حتى عهد السلطان محمود الثاني (1808 ـ 1839)، ثم قرر السلطان في تاريخ يونيو/حزيران 1826 تخصيص مقر خاص لشيخ الإسلام لإدارة شؤونه مع مجموعة من الموظفين التابعين له، وبذلك توسع عمل شيخ الإسلام وأخذ الشكل المؤسساتي.
Sheikh-ul-Islam Ürgüplü Mustafa Hayri Efendi declares Cihad-ı Mukaddes (Holy War) v Allies, Fatih Mosque, 14 Nov 1914 pic.twitter.com/n3L7YR0Yr7
— We Were There Too (@WeWereThere2) February 22, 2015
استمر منصب شيخ الإسلام في التطور والتوسع مع بدء عصر الإصلاحات (التنظيمات) العثمانية المدنية عام 1839، فقد تحولت المؤسسة المتواضعة إلى وزارة كبيرة متعددة المهام ومسؤولة عن تعيين القضاة في كل أنحاء الإمبراطورية ومتابعة أحكامهم التي لا تتعارض مع أعراف الدين الإسلامي، لكن الحال تغير بشكل جذري مع انهيار الدولة العثمانية عام 1923 الذي أسقط مشيخة محمد نوري أفندي كآخر شيوخ الإسلام في ذاك الزمن.
خلال الفترة الممتدة من زمن الدولة العثمانية حتى الفترة الجمهورية، خدم 127 شيخ إسلام في الدولة العثمانية، تم إعدام اثنين منهم، وطُرد ما يقرب من مئة منهم، ثم انتهى عهدهم بالكامل مع انتقال مهمة تقديم الخدمات الدينية إلى وزارة الشريعة والأوقاف التي تأسست بموجب قانون سُن عام 1920، وكان أول المسؤولين فيها مصطفى فهمي أفندي.
وفقًا للرواية التاريخية، بعد عام 1922، أي العام الذي انتهى فيه دور مصطفى فهمي بالوزارة، لم يُذكر اسم وزارة الشريعة والأوقاف في السجلات والقرارات الحكومية، ما يعني أنها كانت غائبة تمامًا عن دوائر الحكم، ومن ناحية أخرى دللت بعض المعلومات المحدودة المتوافرة أنه في غضون 4 سنوات تقريبًا، تناوب على حكمها نحو 5 أشخاص، ما يشير إلى حالة الاضطراب والتقلب الذي شهدته هذه المؤسسة.
في تاريخ 1 من مارس 1924 صرح مصطفى كمال باشا في الكلمة الافتتاحية للبرلمان بأنه يجب سحب الدين من المشهد السياسي، وفي يوم 3 من مارس 1924 تم إلغاء وزارة الأوقاف والشريعة وأنشئت رئاسة الشؤون الدينية (Diyanet İşleri Reisliği) بدلًا منها.
زمن الجمهورية التركية
جاء عام 1924 وتأسست وزارة الشؤون الدينية برئاسة المفتي محمد رفعت بوريكتشي، تحت قانون رقم 429، وعمل فيها على “تسيير الأعمال الخاصة بمجال العبادات والاعتقاد في دين الإسلام، وإدارة المؤسسات الدينية” حتى وفاته عام 1941. توزعت المناصب في عهده بحسب الهرم الوظيفي كالتالي: الرئيس وهيئة المشاورة وموظفو مركز الرئاسة والمستخدمون المختلفون، وبالنسبة لفروع الرئاسة: المفتون وكتاب المفتين والشيوخ والوعاظ ومحاضرو الدروس العامة ومستخدمو الإفتاء، كموظفين رسميين لهم راتب، وعلى ذلك تولت هذه الوزارة مسؤولية إدارة المساجد والجوامع والتكايا والزوايا، ولكن مع إغلاق الزوايا والتكايا عام 1925 لم تعد ضمن جدول أعمالها.
