ترجمة وتحرير نون بوست
تقترب الأزمة السورية من نهاية عامها التاسع. في هذه الفترة، أودى الصراع بحياة أكثر من 500 ألف شخص وأجبر أكثر من سبعة ملايين آخرين على الفرار من البلاد. من بين النازحين، لجأ أكثر من 3.6 مليون لاجئ إلى تركيا، التي تستضيف الآن أكبر نسبة من اللاجئين من أي بلد آخر في العالم. وتستمر أعدادهم في الارتفاع جراء الولادات والوافدين الجدد. ينضم اللاجؤون السوريون إلى ما يقارب 400 ألف من طالبي اللجوء واللاجئين من بلدان أخرى.
في وقت لا تبدو فيه الحلول الدائمة التقليدية على غرار إعادة التوطين أو العودة الطوعية والمستدامة والكريمة ناجعة، تكافح الحكومة التركية ومجموعات المجتمع المدني ووكالات الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى طرق دمج هؤلاء القادمين الجدد، على الصعيدين المحلي والوطني، في المجتمع عموما، وسوق العمل على وجه التحديد.
وفي هذا السياق، أشرت في تقرير جديد، تم نشره بالتعاون مع “شراكة الخيام من أجل اللاجئين”، إلى أن تقديم تنازلات تجارية للاتحاد الأوروبي وتحديدا في القطاع الزراعي يمكن أن يحفز تركيا على دمج اللاجئين السوريين بشكل أفضل في سوق عملها.
هناك حل جديد يتمثل في قيام الاتحاد الأوروبي بتقديم تنازلات تجارية إلى تركيا ترتبط بالتوظيف الرسمي للسوريين
الاقتراح
في الواقع، ما زال تعزيز اعتماد اللاجئين السوريين على أنفسهم في تركيا وزيادة وصولهم إلى فرص كسب الرزق يشكل تحديًا كبيرًا. على الرغم من أن الحكومة التركية سنت قانونا سنة 2016 يسهل الحصول على تصاريح العمل، إلا أن أقل من اثنين بالمئة من اللاجئين السوريين في سن العمل البالغ عددهم 2.2 مليون لاجئ ( الذين يتراوح بين 15 سنة إلى 64 سنة) يعملون رسميًا.
وحسب التقديرات، يعتمد أكثر من ثلث الاقتصاد التركي على العمالة غير الرسمية، وقد أدى دخول حوالي مليون لاجئ سوري إلى انخفاض مستويات التوظيف والأجور، وخاصة بين سكان المجتمع المضيف غير الماهرين، وهو ما أدى إلى تفاقم التوترات الاجتماعية، وتنامي العنف ويجعل التوصل إلى حل لهذه الأزمة أمرا ملحا.
علاوة على ذلك، هناك حل جديد يتمثل في قيام الاتحاد الأوروبي بتقديم تنازلات تجارية إلى تركيا ترتبط بالتوظيف الرسمي للسوريين. وهذا يتوافق مع الحجة السياسية الشعبية التي تقضي أنه بعقلية مشاركة الأعباء واستباق الحركات الثانوية، ينبغي منح البلدان التي تستضيف عددًا كبيرًا من اللاجئين وصولاً أفضل للترويج لصادراتها.
نشأت هذه الفكرة في أعقاب أزمة الهجرة الأوروبية. وقد حظيت بتأييد في العديد من المؤتمرات الرفيعة المستوى مثل مؤتمر لندن الذي عقد خلال شهر شباط/فبراير 2016 وقمة الأمم المتحدة للاجئين والمهاجرين، التي أجريت خلال شهر أيلول/سبتمبر 2016. وتم التصديق عليها في الميثاق العالمي للأمم المتحدة بشأن اللاجئين الذي وقع تبنيه خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر 2018.
لا يشمل الاتفاق الجمركي الحاليّ المبرم بين الاتحاد الأوروبي وتركيا سوى السلع الصناعية، ممّا يتيح لهذه المنتجات دخول السوق الداخلية الأوروبية بحرية ودون فرض تعريفة جمركية
في الآونة الأخيرة، تبنت لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية موقفا مشتركا بشأن دعم الاستجابات الشاملة لحالات اللاجئين”، والذي يشمل توسيع “المرافق التجارية” لفائدة اللاجئين وكذلك دعم التنمية الاقتصادية للبلد المضيف. ويهدف هذا النهج الخاص الذي يتمحور حول اعتماد اللاجئين على أنفسهم، ويركز على منح الامتيازات التجارية والنمو الاقتصادي، إلى السعي إلى النجاح برامج سبل العيش الخاصة بخطط الأمم المتحدة الإقليمية المتواصلة للاجئين وقدرتهم على التكيف التي تركز أساسًا على تحسين قابلية توظيف اللاجئين.
في الحقيقة، تجمع هذه السياسة بين التركيز على الجانب المتعلق بالعرض والسياسات التي يمكن أن تساعد في زيادة نسبة الطلب على اليد العاملة من صفوف اللاجئين بشكل رسمي.
