ينزل رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز جراد، الثلاثاء القادم، إلى قبة المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، في أول مهمة له بعد تعيينه على رأس الجهاز التنفيذي لعرض خطة عمل حكومته على النواب والحصول على الضوء الأخضر للمباشرة في تطبيقها.
يأتي هذ بعد مُصادقة مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير برئاسة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الخميس الماضي، على هذا المخطط الذي يحتوي على الخطوط العريضة للإصلاحات التي ستشرع الحكومة في تنفيذها بالأسابيع القادمة، لإنقاذ الاقتصاد الوطني.
وجاءت خطة عمل حكومة عبد العزيز جراد، مُقيدة بالتزامات جديدة شكلت المحاور الكبرى، لبرنامج الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي شكل في نفس الوقت وقود حملته الانتخابية بالانتخابات الرئاسية التي جرى تنظيمها في 12 من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
التزمت الحكومة بمراجعة الأحكام القانونية المتعلقة بمكافحة الفساد بهدف تحسين فعاليات إجراءات مصادرة وإدارة الفصول الخاضعة للرقابة القضائية
خطة عمل الحكومة التي سيشرع في مناقشتها البرلمان الجزائري بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، ترتكز على خمسة فصول كُبرى، يتضمن الفصل الأول إصلاحات جديدة نابعة من عمق تطلعات الشعب الجزائري، أما الثاني فيتعلق بالإصلاح المالي والتجديد الاقتصادي، والثالث خاص بالتنمية البشرية والسياسية الاجتماعية، والرابع بالسياسة الخارجية، والفصل الخامس والأخير يتعلق بتعزيز الأمن والدفاع الوطنيين.
إصلاح المنظومة التشريعية ومحاربة الفساد
تعهدت حكومة عبد العزيز جراد بإصلاح المنظومة التشريعية لتنظيم الانتخابات مباشرة بعد الانتهاء من المراجعة الدستورية، والتزمت الحكومة في مخطط عملها بتكريس مبدأ انسحاب الإدارة من عملية تنظيم الانتخابات بصفة نهائية من خلال إنشاء الآليات اللازمة لضمان الاستقلالية التامة للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وتعهد الجهاز التنفيذي أيضًا بأن تكرس المنظومة التشريعية الجديدة المعايير والشروط المطلوبة لجميع المرشحين للانتخابات سواء تعلق الأمر بالانتخابات الوطنية أم المحلية.
والتزمت الحكومة بمراجعة الأحكام القانونية المتعلقة بمكافحة الفساد بهدف تحسين فعاليات إجراءات مصادرة وإدارة الفصول الخاضعة للرقابة القضائية من خلال إنشاء وكالة وطنية مكرسة لهذا الغرض، ومن بين أبرز ما اقترحته الحكومة في هذا السياق إعادة النظر في النصوص القانونية التي تكرس الامتياز القضائي لتكريس مبدأ المساواة أمام القضاء ووضع قوانين جديدة تضمن شفافية تمويل الحملات الانتخابية والأحزاب السياسية التي ستكون حساباتها محل نشر رسمي.
تكريس حرية الاجتماع والتظاهر السلمي
أعلنت الحكومة الجزائرية أنها ستعيد النظر بشكل معمق في الترتيبات القانونية التي تؤطر التظاهر السلمي من خلال تعزيز الضمانات لممارسة التظاهر السلمي كفعل مدني يمارس بعيدًا عن كل أشكال العنف في ظل احترام قوانين الجمهورية، كما تعهدت بتكييف الإطار القانوني الذي ينظم الاجتماعات العامة التي ستخضع مستقبلًا لنظام التصريح وذلك اعتبارًا للتطورات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد.
إضافة إلى تعزيز الحوار الشامل والتشاور مع كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين في إطار المشاركة والشراكة من خلال عرض ومناقشة كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للبلاد بكل صراحة وشفافية.
إسقاط الضرائب على محدودي الدخل
وفي الجانب الاقتصادي الذي قالت الحكومة الجزائرية إنه “يشكل رأس الحربة “، يعرض مخطط عملها مراجعة النظام الجبائي واعتماد قواعد جديدة لحوكمة الميزانية وعصرنة النظام البنكي والمالي وتكوير المعلومات الإحصائية الاقتصادية والاجتماعية ووظيفة الاستشراف.
