في حديثها مع صحيفة The Guardian البريطانية ذكرت الفتاة السنغافورية نيكول تان البالغة من العمر 30 عامًا وتعمل في تسويق المحتوى بأنها خلال عام واحد زارت العديد من الأماكن المختلفة مثل: باريس وميامي وسان فرانسيسكو وتايلاند وأمستردام ورومانيا وبولندا وبرلين ولوكسمبورغ وجامايكا وتايلاند وبودابست وبورتلاند وسلوفينيا، وبجميع تلك الأماكن استمرت حياة نيكول العملية إذ لم تتوقف عن العمل ولو ليوم واحد! والحقيقة أن نيكول واحدة من الكثيرين مثلها الذين يُطلق عليهم اسم “الرحالة الرقميون” أو Digital nomads، وهم عبارة عن مجموعة من المستقلين مكانيًا أو العاملين الرحل الذين يجوبون العالم بصحبة حواسيبهم النقالة وتتركز وظائفهم عادة في المهن الحرة التي يمكن القيام بها عبر الإنترنت مثل: تصميم الجرافيك وكتابة المحتوى والترجمة وكذلك العمل بمجال السوشيال ميديا.
الرحالة الرقمي: وظيفة فرضتها ثورة المعلومات والإنترنت
أحدثت ثورة المعلومات والإنترنت التي عرفها العالم تلاشيًا في المكان والزمان، وقد ترتب على هذا الأمر تغير كبير في السلوكيات الاجتماعية ومنها العمل، أُضيف إلى ذلك التطور المستمر في علوم التنمية المؤسساتية والإدارة، إذ نجد تجديدًا واضحًا بالتخطيط وإدراة المواد البشرية والتنظيم ومراقبة العمل وكذلك أضحى هناك تحديث عميق في جميع هياكل وبنى المؤسسات في ظل تنافسية الأسواق وعولمة الاقتصاد.
في هذا الإطار استعانت المؤسسات والمنشآت وخاصة الشركات متعددة الجنسيات بتكنولوجيا العمل عن بعد وذلك من أجل تسهيل مهامها التنظيمية التي تتعلق بتحديد مسؤوليات الأفراد وتوزيع الأدوار عليهم مع إعطاء هامش واسع لحرية العمل، وساهمت تكنولوجيا العمل عن بعد بشكل كبير في تحقيق المعادلة الصعبة بالجمع بين إنجاز الأهداف وتجنب منهاجية العمل البيروقراطي، هذا وتعد شبكة الإنترنت سوقًا كبيرًا للعمل عن بعد تلتقي فيه عروض وطلبات العمل في ربط من مختلف بقاع الأرض في مواقع التوظيف بعالم المال والأعمال.
ومن أبرز القطاعات الاقتصادية المحركة لسوق العمل عن بعد: التسويق الإلكتروني وإدخال البيانات والإعلانات والتصميم والهندسة وبالتالي كل ما يتطلبه العمل عن بعد هو حاسوب محمول وإنترنت قوي، وعليه فخلال السنوات الأخيرة اتجه البعض إلى الجمع بين العمل والسفر وقرروا أن يصبحوا رحالة رقميين.
الرغبة في استكشاف العالم وسبر أغوار حياة الإنسان الأول
بدأ البشر حياتهم كبدو رحل لا يعرفون الاستقرار بمكان واحد وكانوا يتتبعون النجوم في الصحاري ويعيشون على الصيد، لكن مع نشأة المدينة بمفهومها الحديث قلت فرص الإنسان في التنقل بحرية حول العالم ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ كبلته الرأسمالية بالكثير من القيود دون أن يدري، إذ يقول الكاتب أر.إل. آدمز في مجلة فوربس الأمريكية إن حلم الانسان الحديث تحول إلى مجرد استحواذ السيارات الفارهة والعقارات الفخمة والماركات العالمية، وأصبحت طاقتنا الإبداعية ومواردنا المالية تُبذل من أجل شراء تلك الأشياء حتى أضحينا مقيدين بالتزامات مالية لا تنتهي جعلتنا غير قادرين على الخروج من عنق الزجاجة.
يضيف آدمز في مقاله: “بعض الناس اتجهوا الآن إلى فك قيودهم وخرجوا بالفعل في مغامرة من أجل استكشاف العالم بحرية، كل ما عليهم فعله هو حزم حقائبهم والحصول على تأشيرة السفر ومن ثم الذهاب والتنقل من بلد لآخر.. هؤلاء لا يعرفون وجهتهم النهائية ولكنهم يحلمون بعبور الكرة الأرضية”، وهذا بحسب آدمز ذروة الحياة وهدفها النهائي.
