هل نحن في مأمن فوق الأرض؟ هل ستحترق أم ستُدمر؟ أيُغرقنا تسونامي عظيم أو تُبيدنا حرب كونية أو وباء فتاك؟ كيف ستنتهي الحياة البشرية؟ لست وحدك من تقفز إلى ذهنه هذه الأسئلة ويؤرقه التفكير فيها وفي فك ألغاز بدء الخلق والعدم، ففكرة الفناء ونهاية العالم سيطرت تقريبًا على العنصر البشري على مدى كل الحضارات والديانات وإن كانت بدرجات متفاوتة، ولكنها ازدادت في العقود الماضية لتصبح (فوبيا) لدى البعض نتيجة الأخطار المتوقعة التي باتت تستهدف الحياة على كوكب الأرض بفعل الحروب المدمرة وتغير المناخ والأمراض والأوبئة المستجدة.
الفوبيا
الفوبيا (phobia) كلمة أصلها يوناني وتترجم إلى العربية بـ”الرُهاب” أو “عُصاب المخاوِف” لكن تكتفي مراجع عربية كثيرة بتعريب المصطلح إلى فوبيا، وتتميز بظهور خوف مفاجئ تجاه مكان أو موقف أو شيء ما يستمر لأكثر من ستة أشهر، وللرُهاب أشكال مختلفة كفوبيا المرتفعات والأماكن المغلقة أو المظلمة وفوبيا الاغتسال والدم، وكذلك فوبيا الموت (Thanatophobia)، وتشمل نظرية نهاية العالم (Apocalypse) أو أبوكاليبس وهي كلمة إغريقية قديمة ترمز الآن إلى نهاية العالم أو نهاية هذا العصر سواء كان نتيجة حروب كبرى أم عوامل طبيعية أم انتشار وباء مدمر.
وتشير الدراسات إلى أن نحو 5-10% من الناس مصابون بواحد من أنواع الفوبيا التي تؤثر بشكلٍ سلبي على أحد نواحي حياتهم.
الأسطورة
تحدثت أساطير الأولين عن نهاية الخلق وعن قوى طبيعية خارقة تُنهي حياة البشر كفيضان بلاد ما بين النهرين التي خلدتها ملحمة “أتراحاسس” في ألواحها الطينية التي صورت بدء الخلق وانتشار الجوع والمجاعة وأخيرًا الطوفان، وديوكاليون وبيرا في الأساطير اليونانية ويرغيلمير في الميثولوجيا الإسكندنافية وغون يو في الأساطير الصينية.
ويؤكد مختصون أن هاجس الفناء يُعد جزءًا من الموروث التاريخي والحضاري والثقافي ومحورًا درسه الفلاسفة والمنطقيون وعلماء الفلك، بداية من الطور الأول الذي تشكلت فيه مخاوف الإنسان ورهبته من الظواهر الطبيعية كالبرق (Astraphobia) وكسوف الشمس وخسوف القمر، حيث كانت بعض الشعوب تُطبل وترقص وتُقدم القرابين (بنات) ظنًا منهم أنه بفعلهم هذا يصرفون الشؤم وآلهة السوء والدمار.
وفي العصر الحديث، وقف العالم منتظرًا انطفاء شعلة كوكب الأرض ودماره طبقًا لنبوءة مرتبطة بتقويم قديم يعود إلى ما قبل 5.125 سنة لشعب المايا، الذي كان يعيش على الأرض الممتدة من جنوب مكسيكو وإلى أواسط أمريكا، قبل عدة قرون، وذلك التقويم يقول إن نهاية العالم ستكون في الـ21/12/2020، ما دفع الناس في عدة دول إلى الاختباء في الجبال وتخزين المؤن، فيما اختار أحد الصينيين إنفاق ما ادخره لبناء “سفينة نوح” طمعًا في النجاة.