وكشفت في هذا الجانب عن مراجعة مستويات الضريبة على الدخل للأجراء بتكييفها حسب مختلف شرائح الدخل لبلوغ العدالة الاجتماعية، وأوضحت أن أصحاب الدخل الشهري الذين يقلون عن 3 آلاف دينار سيعفون من الضرائب.
إجراء دراسات عن الغاز الصخري ومراجعة اتفاقيات التبادل الحر
وبخصوص ملف الغاز الصخري الذي فجر جدلًا واسعًا في الساحة بعد تصريحات أدلى بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لوسائل إعلام محلية، فكشفت الحكومة أنها ستكثف جهودها لتحديد الإمكانات التي تزخر بها الجزائر وستشرع في إجراء دراسات عن تأثير استغلال هذه الثروة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وستسهر على أن يحافظ استغلالها على صحة المواطن والنظام والبيئة وعلى وجه الخصوص على الموارد المائية وهو أبرز هاجس بالنسبة لرافضي استغلال الغاز الصخري.
وكشفت الحكومة عن الشروع في تقييم ومراجعة اتفاقيات التبادل الحر القائمة من خلال تحديد معايير إبرام الاتفاقيات التجارية الجديدة التفاضلية وتقييم الاتفاقيات المتعددة الأطراف والثنائية كاتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والمنطقة العربية الكبرى للتبادل الحر والاتفاق التفاضلي مع تونس، وإتمام الانضمام إلى منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية مع إعادة بعث مسار انضمام الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارة وتجسيد الإستراتيجية الوطنية للصادرات.
النواب بين مؤيد ورافض
ومن المرتقب أن يعرض رئيس الوزراء الجزائري عبد المجيد تبون، هذا الثلاثاء، مخطط عمل الحكومة الجزائرية على البرلمان، وبحسب المؤشرات الراهنة لن تكون المهمة الصعبة، لأن معظم تصريحات قادة أحزاب الأغلبية البرلمانية (التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني) تصب في اتجاه دعم الرئيس الجديد وحكومته بعد أن تخلت عنه في رئاسيات 12 من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ينقسم الموقف بين من يريد منح فرصة للحكومة الجديدة ومن يرفض تمامًا المشاركة في الجلسات بمبرر عدم شرعية الحكومة
وأكد الأمين العام بالنيابة لجبهة التحرير الوطني، علي صديقي، أن تشكيلته السياسية التي كانت تمثل أول قوة سياسية في البلاد، ستتعامل مع الحكومة وفق الإرادة الشعبية التي اختارت الرئيس الذي منح الضوء لهذه الحكومة لتعمل وفق برنامجه، وعليه فإن نواب الحزب الحاكم مستعدون لمناقشة كل المشاريع التي تأتي من الحكومة بكل مسؤولية ووضوح.
ومن جانب المعارضة البرلمانية، ينقسم الموقف بين من يريد منح فرصة للحكومة الجديدة ومناقشة مخطط عملها ومن يرفض تمامًا المشاركة في الجلسات بمبرر عدم شرعية الحكومة التي انبثقت عن مسار انتخابي مطعون فيه.
ويقول رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد) في المجلس الشعبي الوطني، مهدي زنتوت، لـ”نون بوست” إن تشكيلته السياسية ستناقش مخطط عمل الحكومة الجزائرية، لأنها تضع في الحسبان الوضعية المالية الهشة للبلاد التي تستدعي إيجاد حلول مستعجلة للوضع المالي القائم، ويُوضح المتحدث أن نجاح الرئيس والحكومة معًا هو نجاح الجزائر، غير أنه يؤكد بالمقابل ضرورة توافر الإرادة السياسية لنجاح الإصلاحات السياسية القادمة.
بالمقابل يرفض حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، المشاركة في جلسات مناقشة مخطط عمل الحكومة تماشيًا مع موقف الرافض للانتخابات الرئاسية الأخيرة، وبتاريخ 11 من مارس/آذار، أعلن نواب الحزب انسحابهم من المجلس الشعبي الوطني وأعلنوا دعمهم ومساندتهم للحراك الشعبي.