في قانون الميزانية عام 1927 تم تخصيص 7 آلاف و172 موظفًا لرئاسة الشؤون الدينية، وأصبحت في مركز الرئاسة هيئة المشاورة ورئاسة هيئة تدقيق المصاحف ومديرية المؤسسات الدينية ومديرية الموظفين والسجلات ومديرية اللوازم ومديرية التحرير والأوراق، كما تشكلت في فروعها دور الفتوى في المحافظات والأقضية.
ولكن مع قانون الميزانية عام 1931 تم نقل إدارة كل المساجد والجوامع مع موظفيهم إلى مديرية الأوقاف العمومية، ثم تم نقل موظفي مديرية المؤسسات الدينية ومديرية اللوازم و4081 من خدمة الأعمال الخيرية، و26 واعظًا وخطيب جمعة بوظائفهم إلى مديرية الأوقاف العمومية، بهذا القانون أصبحت الرئاسة عاطلة عن العمل إلى حد ما وهذا التطبيق استمر حتى عام 1950، بحسب ما ذكر موقع الرئاسة الرسمي.
في تلك الأثناء، وتحديدًا عام 1932 سُمع الأذان باللغة التركية من الشيخ حافظ رباط في مسجد الفاتح لأول مرة، وبعدها بأيام، أصدرت مديرية الشؤون الدينية في تاريخ 18 من يوليو/تموز عام 1932 تعميمًا بمنع تداول اللغة العربية في أثناء الصلاة وقراءة القرآن الكريم والأذان بالتركية، وأمر أتاتورك بسجن الذين أصروا على استخدامها.
وبعد عام واحد من إصدار قرار الحظر، ألقي القبض على المؤذن عمر أفندي و مصطفى عوني أفندي بسبب قراءة الأذان بالعربية في مدينة إزمير، أما بشأن مدة الحبس فهناك تضارب بين المصادر التي تشير إلى وصول فترة الحبس إلى ثلاثة أشهر وأخرى تؤكد بلوغها إلى 30 سنة.
استمر هذا القانون حتى عام 1950، عندما سمح الرئيس السابق عدنان مندريس بقراءة الأذان باللغة العربية مجددًا، ولقب فيما بعد “شهيد الأذان”، ثم بدأت تركيا تشهد مرحلة جديدة من هجرات مواطنيها إلى العراق وسوريا لتعلم قراءة الأذان وبرعوا في إتقان مخارج الحروف وتحسين أصواتهم.
توظف الوزارة أكثر من 107 آلاف شخص ولديها ألف مركز للإفتاء وتدير مئات المشاريع داخل تركيا وخارجها وتنظم أنشطة تعليمية وثقافية وخيرية في 145 دولة
شملت النقلة النوعية في هيكلة ووظيفة الرئاسة، تغيير اسمها العربي من “رئاسة” إلى معنى الرئاسة باللغة التركية “باشكانلك”، وفي غضون شهور أعيدت مهام إدارة المساجد وموظفيها إليها، واتضحت طبيعة عمل هذه الوزارة، بموجب دستور 1982، كالتالي: “يتعين على رئاسة الشؤون الدينية التي لها وجودها ضمن الإدارة العامة القيام في إطار مبدأ العلمانية بأداء مهامها وفقًا لقانونها الخاص لتعمل على حفظ التضامن الوطني والتكامل بعيدًا عن كل الآراء والأفكار السياسية”.
بقيت الوزارة على هذه الشاكلة حتى عام 1965، ثم واجهت تغيرات وتعديلات مختلفة، كان أبرزها بعد انقلاب 12 من مارس/آذار 1971 الذي فتح الطريق أمام إدارة المجلس العسكري للسيطرة على أجندة وزارة الديانة والتدخل في قرارتها وفتاويها، أما التطفل الأكثر وضوحًا كان عقب انقلاب 28 من فبراير/شباط 1997 حين تم حظر الحجاب في المدارس، ثم في الوسط العام، وأغلقت المرحلة الوسطى من مدارس الأئمة والخطباء ودورات تحفيظ القرآن، كما خُفضت حصص كليات الآلهيات في الجامعات وزيادة المعدل المطلوب لدخول هذه الكليات، مما زاد الأمور صعوبة على الطلاب الذين اعتزموا اختيار هذا التخصص.