التنفيذ
في الوقت الراهن، يعدّ الميثاق الأوروبيّ الأردنيّ الذي وقع إبرامه سنة 2016 المثال الوحيد الوظيفيّ الشاهد على اتفاق تضمّن تنازلات تجارية تؤطّر عمل اللاجئين، ناهيك عن هذه الصفقة التي أُبرمت مؤخرا والتي بمقتضاها أتاح الاتحاد الأوروبي للشركات الأردنية التي توظف اللاجئين سبلا أوسع للولوج إلى السوق الداخليّة. ومن هذا المنطلق، يتعين على الاتحاد الأوروبي وتركيا الشروع في صياغة استراتيجيه تهدف إلى تمكين تركيا من توسيع صادراتها الزراعية الموجهة نحو الاتحاد الأوروبي مقابل استقطاب اللاجئين السوريين للمساهمة في الاقتصاد الرسمي.
يبدو أنّ التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لتحسين اعتماد اللاجئين على أنفسهم من خلال منحهم إمكانية التمتع بالعمل اللائق يخدم مصلحة كلا الجانبين
في هذا الصدد، لا يشمل الاتفاق الجمركي الحاليّ المبرم بين الاتحاد الأوروبي وتركيا سوى السلع الصناعية، ممّا يتيح لهذه المنتجات دخول السوق الداخلية الأوروبية بحرية ودون فرض تعريفة جمركية. في الحقيقة، سوف يستفيد القطاع الزراعي التركي من مزيد دعم المبادلات التجارية مع الاتحاد الأوروبي وسيستتبع هذا نموا الاقتصادي ملحوظا.
في الوقت الراهن، تٌستبعد المنتجات الزراعية الطازجة من الاتحاد الجمركي وتواجه فرض نظام الحصص بالإضافة إلى رسوم وقيود تنظيمية. كما يخضع للضريبة القطاع الزراعي المتصل بالمنتجات الزراعية المصنعة. من هنا، تُقدم تنازلات للاتحاد الأوروبي مقابل التوظيف الرسمي للاجئين السوريين على نحو يفي بمعايير العمل الراجعة لمنظمة العمل الدولية والاتحاد الأوروبي. فيكون عندها من الضروري استنباط آلية لإصدار الشهادات وتنظيم القطاع على نحو يضمن الامتثال لشروط التنفيذ التي ستمليها الشروط لاحقا في اتفاق الاتحاد الأوروبي وتركيا.
سيكون حينها من الجيد مضاعفة الجهود للنهوض بالقطاع الزراعي لأن أعدادًا كبيرة من اللاجئين السوريين يعملون في هذا القطاع بالفعل، لا سيما أن الاقتصاد في المحافظات التركية القريبة من الحدود السورية يقوم أساسا على الزراعة. في الوقت الراهن، يتّسم عملهم بطابع غير رسمي وهشّ.
فمثل هذا الاتفاق من شأنه أن يساعد في استقطاب اللاجئين إلى الاقتصاد الرسمي. كما أنه سيخلق فرصًا لتوظيف الخبرات والمهارات الزراعية للاجئين الذين فروا من المناطق الريفية الشمالية من سوريا في وقت يعاني فيه القطاع الزراعي التركي من نقص العمالة ويواجه تحديات هيكلية مثل شيخوخة القوى العاملة.
إن مثل هذا الاتفاق سيشكل أيضًا مظهراً ملموسًا لتقاسم الأعباء الذي دعا إليه الميثاق العالمي بشأن اللاجئين بخصوص البلدان التي تستضيف عددًا كبيرًا من اللاجئين وسيمثل بذلك مثالا يحتذى به
وضع مربح لجميع الأطراف
في نهاية المطاف، يبدو أنّ التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لتحسين اعتماد اللاجئين على أنفسهم من خلال منحهم إمكانية التمتع بالعمل اللائق يخدم مصلحة كلا الجانبين، حيث يمثل هذا الأمر بالنسبة للقطاع الزراعي التركي فرصة فريدة لإحداث التغيير على المدى القريب، ومن الجلي أنه قطاع ضعيف المردود، ويواجه مشاكل هيكلية داخلية وحواجز تجارية خارجية.
أما بالنسبة لتركيا، فإن تنفيذ مثل هذه الخطة من شأنه أن يدعم اللاجئين، ليصبحوا عناصر فاعلة في المجتمع التركي، ويتخلصوا من مشاعر الاستياء التي تتفشى لدى عامتهم، بالإضافة إلى التقليل من احتمال حدوث الجريمة، ناهيك عن دعم النمو الاقتصادي. من جهة أخرى، وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، ستقلل هذه الخطة من احتمال حدوث حركات ارتداد للاجئين والتقليل من الحاجة الماسة إلى جمع الأموال للمساعدة الإنسانية لأن اللاجئين سيكتسبون استقلالية مادية مستقبلا.
يخدم هذا النهج “المربح للجانبين” كلا الطرفين أي الاتحاد الأوروبي وتركيا على حد سواء. والاهم من هذا أنه سيعود بالنفع على اللاجئين. يمكن أن يشكل من ثمة الأساس لتوسيع التعاون الوظيفي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا الذي نشأ منذ أزمة الهجرة الأوروبية واعتماد مرفق اللاجئين في تركيا في وقت اتسمت فيه العلاقة السياسية بالمشاحنات. إن مثل هذا الاتفاق سيشكل أيضًا مظهراً ملموسًا لتقاسم الأعباء الذي دعا إليه الميثاق العالمي بشأن اللاجئين بخصوص البلدان التي تستضيف عددًا كبيرًا من اللاجئين وسيمثل بذلك مثالا يحتذى به.
المصدر: ناشيونال إنترست