“الخوف من انتشار فيروس كورونا تحول إلى رهاب، فبمجرد ذكر هذا الفيروس يتبادر إلى الذهن أن جميع الآسيويين مصابون به، كمواطن فرنسي من أصول آسيوية، لم أزر الصين في حياتي، أنا أيضًا عرضة للإصابة به كغيري من البشر، كفوا عن العنصرية”، بهذه التغريدة جسد شاب فرنسي من أصول آسيوية حقيقية ما يتعرض له الآسيويون من تمييز عنصري منذ ظهور فيروس كورونا الجديد.
“أنا لست فيروسًا“.. JesuisPasUnVirus“”.. “IAmNotAVirus“.. “IchBinKeinVirus“.. هاشتاغ واحد بأربع لغات مختلفة توثق شهادات آسيويين عما يواجهونه من عنصرية في مختلف دول العالم خلال الأيام الماضية، ومن خلال هذا الوسم الذي أحدث زخمًا على منصات التواصل الاجتماعي يمكن قراءة كيف يغير راجلون مسارهم في الشارع عندما يعترضهم شخص بملامح آسيوية، كما يبين قسوة التعامل معهم ورفض تقديم الطعام أو الخدمات لهم وتجنب ملاقاتهم، وفي بعض الأحيان رميهم بالسباب كحاملي فيروس لا يستحقون الحياة مع غيرهم من الجنسيات الأخرى.
وقد تحول فيروس ووهان الذي أودى بحياة ما يقرب من 500 شخص حتى اليوم، إلى مادة ساخرة مناوئة للصينيين في جميع أنحاء العالم، وخرجت على السطح الصور النمطية التي تثير النعرات وتنال من عادات وتقاليد البلد الذي تعرض ولا يزال لهزة اقتصادية ومجتمعية عنيفة جراء هذا الفيروس الذي يعد الأشرس بين نظرائه في ذات العائلة الفيروسية وعلى رأسهم سارس.
In Italy, many Chinese restaurants have closed, children are being bullied in school and on streets. A one man street campaign of #IoNonSonoUnVirus started in Firenze, ending in #HugaChinese and public awareness ????❤️ #ichbinkeinvirus #IAmNotAVirus #JeNeSuisPasUnVirus pic.twitter.com/SOV7vCefNT
— LiyaYu 喻俐雅 (@LiyaYuBerlin) February 5, 2020
ألمانيا.. عنصرية مثيرة للقلق
الوضع في ألمانيا ربما يكون الأكثر قلقًا بالنسبة للصينيين، حيث رصدت السفارة الصينية في برلين تزايدًا في وقائع العداء ضد مواطنين صينيين في ألمانيا بسبب تفشي الفيروس، وذكرت السفارة ردًا على استفسار أن “وقائع العداء الأخيرة والتصريحات المعادية للأجانب في بعض وسائل الإعلام تزايدت عقب تفشي كورونا وصارت مثيرة للقلق”.
السفارة وثقت عددًا من شهادات مواطنين صينيين تعرضوا للتمييز هناك خلال الأيام الماضية، منها تعرض فتاة صينية للضرب على أيدي مواطنين ألمان، الأمر الذي نقلته السفارة للخارجية الألمانية مطالبة بإجراءات ضرورية لضمان أمن المواطنين الصينيين وحقوقهم المشروعة وكرامتهم.
فونغ مين هوانغ، شاب فيتنامي يعمل في أحد المتاجر الرئيسية بالقرب من محطة القطار الرئيسية في العاصمة الألمانية، يقول إن الإقبال على متجره تراجع بصورة كبيرة منذ تفشي الفيروس، ما عاد أحد يقبل على الشراء كما كان في السابق، وتابع: “فيروس كورونا يؤثر على محلنا، والناس تتجنبنا.
أضافت وانغ أنها تعرضت شخصيًا لموقف مماثل، حيث رفض أشخاص ركوبها مصعدًا كانوا يستخدمونه لمجرد أن ملامحها آسيوية
وهذا شاب آسيوي آخر يعمل مصفف شعر في مدينة بون، يشير إلى أن المواطنين هناك باتوا يتجنبون الدخول إلى متجره، وكلما اقترب منه أحد يهرب فورًا حين يرى عليه الملامح الآسيوية، يقول إنه لا يعرف السبب وراء ذلك.. لكنه يتساءل: هل كورونا؟ قد يكون ذلك ممكنًا، لكنه لا يحسم في الأمر، والوضع نفسه سائد في عشرات المتاجر الأخرى.
