ترجمة وتحرير موقع نون بوست
في إحدى أفقر المناطق في اليمن، داهم السكان الذين يعانون من الجوع الشديد مخزنًا تابعًا للأمم المتحدة على أمل الحصول على الطعام الذين هم في أمس الحاجة إليه. ولكنهم، عوضًا عن ذلك، وجدوا طعامًا متعفنًا، فشرع المسؤولون المحليون في إحراقه بحضور المتساكنين في حجة.
في الأسبوع الماضي، أكد متحدث باسم برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة أن أحد المخازن في حجة قد تعرض للنهب، ووصف المجرمين بأنهم “ميليشيات” تمكنوا من سرقة 127.5 طنًا من المساعدات الغذائية، ولم تحدد هوية الأشخاص الذين كانوا وراء هذه الواقعة، لكن بعض المصادر وجهت أصابع الاتهام إلى الحوثيين.
في المقابل، رفض برنامج الأغذية العالمي طلب موقع “ميدل إيست آي” التعليق على هذه الحادثة في أسلم، لكن مصدرًا من الأمم المتحدة في صنعاء أخبر الموقع أن المواد الغذائية المنهوبة التي ذكرها في بيانه لم تكن فاسدة بل منع الحوثيون توزيعها. وتجدر الإشارة إلى أن مديرية أسلم تخضع لسيطرة المتمردين الحوثيين الذين يخوضون حربًا ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والتحالف الذي تقوده السعودية والذي يدعمها منذ سنة 2015.
بدأت مقاطع الفيديو التي تصور عائلات وأطفال يتضورون جوعًا في أسلم أُجبُروا على غلي أوراق الشجر البرية، في الانتشار بحلول نهاية سنة 2018، وأفادت التقارير بأن 20 طفلاً على الأقل ماتوا جوعًا في سنة 2018. ومن المحتمل أن يكون العدد الحقيقي أعلى بكثير، حيث أن عددًا قليلًا من العائلات تبلغ عن وفاة أطفالها في حال توفوا في المنزل، وما زاد من الضغط على هذه المنطقة هو استمرار العائلات التي نزحت هروبًا من الحرب في الوصول إلى أسلم رغم النقص الحاد في الغذاء.
في أوائل 2019، بدأت المنظمات الدولية غير الحكومية، بما في ذلك برنامج الأغذية العالمي، في العمل في هذه المنطقة والمناطق المحيطة بها وبدأت في إرسال الطعام إليها.
يدرجون أسماء لأشخاص يقاتلون في صفوفهم كأطرافٍ مستفيدة من البرنامج “بينما يتضور الكثير من المحتاجين جوعًا
حيال هذا الشأن، قال أحمد، أحد متساكني أسلم، لموقع “ميدل إيست آي”: “حين تردنا أخبار بأن شاحنة محملة بالمواد الغذائية وصلت إلى المنطقة، نشعر بالسعادة لأن ذلك يعني أننا سنحصل على ما يكفي من الغذاء لإطعام أسرنا”. ويُذكر أن برنامج الأغذية العالمي يعمل على توزيع المساعدات استنادًا إلى قائمة المستفيدين التي يقدمها الحوثيون. وأضاف أحمد، الذي فضّل استخدام اسمه الأول فحسب لأسباب أمنية، أنه لا يثق في المتمردين في إعداد هذه القائمة لأنهم عادة ما يدرجون أسماء الأشخاص الذين يقاتلون في صفوفهم كأطرافٍ مستفيدة من البرنامج “بينما يتضور الكثير من المحتاجين جوعًا حتى الموت”.