ومن بين أهم التفاصيل في هذا التاريخ أنه بين عامي 1924 و1965، لم يكن يُسمح لرئيس الشؤون الدينية أن يسافر إلى الخارج، حتى وإن كان لإتمام زيارة رسمية أو لأداء الحج. يذكر في هذا الخصوص، أن إبراهيم بدر الدين أول رئيس يسافر إلى الخارج ويتم طرده، وذلك بعد أن تلقى دعوة من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة عام 1965، وخلال الأعوام ما بين 1924-2017، تم إقالة 12 من أصل 17 رئيسًا خدموا في تلك الفترة.
في الوقت الحاليّ توظف الوزارة أكثر من 107 آلاف شخص وألف مركز للافتاء وتدير مئات المشاريع داخل تركيا وخارجها وتنظم أنشطة تعليمية وثقافية وخيرية في 145 دولة، وتمتلك نحو 2017 عقارًا ولها نحو ألف فرع في تركيا وتضم 50 ممثلًا أجنبيًا في 29 دولة ونحو 3 آلاف موظف في الخارج، كما تضاعفت ميزانيتها بأكثر من 4 أضعاف منذ ولاية أردوغان الأولى في منصب رئيس الوزراء عام 2006، ما ساهم في جعلها واحدة من أعلى السلطات الحاكمة في تركيا، مقارنة مع عام 1935 التي بلغ عدد موظفيها نحو 8 أشخاص فقط.
مسؤوليات وزارة الشؤون الدينية في تركيا
بموجب المادة 6 من القانون رقم 633، أدرجت مهام وزارة الشؤون الدينية بتاريخ 31-7-2017، كالتالي:
1) التأكد من أن خدمات إعادة الإعمار في المساجد تتم بفعالية وكفاءة.
2) تنظيم حلقات العمل والمؤتمرات والندوات والاجتماعات العلمية.
3) متابعة الأعمال والإجراءات وإعداد تقارير عن الأنشطة التي ينظمها المفتي لتوعية المجتمع عن الدين من خلال الإذاعة والتليفزيون وغيرها من وسائل ومنصات التواصل.
4) إعداد برامج الوعظ والإرشاد الخاصة بالخطباء الرئاسيين وتنفيذ إجراءاتهم.
5) دراسة نصوص الخطبة التي أعدها المفتي وإرسالها إلى الرئاسة.
قد تبدو هذه المهام روتينية بعض الشيء، إلا أن سعي الوزارة إلى تحقيق أهداف مختلفة على المستوى الاجتماعي والثقافي والسياسي، دفعها إلى مضاعفة مجهوداتها لإيصال رسائلها وتقديم خدماتها لكل من يبحث عنها ويحتاجها، ولذلك تعمل الهيئة على تأسيس قنوات تليفزيونية متعددة اللغات في غضون 5 سنوات، ومساعدة وحماية الأسرة التركية من المشاكل عن طريق توسيع “مكاتب الاستشارات العائلية والإرشاد”، إضافة إلى تنظيم أنشطة دينية واجتماعية للمرأة، ومواضيع أخرى التربية والتنشئة والشباب، ويمكن ترتيب أولويات الهيئة كما يلي:
-
المساجد
تخطط الهيئة لتحويل المساجد إلى مساحات اجتماعية من خلال إطلاق فعاليات ومشاريع تهدف من خلالها إلى التذكير بمكانة المسجد التاريخية والحضارية في المدن والتعريف بدوره الاجتماعي والثقافي في نشأة كل دولة، إذ تخطط البلديات لبناء أماكن تستوعب الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، كما أنهم يعملون على إعادة النظر في جعل المساجد مراكز ثقافية وتعليمية، لتصبح الجوامع أكثر فعالية واجتماعية كالسابق.