غيورغ تورك، عضو في جمعية الصداقية الألمانية الصينية ومدير شركة DeKang التي تقدم المشورة للشركات الألمانية في الصين، يحكي عن حفل عيد ميلاد حضره نهاية الأسبوع الماضي، حيث سُئل عن وظيفته، فحين قص للحضور أنه متخصص في نقل السائحين الألمان إلى الصين، فوجئ بأسئلة من نوع غريب – في شكل دعابة خفيفة: متى كنت آخر مرة في الصين؟ وهل أنت أيضًا مريض؟ كاشفًا عن ردود فعل سلبية تجاه أصدقائه الصينيين لم يسمع عنها من قبل.
An Asian Supermarket in Köln has complained through a post on its Facebook page, that being Asian does not equal carrying Corona virus #ichbinkeinVirus #IamNotAVirus https://t.co/EEhXqZ3Hyg
— Lydia Utami (@lydiautami21) February 1, 2020
فرنسا.. الخط الأصفر
في فرنسا تصاعد منسوب السخرية والتهكم من الصينيين، حيث تقول روي وانغ مؤسسة “رابطة الشباب الصينيين في فرنسا”، إن عدد النكات العنصرية التي تستهدفهم تضاعفت على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة أن “شبابًا آسيويين اشتكوا من تعرضهم لنكات وتعليقات عنصرية (…) لقد رأيت بنفسي كيف اجتنب متسوقون أمينة صندوق آسيوية تعمل في محلات أوشان، لقد قالوا لها عودي إلى بلدك واحتفظي بمرضك”.
وأضافت وانغ أنها تعرضت شخصيًا لموقف مماثل، حيث رفض أشخاص ركوبها مصعدًا كانوا يستخدمونه لمجرد أن ملامحها آسيوية، وهو الموقف الذي تعرض له العشرات ممن يحملون ملامح آسيوية، فيما تجاوزت العنصرية حاجز السلوكيات الفردية إلى توجه عام لدى الشارع الفرنسي.
صحيفة Courrier Picard اليومية أصدرت عددًا بعنوان “الخطر الأصفر“، في إشارة إلى فيروس “كورونا”، وهو المانشيت الذي أثار حالة من الاحتقان لدى مواطني أسيا في أوروبا على وجه عام وفي فرنسا خصيصًا، غير أن المجلة تراجعت وقدمت اعتذارها للجالية الآسيوية في البلاد.
السلوكيات العنصرية ضد الجالية الآسيوية في فرنسا كانت موجودة قبل ظهور الفيروس لكنها زادت بشكل ملحوظ بعد تفشي المرض، وهو ما يرويه العديد من أبناء الجالية، حيث قال آسيوي على تويتر إن سيدةً عجوزًا ظلت تحدق فيه في القطار، وهي تخشى الإصابة بفيروس كورونا، كما أن أم طالب من أصل تايواني أصبحوا يلقبونها “كورونا”.
I’m in Tunis, yesterday 2 groups of young people shouted “ corona” to me on the streets laughing loudly ! How am I supposed to protect my civil rights? #IAmNotAVirus @dwnews https://t.co/ixzwkSWxlu
— Douya (@douyaontheroad) February 5, 2020
مجلة “لونوفيل أوبسرفاتور” الفرنسية أشارت في تعليقها على هذه الظاهرة إلى رفض مركز للرعاية النهارية استقبال أطفال آسيويين وتعليقات في الحافلات وردت في شهادات متزايدة من فرنسيين من أصل آسيوي، يرون فيها تحاملًا وعنصريةً ضد الآسيويين في سياق الخوف من انتشار فيروس كورونا في فرنسا.
