بعد يوم واحد فقط من الكشف عن اتفاق إسرائيلي سوداني على “بدء تطبيع العلاقات”، وذلك بعد لقاء رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مع عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني، خلال زيارة لأوغندا، أول أمس، كشفت قناة إسرائيلية، سعي نتنياهو، إلى عقد صفقة ثلاثية بين “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية والمغرب.
“القناة13” العبرية في تقرير لها، أشارت إلى أن “إسرائيل” اقترحت على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عدة مرات في العام الماضي، إبرام صفقة ثلاثية بين “إسرائيل” وأمريكا والمغرب، بموجبها تعترف أمريكا بالسيادة المغربية في الصحراء الغربية، في مقابل تطبيع المغرب علاقته مع “إسرائيل”.
التقرير أرجع إرهاصات هذه الصفقة إلى سبتمبر 2018 حين ذكر رئيس حكومة الاحتلال تعليقًا على ماراثون التطبيع مع الدول العربية قائلًا: “لم أتخيلها في حياتي، ولا يمكن أن أتخيلها منذ بضع سنوات”، منوهًا – أي التقرير – أنه “خلال عهد نتنياهو كرئيس للوزراء، تم تعزيز التحالف السري بين “إسرائيل” وبعض الدول العربية إلى حد كبير، ولكنه بقي تحت الطاولة”.
جدير بالذكر أن تقرير القناة العبرية يأتي بعد يوم واحد فقط على كشف موقع “إنتليجنس أونلاين” الفرنسي، أن المغرب حصل على ثلاث طائرات استطلاع مسيّرة إسرائيلية الأسبوع الماضي، بموجب صفقة عسكرية مع “إسرائيل”، مشيرًا إلى أن تسليم الطائرات الثلاثة للمغرب يأتي ضمن صفقة وقعها المغرب مع “إسرائيل”، لشراء أسلحة وأدوات عسكرية بما قيمته 48 مليون دولار.
تفاصيل الصفقة
منذ عام ونصف تقريبًا وبالتحديد في 27 من سبتمبر 2018 خطب نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك قائلًا: “بعد تصاعد قوة إيران، أصبح الاتفاق بين “إسرائيل” والعديد من الدول العربية أقرب من أي وقت مضى، تقارب وود لم أتصور في حياتي مطلقًا أنه ممكن، لم يكن ممكنًا تخيل ذلك منذ بضع سنوات”.
وفي اليوم التالي مباشرة لهذا الخطاب التقى بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، وهو اللقاء الذي كشفت التقارير أنه جاء نتيجة لقناة الاتصالات السرية التي أنشأها مستشار نتنياهو للأمن القومي مئير بن شبات، ورجل نتنياهو الخفي المكلف بنسج علاقات وطيدة مع الأنظمة العربية والمعروف باسم بـ”معوز” (الحصن)، مع وزير الخارجية المغربي، بوساطة رجل الأعمال اليهودي المغربي ياريف إلباز، المقرب كذلك من صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر.
يذكر أن الخطوات التي قادها معوز في مسار التطبيع مع الدول العربية، كادت تشعل حربًا بين مجلس الأمن القومي الإسرائيلي وجهاز الموساد برئاسة يوسي كوهين، الذي لم يعلم بتلك الخطوات، بحسب التقرير، وهو ما أدى إلى استياء كبار المسؤولين في الموساد من تجاوز مجلس الأمن القومي لصلاحيات الجهاز، وإجراء قنوات اتصال غير منسقة مع الدول العربية.
ومع مرور الوقت تسبب ملف إدارة العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية الساعية لإقامة علاقات مع تل أبيب في تصاعد الخلاف بين الموساد ومجلس الأمن القومي، فيما نقل التقرير الذي بثته القناة العبرية عن مسؤولين إسرائيليين، أن “حرب الصلاحيات بين الموساد ومجلس الأمن القومي بخصوص تنسيق العلاقات مع الرباط وصلت إلى طاولة نتنياهو، الذي حسمها (الحرب) كان لصالح مستشاريه بن شبات ومعوز”.
زيارة محتملة سيقوم بها نتنياهو للعاصمة المغربية في مارس المقبل، قبيل إجراء الانتخابات الإسرائيلية
وفي محاولة لاختراق العلاقات مع الرباط، وظف بن شبات ومعوز العلاقات الوثيقة بين “إسرائيل” وإدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لخدمة هذا الهدف، وتوجهوا إلى كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية طلبًا للمساعدة، حيث اعتقدوا أن واشنطن يمكن أن تقدم المساعدة في قضية سياسية حساسة ومهمة للغاية بالنسبة للمغرب – مسألة السيادة على الصحراء الغربية -، حسبما نقل التقرير عن مسؤولين إسرائيليين.