أورد أحمد أن هناك العديد من النزاعات بين السكان والمتمردين الحوثيين حول عمليات تسليم الأغذية التي يقدمها البرنامج، مضيفًا أنه لا يملك أي فكرةٍ عن الخلافات بين المتمردين وبرنامج الأغذية العالمي. وفي هذا الخصوص، قال أحمد: “نحن لا نملك الكثير من المعلومات حول برنامج الأغذية العالمي، ولكننا معتادون على الطعام المتعفن الذي يقدمه لنا، إذ ترسل لنا هذه المنظمة الطعام ويبقى في المخازن لعدة أشهر. حين طلبنا من عمال الإغاثة توزيع الطعام، كانوا يرفضون ذلك مشيرين إلى القائمات التي تتضمن أسماء المستفيدين من هذه المساعدات، التي عادة ما تقدمها السلطات المحلية [التي يهيمن عليها الحوثيون] للمنظمة”. وقال أحمد إن الطعام الذي كانوا يسعون للحصول عليه في الأسبوع الماضي قد تعرض للتعفن بعد تخزينه لشهور طويلة وأتلفته السلطات المحلية أمام أعين المتساكنين.
“نحن نحتاج إلى تناول الطعام لا إلى حرقه”
يوم الأحد الماضي، تجمع بعض الأشخاص من أسلم، بمن فيهم أحمد، وقرروا اقتحام مخزن لبرنامج الأغذية العالمي في المنطقة للحصول على الغذاء لأطفالهم. وقبل التوجه إلى هذا المخزن، ذهب المتساكنون إلى مكتب السلطة المحلية في أسلم حيث علموا أن الطعام قد تعفن. وفي هذا الصدد، قال أحمد: “لم نصدق كل ما قالوه، لذلك توجهنا إلى المخزن برفقة لجنة من السلطة المحلية، واتضح أن الطعام كان بالفعل متعفنا. ومن ثم قرر المسؤولون إتلافه في حضورنا”.
في حزيران/ يونيو 2019، أدت الخلافات بين الحوثيين وبرنامج الأغذية العالمي حول الاتهامات بأن المتمردين يحولون وجهة المساعدات المخصصة للمحتاجين، إلى تعليق جزئي لتوزيع المواد الغذائية في العاصمة صنعاء، مما أثر على حوالي 850 ألف شخص. استؤنفت عمليات تسليم المساعدات في شهر آب/ أغسطس، وفي وقت سابق من هذا الشهر، قدمت الأمم المتحدة تقريرًا إلى مجلس الأمن يشير إلى أن المتمردين الحوثيين يعمدون إلى اعتقال عمال الإغاثة وتخويفهم.
إن المتمردين وضعوا أيضا عقبات بيروقراطية حالت دون توزيع المساعدات الإنسانية.
جاء في التقرير المكون من 48 صفحة، الذي بحث في مختلف جوانب الحرب الأهلية، أن المتمردين وضعوا أيضا عقبات بيروقراطية حالت دون توزيع المساعدات الإنسانية. ومن جهته، قال علام القريضي، وهو مقيم آخر في مديرية أسلم، إنه حصل على سلة طعام واحدة فقط من برنامج الأغذية العالمي في السنة الماضية وكانت الأطعمة فاسدة لكن عائلته تناولتها مع ذلك، ولم تسبب لهم أي مشاكل صحية، كما صرح القريضي في حوار له مع ميدل إيست آي: “لقد كان دقيق القمح فاسدًا، لكنني فحصته وتخلصت من الجزء غير الصالح وأكلنا الباقي، والذي كان وفيرًا. أشعر بالحزن لأنني رأيت الطعام يحترق أمام عيني بينما نحن في أمس الحاجة إليه”.
اليمنيون النازحون من مدينة الحديدة يتلقون مساعدات غذائية في أسلم التابعة لمحافظة حجة الشمالية الغربية في 20 تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2018.
أورد القريضي أنه يأمل أن توزع المنظمات الدولية غير الحكومية في المستقبل الطعام على الفور أو بعد أيام قليلة من وصوله إلى المستودعات لتجنب تحلله، وأضاف القريضي قائلاً: “لقد سمعنا وشهدنا الكثير من حالات إتلاف الطعام في أسلم ومناطق أخرى في حجة وهو أمر غير منصف. نحن بحاجة إلى تناول الطعام وليس حرقه”.