بات الآسيويون اليوم في موقف لا يحسدون عليه، حيث حمل الفيروس معه رهاب الأجانب من الجنس اللآسيوي برمته، فباتوا موضع شك وريبة أينما حلوا أو ارتحلوا
المجلة روت التجربة غير السارة التي عاشتها الطالبة شانا تشنغ التي ركبت الحافلة في حي بيرسي بالعاصمة باريس، وهي تضع سماعة لا تعمل، حيث سمعت بعضهم يقول: “الصينية هناك ستجلب لنا العدوى، فلتعد إلى بلدها”، هذا بخلاف شاب من أصل فيتنامي قال: “من المحزن أن نرى أنهم يعتقدون أنني صيني وأنا لست كذلك.. في البداية لم أهتم، لكن النظرات استمرت.. كنت بالنسبة لهم فيروسًا يمشي على قدمين، لذلك قررت أن أتظاهر بالسعال للانتقام.. يجب أن نضحك على غباء الناس بدلًا من أن نكون حزانى أو غاضبين”.
Quand je sors avec mon amie chinoise:
1. Je la considère au même titre que mon amie française??
2. Je demande après la santé de sa famille en Chine??
3. Je ne remet pas en question les habitudes alimentaires &hygiéniques des membres de sa culture?#jesuispasunvirus#coronavirus pic.twitter.com/ls3KMGZkQt
— Asma Mucci (@AsmaMucci) February 4, 2020
إيطاليًا.. تعصب وكراهية
حزمة من الشواهد ساقتها تقارير إعلامية لسلوكيات عنصرية ضد الصينيين خلال الأيام الماضية، منها بصق بعض الإيطاليين على سيّاح صينيين في فينيسيا الإيطالية، بينما اتّهمت عائلة في تورينو بحمل الفيروس، فيما استخدمت أمهات في ميلانو وسائل التواصل الاجتماعي لحض الأطفال على الابتعاد عن زملائهم الصينيين.
صحيفة “ذي فيجون” الإيطالية نشرت تقريرًا، سلطت فيه الضوء على مظاهر التعصب والكراهية والعنصرية ضد الصينيين، على إثر ظهور فيروس كورونا الجديد، حيث قالت إنّ الخوف من الإصابة بعدوى الفيروس الجديد جعل بعض الصحف العالمية تنشر الأكاذيب والإشاعات التي تنصح بتجنب الأشخاص ذوي العرق الصيني، وتجنب المناطق ذات الحضور العالي للصينيين، وتابعت: بات السياح الصينيون في العالم محل سخرية وشتم.
كما أوردت الصحيفة بعضًا من تلك المظاهر، منها حادثة معهد سانتا سيسيليا الموسيقي في روما، الذي قرر مديره، روبرتو جولياني، تعليق دروس الطلاب الصينيين واليابانيين والكوريين، إلى حين اجتيازهم الفحوص الطبية كنوع من الحجر الصحي الوقائي لتجنب العدوى.
Io da giorni che sento dire “oddio non ci vado più dai cinesi sta il virus” e quasi ci litigo se provo a spiegargli che sono persone che magari la Cina in vita loro non l’hanno mai vista.
Tutta questa ignoranza mi fa paura! #coronavirus #jesuispasunvirus https://t.co/P4BiLkEvPB
— ༄ʝɛƨƨ (@Jess7510_) February 1, 2020
ومع أن هذا الإجراء ربما يكون طبيعيًا إلا أنه أثار العديد من ردود الفعل السلبية من المعلمين لأنهم رأوا فيه نوعًا من التمييز العنصري، بصرف النظر عما إذا كان الطلاب قد زاروا الصين مؤخرًا أم لا.
وفي البندقية وفلورنسا زادت مظاهر العنصرية بصورة أكبر، حيث تعرض هناك بعض السياح الصينيين للعنف اللفظي، ووقع مطاردة آخرين وإهانتهم والبصق عليهم، بالإضافة إلى ذلك، ظهر شريط فيديو يسيئ فيه رجل لزوجين صينيين كانا يتزهان قرب نهر أرنو وشتمهم بأبشع النعوت وكما تم تعليق منشورات مكتوب عليها أن فيروس كورونا شراء إيطالي من محلات صينية.
