عاد الحديث مجددًا عن التدخل الإماراتي في موريتانيا ومحاولات بسط النفوذ هناك، فبعد الزيارة التي قادها الرئيس الجديد ووزير الدفاع السابق محمدو ولد الغزواني إلى أبو ظبي التي خرج من خلالها بعدة اتفاقيات كان أبرزها ضخ ملياري دولار في البنوك الموريتانية وإلغاء التأشيرات بين البلدين وتعزيز التعاون الأمني العسكري بين الإمارات موريتانا، بات من المرجح حدوث المزيد من التدخلات الإماراتية في القرار السيادي الموريتاني.
ويبدو أن الغزواني اختار السير على نهج سلفه محمد ولد عبد العزيز من خلال توطيد العلاقات مع أبو ظبي على حساب دول أخرى شقيقة، ولا يمكن أن يخفى على أي متتبع للشأن الموريتاني خطورة الاتفاق الأخير بين البلدين على استقلالية قرار البلاد ولأسباب عديدة نرصدها في النقاط التالية:
أولًا: الظرفية
جاءت زيارة الرئيس الموريتاني محمد الشيخ ولد الغزواني في توقيت حساس لا سيما في ظل ما تشهده ليبيا من حرب مشتعلة تقودها أبو ظبي بالتعاون مع خليفة حفتر لدخول العاصمة طرابلس والتحرك التركي الأخير لمنعها ودخول الجزائر التي عزفت بعيدًا عن ما ترغبه أبو ظبي على الخط، فبدت الجزائر لأول مرة في صف حكومة الوفاق، ناهيك عن المغرب الذي أعلن تأييده التام لحكومة الوفاق ورفضه التدخلات الأجنبية في البلاد، فلم يبق أمام أبو ظبي من بلدان المغرب العربي الخمس إلا موريتانيا وإن كانت الأضعف تأثيرًا لأسباب عديدة.
تسعى الإمارت جاهدة لإنشاء قاعدة عسكرية تضمن لها نفوذًا في القرن الإفريقي
يضاف لذلك فضيحة تجنيد العمالة السودانية في الإمارات وإرسالهم للقتال في ليبيا، وهو ما يتخوف منه الموريتانيون، حيث تعتبر الإمارات من أكثر الدول استقطابًا للعمالة الموريتانية، فقد وصل عددهم هناك لأكثر من 6000 مواطن حسب آخر الإحصاءات لسنة 2018، كما جاءت الزيارة بعد الأحاديث التي هزت الرأي العام في موريتانيا عن “قاعدة عسكرية إماراتية” في الشمال الموريتاني وهو ما نفته وزارة الدفاع الموريتانية مؤخرًا.
ثانيًا: التدخلات الإماراتية المريبة في الشأن الموريتاني مؤخرًا
منذ العام 2015 بدأت الإمارات تضع نصب عينها موريتانيا وتسعى لبسط نفوذها هناك نظرًا لأهمية موقعها الإستراتيجي، فهي تقع بين الجزائر والمغرب وعلى شواطئ المحيط الأطلسي ناهيك عن الحدود الإفريقية بين السنغال الجنوبية ومالي الشرقية، أي أنها مفترق طرق بين إفريقيا والعرب! وتمتلك موانئ من أغنى موانئ العالم من حيث الثروة السمكية والمعدنية.
دخلت الإمارات بقوة على الساحة الموريتانية بمشاريع اقتصادية كان أبرزها ما تم في مارس 2018، حين أعدت شركة مجموعة الإمارات الاستثمارية مخططًا شاملًا لمدينة نواكشوط عام 2020، وبناء محطة للطاقة الشمسية هناك، كما ساهمت أبو ظبي في إنشاء “مطار أم تونسي” الذي أصبح المطار الرئيسي للبلاد، ولم تنف الدولة الموريتانية حتى الآن ما تردد من أنباء عن بسط الإمارات نفوذها على ميناء نواكشوط، كما وعدت أبو ظبي بإنشاء مدرسة حرب لتدريب القوات الموريتانية وهو ما أثار قلق الكثيرين.
