ترجمة وتحرير نون بوست
لخمسة أشهر كان المزارعون الفلسطينيون مثل نعيم الخيسي يزرعون ويروون أراضيهم في قطاع غزة المحاصر بانتظار نهاية يناير ليحصدوا الخضراوات من الأراضي الزراعية الشرقية الواقعة قرب الجدار الفاصل مع “إسرائيل”.
لكن بعد عملهم الكادح استيقظ المزارعون الفلسطينيون على الأخبار التي تقول إن سلطات الاحتلال أفرغت خزانات مياه الأمطار الواقعة بالقرب من أراضيهم، لتغرق محاصيل غزة قبل أيام قليلة من موعد الحصاد.
وفقًا لوزارة الزراعة الفلسطينية فقد تسبب فتح “إسرائيل” لتلك السدود في خسائر قيمتها أكثر من 500 ألف دولار لأكثر من 332 هكتارًا من الأراضي في يناير فقط، تعد الأراضي الزراعية الواقعة قرب المنطقة العازلة التي تفرضها “إسرائيل” مصدر رزق لمئات الأسر الفلسطينية وهي مصدر الفواكه والخضراوات الرئيسي لغزة.
يقول الفلسطينيون إن هذه الفيضانات تأتي وسط سلسة من الإجراءات الأخرى التي تتخذها “إسرائيل” عمدًا للقضاء على مصدر الغذاء الفقير للقطاع المحاصر ولإبعاد المزارعين عن أراضيهم.
أراضي زراعية غارقة
يعمل الخيسي في الزراعة منذ عام 1962، وكان مالكًا لنحو 10 هكتارات قبل 2015، لكن بعد إجلاء “إسرائيل” للمستوطنين من غزة، رأى الخيسي بنفسه كيف تبتلع المنطقة العازلة معظم الأرض، يقول الخيسي: “لقد نشأت كمزارع حيث تعلمت المهنة من والدي وجدي، لكن الوضع تغير كثيرًا، فقد فقدنا معظم أرضنا وبالكاد نستطيع الوصول لما بقي منها”.
“لقد زرعت العديد من المحاصيل في سبتمبر الماضي من بينها الملفوف والبطاطس والبصل، وكنت أنتظر نهاية يناير لحصادهم، لكن بعد أن فتحت “إسرائيل” مخزون مياه الأمطار 4 مرات الشهر الماضي تدمرت المحاصيل تمامًا”.
يرى الخيسي أن إغراق الأراضي الفلسطينية خطوة متعمدة، ويقول: “تتعمد “إسرائيل” إغراق الأراضي الزراعية في هذا الوقت من العام خاصة بعد التأكد أننا أنفقنا الكثير من المال وبذلنا الكثير من الجهد في زراعة المحاصيل ونستعد للحصاد”.
فقد الخيسي أكثر من 10 آلاف شيكل (2900 دولار) بسبب الأضرار الناتجة عن الفيضان لكنه يعتبر نفسه محظوظًا مقارنة ببقية المزارعين، حيث يقول: “ما فقدته أقل بكثير مما فقده جيراني، فأنا الآن أمتلك فدانين فقط (أقل من هكتار) لكن هؤلاء الذين يملكون 5 أو 6 فدادين فقدوا ثروة”.
يقدرّ الخيسي أن ممارسات “إسرائيل” مثل الإغراق وتسوية الأراضي بمركبات الجيش ورش المبيدات الكيميائية، كلفته أكثر من 111 ألف دولار خسائر منذ 2004، ويقول: “إنهم يفعلون ذلك بشكل ممنهج لإجبارنا على التخلي عن أراضينا والرحيل، لكنهم مهما فعلوا لن نغادر ببساطة فرعاية تلك الأرض هو ما يبقينا على قيد الحياة”.
أضرار جسيمة
بعد إغراق المحاصيل بفترة وجيزة قال المزارعون الفلسطينيون إنهم شاهدوا الطائرات الزراعية الإسرائيلية ترش المواد الكيميائية التي يعتقدون أنها مبيدات أعشاب، يقول عارف شمالي – 40 عامًا -: “لقد رأينا الجنود الإسرائيليين يحرقون إطارًا بالقرب من السياج لمعرفة اتجاه الرياح، عندما شاهدوا الدخان يتجه نحو الغرب – مما يعني أن المواد الكيميائية ستصل لمعظم المناطق في غزة وتسبب أضرارًا جسيمة – أرسلوا الطائرات الزراعية ورشوا جميع المحاصيل”.