الدين
أشارت الأديان السماوية الثلاث الإبراهيمية (الإسلام والمسيحية واليهودية) إلى نهاية الحياة وفناء العنصر البشري ونقلت صورًا عن مدن وأقوام أغرقها الطوفان وكذلك الحشر واستبدال الأرض، ويُعاني بعض الناس من خوف مستمر تُجاه توقيت القيامة، فبين وجل من ظهور علامات الساعة وأماراتها وأشراطها ومتوجس من معركة هرمجدون (حرب طاحنة ستحصل في نهاية الزمان).
لهذا بات لزاما على أمريكا أن تقوم بضربة استباقية لتمد من عمر ربيبتها الصهيونية إلى أن تتهيء الأوضاع للمعركة الفاصلة ( آرمجدون)
— فواغي القاسمي (@fawaghialqasimi) March 20, 2013
من المعلوم أن الإيمان يمنح الأشخاص الأمان والسلام الكافيين للعيش بشكل طبيعي، إلا أن العلاقة بين الدين والرهاب قوية وغير مفهومة في آن واحد، ويعد الخوف من المجهول خاصة فيما يتعلق بما بعد الموت (القيامة والبعث والجنة أو النار) من أكثر الأنواع شيوعًا من الفوبيا الدينية، ويخشى الأشخاص المصابون بمثل هذا الرُهاب من رموز الموت كشواهد القبور والجنائز ومواعظ النذير والتخويف.
وفي السياق ذاته، فإن تركيز الأشخاص على ثنائية الذنب والخلاص قد يولد هلوسة مزمنة وحالة من الشك الدائم والناجم عن دورة الخطيئة والغفران، وتخيل المصير ما بعد الفناء.
من جهة أخرى، تؤكد الباحثة في مجال علم النفس ليزا فريتشر، أن رهاب يوم القيامة ذا الميل الديني يمكن أن يكون مرتبطًا برهاب الموت (thanatophobia)، ويشمل أولئك الذين يشككون في عقيدتهم، مضيفةً أن الشخص الذي ينتمي إلى خلفية دينية وبدأ في مرحلة الشك بتعاليمه، سهل التعرض إلى الرهاب من خلال محاولاته المستمرة لمعرفة حقيقة الموت.
إلى ذلك، فإن ربط الدين بالفوبيا لا يتعلق باتهام عقيدة الأشخاص، بقدر ما يتعلق بنقد قصر فهم الأفراد للتدين والإله، فاضطراب مفاهيم الرجاء في الثواب والخوف من العقاب، أرعب بعض الأشخاص وشوش أفكارهم، ودفعهم إلى الشك ومن ثم إلى الخوف المرضي (الفوبيا).
هاجس الموت لم ينتف بفعل التقدم التكنولوجي والتطور الحضاري الذي عرفته الإنسانية في العقود الماضية، حيث أفرزت النهضة الصناعية قراءات جديدة لنهاية العالم استندت أغلبها إلى ما توصلت إليه العلوم التجريبية كالاحتباس الحراري ونظرية الثقوب السوداء، وأخرى تهتم بالظواهر الاجتماعية والسياسية كالحروب النووية.
الحروب
من البديهي، أنه كلما ظهر مصدر جديد لخوف الإنسان يلي ذلك تصور جديد لنهاية العالم، لذلك شكلت نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية (عاهات جسدية ونفسية) وكذلك الحرب الباردة ومخاطر اندلاع مواجهة نووية، حالة من القلق والخوف المرضي (الرهاب).
تقول اختصاصية الطب النفسي المصرية نعمة بدران: “تعتبر الصدمات التي يتعرض لها الطفل بفعل الإنسان أقسى مما قد يتعرض له من جراء الكوارث الطبيعية وأكثرها رسوخًا في الذاكرة، وقد تُصاحب هذه الصدمات حالات من الفوبيا المزمنة”.