كما قال رئيس وزارة الشؤون الدينية البروفيسور على أرباش في هذا الخصوص: “الجوامع ليست أوقافًا دينية فقط، ففي كل صلاة تؤدى كتفًا إلى كتف، تعبر عن قيم ديننا وأخلاقياته وكأنها تتحدث عن نمط حياة المسلمين المليء بالمساواة والتضامن والتعاون والإخاء والسلام”.
إلى جانب ذلك، أشار إلى الدور التي أدته المآذن في تركيا عندما نادت الناس للنزول إلى الشوارع في ليلة الانقلاب الفاشل، واعتبر دورها أساسي في دعم السياسة والحركة التنظيمية في الدولة، كما ذكر صعوبة تنفيذ هذه الخطة في ظل الأحداث التي يعيشها العالم من أفكار ترهيبية واستغلالية لهذه الأماكن المقدسة، على حد وصفه.
مدح غورماز أيضًا أصوات المآذن التي وضعت حدًا لمحاولة انقلابية أخرى، قائلًا: “هذا الانقلاب تميز عن غيره من الانقلابات الأربع التي وقعت في تركيا بأشياء كثيرة، لعل من أهمها: أن الانقلابات العسكرية السابقة عملت على إسكات الأذان، بينما عمل الأذان هذه المرة على إسكات الانقلابيين ودحرهم.. حيث كانت جموع الشعب تتعرف على الحدث الجلل والخطير من المآذن قبل سماعها الأخبار، فكبرت وخرجت إلى الميادين والشوارع وهي تكبر”، مشيرًا إلى أنها تقليد عثماني قديم، كان يتبعه المؤذنون عندما يشعرون بخطر.. وقد كان هذا الأمر واضحًا في معركة الاستقلال”.
عمومًا، تُلخص جهود الوزارة فيما يخص بناء المساجد كالتالي: في عام 2004 وصل عدد المساجد إلى 77.151 مسجدًا، وارتفع هذا العدد في السنوات الأخيرة بنسبة 10.7% إلى أكثر من 90 ألف مسجد، وتأتي مدينة إسطنبول في المرتبة الأولى من حيث عدد المساجد فيها، فهي تضم 3.223 مسجدًا، تليها مدينة قونيا بـ3.098 مسجدًا وأنقرة بـ2.912. الطموح التركي لم يقف عند حدود الجمهورية، حيث تمتلك تركيا ما يقارب 2000 مسجد حول العالم، وتدير المئات الآخرين في دول البلقان وأوروبا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا.
-
المساعدات الإنسانية
منذ عام 1975 وحتى الآن، بلغ حجم مساعدات وقف الديانة التركي التابعة لرئاسة الشؤون الدينية للبلدان الإفريقية، إلى 111 مليون و600 ألف دولار، وتوزعت المساهمات بين تقديم الخدمات التعليمية لـ3 آلاف طالب إفريقي في تركيا، ولقرابة ألف و110 طلاب في الصومال عبر 4 مدارس تابعة هناك، إضافة إلى توزيع مليون و95 ألفًا و432 حصة من لحوم الأضاحي على المحتاجين في البلدان الإفريقية، وإيصال 331 ألفًا و436 سلة مواد غذائية ومائدة إفطار للصائمين.
فضلًا عن أعمال التأسيس مثل حفر 294 بئر ماء وإنشاء وترميم وصيانة العديد من المساجد في المنطقة، وتوزيع مصاحف مع المعاني في 9 لغات، في 24 بلدًا إفريقيًا، بحسب البيان الصادر عن المدير العام لوقف الديانة، محمد صواش بولاط.
