في نص خبري قصير لا يتجاوز 500 كلمة، أشعلت صحيفة “فوربس” الأمريكية النار في الخليج النفطي، عندما قالت إن قطر تخطط لتدشين قوة بحرية إستراتيجية تضاهي البحريات الكبرى العاملة في منطقة الخليج العربي، وذلك بعد اقترابها من الحصول على قطع بحرية متطورة عبر عدد من الشركاء الدوليين، على رأسهم إيطاليا، خلال الفترة المقبلة.
وبحسب المقال الذي أوردته الصحيفة يوم الثلاثاء الماضي وتداولته مواقع التواصل الاجتماعي العربية بكثافة، فإن الصفقة التي ستحصل عليها البحرية القطرية تتكون من سبع قطع متنوعة، هي أربع سفن سطح قتالية، واثنان من الزوارق الدورية، وحاملة مروحيات صغيرة، إضافةً إلى عدد غير معروف من الغواصات وقاعدة بحرية جديدة، بقيمةٍ إجمالية تصل إلى 5 مليارات يورو، في تتويج للجهود التفاوضية التي بدأتها شركة “بارزان” الدفاعية القطرية مع نظيرتها “فينكانتيري” الإيطالية منذ عام 2016.
ما الجديد؟
طالعنا الأخبار الواردة عن الصفقة القطرية الإيطالية التي أشارت إليها الصحيفة عام 2017، فوجدنا أنها اقتصرت على سبع قطع سطح بحرية متقدمة، دون أي إشارة إلى الغواصات أو القاعدة البحرية الجديدة، وهو ما يؤكد ترجيح الصحيفة بشأن إضافة هذا الشق الأخير في الصفقة الجديدة.
سفن السطح القتالية الأربعة المضمنة في الصفقة القديمة، تنتمي إلى فئة “كورفيت/ قرويطة”، حيث يصل طولها إلى 105 أمتار، وإزاحة 3 آلاف طن، وطاقم بحري كبير مكون من 110 أفراد، وسوف تزود “فينكانتيري” هذه السفن بحزمة تكنولوجية فائقة التطور، بشكل مباشر أو عبر عقود توريد من الباطن، على غرار رادار المسح الراداري النشط (Aesa Kronos) الذي يبلغ مداه 250 كيلومترًا، ونظام (Athenue) لإدارة القتال، وسونار (Thesa) المخصص للتحذير من الغواصات والألغام، ومنظومة الحرب الإلكترونية (Virgilus) لرصد الإشارات اللاسلكية المعادية واعتراضها، بالإضافة إلى منظومة (Black Snake) لكشف الطوربيدات المعادية وخداعها.
أما التسليح، فتقدمه شركة “MBDA” الفرنسية ذائعة الصِيت بقيمة إجمالية تناهز مليار يورو، حيث يفترض أن تزود الشركة هذه السفن بثماني قواذف من عائلة (أكسوسيت بلوك |||) المضادة للسفن، التي يصل مداها إلى 200 كيلومتر، كما ينتظر أن تشغل الشركة القطع بمنظومة (أستر “15/30”) للحماية الجوية متوسطة وبعيدة المدى (120 كيلومترًا) بعدد 16 أنبوبًا، مع منظومة (Rim – 116) قصيرة المدى، بالإضافة إلى التسليح المدفعي التقليدي من عيار 76 مم و30 مم، وتجهيز السفن بمهبط للمروحية NH90.
تصل إزاحة سفينتي الدورية القطريتين المنتظر توريدهما – مع باقي الصفقة – في موعد أقصاه عام 2024 إلى 700 طن، ويبلغ طولهما نحو 60 مترًا، مع طاقم بحري يقدر بـ30 فردًا، وسوف تُسلح السفينتان، بطبيعة الحال، بعدد أقل من الصواريخ، مقارنةً بالقرويطات الأربعة، حيث تقتصر صواريخ (الأكسوسيت) المضادة للسفن على أربع قواذف مقابل ثماني في القرويطات، مع منظومة دفاع جوي عامة تعمل في النطاق قصير المدى من طراز (Mica- VLM) بعدد ست خلايا إطلاق تصل بمدى 20 كيلومترًا وارتفاع 12 كيلومترًا.