في الواقع، أتلف الحوثيون مئات الأطنان من الغذاء الفاسد التابع لبرنامج الأغذية العالمي في حجة وغيرها من المحافظات خلال سنة 2019، حيث كان الطعام فاسداً وكان يُعتبر غير صالح للأكل. كما يحتاج ما يقدر بنحو 80 بالمئة من سكان اليمن – 24 مليون شخص – إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية أو الحماية، ويشمل ذلك 14.3 مليون شخص في حاجة ماسة لذلك. من جهته، قال أحمد: “قلصت المنظمات من معاناة الأسر في أسلم خلال سنة 2019، لكن المعاناة لا تزال قائمة ونأمل أن تتمكن هذه المنظمات من مضاعفة عملها في المنطقة”.
مسؤولية الحماية
دعا وزير الحكومة المحلية اليمني، عبد الرقيب فتح، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تكرار حالات نهب المساعدات أو عرقلة أعمال برنامج الأغذية العالمي من قبل ميليشيات المتمردين. علاوة على ذلك، أدان فتح، الذي يشغل أيضًا منصب رئيس الهيئة العليا للإغاثة، في بيان صدر يوم الخميس، عملية اقتحام مستودع خاص ببرنامج الأغذية العالمي ومصادرة 128 طناً من المساعدات الغذائية في محافظة حجة، ووصف هذا الفعل بأنه “جريمة” وفقا للقانون الدولي الإنساني.
حيال هذا الشأن، قال فتح: “إن اقتحام الميليشيا الانقلابية لمستودعات المواد الغذائية في مناطق سيطرتها سيتسبب في تدهور الأوضاع الإنسانية ويحرم أعدادًا كبيرة من المستفيدين من المساعدات”. كما أشار فتح إلى أن منع الميليشيات للمنظمات الدولية غير الحكومية من الوصول إلى 10 آلاف نازح داخلي في منطقة أسلم “منذ فترة”، يعد من بين الانتهاكات المتعددة ضد أعمال الإغاثة والعمال، كما أدان فتح صمت المجتمع الدولي بشأن هذه الانتهاكات.
إن السبب الرئيسي وراء تعفن الطعام يعود إلى عملية استيراد دقيق القمح من خارج اليمن.
مع ذلك، أكد عضو في المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الانسانية والتعاون الدولي في حجة أن الطعام في مستودع برنامج الأغذية العالمي كان تالفًا. وصرح المصدر شريطة عدم الكشف عن هويته لتجنب الخلافات المباشرة مع البرنامج: “كانت تلك دفعة قديمة من الطعام الفاسد، وطلبنا من برنامج الأغذية العالمي أن يتخلص منه لكنهم رفضوا ذلك. لقد طرحنا القضية على النيابة وعينوا لجنة للتخلص من الطعام في العديد من المناطق، بما في ذلك أسلم”.
أوضح المصدر إن السبب الرئيسي وراء تعفن الطعام يعود إلى عملية استيراد دقيق القمح من خارج اليمن، حيث يستغرق الأمر ما يصل إلى شهرين للحصول على إذن من التحالف الذي تقوده السعودية لإدخاله داخل البلاد. حيال هذا الشأن، قال: “أفضّل أن يقوم البرنامج والمنظمات الأخرى بتوزيع الأموال أو الإيصالات على المستفيدين، ويمكنهم بذلك شراء الأغذية من السوق المحلية دون الحاجة إلى استيراد الغذاء”.
في سياق متصل، أفاد هذا المصدر بأن كمية الطعام دمرت في إطارعملية قانونية ولم يقع نهب أي شيء كما صرح برنامج الأغذية العالمي في بيانه يوم الاثنين، مضيفًا أن معظم أغذية البرنامج في المستودعات في حجة كانت فاسدة. وأضاف المصدر: “السكان في حاجة ماسة إلى الطعام، وطلبوا منا عدم تدميره لأنهم يريدون تناوله، لكن قد يضر ذلك بهم، لذلك رفضنا. الناس الجياع مستعدون لتناول أي شيء، وكانوا يتناولون الأوراق المغلية لذا فهم على استعداد لتناول الطعام الفاسد ولكن من مسؤوليتنا أن نحميهم”.
المصدر: ميدل إيست آي