فضلًا عن دورها في لفت أنظار المواطنين الأتراك إلى ما يجري في أكثر البؤر السياسية سخونة التي تعاني من اضطرابات وأزمات، مثل حرب اليمن التي أطلقت من أجلها حملة تبرعات تحمل اسم “لا تبقى صامتًا حيال اليمن”، مسلطةً الضوء على 22 مليون شخص في اليمن ممن يصارعون الجوع والجفاف وخطر الموت، إضافة إلى 1.2 مليون شخص مصابون بوباء الكوليرا، و2.6 مليون نازح اضطروا إلى هجر منازلهم بسبب الظروف الأمنية المتردية هناك، وعلى ذلك قدمت الوزارة نحو 1.6 مليون دولار للمحتاجين في اليمن، واستثمرت الوزارة جهودها أيضًا في عدة أماكن ومناطق منكوبة أخرى، مثل فلسطين وبنغلاديش وسوريا.
-
المرأة والطفل
ركزت الوزارة جزءًا كبيرًا من اهتمامها على المرأة وما يدور حولها من تصورات اجتماعية وثقافية، وقد يؤكد كلامنا ما حدث قبل عامين تقريبًا حين انتقد نشطاء الحيز الافتراضي فتاوى نور الدين يلديز الذي أثار غضبهم بسبب فتاويه التي لا تمد للدين الإسلامي بصلة، مثل “القهوة والكاتشاب والكاكاو، والأطعمة الغنية بالتوابل والاستهلاك المفرط للحوم يثير الشهوة الجنسية، لذلك ينبغي أكلها عند الزواج” و”الإسلام يسمح بالزواج من طفل في عمر الست سنوات” و”وجود المرأة والرجل في المصعد يعتبر خلوة” و”يباح لرجل ضرب زوجته، وعلى المرأة أن تشكر الله حتى الصباح لتعرضها للضرب”.
دفعت هذه الآراء المتشددة، أردوغان للرد على يلديز ومن يتبع مساره، قائلًا: “بعض الأشخاص يزعمون بأنهم رجال دين ويتحدثون عن النساء ويطلقون تصريحات ليست موجودة في ديننا مطلقًا ومتناقضة مع ظروفنا الزمنية الحاليّة، هم لا يدركون أن الإسلام بحاجة إلى تجديد، فلا يمكن تطبيق أحكام الإسلام التي وضعت قبل 14 قرنًا من الزمن، الإسلام يتغير ويتكيف مع تغيرات وتطورات الزمن”.
لكن هذه الدعوة تلقت ردود فعل غاضبة، فأوضح أردوغان مقصده وقال: “نحن لا نسعى إلى تعديل الإسلام، القرار الأخير يبقى لما يقوله قرآننا الكريم وأحكامه لن تتغير أبدًا، ولكن مع التقلبات العصرية لا بد من الاجتهاد في تطوير بعض منها وفقًا للظروف الزمنية الحاليّة”، وختم حديثه بدعوة هيئة الشؤون الدينية إلى تفعيل نشاطاتها وفعالياتها دعمًا لزيادة الثقافة الإسلامية لدى المجتمع التركي، ومنع الأحكام والتعليمات الشرعية الخاطئة من الانتشار والتداول.
نظام “ألو فتوى”، هي خدمة تمكن المواطن التركي من الاتصال بهذا المركز للحصول على إجابة موضوع معين، وترسل الجواب مكتوبًا إلى منزل المتصل بعد إجراء البحوث اللازمة
استجابةً لنداء أردوغان، قال أرباش: “لا يمكن إيجاد مصدر واحد في الإسلام يحث على تعنيف المرأة والزواج المبكر، فالإسلام دين رحمة ويسر، وصد كل العادات والتقاليد التي تحط من قدر المرأة أو تحرض على العنف”، وأضاف “على وسائل التواصل الاجتماعي يشارك الكثيرون قضايا حساسة وقد تكون مزعجة ومستفزة لمجتمعنا ونسائنا، والهدف منها استغلالنا، والحل الأنسب هو الاتصال بنا للحصول على الجواب السليم”، وأشار إلى كليات الشريعة ودروس الجوامع والعلماء الأكاديميون كمصادر مختلفة للمعرفة الدينية.