هذه المواد الكيميائية لا تدمر المحاصيل فقط، لكنها تؤثر على التربة وتضر المزارعين والماشية وتلوث المياه الجوفية
يقول جيش الاحتلال الإسرائيلي إن هذه المبيدات تستخدم لإزالة الغطاء الزراعي في المنطقة العازلة ناحية غزة للحصول على رؤية أوضح للمنطقة لأغراض عسكرية، لكن الفلسطينيين يقولون إن هذه السياسة تؤثر بشكل كبير على سكان غزة.
يقول شمالي: “هذه المواد الكيميائية والأعشاب لا تؤثر فقط على الأرض الزراعية لكنها ذات عواقب كارثية على الناس إذا تناولوا من المحاصيل التي تم رشّها، قبل عدة أيام أسرع ممثلون من وزارة الزراعة إلى الأسواق التي باع بعض المزارعين فيها محاصيل يُعتقد أنها مرشوشة وأتلفوا جميع المنتجات قبل أن يشتريها الناس”.
يمتلك شمالي وشقيقه نحو 24 هكتارًا تعرضت معظمها للدمار قبل حصاد يناير مما تسبب في خسائر قيمتها 20 ألف دولار، يقول شمالي: “لم يسلم أي مزارع مما حدث، يدّعي الإسرائيليون أنهم يرشون مبيدات الآفات فقط، لكن من بهذه السذاجة ليعتقد أنهم يرعون أراضينا دون مقابل؟ هذه المنطقة توفر الغذاء لمعظم سكان غزة، لهذا السبب يستهدفونها دائمًا، إنهم يرغبون في تشريد المزراعين وإثبات أن مجهودهم يذهب هباءً”.
آثار طويلة المدى
يقول الخبير الزراعي والبيئي نزار الوحيدي إن تدمير “إسرائيل” للزراعة الفلسطينية له آثار سياسية واقتصادية وبيئية واجتماعية، فوفقًا للوحيدي هذه المواد الكيميائية لا تدمر المحاصيل فقط لكنها تؤثر على التربة وتضر المزارعين والماشية وتلوث المياه الجوفية.
ويضيف الوحيدي: “حتى لو أرادوا رش العطور على غزة فليس لهم الحق في ذلك دون التنسيق مع الطرف المتضرر بشأن المادة وكميتها وطريقه رشها، لماذا لم يتعاونوا على الأقل مع الصليب الأحمر حتى لا يتضرر المزارعون وأبناؤهم”.
يقول الخبير إن المحتوى الدقيق للمادة وتأثيرها ما زال من الصعب التحقق منه، ويضيف: “لا يمكننا تحديد مدى سمّية هذه المواد، مثل هذه الفحوصات تحتاج لأجهزة ليست موجودة في القطاع، و”إسرائيل” تحظر أي محاولة لإرسال المواد خارج غزة لفحصها، العملية معقدة للغاية”.
ورغم أن الأمر لم يثبت رسميًا، فإن المزارعين الفسطينيين يلومون المواد الكيميائية على مشاكلهم الصحية التي تصيبهم منذ سنوات ويعبرون عن خوفهم من العواقب السلبية التي قد تؤثر على من يتناولون تلك المنتجات الملوثة.
يقول المزارع إسماعيل أبو زور: “إنني أعاني من مشكلات مزمنة في التنفس، هناك عدة أسباب لمشكلات التنفس، فعلى سبيل المثال في آخر مرة كنت أزرع فيها مع ابني أشعل الجنود الإسرائيليون قنبلة غاز مسيل للدموع بيننا نحن الاثنين فقط، لم نكن نفعل أي شيء خاطئ، كانوا يرغبون في إيقافنا فقط عن الزراعة في المنطقة”.
يضيف أبو زور أن الجنود الإسرائليين المنتشرين بطول المنطقة العازلة يطلقون في كثير من الأحيان النار على المزارعين لمنعهم من العمل، ويقول: “لست بحاجة لأن تسير بالقرب من السياج أو تهاجمهم ليستهدفوك، فزراعة شجرة قد يكون سببًا كافيًا لإطلاق النار عليك، يعاني كل مزارع في القطاع من عواقب تلك الممارسات الإسرائيلية التي تستهدفهم وتستهدف أراضيهم بانتظام، والرسالة واضحة، فهم لا يرغبون في أن تعتمد غزة على منتجاتها الخاصة لتبقى على قيد الحياة، إنهم يحكمون على سكانها بالموت البطيء”.
المصدر: ميدل إيست آي