ويؤكد مؤيدو هذا الرأي أن رهاب الحروب زاد حدةً منذ اختراع السلاح الذري، ولم يمنع الردع المزعوم من اندلاع الحروب الإقليمية والمحلية بل صار محفزًا ومحركًا لدول أخرى لامتلاكه، كما أن تسابق الدول في استبدال سلاحها القديم بآخر أصغر حجمًا وأكثر دقة كالدرونز الموجهة عن بعد، يُعزز من خطر النزاع المقصود والعرضي، فيما يرى آخرون أن وصول ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة وتصاعد التوتر مع كوريا الشمالية وانسحابه من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى (INF) الموقعة عام 1987، إضافة إلى نسفه لمعاهدة جنيف النووية مع الإيرانيين (PAGC)، ما هي إلا بداية جديدة لصدام محتمل.
بدورها، عززت العمليات العسكرية لكل من الولايات المتحدة وروسيا وتضارب مصالحهما في الشرق الأوسط، من الاعتقاد في نشوب حرب باردة ثانية أو حرب عالمية ثالثة، إضافة إلى صفقة القرن التي يعتبرها البعض الصفحة الأخير من كتاب حياة البشرية.
اقتراب نهاية العالم #صفقه_القرن
— Khaled Salah (@_KhaledSalah_) January 28, 2020
على صعيد آخر، فإن ساعة يوم القيامة (Doomsday Clock) التي صُنعت عام 1947 على يد علماء الذرة لتنذر بقرب نهاية العالم بسبب السباق الجاري بين الدول النووية، حيث إن وصول عقارب الساعة إلى وقت منتصف الليل يعني قيام حرب نووية تُفني البشرية، تُعد هي الأخرى من العوامل الرئيسية للقلق وهي إحدى مسببات الفوبيا لدى الأشخاص المهتمين بالأخبار السياسية وما يدور في العالم.
البيئة والاحتباس الحراري
يعد تغيُر المناخ القضية الأكثر جدلاً في عصرنا الحاليّ ومصدرًا جديدًا من حالة القلق العام الذي يُعاني منه البشر، فالأخطار المحدقة بالأرض كاحتباس الحراري الذي أفرزته الأنشطة الصناعية والسلوك الإنساني المدمر للبيئة، أضحى أكبر تهديد منهجي يُواجه البشرية وزاد من مخاوف حدوث كوارث بيئية وطبيعية.
ويستند شعور الأفراد بالقلق البيئي بصورة رئيسية إلى عجز الحكومات والمنظمات الأممية على الالتزام بمخرجات قمم المناخ كتخفيض انبعاثات الكربون بنسبة 45% بحلول عام 2030، وإيجاد حلول عملية تُنقذ كوكب الأرض من كوارث متوقعة ومنها موجات الحر الشديد والجفاف والعواصف الثلجية والأعاصير وذوبان الجليد الذي قد يحدث انهيارات أرضية، وينتج الميكروبات المدفونة تحت الجليد منذ فترة طويلة، كما حدث عام 2016 عندما ذاب الجليد وأدى إلى تفشي مرض الجمرة الخبيثة.
وبحسب مختصين فإن “القلق البيئي” هو حالة من الخوف المزمن من تدمير البيئة وفقدان سبل العيش أو السكن، إضافة إلى مخاوف من كوارث وأخطار تُهدد الأجيال المقبلة، ومشاعر الحزن المتولدة عن العجز، ووفقًا لاستطلاع أجرته (YouGov) ونشرته صحيفة Huffington Post ، فإن 51% من الذين تمت مقابلتهم أصيبوا بقلق عندما تخيلوا عواقب الاحتباس الحراري، وأن النسبة تصل حتى 72% بين سن 18-24 سنة.