ولمساندة موقف أردوغان وأرباش، اجتمع وزير العدالة بكير بوزداغ بأرباش لوضع آلية من شأنها أن تمنح الناس معلومات دينية صحيحة دون الوقوع في الجهل أو ترك المجال للآخرين لإثارة الكراهية والفتن أو حتى استغلال الدين من أجل الحصول على الثروة أو الشهرة، ومن ضمن القرارات كان التعديل نظام “ألو فتوى”، وهي خدمة تمكن المواطن التركي من الاتصال بهذا المركز للحصول على إجابة موضوع معين، وترسل الجواب مكتوبًا إلى منزل المتصل بعد إجراء البحوث اللازمة.
وأخرى مثل إنشاء مؤسسة مرتبطة بهيئة الشؤون الدينية، ومسؤولة عن متابعة المراكز المتخصصة في التعليم الإسلامي، ووضع شروط للمؤذنين والأئمة ومعلمي القرآن والوعاظ والمفتيين بعدم العمل أو التدخل في الأمور الدينية إلا إذا تخرجوا من هذه المؤسسات التعليمية، وتهدف الهيئة إلى زيادة عدد النساء في الوسط الديني الحكومي والأكاديمي، إذ ستعين مساعدة للمفتي في كل محافظة، وفي المدن الكبرى سيكون العدد أكبر، وستزيد من عدد الداعيات ومعلمات القرآن.
-
التعليم والشباب
تعمل هيئة الشؤون الدينية بشكل مركز على المسائل التي تخص الشباب، ولذلك تسعى دائمًا إلى عقد اتفاقيات مع وزارة الشباب والرياضة التركية من أجل تقديم برامجها وخدماتها في مجمعات السكن الطلابي والمرافق الرياضية ومراكز الشباب والمعسكرات الصيفية، ويشمل ذلك تقديم خدمات إرشادية ودروس في تعلم القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وذلك بمساعدة 711 أستاذًا.
وفيما يتعلق بالمنهاج التعليمي الرسمي في المدارس، بذلت الوزارة جهودًا حثيثة في إعادة تشكيل المحتوى الدراسي وإدخال المواد الدينية ضمنها. وذلك عدا عن إنجازاتها الناجحة في رفع عدد مدارس الأئمة والخطباء الإعدادية التي كانت 1099 ألفًا في العام الدراسي 2012-2013، ووصلت إلى 3286 في نهاية عام 2018، وبلغ عدد طلابها 723 ألفًا، أما عدد مدارس الثانوية فقد بلغت 537 في العام الدراسي 2011-2012، و605 ألفًا بحلول عام 2018، وبلغ عدد الطلاب 627 ألف و503 طلاب.
توفر الهيئة منحًا علمية لغير الطلاب الأتراك في إفريقيا ودول البلقان وشعوب آسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية، كما تستقطب طلابًا من بلدان أخرى لتلقي التعليم الإسلامي في إسطنبول وقيسارية وقونيا
توفر الهيئة منحًا علمية لغير الطلاب الأتراك في إفريقيا ودول البلقان وشعوب آسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية، كما تستقطب طلابًا من بلدان أخرى لتلقي التعليم الإسلامي في إسطنبول وقيسارية وقونيا. يضاف إلى قائمة الأولويات، الأعمال التقليدية مثل تنظيم دورات تحفيظ القرآن وترجمة التفاسير الدينية والاجتماع مع ممثلي الأقليات الدينية المختلفة في تركيا وتعليم اللغة العربية.
-
التطورات السياسية
“ما أهمية وزارة الديانة التركية في البلاد؟”، عندما طُرِح هذا السؤال على أرباش في إحدى المقابلات التليفزيونية، قال إن أئمة الجوامع والخطباء والمفتين على مر التاريخ لم يكونوا فقط أساتذة دين، وإنما شاركوا إلى جانب المقاتلين على الجبهات في حرب الاستقلال، والآن إذا عدنا قليلًا في الزمن وتذكرنا ليلة الانقلاب الفاشلة، فسنلاحظ أن مآذن مساجدنا نادت على الناس للنزول إلى الشارع من أجل التصدي لمخطط جماعة فتح الله غولن، مشيرًا بهذه الإجابة إلى أن دور الوزارة لا يقتصر على أداء المهام التقليدية، وإنما يشمل العمل والوعي السياسي والفكري بكل ما يمس تركيا واهتماماتها وهويتها الإسلامية.