ومن المقرر أيضًا أن تبنى حاملة المروحيات القطرية الجديدة، أو سفينة الإنزال البرمائية كما تصفها بعض التقارير، على نموذج شقيقتها الجزائرية المعروفة بـ”قلعة بني عباس”، وتشير المواصفات النظرية إلى أن طول هذه السفينة لن يقل عن 140 مترًا، وعرض نحو 20 مترًا، وإزاحة هائلة تصل إلى 9 آلاف طن، وقدرة على حمل 450 جنديًا بكامل مُعداتهم، إضافة إلى طاقم تشغيل يصل إلى 150 فردًا، مع إمكانية إنزال 30 مدرعة (15 دبابة)، وتشغيل 5 مروحيات ثقيلة، والاستعانة بمستشفى مجهزة بـ60 سرير للطوارئ.
الغواصات
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن محدداتٍ فنية على غرار ضحالة مياة الخليج العربي، وأخرى لوجيستية تتعلق بالقدرات التشغيلية للبحرية القطرية الناشئة، قصرت صفقة الغواصات المحتملة على طرازين محددين، تعد “فينكانتيري” الإيطالية شريكًا أساسيًا في مشروعي إنتاجهما.
الخيار الأول هو اقتناء الغواصة (U212 Todar)، وهي نتاج شراكة إيطالية – ألمانية مزدوجة بدأت عام 2004، وتعتبر هذه الغواصة واحدة من أخطر القطع البحرية في فئتها على الإطلاق، حيث تجنبت الشركة إدخال المواد المغناطيسية في صناعة الهيكل مما أكسبها مزيدًا من الإمكانات الشبحية، وزوَدتها بعدة تسليحية متنوعة من الطوربيدات المضادة للغواصات عيار 533 مم (DM2A4) والصواريخ المضادة للسفن (IDAS)، بعدد 13 طوربيدًا وصاروخ موجهًا بالألياف والسونار، تصل مدياتها إلى 50 كيلومترًا.
وعلاوة على محركي الديزل والكهرباء المُصنَعَيْن بواسطة “سيمنز” الألمانية، فقد أضيف إلى هذا الطراز منظومة (AIP) التي تحوي تسع خلايا وقود (FCPP) إضافية، توفر كل خلية من هذه الخلايا طاقة بمقدار 34 كيلووات، لتجنب تشغيل المحركات الأساسية في المهمات السرية، وتستطيع الغواصة التي يشغلها طاقم محدود يُقدر بـ27 شخصًا، ويبلغ طولها 65 مترًا، وتصل إزاحتها تحت الماء إلى 1830 طنًا، البقاءَ في أعماق سحيقة (250 مترًا) مددًا طويلة تصل إلى أربعة أسابيع، قاطعةً مسافة 8 آلاف كيلومتر بسرعة 8 عقدة.
الغواصة الثانية المرشحة للانضمام إلى البحرية القطرية بحسب “فوربس”، هي الغواصة الروسية – الإيطالية (S- 1000) التي صممها مكتب “روبن” بالتعاون مع “فينكانتيري”. عندما بحثنا عن هذه الغواصة، وجدنا أنها تكاد تتطابق تمامًا مع المشروع الأول، حيث ظهرت إلى النور للمرة الأولى في جناح الشركة الإيطالية بمعرض “يورونافال” خلال وقت قريب بعد ظهور مشروع “التوبرادو” (عام 2006)، وصنعت خصيصًا لصالح زبائن من دول العالم الثالث، بعد أن رفضتها الهند، مع المشروع الأول، عندما وضعتا في منافسة مع الغواصة “سكوربيون” الفرنسية.