حالة من الذعر انتابت الشارع المصري حيال كل من يحمل ملامح آسيوية، وصل الأمر إلى دعوات لمقاطعة البضائع الصينية من غير الأطعمة
مصر: تشديد الرقابة
أما في مصر فقد كشفت وزارة الصحة والسكان ممثلة فى قطاع الطب الوقائي عن شن حملات مكبرة على المطاعم الصينية فى البلاد لتأمين أغذية المصريين، موضحة أنه تم تكليف المحافظين بحصر المطاعم الصينية مجددًا لفرض سبل الرقابة عليهم بشكل صارم منعًا لتسرب وباء كرونا إلى البلاد والتأكد من آليات طهي الطعام وسلامته للمترددين على المطاعم مشيرة إلى أن الحملات تشمل 7 محافظات حتى الآن.
وأضافت الوزارة أنه سيتم التفتيش الكامل على جميع العاملين وحصولهم على الشهادات الصحية وكذلك مراجعة ضوابط عمل العاملين الصينين وكشف المشتبه فى إصابتهم بأعراض كورونا، وتابعت أنه سيتم تحويل الحالات المصابة إلى غرف العزل والمستشفيات التى تقوم بعلاج هذه النوعية من الحالات.
وميدانيًا.. حالة من الذعر انتابت الشارع المصري حيال كل من يحمل ملامح آسيوية، وصل الأمر إلى دعوات لمقاطعة البضائع الصينية من غير الأطعمة، فيما قوبل مندوبو المبيعات الصينيين بردود فعل سلبية خلال الأيام الماضية، حيث أغلقت كل الأبواب في وجوههم، ما انعكس بشكل كبير على نشاطهم التجاري في مصر.
أحمد سالم.. شاب مصري يقول إنه يتجنب المرور من جانب أي شخص يبدو عليه أنه من الصين أو الدول القريبة منها، لافتًا إلى أن حالة من الرعب تخيم على المصريين دون استثناء خوفًا من نقل العدوى، مشيرًا إلى أن له قريب كان في شنغهاي وعاد منها على مدينة مطروح حيث الحجر الصحي المخصص للعائدين من الصين ومع ذلك يخشى أن يتصل به هاتفيًا.. وتابع لـ”نون بوست”: “من كثرة الرعب أنا خايف أتصل به”.
Hey @derspiegel , kleiner kostenloser Rassismus-Check für euch: ?% #coronarovirus #ichbinkeinVirus #madeInChina pic.twitter.com/xJ4eO5ykkG
— Lea Schneider 许俐雅 (@poetisiert_euch) February 2, 2020
العنصرية.. ظاهرة عالمية
بات الآسيويون اليوم في موقف لا يحسدون عليه، حيث حمل الفيروس معه رهاب الأجانب من الجنس الآسيوي برمته، فباتوا موضع شك وريبة أينما حلوا أو ارتحلوا، فهاهي الطبيبة الصينية ريا ليانغ تصاب بالصدمة عندما رفضت مريضة في مدينة غولد كوست الأسترالية السياحية مصافحتها، عازية الأمر إلى الفيروس الذي أودى بالمئات.
وفي كندا، أظهر تسجيل مصوّر شخصًا أبيض البشرة يقول لامرأة صينية – كندية “أوقعت فيروس كورونا الذي تحملينه” داخل موقف للسيارات في أحد مراكز التسوق، بينما في ماليزيا، فقد حظيت عريضة تدعو إلى “منع الصينيين من دخول بلدنا الحبيب” بنحو 500 ألف توقيع خلال أسبوع.
أما كلية أستراليا لطب الطوارئ فأشارت إلى خطورة ظاهرة تنامي العنصرية ضد الآسيويين، لافتة إلى أن كثرة ما وصفته بـ”المعلومات المضللة” بشأن هذا الفيروس وحامليه تغذي وبشكل ملحوظ العنصرية لدى الكثير من الأشخاص تجاه كل ما يبدو عليه ملامح آسيوية.
ومع بزوغ فجر كل يوم جديد تطالعنا وسائل الإعلام بعشرات الجرائم العنصرية الممارسة ضد الآسيويين، حتى داخل آسيا ذاتها، وهو الأمر الذي لو استمر على وضعيته تلك ربما يأتي بنتائج كارثية على العالم أجمع، خاصة أنه من الواضح أن الأمر سيحتاج إلى وقت للسيطرة على الفيروس، ما يرجح تزايد الشريحة المستهدفة للمرض، ومن ثم اتساع رقعة العنصرية التي ربما تتجاوز النطاق الأسيوي.