ثالثًا: المستوى السياسي
لأول مرة لا تصدر وزارة الخارجية الموريتانية أي تعليق بشأن “صفقة القرن” التي يعتبر محمد بن زايد أحد روادها وهو ما فسر برغبة الإمارات في ذلك وأن نظام ولد الغزواني لم يشأ إغضاب حليفته، كما غابت موريتانيا عن التعليق على الأزمة الليبية باستثناء بيان متأخر بعد أيام من مؤتمر برلين كان يتحدث على استحياء عن دعم الحكومة الشرعية، وكانت موريتانيا أيضًا وعلى لسان وزير خارجيتها في ديسمبر الماضي قريبة جدًا من إعادة العلاقات مع قطر التي أجبرتها السعودية والإمارات على قطعها معها في 2017، غير أن شيئًا ما حدث -لم يتم الإفصاح عنه- عطل إعادة العلاقات بين البلدين الشقيقين.
رابعًا: حرب الإمارات على التيار الإسلامي
وصلت حرب الإمارات على التيار الإسلامي لأشدها خاصة عام 2018، تاريخ إغلاق مركز تكوين العلماء الذي يقوده الشيخ محمد الحسن ولد الدوو ومن قبله جمعية المستقبل، وتهديد أكثر من 200 جمعية بالإغلاق، هذا وتسعى الإمارات لخلق تيار إسلامي جديد لها في موريتانيا يقوده الشيخ عبد الله ولد بيه، وهو ما ظهر جليًا مؤخرًا حين استضافت نواكشوط لأول مرة في الـ20 من يناير الماضي مؤتمر “علماء إفريقيا ضد التطرف والاقتتال” الذي نظمه “منتدى تعزيز السلم” في المجتمعات المسلمة” الممول إماراتيًا، وحظي المؤتمر بحضور الرئيس الموريتاني ولد الغزواني وبرعاية واهتمام واسع من الدولة والإعلام الموريتاني والإماراتي، وهو ما يفسر رغبة أبو ظبي الجامحة في إنشاء “تيار ديني جديد” تابع لها على خطى السعودية التي تواليها بعض التيارات الإسلامية في موريتانيا.
خامسًا: الإمارات والإعلام في موريتانيا
مؤخرًا بدأت الإمارات في الدخول إلى مجال الإعلام الموريتاني وتمويله، ولعل موقع “الرؤية” الجديد الذي أصبح من أكثر المواقع الموريتانية شهرة وسمعة خير دليل على ذلك وهو موقع ممول من أبو ظبي في ما يعرف بصناعة البروباغندا الإعلامية هناك في بلاد شنقيط.
كل الدلائل والمعطيات تشير إلى إصرار ورغبة نظام محمد بن زايد في بسط النفوذ في موريتانيا ووضعها ضمن خطته في الشمال والساحل الإفريقي لتضاف إلى دول جيبوتي وإريتريا اللتين وصل إليهما التنافس الخليجي، فأبو ظبي عاشقة الموانئ، تريد ميناء نواكشوط وميناء نواذيبو وهما من أكثر موانئ إفريقيا ثروة، وتسعى جاهدة لإنشاء قاعدة عسكرية تضمن لها نفوذًا في القرن الإفريقي.
كما أنها تميل إلى تمويل الجنرالات ودعمهم، وولد الغزواني جنرال ذا طابع عسكري وإن جاء بانتخابات مدنية ولباس مدني، كما أن “مشروعها الديني” قابل للتنفيذ في موريتانيا، فالشيخ عبد الله بن بية له قبول بين الموريتانيين ومن دعاة عدم منازعة أولي الأمر في الحكم ومن الساعين لإبعاد المواطن عن الشؤون السياسية، أما الشارع الموريتاني فمنقسم بين مرحب بالقروض الإماراتية متحمس لها على أمل أن تحل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد، بحسب حكومة ولد الشيخ سيديا وبين معارض متوجس من أبو ظبي لما لها من سوابق في اليمن وليبيا ومصر وغيرها، لتبقى الأحداث القادمة وحدها كفيلة بالإجابة عن السؤال.