كيف ساهمت العملات الرقمية المشفرة الرحالة الرقميين في العمل عن بعد؟
يقول الرحالة الرقمي بيت هولزفار من سلوفاكيا بأنه يتقاضى أجره بعملة إيثيروم الرقمية “ETH” وهي ثاني عملة مهمة بعد عملة البيتكوين ومن أقدم العملات وأكثرها تداولًا، ويضيف بيت بأن سوق العملات الرقمية المشفرة سهل كثيرًا من عمله كرحالة رقمي.
ولأن مجتمع العملات الرقمية المشفرة هو مجتمع لا مركزي بطبيعته ومنتشر في جميع أنحاء العالم، فمن المنطقي أن يجذب هذا المجتمع الأشخاص ذوي التفكير المماثل الذين عليهم أن يتخطوا الحدود ويتجاوزوا كل ما هو تقليدي، وإن كانت تلك العملات المشفرة تسهل حياتهم وتجعل عمليات الشراء أكثر سلاسة فلم لا! جدير بالذكر أن أحد أهم أسباب نمو مجتمع العملات الرقمية بشكل سريع أن مشاريع العملات الرقمية والبلوك تشين تكسب المستخدمين من جميع أنحاء العالم خاصة أولئك الذين يعتمد أسلوب حياتهم في الأساس على التنقل.
الرحل الرقميون والحنين إلى الوطن
يعتقد الناس أن حياة الرحالة الرقمي عبارة عن متعة لا تنتهي أو إجازة دائمة ولكن الحقيقة أنه أسلوب حياة له مزاياه وعيوبه، تتجسد المزايا في ساعات العمل الحرة وحس المغامرة، فكل يوم يختلف عن غيره، ولكن ماذا لو داهمنا التعب وشعرنا بنفاد الطاقة، ماذا إن كان يرغب أحدهم في الذهاب للمنزل؟!
ما يقلق الرحالة هو خوفهم من عدم وجود خطة للتقاعد أو تأمين صحي، فالرحالة الرقمي في نهاية الأمر لا يملك عقدًا خاصًا بالعمل
بعض الرحالة يحددون مدة سفرهم التي يرغبوا خلالها في اكتشاف العالم ثم يعودون إلى بلدهم الأصلي، هناك مثلًا من يحدد فترة 6 أشهر أو سنة، ولكن هناك من يجوب العالم منذ سبع سنوات ولم يكتف بعد من الترحال، وعليه فالمسألة في النهاية نسبية وتحددها طبيعة كل شخص، في النهاية حياة الرحالة الرقمي تقع في منطقة وسط بين العمل والإجازة وعادة ما تتسم تلك المنطقة الوسط بالفوضى والضبابية ويجب أن يتحكم فيها الرحالة بقوة حتى يضمن استمرار دخله المادي.
جدير بالذكر أن كل ما يقلق الرحالة هو خوفهم من عدم وجود خطة للتقاعد أو تأمين صحي، فالرحالة الرقمي في نهاية الأمر لا يملك عقدًا خاصًا بالعمل، ولذا عليه أن يدخر مالًا احتياطيًا للتقاعد والتأمين الصحي، ولكن على الرغم من كل تلك المخاوف يبقى الأمر برمته جديرًا بالتجربة ولو لبعض الوقت.
المهارات التي يحتاج إليها الرحالة الرقمي
“لا يوجد مسار محدد للعمل الحر وحياة الترحال” ولكن إن كانت هناك نصيحة يجب اتباعها من الراغبين في تجربة حياة الرحل الرقميين فهي “تعرف على مهاراتك” حيث تعد معرفة المهارات التي يملكها الشخص وكيفية إدراتها جيدًا واستثمارها من خلال الإنترنت حجر الأساس لخوض تلك المغامرة الكبيرة.
أما المهارات التي يحتاجها أي شخص ليتمكن من السفر حول العالم والعمل في الوقت ذاته فهي المعرفة الممتازة باستخدام الإنترنت وإتقان الكتابة المحترفة أو التسويق أو التصوير الفوتوغرافي والتصميم، ويمكن القول إن تحدث الإنجليزية بشكل جيد يعد إضافة قوية لمن يريد العمل كرحالة، حيث إنها تفتح الكثير من الأبواب وتوسع من خيارات العمل بشكل كبير.