وبينما يتشابه هذا الطراز مع مشروع (U212) في معظم التفاصيل الفنية تقريبًا، فإنه يتفوق عليه في بعض الجوانب البسيطة مثل القدرة على حمل 17 صاروخًا (كلوب إس) وطوربيد (سناك شارك) بدلًا من 16 فقط في (توبرادو)، إلى جانب طاقم أقل (16 فردًا)، ولكن هذا المشروع المشترك توقف مؤقتًا بعد الأزمة الأوروبية الروسية، عقب احتلال موسكو القرم عام 2017.
جازفت القيادة القطرية وفقًا للصحيفة، بدفع المبالغ الإضافية الباهظة في هذه الصفقة، مقابل تأمين موارد الدولة الهائلة من الطاقة التي تقدر بثلث الاحتياطي العالمي من النفط والغاز، خاصة بعد إفصاح جارتيها اللدودتين، السعودية والإمارات، عن نوايا جدية مبكرة لاقتناء غواصات هجومية مستوردة من الخارج، كما ستعوض البحرية القطرية الفجوة التكنولوجية الكامنة بين القدرات التشغيلية الحاليّة والصفقات المستقبلية المتطورة من خلال الحصول على دعم فني لمدة 15 عامًا.
نواة تحالف جديد
وفي سياقٍ متصل، يبدو أن قطر تحاول أيضًا، في نفس التوقيت، إحياء تحالفات عسكرية قديمة، حيث أنهى سلاح الجو الأميري في قطر لتوه تدريبًا جويًا مع نظيره الباكستاني، في العاصمة الدوحة، بمشاركة مقاتلات “ميراج – 2000” القطرية، وسط تكهنات باحتمالية توجه الدوحة إلى منح هذا النوع من مقاتلات الصف الثاني إلى إسلام آباد، بعد أن طعم سلاح الجو الأميري صفوفه بمقاتلات “رافال” الفرنسية الأكثر تقدمًا.
وبحسب المقدم ركن علي حسين الأحبابي، قائد التدريب الجوي (الجانب القطري)، فإن تمرين “زلزال” الجوي الذي أجريت فعاليات نسخته الأولى في قطر لن يكون الأخير، وإنما دشنته البلدان كي يكون “نواةً لمزيد من التمارين المستقبلية وبحث أوجه التعاون العسكري الممكنة ورفع الكفاءة القتالية وتبادل الخبرات بين الجانبين”.
وقد جاء هذا التدريبُ الجوي بعد أقل من شهر واحدٍ فقط على استضافة ميناء “حمد” القطري أربع وحدات بحرية باكستانية، ضمن نشاطٍ تدريبي يطلق عليه “العبور المشترك” (باسيكس)، الذي تضمن إجراءات تبادل المعدات العسكرية والأطقم البحرية وتفقد الوحدات المشاركة في التدريب.
وكما يؤكد مراقبون أمنيون، فإن قطر التي انتدبت قوات باكستانية إلى أراضيها عام 1985، ووقعت اتفاقات تعاون دفاعي مع باكستان عام 2010، وتجمعها بإسلام آباد أنشطةٌ بحثية وأكاديمية في هذا المجال حاليًّا، تحاول استغلال هذا التاريخ المتميز في جعل باكستان، بكل ما تمتلكه من ثقل بشري وجغرافي وإسلامي، جزءًا من تحالفاتها الإستراتيجية، وبالأخص تلك التي تشترك مع تركيا، فيما تكشف كثير من المؤشرات عن ترحيب حذر من باكستان، حليف المملكة العربية السعودية الأثير.
ربما تكون السعودية في حاجة إلى النسخة الإسرائيلية من هذا السلاح، لتقليل الاعتماد على الجانب الأمريكي
صفقة سعودية إسرائيلية
وفي تقرير لا يقل خطورةً عن التقرير الأمريكي، أفادت صحيفة “إسرائيل ديفينس” العبرية المتخصصة في شؤون الأمن والدفاع، يوم الإثنين الماضي، أن المملكة العربية السعودية تنوي توسيع نطاق تعاونها المتنامي مع “إسرائيل” ليشمل المجالات العسكرية المتقدمة، بعد أن قطعت شوطًا لا بأس به في التطبيع الثقافي والسياسي، حيث تقدمت الرياض بطلبٍ رسمي إلى شركة “رفائيل” المتخصصة في المنتجات للدفاعية، للحصول على منظومة “سبايك” المضادة للدروع.
