بعد موجات القمع التي طالت التظاهرات منذ الأول من أكتوبر 2019 وإلى اليوم، وتزايد الوعود والتطمينات والضمانات الحكومية والأممية وإدانات المنظمات الدولية، حدث تحول في موقف الصدر وأنصاره مع تكليف رئيس الوزراء الجديد، فقد بدأت ميليشيا سرايا السلام التابعة لزعيم التيار الصدري بأداء أدوار وأعمال قمعية شرطية ضد المتظاهرين خاصة في ساحة التحرير ببغداد، فقد سيطروا على بناية المطعم التركي ومنصة إذاعة بيانات المتظاهرين وأنزلوا اليافطات التي ترفض تكليف رئيس الوزراء الجديد محمد علاوي منذ الساعات الأولى، كما سيطروا على عدد من الخيام في ساحة التحرير، بإلاضافة إلى فتح الطرق التي قطعها الثوار وتهديد كل من يدعو للإضراب عن الدوام وفتحوا المدارس والمؤسسات الحكومية.
كما حصلت الكثير من المناوشات بالعصي والسكاكين والمسدسات بينهم وبين المتظاهرين، وسجلت اعتقالات وحالات تعذيب بحق ناشطين، وتهدف أعمالهم إلى شق الصفوف وفض التظاهرات وحرفها عن مسارها بعد أن فشلت جميع وسائل الحكومة والميليشيات بالقمع والشيطنة والقتل والاختطاف ومحاولة جر العراق وجعله ساحة صراع إيرانية – أمريكية.
لم تقتصر محاولاتهم على بغداد فحسب، بل حاولوا اقتحام ساحة الحبوبي في الناصرية وساحة التربية في كربلاء وأصابوا الكثير من المحتجين في بابل والنجف، فممارسات القبعات الزرق تحاول إفراغ التظاهرات من محتواها وتأثيرها، من خلال دفعهم للتظاهر في مكان محدد وعدم التأثير على السلطة والحياة العامة بالإضراب وقطع الطرق، كما حاولوا تغيير الشعارات من كونها ضد الفاسدين وإيران والميليشيات إلى الوجود الأمريكي، لكن رغم كل ذلك فقد فشلوا لحد الآن في تقليل زخم التظاهرات واستمراريتها.
تقلبات الصدر
يعاني زعيم التيار الصدري من اختبار صعب لدى الشارع العراقي وأنصاره في إثبات أنه ضد الفساد والميليشيات ومع الإصلاح والتغيير في العراق، فقد غير الصدر مواقفه من التظاهرات حسب مصالحه، فتراجع عن المشاركة رسميًا في التظاهرات عند انطلاقها في أكتوبر ليشارك رسميًا بعد أسابيع مع تزايد عمليات القتل وبادعاء حمايتها من الميليشيات ولمشاركة جزء من تياره الفقير فيها من دون توجيه حزبي، لكن سرعان ما اتهمه الناشطون بمحاولة ركوب موجة التظاهرات واستثمارها لصالحه، فتخلى عنها وذهب بصف تحالف الفتح الذي يضم ميليشيات وصفها يومًا بالميليشيات الوقحة – إثر اغتيال سليماني – وشارك معهم بتظاهرات ضد الوجود الأمريكي. بعد ذلك عاد إلى التظاهرات بالتزامن مع اقتراب تكليف محمد علاوي الذي تشير الدلائل بأنه دعمه للحصول على مناصب وحصص بحكومته الجديدة.
ساحات التظاهر ترفض رئيس الوزراء المكلف
رفضت ساحات التظاهر المرشحين من نفس الطبقة السياسية والأحزاب الدينية الفاسدة، لإدراكهم أن أي مرشح يتولى رئاسة الوزراء من ذات الطبقة سيطبق ذات القواعد والمبادئ السابقة في تشكيل الحكومة واختيار كابينته الوزارية وسيبقى مُقيدًا بفكرة التوازن المذهبي البعيدة عن الكفاءة غالبًا، ناهيك عن مبدأ المحاصصة وتقاسم المناصب والمنافع والدرجات الخاصة وعدم الجدية في محاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة وتحالف الفاسدين مع الميليشيات.
جاء اختيار محمد علاوي بتوافق جديد بين فتح – سائرون كما حصل مع عادل عبد المهدي، لأنه وافق على السير على خطى سلفه وتنفيذه للصفقات والخطة التي عقدتها الكتل السياسية في أثناء تشكيل حكومة عبد المهدي التي تمت بإشراف قاسم سليماني.
ضعيف وغير مرغوب
رئيس الوزراء المكلف محمد علاوي ليس خيار الشارع العراقي المنتفض منذ 4 شهور، إنما خيار ذات الطبقة السياسية التي خرج المتظاهرون من أجل محاسبة فاسديها وميليشياتها، ولأنه ليس خيار الشارع فسيكون عرضة للضغوط وفرض الشروط من داعميه من الكتل.
فرئيس الوزراء المستقل ضعيف بالضرورة والجميع قادر على التأثير عليه، فهو مُكبل بالشروط والضغوط ولا يستطيع التغيير ويكون محدود الصلاحيات والقدرة على تنفيذ الوعود التي قطعها على نفسه، كما أنه يتحمل فساد الآخرين ولا يستطيع محاسبتهم، فهو ديكور فقط ومن خلفه تُعقد الصفقات الفاسدة وتضيع المحاسبة.
جاء تكليف محمد علاوي في توقيت حرج بعد مهلة قدمها رئيس الجمهورية، وبتوافق العامري والصدر دون تبني لترشيحه من أي كتلة على اعتبار أنه مستقل وبادعاء كاذب بأنه مرشح ساحات التظاهر. من هنا يشير هذا السلوك السياسي إلى عدم تحمل مسؤولية فشله المحتمل، لكن ستحصل بعض الكتل والأحزاب على منافع حزبية لدعمه في الخفاء كما جرت العادة.
لقد قدم رئيس الوزراء المكلف وعودًا كبيرة مرضية لساحات التظاهرات لكنه قطعًا لا يستطيع تنفيذها بالمطلق، فقد وعد بفتح ملفات الفساد ومحاسبة المتورطين بقتل المتظاهرين، كما وعد بتشكيل حكومة بعيدة عن المحاصصة وتوفير فرص عمل وحصر السلاح بيد الدولة وإجراء انتخابات مبكرة وضمان نزاهتها، إلخ، فهذه الوعود قدم جزءًا منها عبد المهدي سابقًا ولم يستطع تنفيذها لضعفه فكيف بمن هو أضعف منه؟
إن تنفيذ هذه الوعود سيجعله بمواجهة مباشرة مع نفوذ إيران التي تعتمد على الفساد والميليشيات في بناء نفوذها، فالرجل مدعوم من حلفاء إيران في العراق ومن غير الممكن مواجهتهم وهم داعموه لأنهم سيسقطوه من أول صدام معهم، ناهيك عن أن علاوي نسيب الصدر أي أن هناك علاقة عائلية مع الطرف المقابل الذي يدعي الإصلاح “الصدر”، فمن غير الممكن الصدام مع من دعمه أو مع من لديه علاقة عائلية معه ويعمل على فض التظاهرات بميليشياته “القبعات الزرق” من أجل تمريره في هذا التوقيت الحساس.