لازم تطلق صافرة الخطر العالميه ويبدا الناس بأسرع وقت بتوعية كل اللي حولينهم عن خطر الاحتباس الحراري. نهاية العالم بإيدينا احنا وقادرين نوقفها. متى نبدا ننسق فرق تطوعيه لزرع مليون شجره اسبوعيًا للحد من هذه الظاهره؟؟ ومتى رواد الاعمال يبدأون مشاريع استبدال البلاستيك بمواد افضل
— HUMAN. (@iamthehumanx) July 19, 2019
قالت أستاذة علم النفس والدراسات البيئية سوزان كلايتون: “نسبة كبيرة من الناس يعانون من التوتر والقلق بشأن الآثار المحتملة لتغير المناخ، وأن مستوى القلق يزداد بشكل شبه مؤكد”، فيما أوضح الطبيب النفسي الأمريكي “صموئيل دوك” أن فئة الشباب التي نشأت على تقارير إخبارية وأفلام هوليود تصور قرب نهاية العالم، تشعر بالحنق تُجاه الشركات الكبرى والحكومات التي عجزت عن إيجاد حلول لهذه المعضلة، وبالتالي فهي تُحمل نفسها مسؤولية التفكير في طرق لإنقاذ العالم من الدمار وتشعر بالذنب تُجاه ما آلت إليه الحياة على سطح الأرض، وهو “ذنب يمكن أن يؤدي إلى ماسوشية أخلاقية”.
الأوبئة
تُشكل الأوبئة والأمراض السارية ضلع الخوف الثالث بعد الحروب والكوارث البيئية، وهي مصدر رئيسي للقلق والخوف بالنسبة للبشر الذين عانوا أنواعًا مختلفة منه على مر السنين تراوحت بين الحادة والمميتة مثل الطاعون بنوعيه الأنطوني والأسود والإنفلونزا الآسيوية والخنازير وحمى الزيكا وإنفلونزا هونغ كونغ والإيبولا، وغيرها من الأمراض المهددة لحياة البشر كالملاريا والكوليرا.
ويؤكد العالم البارز في مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي إريك تونر، أن الأمراض المعدية “ستستمر في الظهور والعودة للظهور، وأعتقد أنها جزء من العالم الذي نعيش فيه الآن، نحن في عصر الأوبئة بسبب العولمة، بسبب التعدي على البيئات البرية، ويمكن أن تتفشى العديد من الأمراض في المستقبل”.
من جهة أخرى، لا يمكن التحكم في الأوبئة وحصرها في عالمنا المعاصر في ظل بوجود وسائل النقل كالطائرات والقطارات والسيارات، حيث يمكن للفيروس أن ينتقل إلى جميع بلدان العالم في أقل من يوم واحد، الأمر الذي زاد من حالة القلق والخوف من انتشار الوباء في العالم وإمكانية فناء البشر.
وزاد تفشي فيروس كورونا في الصين (إصابة 17 ألف شخص) وانتقاله إلى عدد من الدول في العالم، من حالة الفوبيا وهاجس انتهاء العالم بفعل الوباء، فرآه البعض إشارة على عقاب إلهي أصاب الصين الشيوعية الملحدة كالقس الأمريكي ريك وايلز الذي أكد في تغريدة على تويتر أن “الأوبئة هي واحدة من آخر مراحل الحكم”.
Rick Wiles says the coronavirus is a plague sent by God to purge the world of sin as the End Times approach and those who mock God “better wise up because there is a Death Angel on the loose right now and you are going to get an attitude adjustment.” https://t.co/UW8ObaHZoG pic.twitter.com/qp0FomKKUw
— Right Wing Watch (@RightWingWatch) January 28, 2020
وقال عنه آخرون إنه عقاب إلهي نتيجة سياستها المتشددة تجاه مسلمي الإيغور في إقليم شينجيانغ الواقع في أقصى غرب البلاد، وعلامة من علامات نهاية العالم.