من جانبها، قالت الشركة الإسرائيلية إنها لا تمانع في تلبية طلب الزبون الجديد، خاصة أن التوريد سوف يتم، في حال نجاح الصفقة، عبر وسيطٍ أوروبي، وهو شركة “يورو سبايك”، ولكنها تعتقد أن المخاوف الأمنية الدائمة لدى الحكومة الإسرائيلية من وقوع هذه الأسلحة المتقدمة في يد حكومة معادية للاحتلال، ومن ثم احتمال استخدامه ضد الجيش “الإسرائيلي” مستقبلًا، جنبًا إلى جنب مع الضغوط “الاقتصادية” المتوقعة من الُمصدر الأمريكي لهذه الفئة إلى السعودية، قد تكون أسبابًا كافية لمنع إتمام الصفقة.
وربما تكون السعودية في حاجة إلى النسخة الإسرائيلية من هذا السلاح، لتقليل الاعتماد على الجانب الأمريكي، ممثلًا في شركة “رايثيون”، التي طالما صدرت منظومات “تاو” المضادة للدروع إلى الرياض خلال الأعوام الماضية؛ وذلك في ظل التغييرات الجديدة في العقيدة السياسية للسعودية، ورغبة واشنطن في الانسحاب من الخليج، كما تشير الصحيفة.
إلى أي مدى قد تؤثر صفقات السلاح الباهظة والاستجلابات الخارجية المتزايدة على مستقبل الخليج وأمنه؟
السعودية واليونان
في الوقت نفسه، وقبل البت في مستقبل الصفقة السعودية الإسرائيلية، تبلور أمامنا بشكل واضحٍ تحالف سعودي يوناني جديد، تمظهر في إعلان المتحدث الرسمي باسم الحكومة اليونانية، يوم الإثنين، اقتراب بلاده من إرسال عشرات الجنود إلى السعودية، رفقة بطاريات “باتريوت” المضادة للصواريخ بعيدة المدى، تحت مظلة تعاون رباعية، تضم كل من الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا واليونان، بغرض تأمين بعض الأهداف النفطية المهمة في السعودية.
ورغم ارتباط هذه الخطوة مباشرةً بتداعيات استهداف منشآت شركة “أرامكو” السعودية بواسطة جهاتٍ تابعةٍ لإيران، مايو/ آيار الماضي، وهو ما أكده المتحدث باسم الحكومة اليونانية عندما أشار إلى أن المحادثات السابقة لهذا القرار، بدأت في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، فإن كثيرًا من المحللين يعتبرون التقارب بين أثينا والرياض جزءًا من توجه إستراتيجي شاملٍ إلى شرق أوروبا، وخاصة شرق المتوسِط.
وقد بدأت إرهاصات “التموضع السعودي الجديد” في هذه المنطقة، كما وصفه محمد حسن، باحث سياسي مقرب من الدوائر الأمنية المصرية، منذ عام 2017 تحديدًا، ليُسفرَ عن تحركات عملية لاحقًا على غرار تعيين الرياض سفيرًا رسميًا لها في نيقوسيا أغسطس/آب الماضي.
ولكن هذا التموضع بات أكثر وضوحًا ونشاطًا، بحسب حسن، عقب توقيع تركيا اتفاق ترسيم الحدود والدعم العسكري مع حكومة السراج الليبية نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حيث تستهدف تحالفات السعودية الجديدة عددًا من الأهداف المتقاطعة، التي يأتي على رأسها حصار تركيا وعرقلة مشاريعها الخارجية.. فإلى أي مدى قد تؤثر صفقات السلاح الباهظة والاستجلابات الخارجية المتزايدة على مستقبل الخليج وأمنه؟