يتضح ذلك جليًا في عدة مواقف ومناسبات، على سبيل المثال، دعت الوزارة إلى تلاوة سورة الفتح للدعاء من أجل نصر الجيش التركي ضد الأهداف العسكرية لتنظيمي “ب ي د/بي كا كا” وداعش الإرهابيين في عفرين، أما فيما يخص التطورات الخارجية، تُعرف الوزارة بدورها ونشاطها في عقد اجتماعات ومؤتمرات عن وضع القدس وهويتها الإسلامية في إطار دعم القضية الفلسطينية، فقد كان غورماز أول رئيس للشؤون يزور القدس المحتلة في تاريخ الجمهورية التركية ويلقي خطبة الجمعة ويأمّ الصلاة في المسجد الأقصى. من ناحية أخرى، يُعرف غورماز بموقفه المشجع لزيارة القدس على اعتبار أن زيارات الأتراك للمدينة المحتلة أمر “يزعج الإسرائيليين بالفعل”.
التصق اسم الوزارة بعدة إنجازات تتعلق بتوعية الشباب بشأن أفكار وأنشطة الجماعات والتنظيمات الإرهابية مثل تنظيم فتح الله غولن وداعش الإرهابي، وبرأت التاريخ الإسلامي من تلك التشكيلات والأمور التي يقومون بها وينادون إليها، مشددًة بالعديد من خطاباتها إلى أهمية تخليص الإسلام من الأيديولوجيات الزائفة ومعالجة أمراض الكراهية المعادية للإسلام في العالم الغربي بالمعرفة والحكمة.
وعدا عن الجانب النظري، فتحت أبواب مراكزها في المدن التركية لاستقبال الشباب الذين لديهم استفسارات عن هذا الموضوع، كما نظمت فعاليات أسبوعية وشهرية لأكثر من 3 آلاف شخص للحديث عن هذه المحاور ومواجهة تلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية والإسلاموفوبيا بالوعي والفكر الصحيح.
يأتي جزء من هذا الاهتمام، لمحاولة البعض الربط بين الهيئة وتنظيم فتح الله غولن، الأمر الذي وصفه وقتها غورماز بـ”الفتنة القبيحة”، مؤكدًا أن التنظيم “شوه تعاليم ديننا السمحة.. وسعى لتخريب عقيدة المسلمين وأفكارهم. كان الأحرى به أن يساهم في معالجة الفقر ومساعدة المساكين فعلًا، ولكن بدل ذلك كان يسرقها منهم، فكان يأخذ من الناس وأتباعه أموال الزكوات وأموال المنح الدراسة ليضعها في بنوكه واستثماراته ومشاريعه الدولية، أو في وسائل إعلامه وصحفه وقنواته الفضائية التي تبث أكاذيبه وافتراءاته على الناس”، على حد قوله.
قبل عقدين فقط من الزمن، كانت وزارة الشؤون الدينية بؤرة التوتر في الجمهورية التركية، وهيئة حكومية لا يزيد موظفيها على 8 أشخاص في أفضل الأحوال، ولكنها الآن أعلى سلطة دينية في البلاد ولها مسؤولياتها الإدارية والاجتماعية، يعمل فيها الآلاف داخل وخارج تركيا، فقد امتد نفوذها إلى أوروبا وآسيا وإفريقيا، وباتت ميزانيتها تتجاوز العديد من الوزارات الحكومية الرئيسية، مثل وزارة الخارجية، كجزء من محاولات حزب العدالة والتنمية في استرداد جزء من اعتبار الهيئة.