هؤلاء الصينيون يضربون المسلمين الاويغور وقد ابتلاهم الله بمرض خبيث سوف يدمرهم
فيديو كامل عن فيروس كورونا هَـــنآ https://t.co/GmdoXdAmz5#كورًوناَ الصين#فيروسَ_كورًونا
— Juan Carlos (@juancarlosv1978) February 4, 2020
وصبت باقي التعليقات التي طبعت بالخوف والهلع في خانة إمكانية انتشار الفيروس القاتل في البلدان العربية، خصوصًا أن حجم التبادل التجاري بينها وبين بكين يُعد كبيرًا، وأن الفيروس ناجم عن حرب بيولوجية تستهدف القوة الآسيوية الصاعدة.
إذا لم يكن فيروس كورونا جزءاً من حرب بيولوجية موجهة ضد الصين،
فإن حجم التحريض والتهويل الإعلامي حوله هو جزء من الحرب ضد الصين..
— Dr. Ali Fadlallah (@fadlalihotmail1) February 3, 2020
من جهة أخرى، فإن قائمة التهديدات الوجودية ومسببات القلق تنوعت لتشمل فوبيا التكنولوجيا، حيث يعتقد بعض الناس أن العصر القادم هو عصر تجبر الروبوتات النانوية التي ستستعبد البشر، والذكاء الاصطناعي الذي سيحولهم إلى خدم.
ومن هذه الزاوية يُمكن القول إن التصورات الحاليّة لنهاية الحياة غير المسبوقة، ناجمة عن كيمياء معقدة بين النصوص العلمية التي توثق بشكل ملموس إمكانية الدمار القريب، وعناوين الأخبار السلبية التي يتم نشرها في التقارير الإخبارية، وتحذير وسائل الإعلام الاجتماعية من الكوارث البيئية والاقتصادية بكثافة، وحرب المعلومات التي تنشر احتمالية انتشار الأوبئة، أو قيام هجمات إلكترونية أو إرهابية، إضافة إلى الأفلام والمسلسلات والروايات التي تصور عالم منهار بفعل الكوارث.
سينما الفناء
استثمرت السينما العالمية مخاوف البشر من يوم القيامة واستغلتها أيما استغلال وركزت على فكرة الفناء التي تشغل الإنسان منذ آلاف السنين، ووضعت سيناريوهات مختلفة للحظة دمار الأرض ومنها الحروب والتلوث والأوبئة أو انتشار الموتى الأحياء “الزومبي”.
ومنذ الحرب الباردة سارع صناع السينما في الولايات المتحدة إلى إطلاق أفلام تُحاكي الحروب المدمرة للأرض سواء كانت نووية أم بيولوجية، وعُرضت في قاعات السينما العالمية أفلام تصور نهاية الحياة على الأرض ومنها على سبيل الذكر لا الحصر:
(the day after) عُرض في 1983 ويحكي قصة حرب متخيلة بين قوات حلف شمال الأطلسي ودول حلف وارسو، تتصاعد سريعًا وتصل إلى تبادل إطلاق نووي شامل بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي من شأنه أن يدمر العالم.
(The Day After Tomorrow) يصور الفيلم التأثيرات المناخية الكارثية التي تحدث بعد تعطل جريان المياه في شمال المحيط الأطلسي وتجمدها، وسلسلة من الأحداث المناخية القاسية التي تبشر بتجمد عالمي وعصر جليدي جديد سيمحي الحياة من على الأرض.
(28 days later) يحكي قصة قرود مصابة بفيروس خطير يتم نقله للبشر في مدة لا تزيد على نصف دقيقة.
فيلم (2012) يصور ارتفاع الحرارة القادمة من الشمس التي سخنت نواة الأرض، الأمر الذي أدى إلى سلسلة كوارث طبيعية تهدد الحياة على الكوكب.
