النقد لغة هو التمييز بين الدراهم الصحيحة والزائفة.
والنقد المنهجى هو تجاوز حالتي الرفض المطلق والقبول المطلق إلى بيان الصواب والخطأ وقبول الصواب ورد الخطأ.
والنقد الذايى هو نقد فرد أو جماعة لنفسه/ ها.
والنقد يختلف عن النقض حيث النقد يتبعه البناء والنقض هدفه الهدم.
وتقويم المسار ومراجعة النفس وبيان مواطن العطب والخطأ من صفات النفس اللوامة (ولا أقسم بالنفس اللوامة) والكيس من دان نفسه وغيره من اتبع هواها، ولوم النفس ومحاسبتها من أهم صفات المسلم المؤمن العامل لدينه ووطنه.
والنقد الذاتى هو الفريضة الغائبة والغاية المنشودة من الحركة الإسلامية والإسلاميين، حيث إن تراثهم الفكري والفقهي يحتاج غربلة شديدة وتنقيح كبير وتنقية عظيمة ليفرز الغث منها والسمين والعطب والجميل.
فقد انتهى عصر “ولو ضربك وجلدك وأخذ مالك” إلى الخروج الواجب على الحاكم الظالم المستبد الجائر الغاصب للأعمار والأوطان والحريات كضرورة شرعية ومهمة مجتمعية وواجب شعبي.
وكما التراث الفكري والفقهي أيضًا .. التاريخ الإسلامي يحتاج لتلك الزلزلة الجارفة من حالة النقد المنهجي غير المتعصب ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كرهنا نحن أبناء التراث الإسلامي.
فالنبي – صلى الله عليه وسلم – معصوم فيما يبلغ عن رب العزة – سبحانه وتعالى – أما في أمور الدنيا فهو – صلى الله عليه وسلم – غير معصوم كما قال هو “إنما أنا بشر فأعملوا ما يصلحكم وأنتم أعلم بشئون دنياكم”.
والصحابة – رضوان الله عليهم – بشر يصيبون ويخطئون لا قداسة ولا عصمة لأحدهم.
والأئمة الأربعة ورموز الفقه الإسلامي وقادته والبخاري ومسلم بشر يصيبون ويخطئون ولاعصمة لأحدهم.
وهكذا الجماعات الإسلامية وتنظيماتها وأحزابها لاعصمة لها ولا قداسة لها ولا هم أوصياء على دين الله ولا هم أبناء الله وأحباؤه.
فبعيدًا عن التيار الجهادي التكفيري وجرائمه في حق الأمة ومجتمعاتها شرقًا وغربًا وفى حق الدعوة الإسلامية وتأخرها والنفور منها ومحاربتها في شتى بقاع الأرض.
وبعيدًا عن التيار السلفي الانبطاحي الذي ينمو ويترعرع في أحضان الطاغوت والاستبداد والدكتاتورية العسكرية ويتترس بحماية أعداء الدعوة والدين وينشأ في دكاكين أمن الدولة وحجر المخابرات العسكرية.
تجد أكبر جماعة وصاحبة أكبر تنظيم عالمي ودولي “جماعة الإخوان المسلمين” عندما تقيسها بمسطرة النقد المنهجي تجد عجبا وتزداد حيرة لما وصلت الأمة لهذه الحالة من الضعف والعبثية والإنحلال.
قد تقرأ كثير من الكتب والمجلدات عن الملهم الموهوب الأستاذ/ البنا (رحمه الله) – ويستحق الرجل ذلك – لكنك في نفس الوقت لا تجد دراسة نقدية علمية ذاتية أو موضوعية للمؤسس لأكبر تجمع تنظيمي حركي إسلامي في مصر والشرق الأوسط (بعيدًا عن الرفض المطلق النابع من الكراهية والحقد والإقصاء أو القبول والتأييد المطلق النابع من أن تكون كالميت بين يدي المغسل مع مسئولك).
وكذا أيضًا المرشدين المتعاقبين ومراحلهم وكيفية التعامل السياسي والمجتمعي والمعرفي مع الأمة ومراحلها.
أيضًا تقرأ الكثير من الكتابات عن فترة المحنة وآلام المظلومية وارتداء ثوب الضحية أيام الطاغوت عبد الناصر، ولا تجد دراسة نقدية ذاتية عن أسباب ومآلات المرحلة ونتائجها.
وكذا مراحل الإخوان وفتراتهم مع السادات ومبارك وخوضهم انتخابات محلية ونيابية وإضفاء الشرعية الديكورية للطاغوت لايتكلم فيها أحد بدراسة نقدية ذاتية أو موضوعية مجردة للتاريخ.
أيضًا ثوب الإخوان الفكري والمنهجي والحركي تحميه تلال من الكتب والرسائل والدراسات وقلما تجد دراسة نقدية ذاتية للفكرة والمنهج ووسائلها وطرق تفعيلها حركيًا وواقعيًا ومدى ملائمتها للتطبيق.
وهل الوقت ملائم؟
سؤال من لا يريد الخير ولا يرغب في كشف الحقائق .. ومتى كان ملائمًا .. ولماذا لم يحدث حتى الآن؟! بعد مرور سنوات وسنوات، لكنه لم يحدث ليس لعدم ملائمة الوقت لكنه الخوف ثم الخوف من مواجهة النفس بأخطاء كثيرة وكبيرة ساهمت في تغيير كامل لحركة التاريخ الإنساني عامة والإسلامي خاصة.
عجيب أن يلام ويعاتب الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الله سبحانه وتعالى في أكثر من موضع ومكان وحدث، واللوم والعتاب نقد للنفس والذات ومحاولة لتقويم النفس وإصلاح أخطائها، كان اللوم والنقد والعتاب سريعًا وفوريًا ولا يتقيد بوقت ولا حال لكنه التصحيح والتقويم والاستفادة من الأخطاء والتجارب.
لماذا تندر الدراسات النقدية الذاتية المجردة المخلصة لجماعة كبيرة مثل جماعة الإخوان المسلمين وسياساتهم ومنهجهم وفكرهم وحركتهم التاريخية خدمة للتاريخ الإسلامي وحماية لأبنائه من الغوص في مياه راكدة وتجارب بشرية عقيمة والاستفادة من التجربة البشرية والتاريخية والحركية وتطوير للعقل الحركي الإسلامي وكيفية تعامله مع الواقع.
لماذا لم يظهر حتى الآن وبعد عام من الانقلاب العسكري الدموي الثاني على جماعة كبيرة مثل جماعة الإخوان المسلمين خلال أقل من قرن من الزمان، والعجيب أن الأستاذ المرشد “محمد بديع” – فك الله أسره – ممن عاصروا الانقلابين العسكريين من عبد الناصر وحتى السفاح السيسى؟
لماذا لم يظهر نقد منهجي أو ذاتي لتجربة الإخوان المسلمين مع ثورة المصريين في يناير وحتى الآن؟
سؤال سيظل عالق يبحث عن إجابة لكن هيهات.
فلازلنا ننتظر الإجابة من الخمسينيات وحتى الآن فما من مجيب!