وعليه اقترح بن شبات على الإدارة الأمريكية الدفع نحو إجراء صفقة ثلاثية بين المغرب و”إسرائيل” والولايات المتحدة، بحث يغير البيت الأبيض من سياسته ويعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وفي المقابل، ستشجع إدارة ترامب الرباط على اتخاذ مسار دبلوماسي يؤدي إلى تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”.
يذكر أن نتنياهو سعى أكثر من مرة لدفع الإدارة الأمريكية لتبني هذه الصفقة، المرة الأولى كانت قبل انتخابات الكنيست التي جرت في 21 من أبريل الماضي، غير أن التسريبات التي نشرت في وسائل الإعلام العربية عن زيارة بن شبات السرية إلى المغرب أحبطت هذه المساعي.
ثم كانت المرة الأخرى في سبتمبر الماضي، حيث حث واشنطن على اتخاذ خطوات عملية في هذا الخصوص، غير أنه قوبل بمعارضة قوية من مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الأمريكي جون بولتون، ما أحبط إتمام الصفقة، هذا في الوقت الذي تشير فيه تقارير إلى حالة من الإحباط تخيم على اليهود المغاربة جراء الفجوة بين وعود نتنياهو ورجاله والنتائج العملية على الأرض.
تحركات مكثفة
التقارير الصادرة عن الإعلام العبري كشفت بعض التفاصيل المتعلقة باللقاء الذي جمع بين نتنياهو ووزير الخارجية المغربي على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل 5 أشهر، حيث ذكرت القناة 13 العبرية نقلًا عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى (لم تفصح عن هويته)، أن نتنياهو ناقش مع بوريطة، تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، وبحث معه ما وصفه المصدر بـ”النضال المشترك في مواجهة التهديد الإيراني”.
القناة أكدت أن رئيس الحكومة الإسرائيلية حاول خلال اللقاء، دفع الجانب المغربي إلى توجيه دعوة له لزيارة المغرب، مشيرة إلى أن جهود نتنياهو بهذا الشأن باءت بالفشل، وبينما لم ينف مكتب رئيس الحكومة هذه الأنباء، وفقًا للقناة، إلا أنه رفض التعقيب، وقال: “لا نعلّق على اتصالات مع دول لا نقيم معها علاقات رسمية”.
الاقتراب من خط المقايضة السياسية على ملف الصحراء بالتطبيع سيعزز حالة الاحتقان الداخلي وهو ما لا تريده المملكة في هذا التوقيت
ولفتت تقارير صحفية مغربية إلى زيارة محتملة سيقوم بها نتنياهو للعاصمة المغربية في مارس المقبل، قبيل إجراء الانتخابات الإسرائيلية، مستغلًا القطيعة الدبلوماسية الإيرانية المغربية، مقابل التوسط بين العاهل المغربي والرئيس الأمريكي، للتوصل إلى صفقة “من شأنها أن تنهي ملف الصحراء الغربية”.
التقارير أشارت إلى أن تلك الزيارة تأتي ضمن مساعي نتنياهو للتقارب مع العالمين، العربي والإسلامي، مستغلًا “التهديد الإيراني المشترك”، ومكانة المغرب لضمان تأييد ودعم واسعين عند طرح “صفقة القرن” الأمريكية، فيما تشير الترجيحات إلى أن نتنياهو سيزور المملكة الشهر المقبل، لكن الرباط طلبت منه تأجيل الزيارة إلى موعد آخر.
حساسية ودعاية انتخابية
حتى كتابة هذه السطور لم تعلق السلطات المغربية على ما ورد في التقرير العبري، وهو ما أرجعه مدير مركز الصحراء للدراسات الإستراتيجية، عبد الفتاح الفاتحي، إلى حساسية الملف المطروح، ومن ثم فإن أي رد مغربي سيكون على تصريحات رسمية صادرة عن الحكومة الإسرائيلية وليس تقارير مسربة إعلاميًا.
الفاتحي في مداخلة له مع التليفزيون الألماني DW بالعربي أكد أن المملكة تسعى لتعزيز سيادتها على الصحراء الغربية، لكن ربط هذا الملف بصفقة القرن واشتراط التطبيع مع الكيان الصهيوني فإن ذلك يسيئ للرباط، سلطةً وشعبًا، مستبعدًا أن يكون هناك حوار رسمي بين المغرب و”إسرائيل” بشأن هذا الملف.
وأشار الأكاديمي المغربي أن بلاده مرتبطة بالتزامات أخلاقية وقومية حيال القضية الفلسطينية، فيما يتعلق بجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وفي الوقت ذاته فإن الاقتراب من خط المقايضة السياسية على ملف الصحراء بالتطبيع سيعزز من حالة الاحتقان الداخلي وهو ما لا تريده المملكة في هذا التوقيت.
المغرب يحتل المرتبة الثانية على رأس الدول الأكثر تعاملًا مع “إسرائيل” في المجال التجاري في إفريقيا
واختتم مداخلته بأن المغرب ليس معنيًا بالرد على مثل هذه التصريحات غير الرسمية خاصة أنها ليست الأولى من نوعها، إذ طُرحت قبل ذلك، مؤكدًا رفض المغاربة فكرة التفاوض بشأن التطبيع مع “إسرائيل”، مشيرًا إلى أنه لو اعترفت أمريكا بسيادة المملكة على الصحراء فإن ذلك لن يحل القضية بالشكل المتوقع.