تصنيع الفوبيا
غذى الكم الهائل من التقارير والدوريات العلمية والأفلام المصنعة عن دمار الأرض، بروز سوق مثيرة للاهتمام وتُسمى سوق الأعمال التجارية لنهاية العالم، ولعبت الشركات على الحالة النفسية للأفراد والفوبيا التي يُعانون منها لترويج بضائعهم المتنوعة، فظهرت في الولايات المتحدة سوق عقارية جديدة تبيع منازل تحت الأرض وأقبية للحماية من الكوارث، وليتم إنقاذك، فعليك دفع مبلغ يساوي 50 ألف دولار.
وأعلنت شركة البناء (Vivos) أنها تحتفظ لزبائنها المميزين بمكان مناسب في مخبأ أرضي مفروش بالكامل، وينشر الموقع الإلكتروني أمثلة لبنايات تحت الأرض.
وقالت مصادر، إنه بالفعل اشترى عدة آلاف من الأمريكيين مكانهم في هذا الملجأ الفاخر (مع غرف الاسترخاء والسينما والمستشفى ومركز طب الأسنان)، التي ستسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة بعد كارثة كبرى لمدة عام، فيما اختار آخرون الاستعداد للكارثة على طريقتهم الخاصة بتخزينهم الطعام المجفف بمدة صلاحية تتراوح بين سنتين و25 عامًا، وأشارت التقارير إلى أن المبيعات ازدهرت وزادت بنسبة 200 إلى 300% كل عام.
وفي السياق ذاته، فقد ساهمت نبوءة شعب المايا -سالفة الذكر- في إنعاش ما سُمي بطريق (مايا) الذي يربط المكسيك ببعض دول الجوار، وبحسب التقارير فقد زار المنطقة نحو 52 مليون شخص، بإيرادات قدرت بـ14.6 مليار دولار.
في مقابل ذلك، فإن الفوبيا تُعد صناعة مخبرية تعتمد على علم النفس السلوكي من خلال رصد وتسجيل المعطيات المتعلقة بموضوع التجربة (البشر)، كأنموذج (الطفل آلبرت) لجون برودوس واتسون (1878-1958)، وتجربة (بافلوف) القائمة على نظرية المنبه والاستجابة، وبحسب واتسون فـ”إننا نتيجة سلسلة طويلة معقدة من الإشراطات والاستجابات للمثيرات المختلفة التي نتعلمها منذ الطفولة وفي محيطنا وبيئتنا”، والفوبيا هي خلق رابط بين ما هو مخيف وما هو غير مخيف.
العلاج
ينصح المختصون من يُعانون فوبيا نهاية العالم بالعلاج السلوكي المعرفي وهو أكثر أنواع العلاجات المستخدمة لحالات الرُهاب، فيشتمل على تعريض الشخص لمصدر خوفه ضمن ظروف مُرَاقبة، قصد تخفيف التوتر.
ويُركِز العلاج على تحديد وتغيير الأفكار السلبية والمعتقدات الخاطئة وردود الفعل السلبية للمواقف المُثيرة للرهاب، وتَستخدم التقنيات الجديدة للعلاج المعرفي السلوكي تكنولوجيا الواقع الافتراضي، وذلك من أجل تعريض الناس لمصادر خوفهم بشكلٍ آمن.
كما يمكن لمضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للقلَق أن تساعد على تهدئة ردود الفعل العاطفية والجسدية للخوف، وغالبًا ما يكون العلاج الأمثل هو العلاج المُعتمِد على الدَمج بين الدواء والعلاج النفسي.
بالمحصلة، فإن القلق من نهاية العالم أو دماره تُعد فكرة بشرية رافقت الإنسان في مراحل وجوده على الأرض فلكل حضارة وثقافة فهمها ونظريتها الخاصة في مسألة بدء الخلق ونهايته، ولكن عموم البشر أيضًا شبه متفقين على أن هذا العالم عبارة عن آلة ميكانيكية محكومة بأسبابها ونتائجها الطبيعية، ولا يوجد على ظهر الأرض كائن فوق الطبيعة.