أما المحلل السياسي في التليفزيون الإسرائيلي، شلومو جانور، فأكد أن ما أذاعته القناة العبرية بعيد تمامًا عن الواقع، لافتًا إلى وجود نفي رسمي من الجانب الإسرائيلي بشأن هذه الصفقة، ومؤكدًا أن المعلومات الواردة لا يمكن استيضاحها في الوقت الحاليّ، إلا أنه في الوقت ذاته ذهب إلى أن هناك نية لنتنياهو في توسيع دائرة الدول العربية والإسلامية التي يريد إقامة علاقات دبلوماسية معها.
وأضاف أن تسريب تلك المعلومات في هذا التوقيت تصب في صالح حملة نتنياهو الانتخابية، إذ يريد توظيف مثل هذه التحركات لكسب المزيد من الشعبية كما حدث مع لقائه ورئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان الذي كانت له أصداء كبيرة لدى الشارع الإسرائيلي.
المحلل العبري كشف أن نحو مليون من أبناء الجالية المغربية في “إسرائيل”، عدا اليهود الموجودين في الشتات، هذه النخبة الكبيرة من الناخبين الإسرائيليين تمثل نحو 20-25% من إجمالي الناخبين، وهو عدد لا يمكن تجاهله، كما أنهم أصحاب ميول يمينية لليكود ويتمتعون بذكريات طيبة تجاه المغرب، ومن ثم يخطط رئيس الحكومة الحاليّ لكسب أصواتهم في معركته القادمة التي من المرجح أن تكون قوية جدًا في ظل ما يواجهه من اتهامات وانتقادات تهدد مستقبله السياسي.
اللافت للنظر فيما نشره الإعلام العبري هو التحول الإستراتيجي الواضح في آليات العلاقة بين الكيان الصهيوني والدول العربية، فمنذ خمسينيات القرن الماضي وحتى بدايات الألفية الجديدة كانت الولايات المتحدة تسعى لتحقيق التوازن في العلاقات بين الإسرائيليين والعرب.
لكن الأمر تغير اليوم بصورة ملحوظة، إذ باتت “إسرائيل” من تتوسط بين العرب وأمريكا، وتسعى للضغط على الإدارة الأمريكية لدعم الموقف المغربي بشأن ملف الصحراء وفي الوقت ذاته تتوسط لدى الأمريكان بخصوص رفع العقوبات المفروضة على السودان.
نجحت تل أبيب خلال الآونة الأخيرة في إسراع الخطى نحو توسعة رقعة التطبيع مع الدول العربية والإفريقية، ساعدها في ذلك حلفاؤها المخلصون، الإمارات والسعودية، وهو ما تكشفه التقارير تباعًا، لعل آخرها ما ذكره مسؤول إسرائيلي بأن اللقاء الذي تم بين رئيس الحكومة الإسرائيلية ورئيس المجلس السيادي السوداني في عنتيبي كان بترتيب إماراتي ومباركة أمريكية.
يذكر أن المغرب يحتل المرتبة الثانية على رأس الدول الأكثر تعاملًا مع “إسرائيل” في المجال التجاري في إفريقيا، إذ يأتي بعد مصر، تليه موريتانيا فإثيوبيا وأوغندا ثم غانا، وقد بلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين أكثر من أربعة ملايين دولار شهريًا، وفقًا لما ذكره مكتب الإحصاء الإسرائيلي المركزي.
وقد بلغت الصادرات المغربية إلى “إسرائيل” نحو 24 مليون دولار سنة 2015، بعدما سجلت مستوى متدنيًا في 2014، لم يتجاوز 6.6 مليون دولار، كما بلغت نسبة الواردات المغربية من “إسرائيل”، في الفترة الممتدة ما بين بداية سنة 2015 وأواخر شهر يناير 2016، نحو 28 مليون دولار، بحسب ما ذكرته غرفة التجارة الفرنسية الإسرائيلية.
وفي المجمل ورغم الإرهاصات الأولية التي ترجح احتمالية طرح ملف الصفقة الثلاثية بين “إسرائيل” وأمريكا والمغرب، التطبيع مقابل الاعتراف بالسيادة المغربية، على موائد النقاش، فإنها وحتى كتابة هذه السطور تبقى تسريبات، ربما كبالون اختبار في انتظار الموقف المغربي الذي يلتزم الصمت لحين ترتيب أوراقه، غير أنها في الوقت ذاته تذهب لصالح تحركات نتنياهو الدبلوماسية الأخيرة التي يبدو أنها ورقته الأخيرة للفوز بالانتخابات القادمة في ظل ما يعانيه من انتقادات على المستوى الداخلي.